• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

قاعدة التسامح في أدلة السنن

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



ذكر الاصوليّون في البحث عن حجّية خبر الواحد أنّ الحجّية لا تكون مجعولة لمطلق الخبر، بل هي مجعولة لخبر العادل أو أنّ الحجّية مجعولة لخبر الثقة أو أنّ الحجّية كما هي ثابتة لخبر العادل والثقة كذلك ثابتة لخبر الإمامي الممدوح الذي لم يظهر فسقه ولا عدله أو أنّ الحجّية مجعولة للخبر الموثوق بصدوره سواء كان راويه ثقة أو لا. وعلى جميع المباني يكون الخبر الضعيف غير الموثوق بصدوره خارجاً عن موضوع الحجّية، ولكن يستثنى من ذلك باب المستحبّات والسنن فإنّها تثبت بالخبر الضعيف أيضاً، بل بكلّ ما يكشف عن صدور ثواب على فعل أو ترك عن المعصوم عليه السلام، وقد عبّر عن ذلك بالتسامح في أدلّة السنن و الآداب .

محتويات

۱ - الخبر الذي مجعولة له الحجية
۲ - إثبات المستحبات والسنن بالخبر الضعيف
۳ - أقوال الفقهاء في مفاد أخبار من بلغ
۴ - الروايات المعروفة بأخبار من بلغ
۵ - الاحتمالات والأقوال في مفاد أخبار من بلغ
       ۵.۱ - القول الأول
       ۵.۲ - القول الثاني
       ۵.۳ - القول الثالث
       ۵.۴ - القول الرابع
       ۵.۵ - القول الخامس
       ۵.۶ - القول السادس
۶ - الفرق بين الاحتمالات
       ۶.۱ - امتياز الاحتمال الخامس
       ۶.۲ - امتياز الاحتمال السادس
۷ - أدلة الأقوال
       ۷.۱ - الاحتمال الأول
       ۷.۲ - الاحتمال الثاني
       ۷.۳ - الاحتمال الثالث
       ۷.۴ - الاحتمال الرابع
       ۷.۵ - الاحتمال الخامس
       ۷.۶ - الاحتمال السادس
              ۷.۶.۱ - القرينة الاولى
              ۷.۶.۲ - القرينة الثانية
       ۷.۷ - ثمرة القول باستحباب العمل أو حجية الخبر
              ۷.۷.۱ - الثمرةالاولى
              ۷.۷.۲ - الثمرةالثانية
              ۷.۷.۳ - الثمرة الثالثة
              ۷.۷.۴ - الثمرة الرابعة
       ۷.۸ - ثمرة القول بالاستحباب الشرعي أو العقلي
       ۷.۹ - ما يفتي به الفقيه في موارد التسامح
       ۷.۱۰ - شمول القاعدة لأحاديث الفضائل أو المراقد والمساجد
       ۷.۱۱ - شمول القاعدة للخبر المجمل وعدمه
       ۷.۱۲ - شمول القاعدة للخبر الدال على الوجوب
       ۷.۱۳ - شمول التسامح للمكروهات وعدمه
              ۷.۱۳.۱ - الوجه الأول
              ۷.۱۳.۲ - الوجه الثاني
۸ - المراجع
۹ - المصدر



ذكر الاصوليّون في البحث عن حجّية خبر الواحد أنّ الحجّية لا تكون مجعولة لمطلق الخبر، بل هي مجعولة لخبر العادل كما هو مبنى بعضهم، وعليه فلا حجّية لخبر غيره وإن كان ثقةً في قوله؛ إذ الشرط حينئذٍ هو العدالة لا غير، أو أنّ الحجّية مجعولة لخبر الثقة كما هو مبنى بعض آخر، وعليه فيكفي لإثبات الحكم الشرعي أن يكون الراوي موثّقاً وإن لم يكن عادلًا، أو أنّ الحجّية كما هي ثابتة لخبر العادل والثقة كذلك ثابتة لخبر الإمامي الممدوح الذي لم يظهر فسقه ولا عدله كما هو مبنى بعض آخر، وعليه فالخبر الحسن كالخبر الصحيح والموثّق حجّة يمكن الاستناد إليه لإثبات الحكم الشرعي، أو أنّ الحجّية مجعولة للخبر الموثوق بصدوره سواء كان راويه ثقة أو لا.
وعلى جميع المباني يكون الخبر الضعيف غير الموثوق بصدوره خارجاً عن موضوع الحجّية، فلا يجوز الاستناد إلى رواية راوٍ لإثبات الحكم الشرعي فيما إذا لم يحرز عدالته ولا وثاقته ولا أنّه إماميّ ممدوح ولم يكن وثوق بصدور روايته، وكذا إذا أحرز عدم عدالته ووثاقته وعدم كونه إماميّاً ممدوحاً.



