• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

تصفيد الشياطين في شهر رمضان

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



أنَّ الشياطين تغلّ في شهر رمضان، وعندئذٍ يثار عدد من الأسئلة في هذا السياق، هي: ما الشيطان؟ في نطاق ما يتّسم به نظام الخليقة والوجود من حكمة، لماذا سُمح للشيطان بإغواء الإنسان؟ ما الثغور الّتي تمتدّ إليها سلطة الشيطان على الإنسان؟ لماذا صار اللّه سبحانه إلى تصفيد الشياطين ومنعها من ممارسة تأثيرها الضالّ في شهر رمضان، في حين تركها حرّة فيما عداه من الشهور؟ وأخيرا: إذا كانت الروايات الدالّة على هذا المعنى صحيحة، فلماذا يجنحعدد من الصائمين إلى ارتكاب الذنوب واجتراح الخطايا في هذا الشهر؟



في الحقيقة يتطلّب الجواب على هذه الأسئلة بنحوٍ مُسهب وافٍ فرصةً سانحةً، بَيدَ أنَّ ما يمكن قوله إجمالاً: إنَّ الرؤية الإسلامية تفيد بأنَّ الشياطين عبارة عن موجودات غير مرئيّة من جنس الجنّ، تتحلّى بالإدراك والمعرفة وتحظى بالحرّية والقدرة على الاختيار، لكنها تسيء استخدام حرّيتها لإغواء الإنسان وخداعه عن طريق تزويق الممارسات القبيحة وإضفاء صورة جميلة عليها، ومن خلال تهييجه وإثارة نوازعه غير المشروعة.
أمّا الحكمة من وراء هذا الدور الإغوائي الّذي تلعبه الشياطين في نظام الخليقة، فتكمن في تفتّق المواهب الإنسانية الكامنة وتربية الإنسان الكامل وإعداده في ظلّ المقاومة الّتي يبديها إزاء هذه المزالق والإغراءات، أمّا ثغور سلطة الشياطين على الإنسان فهي لا تتعدّى نطاق الإثارة والوسوسة، ومن ثَمَّ فهي تدعوه إلى القبائح، بَيدَ أنّ قدرتها لا تمتد لإجباره على اقترافها «وَ قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَ عَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُم». على ضوء هذه الإيضاحات، فإنَّ ما ينبغي دراسته على هذا الصعيد، مسألتان: الاُولى: تصفيد الشياطين وغلّها في شهر رمضان. الثانية: البحث عن العوامل الكامنة وراء اجتراحالخطايا وظهور الذنوب في هذا الشهر، على الرغم من تصفيد الشياطين وغياب دورها الإغوائي.


تفيد عملية دراسة النصوص الإسلامية وتحليلها، وجود علّتين لغلّ الشياطين ومنعها في شهر رمضان، على النحو الّذي تأتي فيه العلّة الثانية في طول العلّة الاُولى. وهاتان العلّتان هما:

۲.۱ - الممانعة الطبيعية للصيام

يُزيل الصوم على نحو طبيعي الأرضية الّتي تتحرّك عليها سلطة الشيطان للتأثير على الإنسان وإغوائه، وبتعبير أدقّ ليست السلسلة الّتي تقيّد الشيطان وتغلّه في شهر رمضان سوى الصوم نفسه، ومن هنا ما جاء عن النَّبي في قوله (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم): «إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجوعِ». فهذا الحديث يدلّ بوضوحعلى أنَّ الصوم يمنع سلطة الشيطان عن الإنسان على نحو طبيعي.
إنَّ السلسلة الّتي ينطوي عليها الصوم لا تقتصر على تصفيد الشيطان وحدَه، بل تتخطّى ذلك إلى احتواء نوازع النفس الأمّارة وإلى أسرها، ممّا يؤدّي إلى ردع سلطتها على الإنسان، وكما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السّلام): «نِعمَ العَونُ عَلى أسرِ النَّفسِ وكَسرِ عادَتِهَا التَّجَوُّعُ». على هذا الأساس، فإنَّ جميع الروايات الّتي جاءت تمتدحال جوع وتثني على دوره في بناء النفس وتربيتها، إنّما تهدف بالحقيقة إلى إيجاد المانع الطبيعي الّذي يصدّ سلطة الشيطان على الإنسان ويحصنه من نوازع النفس الأمّارة وإغواءاتها، كما تهدف أيضا تحرير قواه العقلية وإطلاق قابليّاته الإنسانية، على ما يبدو ذلك واضحا من النموذجين الروائيين التاليين اللذين اخترناهما من بين هذا النمط من الروايات: عن رسول اللّه (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم): «جاهِدوا أنفُسَكُم بِالجوعِ وَالعَطَشِ، فَإِنَّ الأَجرَ في ذلِكَ كَأَجرِ المُجاهِدِ في سَبيلِ اللّه ِ». وعنه (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم) أيضا: «أحيوا قُلوبَكُم بِقِلَّةِ الضِّحكِ وقِلَّةِ الشِّبَعِ، وطَهِّروها بِالجوعِ تَصفو وتَرِقّ».

