• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

الأداء(أداء التكليف بمعنى الامتثال)

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



لتصفح عناوين مشابهة، انظر الأداء(توضيح) .
الأداء هو الإتيان بالمطلوب، فالطلب يقع في رتبة سابقة على الأداء، وقد اصطلح الاصوليّون على مرحلة تعلّق الطلب بالفعل بعالم الجعل والتشريع، بينما اصطلحوا على مرحلة الأداء بعالم الامتثال .




الأداء- كما تقدّم في بيان معناه-: هو الإتيان بالمطلوب، فالطلب يقع في رتبة سابقة على الأداء، وقد اصطلح الاصوليّون على مرحلة تعلّق الطلب بالفعل بعالم الجعل والتشريع، بينما اصطلحوا على مرحلة الأداء بعالم الامتثال . وذكروا في مقام بيان العلاقة بين العالمين أنّ الأوامر والنواهي إنّما تتعلّق بفعل المكلّف القابل للحصول والتحقّق في الخارج.
فالأداء يكون بحسب الدقّة إتياناً بالفعل أو الترك الخارجيّين، فيكون بحكم العقل امتثالًا لأمر المولى أو نهيه وقضاءً لحقّ طاعة المولى، وهو واجب وحسن عقلًا، ومقابله المعصية وهو ممنوع وقبيح يستحق عليه فاعله العقاب عقلًا.



اتّفق الفقهاء والاصوليّون على لزوم الإتيان بما يتوقّف أداء الواجب عليه، لكنّهم اختلفوا في لزومه هل هو بالوجوب الشرعي أم العقلي ؟ وبحثوا ذلك مفصّلًا في الاصول تحت عنوان (مقدّمة الواجب).
والمشهور بين الاصوليّين أنّ مقدّمة الواجب واجبة بالوجوب الشرعي الغيري.
[۸] هداية المسترشدين، ج۲، ص۸۴، وما بعدها.
وهناك من فصّل بين المقدمة الموصلة أي المنتهية إلى فعل الواجب (ذي المقدمة) فتجب، وبين المقدمة غير الموصلة أي التي لم يتحقّق بعدها الواجب‏ فلا تكون واجبة. وبعضهم قيّد وجوب المقدمة بقصد التوصل فحصلت اتّجاهات وأقوال أربعة: عدم وجوب المقدمة، ووجوبها مطلقاً، والتفصيل بين المقدمة الموصلة وغيرها، والتفصيل بين ما قصد به التوصّل وما لم يقصد.ويترتّب على القول بالوجوب الشرعي وعدمه بعض الآثار والثمرات الفقهية، وتفصيل البحث محلّه علم الاصول.



اختلف الفقهاء في أنّ الأمر والنهي- مادّة أو صيغة- يدلّان على لزوم الفوريّة في الأداء أو يجوز التراخي فيه أو لا يدلّان على شي‏ء منهما؟
فصريح كلام بعض فقهائنا دلالتهما على الفور ، وصريح المشهور عدم الدلالة على أيّ منهما. وأمّا دلالتهما على التراخي بمعنى الدلالة على تجويز التراخي في الأداء فضلًا عن لزومه فلعلّه لا قائل به.
نعم، نتيجة القول بعدم دلالة الأمر والنهي لا على الفور ولا التراخي أنّه في النهي حيث يطلب ترك الفعل المنهيّ عنه وترك الطبيعي لا يكون إلّا بتركه في تمام زمان المنهيّ فلا محالة يلزم الترك بمجرد فعليّة النهي فوراً، وفي الأمر حيث انّه يطلب إيجاد الطبيعة المأمور بها في زمان الأمر فإذا كان زمان الأمر أوسع من زمان الفعل المأمور به كان مقتضى إطلاق الأمر بالفعل المقيّد بذلك الزمان جواز الإتيان به في أيّ قطعة منه، وأمّا إذا كان الزمان غير موسّع كالصوم في النهار لزم الإتيان به منذ البداية.
واستدلّ للقول بدلالة الأمر أو النهي على الفور أو التراخي بأدلّة عديدة نوقش في دلالتها.
[۱۷] جميع المصادر المتقدّمة.
كما استدلّ لعدم الدلالة بأنّ الأمر والنهي- صيغة أو مادّة- موضوعان لإفادة طلب الفعل أو الزجر عنه،
[۱۸] المصادر المتقدّمة.
والفور والتراخي في الأداء صفتان اخريان غيرهما، فهما بحاجة إلى ما يدلّ عليهما، وليس هو الأمر والنهي؛ لكونهما مختصّين بمعنى الطلب والزجر، ولا مستفادان من المادة المتعلّق بها الأمر أو النهي لأنّها لا تدلّ إلّا على طبيعي الفعل.
ومن هنا استدلّ بعض الفقهاء لدلالتهما على الفور ببعض الدوالّ الخارجة، كآيتي المسارعة إلى المغفرة واستباق الخيرات،
[۲۱] المصادر المتقدّمة.
واقتضاء الحقيقة الشرعية ذلك،
[۲۲] هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
[۲۳] تعليقة على المعالم (القزويني)، ج۳، ص۲۱۵وما بعدها.
وانصراف الأوامر والزواجر العرفية إلى ذلك،
[۲۴] الوافية، ج۱، ص۷۷.     وما بعدها.
واقتضاء المعلول عدم التأخّر عن علّته، وغير ذلك.وجميع هذه الأدلّة مردودة مناقش فيها من قبل المشهور.
[۲۸] جميع المصادر المتقدمة.