ولكن نسب إلى المشهور أنّه يستثنى من ذلك باب المستحبّات والسنن فإنّها تثبت بالخبر الضعيف أيضاً، بل بكلّ ما يكشف عن صدور ثواب على فعل أو ترك عن المعصوم عليه السلام، وقد عبّر عن ذلك بالتسامح في أدلّة السنن و الآداب .



وعمدة ما يستند في ذلك هو الأخبار الآتية المعروفة بأخبار من بلغ، والتي تدلّ على أنّ من بلغه شي‌ء من الثواب فعمله كان له ذلك الثواب.
وقد اختلف الفقهاء في مفاد هذه الأخبار بين من أنكر دلالتها على شي‌ء سوى الإرشاد إلى ما يحكم به العقل من الثواب على الانقياد ، فلا تتضمّن تشريعاً مولويّاً زائداً أصلًا، ومن ادّعى دلالتها على مسألة اصوليّة خطيرة هي حجّية الخبر الضعيف إذا كان متضمّناً لبيان سنّة ومستحبّ من المستحبّات. ومن ادّعى أنّها تدلّ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب بعنوانه الثانوي فيكون مفادها حكماً فقهيّاً ثانويّاً، وسيتّضح ذلك فيما يأتي.



وأمّا أخبار من بلغ فهي كما يلي:
۱- ما رواه البرقي في المحاسن عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شي‌ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله».
۲- ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من سمع شيئاً من الثواب على شي‌ء فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه».
۳- ما رواه الصدوق عن صفوان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من خير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله».
۴- ما رواه محمّد بن مروان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من بلغه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم شي‌ء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان له ذلك الثواب وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله».
۵- ما رواه محمّد بن مروان أيضاً قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من بلغه ثواب من اللَّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه».
۶- ما رواه السيد ابن طاوس في الإقبال عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «من بلغه شي‌ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وإن لم يكن الأمر كما بلغه».
[۱۰] إقبال الأعمال، ج۳، ص۴۷.

۷- ما في عدّة الداعي لابن فهد قال: روى الصدوق عن محمّد بن يعقوب بطرقه عن الأئمّة عليهم السلام : «أنّ من بلغه شي‌ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه».
۸- ما في عدّة الداعي أيضاً من طريق الجمهور عن عبد الرحمن الحلواني مرفوعاً إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من بلغه عن اللَّه فضيلة فأخذها وعمل بما فيها إيماناً باللَّه ورجاء ثوابه، أعطاه اللَّه تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك». (والمعتبر سنداً من هذه الأخبار هو الخبر الأوّل وهو صحيح هشام بن سالم ، وكذا الثاني بناءً على وثاقة إبراهيم بن هاشم وأمّا سائر الأخبار فلا يتمّ سندها، أمّا الخبر الثالث فلوقوع علي ابن موسى بن محمّد الكمنداني في السند نعم، روى عنه الأجلّاء مثل الكليني و علي بن بابويه، إلّا أنّ ذلك لا يدلّ على التوثيق عند أهل التحقيق. وأمّا الخبر الرابع فلوقوع محمّد بن مروان في السند فإنّه مجهول، إلّا أن يقال: إنّ صفوان و ابن أبي عمير قد رويا عنه، وبمقتضى شهادة الشيخ الطوسي في عدّة الاصول
[۱۵] عدّة الاصول ، ج۱، ص۳۸۶- ۳۸۷.
أنّهما من جملة الثلاثة الذين لا يروون إلّا عن ثقة يصبح الخبر موثّقاً.
وأمّا الخبر الخامس فكفى في الحكم بضعفه وقوع محمّد بن سنان و عمران الزعفراني المجهول في السند. وأمّا ضعف سند بقيّة الأخبار فواضح وأمّا دعوى تواتر هذه الأخبار فلا وجه لها؛ لأنّ رواتها كانوا قليلين بدرجة لا يكفي هذا العدد القليل لحصول القطع أو الاطمئنان بصدورها من المعصوم عليه السلام، فإنّ اثنين منها رواهما هشام بن سالم وواحداً منها رواه هشام عن صفوان ، واثنين منها رواهما محمّد بن مروان، وواحداً منها رواه جابر، واثنين منها لا سند لهما. )



الأقوال والوجوه المحتملة في مفاد هذه الأخبار متعدّدة:

۵.۱ - القول الأول


إنّ مفادها مجرّد الوعد و الإخبار بفضل اللَّه تعالى وعدم حرمان من أمّله وعمل بما بلغ عليه الثواب، فإنّ المولى سبحانه لم يخيّب ما أمّله ورجاه فأعطاه بفضله و إحسانه ذلك الثواب البالغ وإن لم يكن الأمر على ما بلغه ولم يصادف الواقع، فتكون هذه الأخبار ناظرةً إلى العمل فارغاً عن وقوعه من العامل، لا أنّها ناظرة إليه قبل صدوره عنه، فلا يستفاد منها الحثّ والترغيب نحو العمل، ولا يكون الثواب الموعود به في هذه الأخبار من أجل استحقاق العامل، بل أنّه من باب التفضّل من اللَّه تعالى. واختار ذلك بعض الفقهاء.