۲.۲ - اللطف الإلهي الخاص

بالإضافة إلى الرصيد الّذي يوفّره صوم شهر رمضان للصائمين طبيعيا، متمثّلاً باحتواء سلطة الشيطان وردع إغواءاته عنهم، فإنَّ هذه الممارسة العبادية تتحوّل بنفسها إلى أرضية لانهمار ألطاف اللّه عليهم وشمولهم بها، وحينئذٍ فإنَّ ما جاء في الأحاديث من تصفيد الشياطين، وغلّها في هذا الشهر إنّما هو إشارة لهذا المعنى. بعبارة اُخرى، إنَّ اللطف الإلهي ليس جزافا حتّى يصحالسؤال: لماذا لم يمنع سبحانه سلطة الشياطين ويحول بينها وبين الإنسان في بقيّة الشهور ؟ كلاّ، إنّما ينشأ مبدأ التوفيق الرباني واللطف الإلهي من واقع اختيار الإنسان نفسه، ودخوله في رحاب الضيافة الرمضانية.


في إطار التحليل الّذي مرَّ، فيما يفيده من أنَّ الشياطين تفقد سلطتها على الإنسان في هذا الشهر على الأقل بالنسبة إلى الصائمين، ينبثق السؤال الرئيسي الثاني في هذا المضمار، متمثّلاً بما نراه من غفلة الصائمين وابتلائهم بالخطايا والذنوب في هذا الشهر أحيانا، كما يدلّ عليه تشريع الكفّارات الّذي جاء لعلاج هذه الحالات، يصوّر السيّد ابن طاووس (رحمه‌الله) هذه المفارقة، بقوله: «سألني بعض أهل الدين، فقال: إنّني ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين، لأنَّني أرى الحال الّتي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان، كأنّها على حالها ما نقصت بمنع أعوان الشيطان...» . يمكن تقديم جوابين لهذا السؤال، هما:

۳.۱ - أسباب الذنوب

يتركز الجواب الأوّل حول معنى يفيد بأنَّ ما يصدر عن الانسان من خطايا وذنوب لا يرتبط بالشيطان وحدَه ولا ينشأ عن إغوائه وحسب، بل له منشآن رئيسيان آخران، هما: النفس الأمّارة، والرين المتراكم من تبعات الذنوب السابقة الّذي يؤدّي إلى تلوّث القلب واسودادهِ، والواقع أنَّ اللطف الإلهي الّذي يكتنف الإنسان في شهر رمضان يلغي تأثير العامل الأوّل المتمثّل بالشيطان، على حين يبقى العاملان المتبقّيان يمارسان دورهما، وهما سببان كافيان لتهيئة الأرضية لانحراف الإنسان وتفسير ما يصدر عنه من ذنوب وبقائه على الغفلة. ولو افترضنا أنَّ الصوم قادر على استيعاب نوازع النفس الأمّارة والقضاء على دورها في دفعه صوب الخطايا والذنوب، فإنَّ الرين المتراكم من الذنوب السابقة يكفي ليؤلّف خطرا يهدّد الصائم ويضعه بمعرض الغفلة وارتكاب الذنب.

۳.۲ - نسبية تصفيد الشياطين

ما اتّضحمن التحليل السابق أنَّ السلسلة الّتي تقيّد الشيطان يتألّف قوامها من صوم شهر رمضان نفسه وليس من شيء آخر، على هذا فكلّما اتّسم الصوم بالإتقان والتكامل، زاد ذلك من إحكام السلسلة الّتي تغلّ الشيطان وتردع النفس الأمّارة، ومن ثَمَّ أدّى ذلك إلى تضاؤل الغفلة والانحرافات الناجمة عنها. على هذا الضوء يمكن القول بأنَّ من تصدر عنهم الذنوب في شهر رمضان، فإنَّ صومهم لم يكن صوما سالما.


۱. المحمدي الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج۲، ص۱۴۵۰.    
۲. إبراهيم/السورة۱۴، الآية۲۲.    
۳. الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، ج۳، ص۳۴.    
۴. البخاري، أبو عبدالله، صحيح البخاري، ج۹، ص۷۰.    
۵. الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم و المواعظ، ص۴۹۴.    
۶. التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم و درر الكلم، ص۷۱۸، ح۶۳.    
۷. الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، ج۸، ص۱۵۴.    
۸. الفيض الكاشاني، محسن، المحجة البيضاء، ج۵، ص۱۴۶.    
۹. الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، ج۸، ص۱۵۴.    
۱۰. الفيض الكاشاني، محسن، المحجة البيضاء، ج۵، ص۱۵۴.    
۱۱. السيد بن طاووس، على بن موسى‌، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج۱، ص۷۳.    



مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۳۷-۴۱.    






جعبه ابزار