نعم، امتثال النهي حيث لا يتحقّق إلّا بإعدام جميع أفراد الفعل المنهيّ عنه في طول زمان التكليف به، فيلزم الامتناع منه من حين فعليّة التكليف.
[۲۹] هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
[۳۰] تعليقة على المعالم (القزويني)، ج۳، ص۲۱۵وما بعدها.

وإذ لم يثبت دليل عامّ يقتضي الفور أو التراخي في أداء الأوامر، فمقتضى وروده مطلقاً مع كون زمان الفعل أقلّ من زمان الأمر جواز الأمرين من المبادرة إلى الامتثال أو التأخير.
[۳۲] نهاية الدراية، ج۱، ص۲۵۶.
وهذا يساوق جواز التراخي في مثل هذه الأوامر كما أشرنا آنفاً.نعم، لا يجوز تأخير الأداء إلى الحدّ الذي يُعدّ صاحبه متهاوناً في الدين ، فإنّ ذلك ممنوع منه عند الكلّ،
[۳۴] هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
وهو حرام آخر ثابت بدليله.
وقد وقع البحث بين الفقهاء في مسائل اخرى متفرّعة على القول بالفور أو التراخي أو عدمهما، منها: صفة التكليف في الأزمنة اللاحقة بعد عصيانه في الزمان الأوّل من حيث الفور والتراخي بناءً على القول بالفور، وعلاقة الفور والتراخي‏ بالواجبات الموقّتة المضيّقة والموسّعة، وغير ذلك ممّا محلّ بحثه علم الاصول.
[۳۵] هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.




كما وقع البحث بين الفقهاء في دلالة الأوامر على الفور أو التراخي وقع البحث بينهم في دلالتها على المرّة أو التكرار ، فربما قيل بالمرّة بمعنى أنّ الأمر يدلّ على طلب الإتيان بالفعل مرّة واحدة، وربما قيل بالتكرار بمعنى أنّه يدلّ على طلب الإتيان به مكرّراً ما دام في الوقت سعة لفعله، فلو أتى بالمطلوب مرّة واحدة بأن حجّ عاماً واحداً فقط ولم يحجّ في الأعوام التي تلته رغم تمكّنه من ذلك لم يكن ممتثلًا للأمر بالحجّ، كما ربما قيل بعدم دلالته وضعاً على شي‏ء منهما، فهو لا يدلّ على أكثر من طلب العالي الفعل من الداني.
هذا بحسب الوضع اللفظي للأمر مادّة وهيئة. وأمّا بحسب الإطلاق الثابت لهما فهو يقتضي الاكتفاء بالإتيان بالفعل مرّة واحدة بالنسبة إلى المتعلّق والتكرار بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراد الموضوع.والمشهور من هذه الأقوال القول الأخير.
[۳۷] هداية المسترشدين، ج۲، ص۱۰.
[۳۸] هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۰.
والتفصيل في ذلك محلّه علم الاصول.