۵.۲ - القول الثاني


إنّ مفاد هذه الأخبار هو أنّه إذا ورد خبر يدلّ على مقدار من الثواب على عمل احرز أنّه راجح ومستحبّ شرعاً من قبلُ، كما إذا ورد في الخبر- مثلًا-: أنّ من صلّى صلاة الليل فله أربعة قصور في الجنّة، فأتى به الشخص بداعي ذلك المقدار من الثواب أعطاه اللَّه ذلك الثواب بعينه وإن لم يكن الخبر موافقاً للواقع، وليس المقصود من ذلك مجرّد الإخبار أو الوعد الصرف بإعطاء الثواب، بل المقصود منه هو الترغيب والوعد المولوي بالثواب، وذلك لأنّ بلوغ الثواب بما أنّه لم يكن قطعيّاً فتنقص وتضعف محرّكيّة الأمر الاستحبابي الذي لا ضير في تركه بحسب طبعه، فمن أجل تكميل ضعف محرّكيّة ذلك البلوغ وعدم إهمال الطلب الندبي الثابت من قبلُ وعد الشارع بما هو مولى بنفس الثواب البالغ وإن لم يصادف الخبر للواقع.
وعلى هذا الاحتمال فلا مجال للتمسّك بهذه النصوص لإثبات استحباب العمل الذي لم يثبت استحبابه في الرتبة السابقة؛ لأنّه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لذلك العامّ؛ إذ اخذ في موضوع دليل العامّ الفراغ عن خيريّة ورجحان العمل البالغ عليه الثواب في الرتبة السابقة، وقد اختار ذلك بعض الفقهاء.
[۱۸] المحجّة في تقريرات الحجّة، ج۲، ص۲۳۹- ۲۴۰.


۵.۳ - القول الثالث


إنّ مفاد الأخبار جعل الحجّية لمطلق البلوغ فيما إذا دلّ الخبر على الاستحباب، ومعنى ذلك هو إسقاط شرائط الحجّية في مورد المستحبّات، وعليه فلا يعتبر أن يكون الخبر الدالّ على الاستحباب صحيحاً في السند، بل يكفي الخبر الضعيف سنداً لإثبات استحباب الفعل، وقد نسب ذلك إلى المشهور كما تقدّم.

۵.۴ - القول الرابع


إنّ مفاد الأخبار جعل استحباب الاحتياط في مورد بلوغ الثواب من دون جعل الحجّية للخبر الضعيف، وترتيب آثار ذلك عليه، كما يظهر من بعض الأعلام اختيار ذلك وترجيحه.

۵.۵ - القول الخامس


إنّ مفادها ترتّب الثواب على الانقياد الحاصل من الفعل برجاء كونه مطلوباً شرعاً وبداعي طلب الثواب الموعود به، وعليه فهذه النصوص تكون إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد. وقد اختار ذلك جمع من الفقهاء.

۵.۶ - القول السادس


إنّ مفادها جعل حكم الاستحباب والندب للفعل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان الثانوي، فالفعل بعد طروّ عنوان بلوغ الثواب عليه يصبح مستحبّاً شرعيّاً واقعيّاً كسائر المستحبّات الشرعيّة الواقعيّة بسبب طروّ العناوين الثانويّة مثل النذر والعهد. واختار ذلك جماعة.
[۲۳] هداية المسترشدين، ج۳، ص۴۷۱.




والفرق بين هذه الاحتمالات هو أنّه بناءً على الاحتمال الأوّل تدلّ أخبار من بلغ على مجرّد الوعد بالثواب لمصلحة في نفس الوعد، بينما بناءً على سائر الاحتمالات- ما عدا الاحتمال الثاني- تدلّ تلك الأخبار على ترتّب الثواب على العمل البالغ عليه الثواب، وذلك بداعي الحثّ والترغيب الناشئ من ملاك في نفس العمل، وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فيكون ذلك بداعي الحثّ والترغيب المولوي، إلّا أنّه من أجل جبر نقص محرّكيّة الثواب البالغ وعدم إهمال العمل الثابت رجحانه واستحبابه في الرتبة السابقة، فليس المقصود من الترغيب حينئذٍ إثبات استحباب العمل الذي لم يثبت استحبابه ورجحانه في الرتبة السابقة.