قد يحصل أداء التكليف ممّن لم يكلّف به، وهذا على قسمين:

۵.۱ - الأول


أن يتسبّب أداء غير المكلّف في ارتفاع موضوع التكليف بنحو لا يبقى لأحدٍ مجال لامتثال التكليف ثانية، ومثاله: أداء الدين وأداء الأمانة ونحوهما؛ فإنّ فعلهما من قبل غير المكلّف بهما يسقط التكليف بهما نتيجة ارتفاع موضوعه، فلا دين أو أمانة بعد أداء الغير ليثبت وجوب أدائهما.
[۴۰] هداية المسترشدين، ج۲، ص۳۷۲.


۵.۲ - الثاني


أن لا يتسبّب أداء الغير في ارتفاع موضوع التكليف، فيمكن لغيره أداء التكليف ثانية.وهذا القسم قد يرد في تكليف خاصّ دليلٌ على سقوطه بأداء الغير له استنابة أو تسبيباً أو على وجه التبرّع ، أو عدم سقوطه، فيتّبع، وقد لا يرد كذلك، فتتّبع فيه القواعد الاصوليّة العامّة الثابتة في الموضوع.
وقد بحث الفقهاء هذه القواعد في علم الاصول بمناسبة البحث عن الواجب التعبّدي والتوصّلي ، حيث ذكروا لمصطلح التعبّدي والتوصّلي معاني عديدة، منها: أنّ الواجب التعبّدي هو ما لا يسقط بفعل غير المكلّف له، والتوصّلي بخلافه، وهو ما يسقط بفعل غير المكلّف له.
وقد تقرّر عند المشهور منهم أنّ الأصل اللفظي عند الشكّ في التعبّدية أو التوصّلية بهذا المعنى يقتضي التعبّدية، فلا يجزي أداء الغير عن التكليف الثابت بحقّ المكلّف به، سواء حصل ذلك باستنابة أو تسبيب من المكلّف به أو تبرّعاً من الغير.وأمّا الأصل العملي عند الشكّ في ذلك فالمشهور أنّه يقتضي الاشتغال ؛ لكونه يرجع إلى الشكّ فيما يتأدّى به الواجب المعلوم الثبوت.
ودليلهم في الأصل اللفظي ظهور الإضافة والإسناد إلى المكلّف في اختصاصه بالتكليف وعدم صدق استناد الفعل إليه مع صدوره من غيره، أو ظهور إطلاق هيئة الأمر التي منها ينتزع الحكم بالوجوب في تعيّنه عليه بعد امتناع رجوع الشكّ في هذا الموضوع إلى الشكّ في إطلاق عنوان الواجب.
وأمّا دليلهم في الأصل العملي فهو رجوع الشكّ هنا إلى الشكّ في سقوط التكليف بفعل الغير، والأصل يقتضي الاشتغال واستصحاب بقاءه وعدم سقوطه.
لكنّ الشهيد الصدر رضى الله عنه ناقش في الدليلين المبرزين على الأصل اللفظي، وانتهى إلى التفصيل في نسبة الإسناد إلى المكلّف بين ما ظاهره محض صدور الفعل عن المكلّف فالأصل فيه التوصّلية، فيصحّ ما أدّاه الغير عنه بتسبيبه أو استنابته، دون‏ ما ليس للمكلّف دورٌ وتأثير فيه، فلا يصحّ أصلًا، وما ظاهره حلول الفعل به مضافاً إلى صدوره عنه فالأصل فيه التعبّدية، فلا يجزي ما يؤدّيه الغير عن المكلّف وإن كان باستنابة المكلّف نفسه أو تسبيبه؛ وذلك لتخلّف صفة الحلول عن الفعل الصادر. كما ناقش في الأصل العملي، ففرّق بين ما إذا كان الشكّ راجعاً إلى الشكّ في اعتبار المباشرة في الواجب فتجري عنه البراءة ، وبين ما إذا كان راجعاً إلى الشكّ في التكليف عند فعل الغير له، ففيه تفصيل بين ما إذا كان منشأ الشكّ احتمال اشتراط ثبوت الوجوب بحقّ المكلّف به ابتداءً بعدم فعل الغير فيه بنحو أنّه لو فعله كشف ذلك عن عدم كونه مكلّفاً به منذ البداية، فالأصل الجاري في هذا المورد البراءة؛ لأنّه شكّ في التكليف الزائد، وبين ما إذا كان منشأ الشكّ كونه رافعاً للوجوب بقاءً، فالأصل الجاري فيه الاستصحاب دون قاعدة الاشتغال؛ لأنّه شكّ في بقاء التكليف لا شكّ في المحصّل له.



تثبت للأداء آثار عديدة نذكرها فيما يلي:

۶.۱ - الإجزاء وسقوط الأمر (الأداء والقضاء)


لا ريب في سقوط التكليف- واجباً كان أو مستحبّاً - بأدائه وامتثاله على الوجه الكامل.
نعم، على القول باقتضاء الأمر للتكرار يجب تكرار العمل في مقام الأداء، إلّا أنّه ليس من باب عدم سقوط الأمر بالأداء، بل من جهة تعلّق الأمر بالمكرَّر، فلا يكون أداؤه إلّا مكرّراً أيضاً حتى يسقط.وإنّما وقع البحث بين الاصوليّين في إجزاء الأحكام الاضطراريّة عن الأحكام الاختياريّة وكذلك إجزاء الأحكام الظاهريّة عن الأحكام الواقعيّة بعد ارتفاع الاضطرار وانكشاف الواقع أو تبيّن الخطأ في الثاني، أي وقع البحث في إجزاء الأداء الناقص للاضطرار- كالصلاة من جلوس‏ مثلًا- عن الواجب الاختياري عند ارتفاع الاضطرار بحيث يجب عليه الإعادة في الوقت أو القضاء خارج الوقت أم لا.
كما وقع البحث في إجزاء الأداء المبني على حكم ظاهري حين الامتثال كالصلاة مع الطهور الثابت بالاستصحاب عن الصلاة مع الطهور الواقعي عن انكشاف الخلاف وأنّ الصلاة كانت بلا طهور بحيث يجب عليه الإعادة أو القضاء أم لا.والمشهور بين الاصوليّين إجزاء الأحكام الاضطراريّة عن الأحكام الاختيارية، خصوصاً مع وقوعها في آخر أوقاتها، إلّا أن يدلّ دليل خاصّ على العكس من ذلك.
[۵۵] هداية المسترشدين، ج۲، ص۷۰۵.
وهناك من فصّل بين الأداء والقضاء.
وأمّا الأحكام الظاهريّة فمشهور الاصوليّين فيها عدم الإجزاء . وهناك من فصّل بين بعض الأحكام الظاهرية وبعضها الآخر.

۶.۲ - براءة الذمة وقبح العقاب


من آثار الأداء للتكاليف الشرعية براءة الذمّة وارتفاع مسئولية المكلف أمام مولاه وحصول التأمين عن العقوبة لتحقّق الامتثال وعدم المخالفة فيحكم العقل بقبح العقوبة وعدم استحقاقها ، إلّا أنّ عدم استحقاق العقوبة بنظر العقل لا ينحصر موضوعه بالأداء بل أعمّ من ذلك فقد يحكم العقل بقبح العقاب في موارد لا يكون فيه الأداء محرزاً.

۶.۳ - ترتّب الثواب


إذا كان التكليف عباديّاً فأدّاه المكلّف على وجهه ترتّب على أدائه الثواب ، بل وكذا إن كان توصّلياً فأدّاه المكلّف بنيّة القربة أو الطاعة لأمر اللَّه سبحانه، فإنّ الثواب يترتّب عليه أيضاً. وتفصيل البحث في ذلك يأتي في (نيّة، قربة).

۶.۴ - سقوط تكليف آخر


وقد يترتب على أداء تكليفٍ ارتفاع أو سقوط تكليف آخر كما في موارد التزاحم‌ بين واجبين كوجوب الحج ووجوب الوفاء بنذر زيارة الحسين يوم عرفة فإنّ الاتيان بالواجب الأهم أو المساوي يوجب امتثاله وارتفاع الوجوب الآخر لأنّه مشروط بعدم امتثال الواجب الأهم أو المساوي المزاحم معه.



المعروف بين فقهائنا استحالة تبديل الأداء والامتثال بأداء وامتثال آخر مثله، واستدلّوا على ذلك بسقوط الأمر بالفعل بعد حصول غرض الشارع بالأداء الأوّل.
وجوّزه الآخوند الخراساني معلّقاً على كون الأداء مقتضياً لتحقّق غرض الشارع لا علّة له، والفرق بينهما أنّ المقتضي لشي‏ء يتوقّف في تحقّقه على امور اخرى غيره، بخلاف العلّة فإنّها لا تتوقّف على شي‏ء آخر، فكذلك غرض الشارع قد يتوقّف على امور لا ترتبط بفعل المكلّف قد يكون أحدها تخيّر الشارع نفسه أحد أداءات المكلّف.
وناقش السيّد الشهيد الصدر في ذلك بأنّ سقوط الأمر لا يرتبط بحصول غرض الشارع، بل يرتبط بإمكانيّته على تحريك المكلّف ودفعه نحو الفعل، وهي منتفية بعد الأداء الأوّل. لكن ورود بعض الروايات الدالّة على استحباب إعادة صلاة الفريضة جماعةً لمن صلّاها فرادى، واتّفاق الفقهاء على الإفتاء بموجبها ربّما استفيد منه جواز تبديل الامتثال والأداء بامتثال وأداء آخر غيرهما.
فعن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة، قال: «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء».
ونحوها رواية حفص بن البختري .
وعن أبي بصير ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: اصلّي ثمّ أدخل المسجد ، فتقام الصلاة وقد صلّيت، فقال: «صلّ معهم، يختار اللَّه أحبّهما إليه».
وعن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الفريضة، ثمّ يجد قوماً يصلّون جماعة، أ يجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: «نعم، وهو أفضل»، قلت:فإن لم يفعل؟ قال: «ليس به بأس». إلّا أنّ السيّد الشهيد الصدر ناقش في دلالة الروايات الثلاث المتقدّمة على ذلك بأنّ هذا قد يكون من باب هدم الامتثال والأداء لا تبديلهما بغيرهما، وذلك بأن يقال: إنّ الواجب كان مشروطاً من أوّل الأمر بشرط متأخّر، هو عدم الإتيان بعده بفرد آخر أفضل منه بنيّة جعله هو الفريضة، فمع كون الأداء الثاني هو الصلاة جماعة وهو أفضل من الأداء الأوّل ينتفي شرط اعتبار الأداء الأوّل وينهدم، مضافاً إلى المناقشة السنديّة في الرواية الثالثة.وأمّا الرواية الرابعة فقد نفى دلالتها على أكثر من استحباب إعادة الصلاة مع الجماعة، وهو أمر استحبابي جديد. ومن ذلك يتّضح الاتّفاق على عدم إمكان تبديل الامتثال بامتثال آخر إلّا بضرب من المسامحة في التعبير.



قسّم الاصوليّون الواجب إلى موقّت وغيره، والموقّت إلى موسّع- وهو ما يتّسع وقته لأكثر من فرد واحد من أفراد المأمور به- ومضيّق، وهو ما لا يتّسع كذلك.
وإذ فرض أنّ الأوامر والنواهي الشرعيّة هي عند المشهور إنّما تتعلّق بالطبائع، وأنّ الأمر لا يدلّ- عندهم- على الفور، كما لا يدلّ على التراخي، ولا على التكرار أو المرّة فإنّ تكليف المكلّف بغير المضيّق لازمه تخييره عقلًا في تطبيق الطبيعة المكلّف بها على أيّ مقطع من المقاطع الزمانيّة التي تتّسع لإيقاع الطبيعة ضمن ظرفها، وتطبيقها على الأفراد المفترضة الواقعة في طول الزمان، كما أنّ كلّ واجب- مضيّقاً كان أو موسّعاً- يكون المكلّف مخيّراً عقلًا في تطبيقه على أيّ فرد من أفراده الممكنة في الزمان الواحد خارجاً.
ويصطلح الاصوليّون على هذا التخيير بالتخيير العقلي، في مقابل التخيير الشرعي ‏ الذي يخيّر فيه الشارع نفسه المكلّف بين عدّة أفعال، كما في كفّارة الإفطار في شهر رمضان المخيّرة بين عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين.
[۶۸] دروس في علم الاصول، ج۳، ص۲۱۶.




ذكر الاصوليّون للامتثال والأداء مراتب أربع، هي: مرتبة الامتثال العلمي التفصيلي ، ومرتبة الامتثال العلمي الإجمالي ، ومرتبة الامتثال الظني ، ومرتبة الامتثال الاحتمالي .
ومرادهم من مرتبة الامتثال العلمي التفصيلي هو أن يأتي المكلّف بما يعلم تفصيلًا أنّه هو المكلّف به، أي يحرز الامتثال بالعلم التفصيلي.
وقد الحق بذلك أيضاً ما إذا ثبت كون الأداء امتثالًا بطريق معتبر شرعي كما إذا قامت بيّنة على أنّ المصلّي كان على طهارة ، أو بأصل من الاصول العملية المحرزة للامتثال كما إذا ثبت ذلك باستصحاب أو بقاعدة الفراغ بعد العمل أو غير ذلك.
ومرادهم من مرتبة الامتثال العلمي الإجمالي هو أن يأتي المكلّف بما علم ثبوته بحقّه ضمن إتيانه بجميع الأطراف المحتمل انطباق التكليف الواقعي عليها.
ومرادهم من الامتثال الظنّي هو أن يأتي المكلّف بما يظنّ أنّه المكلّف به مع عدم دليل على حجّيته.كما أنّ مرادهم من الامتثال الاحتمالي هو أن يأتي المكلّف ببعض الأطراف المحتمل انطباق التكليف الواقعي عليها، سواء أمكن الإتيان بالبعض الآخر أو لم يمكن، وذلك نظير الصلاة إلى الجهة التي يحتمل أنّ فيها القبلة إذا ضاق الوقت ولم يسعه للصلاة إلى أربع جهات.
وقد ذكر بعض الفقهاء ترتّب هذه المراتب بالنحو المذكور عقلًا في مقام الامتثال إذا كان التكليف منجّزاً، فلا تجزي المرتبة الأدنى قبل العجز عن المراتب التي فوقها.
وما ذكره من الترتّب بين هذه المراتب‏ لا إشكال عليه بين الفقهاء- لأنّه مقتضى قاعدة الاحتياط في موارد تنجّز التكليف واشتغال الذمّة به- إلّا فيما بين مرتبتي الامتثال العلمي الإجمالي والامتثال العلمي التفصيلي، فإنّه وقع محلّاً لاستشكال جملة من الفقهاء.
ولهذا السبب عمد بعض الفقهاء إلى الاستدلال عليه ببعض الأدلّة لإثبات الترتّب المذكور، وأضاف إليه آخرون غيرها لاستقصاء كلّ ما يصلح للدليليّة بغية ردّه بعد ذلك.
وقد حصر الفقهاء مورد الخلاف فيما بينهم في ذلك في الأمر العبادي المستلزم لتكرار العمل مع إمكان امتثاله التفصيلي.
وأمّا الواجب التوصّلي أو العبادي غير المستلزم للتكرار فلا خلاف بين الفقهاء في جواز الامتثال العملي الإجمالي فيه- أي الاحتياط- حتى مع التمكّن من الامتثال التفصيلي.
وذكر في مقام الاستدلال لذلك أنّ المناط في لزوم أداء التكاليف الشرعيّة حكم العقل بثبوت حقّ الطاعة للمولى في كلّ ما يفرضه من أحكام وتكاليف بحقّ المكلّف، وهو لا يقتضي أكثر من تحقيق مطلوبه ولو ضمن الإتيان بالعديد من الأفعال المحتمل انطباق التكليف الواقعي على واحد منها، إلّا إذا منع من إجزائه مانع.وقد قرّب المانع من ذلك بعدّة وجوه، بعضها يرجع إلى اشتراط قيد شرعي في الواجبات التعبّدية، والبعض الآخر يرجع إلى حكم العقل بلزوم الأداء التفصيلي فيها، وبعض ثالث يرجع إلى توقّف تحصيل بعض الشروط المعتبرة عليه.لكنّ بعض فقهائنا لم يقبل الوجوه المذكورة مدّعياً عدم الدليل على أيّ منها.



قد تجتمع على مكلّف واحد تكاليف متعدّدة، كما لو ورد: اغتسل للجمعة ، واغتسل للجنابة، فهل يصحّ امتثال كلا التكليفين بأداء واحد أم لا بدّ من امتثال كلّ تكليف على حدة بالاغتسال للجنابة مرّة وللجمعة اخرى؟ ويعبّر عن الأوّل بأصالة تداخل المسبّبات، وعن الثاني بأصالة عدم تداخلهما.
وقد وقع الخلاف في ذلك بين الفقهاء، فقال بعض باقتضاء الأصل اللفظي أو العملي- فيما لم يدلّ الدليل بخصوصه على الخلاف- التداخل، وقال آخرون بعدم التداخل واقتضاء كلّ مسبّب امتثالًا وأداء خاصّاً به، وقال بعض بغير ذلك.
[۸۰] هداية المسترشدين، ج۱، ص۶۸۶- ۷۰۷.




اتّفق فقهاؤنا على أنّ القدرة على الأداء شرط عقلي في تنجّز التكليف وتحقّق المعصية، وأمّا اشتراطه في نفس التكليف بحيث يكون التشريع والجعل الشرعي غير شامل لحالة العجز، فهذا هو المشهور بين الفقهاء، ومن هنا قالوا بسقوط التكليف وانتفائه في موارد العجز.
واستدلّوا على ذلك تارة: بأنّ تكليف العاجز قبيح عقلًا، والقبيح ممتنع على اللَّه سبحانه. وهذا معناه وجود مقيّد لبّي عقلي للخطابات الشرعية يستوجب اختصاصها بحالات القدرة على أداء التكليف.
واخرى: بأنّ الأوامر والنواهي الصادرة عن الشارع حيث إنّها تكون في مقام البعث والزجر عن الأفعال ولا يتأتّى الانبعاث ولا الانزجار من العاجز، فلا ينعقد من أوّل الأمر ظهور فيها لشمول العاجز. وهذا مقيّد مقامي وحالي متّصل بالخطابات الشرعية التكليفية يمنع عن أصل انعقاد الإطلاق فيها عرفاً لغير القادر.
وقد تطرّق الفقهاء إلى جملة من الفروع المرتبطة بهذا البحث:منها: أنّ العبرة في سقوط التكليف بالعجز عن الأداء بحال الأداء أم بحال التعلّق؟
ومنها: حكم تعجيز المرء نفسه.
ومنها: ثبوت القضاء وعدمه بالعجز في الوقت والتمكّن خارجه.
ومنها: حكم تعجيز المكلّف نفسه بعدم تحصيل مقدّمة الواجب قبل زمان الوجوب إذا علم بعدم التمكّن منه حاله، وهو ما يسمّى بالمقدّمات المفوّتة.
ومنها: حكم تعلّق التكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور.
ومنها: ضيق قدرة المكلّف عن الجمع بين التكليفين المعروف بباب التزاحم .
[۸۱] دروس في علم الاصول، ج۳، ص۱۷۹- ۱۹۲.

وغير ذلك من المباحث التي يأتي البحث عنها في محلّها.



إذا علم المكلّف بثبوت تكليف عليه وشكّ في أدائه وعدمه فمقتضى القاعدة بقاؤه في عهدته؛ لاستصحاب الوجوب السابق، ولحكم العقل بأنّ الاشتغال اليقيني بالتكليف يستدعي الفراغ اليقيني، ويسمّى عند الفقهاء بأصالة الاشتغال.
نعم، لو كان شكّه في أداء التكليف بعد انتهاء وقته فيقال بعدم القضاء تطبيقاً لقاعدة الحيلولة ، أو للُاصول العملية النافية للتكليف كأصالة البراءة وغيرها حيث يشكّ في ثبوت الحكم بالقضاء بسبب عدم إحراز موضوعه، وهو فوت الأداء، وسيأتي البحث عنه.


 
۱. مقالات الاصول، ج۲، ص۳۷۲.    
۲. نهاية الأفكار، ج۱، ص۳۳۳.    
۳. فوائد الأصول، ج۲، ص۴۳۱.    
۴. كفاية الاصول، ج۱، ص۷۷.    
۵. فوائد الأصول، ج۲، ص۳۹۵.    
۶. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۳۹۹- ۴۰۵.    
۷. معالم الدين، ج۱، ص۶۳.    
۸. هداية المسترشدين، ج۲، ص۸۴، وما بعدها.
۹. التذكرة باصول الفقه، ج۱، ص۳۹.    
۱۰. عدّة الاصول، ج۱، ص۲۲۵.    
۱۱. الذريعة، ج۱، ص۱۰۶.    
۱۲. الذريعة، ج۱، ص۱۳۰- ۱۴۵.    
۱۳. المعارج/سورة ۷۰، الآية ۶۵.    
۱۴. مبادئ الوصول إلى علم الاصول، ج۱، ص۹۶.    
۱۵. معالم الدين، ج۱، ص۵۵.    
۱۶. كفاية الاصول، ج۱، ص۸۰.    
۱۷. جميع المصادر المتقدّمة.
۱۸. المصادر المتقدّمة.
۱۹. آل عمران/سورة ۳، الآية ۱۳۳.    
۲۰. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۴۸.    
۲۱. المصادر المتقدّمة.
۲۲. هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
۲۳. تعليقة على المعالم (القزويني)، ج۳، ص۲۱۵وما بعدها.
۲۴. الوافية، ج۱، ص۷۷.     وما بعدها.
۲۵. الاصول المهذبة (خلاصة الاصول)، ج۱، ص۱۹.    
۲۶. تهذيب الاصول، ج۱، ص۱۳۳.    
۲۷. مناهج الوصول، ج۱، ص۲۹۱نقلًا عن الحائري.    
۲۸. جميع المصادر المتقدمة.
۲۹. هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
۳۰. تعليقة على المعالم (القزويني)، ج۳، ص۲۱۵وما بعدها.
۳۱. كفاية الاصول، ج۱، ص۸۰.    
۳۲. نهاية الدراية، ج۱، ص۲۵۶.
۳۳. حقائق الاصول، ج۱، ص۱۸۸.    
۳۴. هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
۳۵. هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۵وما بعدها.
۳۶. معالم الدين، ج۱، ص۵۳.    
۳۷. هداية المسترشدين، ج۲، ص۱۰.
۳۸. هداية المسترشدين، ج۲، ص۴۰.
۳۹. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۱۲۱- ۱۲۶.    
۴۰. هداية المسترشدين، ج۲، ص۳۷۲.
۴۱. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۳۹.    
۴۲. درر الفوائد، ج۱، ص۸۸.    
۴۳. وقاية الأذهان، ج۱، ص۲۳۴.    
۴۴. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۳۸.    
۴۵. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۳۷- ۱۴۳.    
۴۶. درر الفوائد، ج۱، ص۸۹.    
۴۷. وقاية الأذهان، ج۱، ص۲۳۵- ۲۳۷.    
۴۸. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۴۳.    
۴۹. المحاضرات، ج۲، ص۱۴۲- ۱۴۴.    
۵۰. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۴۳.    
۵۱. المحاضرات، ج۲، ص۱۴۲- ۱۴۴.    
۵۲. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۶۷.    
۵۳. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۶۶- ۶۷.    
۵۴. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۶۵- ۶۷.    
۵۵. هداية المسترشدين، ج۲، ص۷۰۵.
۵۶. كفاية الاصول، ج۱، ص۸۵- ۸۶.    
۵۷. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۱۳۷- ۱۵۶.    
۵۸. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۱۷۰- ۱۷۱.    
۵۹. كفاية الاصول، ج۱، ص۷۹.    
۶۰. كفاية الاصول، ج۱، ص۷۹.    
۶۱. كفاية الاصول، ج۱، ص۸۳.    
۶۲. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۱۲۷- ۱۲۸.    
۶۳. الوسائل، ج۸، ص۴۰۱، ب ۵۴ من صلاة الجماعة، ح ۱.    
۶۴. الوسائل، ج۸، ص۴۰۳، ب ۵۴ من صلاة الجماعة، ح ۱۱.    
۶۵. الوسائل، ج۸، ص۴۰۳، ب ۵۴ من صلاة الجماعة، ح ۱۰.    
۶۶. الوسائل، ج۸، ص۴۰۳، ب ۵۴ من صلاة الجماعة، ح ۹.    
۶۷. بحوث في علم الاصول، ج۲، ص۱۲۹- ۱۳۱.    
۶۸. دروس في علم الاصول، ج۳، ص۲۱۶.
۶۹. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۴۳۲.    
۷۰. فوائد الاصول، ج۳، ص۶۹- ۷۴.    
۷۱. فوائد الاصول، ج۳، ص۷۲- ۷۳.    
۷۲. بحوث في علم الاصول، ج۴، ص۱۷۳.    
۷۳. بحوث في علم الاصول، ج۴، ص۱۷۳- ۱۷۸.    
۷۴. فوائد الأصول، ج۲، ص۴۸۹.    
۷۵. القواعد الفقهية (البجنوردي)، ج۳، ص۲۰۹- ۲۱۰.    
۷۶. تهذيب الاصول، ج۱، ص۳۴۸.    
۷۷. مستند الشيعة، ج۱۰، ص۱۷۸- ۱۷۹.    
۷۸. العناوين، ج۱، ص۲۳۰- ۲۶۵.    
۷۹. القواعد الفقهية (البجنوردي)، ج۳، ص۲۲۳- ۲۲۶.    
۸۰. هداية المسترشدين، ج۱، ص۶۸۶- ۷۰۷.
۸۱. دروس في علم الاصول، ج۳، ص۱۷۹- ۱۹۲.




الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۲-۲۴.    



جعبه ابزار