۶.۱ - امتياز الاحتمال الخامس


ويمتاز الاحتمال الخامس عن الاحتمال الثاني والثالث والرابع والسادس بأنّه بناءً على الاحتمال الخامس يكون الترغيب صادراً من الشارع بما هو عاقل لا بما هو مولى، وبناءً على سائر الاحتمالات المذكورة يكون صادراً منه بما هو مولى.

۶.۲ - امتياز الاحتمال السادس


ويمتاز الاحتمال السادس عن الاحتمال الثالث والرابع بأنّ الترغيب في الاحتمال السادس يكون بملاك نفسي بعنوان البلوغ في نفس العمل وإن كان الخبر مخالفاً للواقع، وفي الاحتمال الثالث والرابع يكون الترغيب طريقيّاً وبملاك التحفّظ على الملاكات الواقعيّة.
وبعبارة اخرى: أنّ الحكم في الاحتمال السادس حكم واقعي لعنوان ثانوي، بينما الحكم في الاحتمال الثالث والرابع حكم ظاهري لعنوان أوّلي.




۷.۱ - الاحتمال الأول


فإنّه وإن كان يوافقه المدلول المطابقي لتلك الأخبار وظهورها الأوّلي في ثبوت الثواب والأجر للعمل البالغ عليه الثواب من دون تعرّض فيها لإثبات استحبابه ورجحانه أو حجّية الخبر الدالّ على ترتّب الثواب عليه أو نحو ذلك ممّا يشتمل على الحثّ والترغيب، إلّا أنّ ظهورها الثانوي وسياقها يقتضي أنّها بصدد جعل الداعي للعمل، نظير ما دلّ على أنّ من زار الحسين عليه السلام فله كذا وكذا، وعليه فالظاهر من أخبار من بلغ أنّها في مقام بيان حال العمل قبل صدوره من العامل والحثّ والترغيب نحو العمل إمّا بنحو المولويّة النفسيّة أو الطريقيّة أو بنحو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد أو غير ذلك من الوجوه الدالّة على الترغيب، لا لبيان تفضّله سبحانه بإعطاء الثواب الموعود به بعد وقوع العمل، ويؤيّد ذلك تعبير الأجر في هذه الأحاديث حيث إنّه يدلّ على أنّ الثواب الذي وعد به العامل إنّما يكون من أجل استحقاقه لا لتفضّل المولى وإحسانه عليه.
والحاصل: أنّ الاحتمال الأوّل لا يوافق ظهور هذه الروايات في أنّها بصدد الحثّ والترغيب والطلب لا مجرّد الإخبار أو الوعد الصرف.

۷.۲ - الاحتمال الثاني


فاستدلّ له بما في بعض هذه الأخبار من قوله عليه السلام: «من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من خير...» الظاهر في المفروعيّة عن خيريّة ورجحان العمل البالغ عليه الثواب في الرتبة السابقة وسائر الأخبار وإن كان إطلاقها يشمل بلوغ الثواب على عمل لم يثبت استحبابه في الرتبة السابقة، إلّا أنّها محمولة على الخبر المزبور حملًا للمطلق على المقيّد.
وأورد عليه بعض المحقّقين: أنّه وإن لم يدلّ ذلك على ثبوت استحباب أصل الفعل بالخبر المفروض لكنّه يفيد استحباب الخصوصيّة ورجحانها فيما إذا ذكر الأجر على الخصوصيّة، وهو أيضاً حكم شرعي، كما إذا ورد صلاة ركعتين في ليلة مخصوصة وذكر له فضيلة عظيمة أو قراءة سورة معيّنة في ليلة ونحو ذلك، فإنّ هذه الصورة مندرجة في الأخبار المذكورة قطعاً، فتثبت بها مشروعيّة الخصوصيّة واستحبابها كما يثبت بها المدّعى في الجملة.
على أنّه لم يعتبر في تلك الأخبار كون الثواب على الخير، إلّا في رواية الصدوق المتقدّمة والأخبار الباقية خالية عنه، فبعضها مطلق كصحيحة المحاسن. وفي بعضها اضيف الثواب إلى العمل والشي‌ء، ومن الظاهر شمولها لكلّ الأفعال. والبناء على حمل المطلق على المقيّد ممّا لا وجه له في المقام؛ إذ لا معارضة بين الحكمين، غاية الأمر يثبت ببعض تلك الأخبار ما هو أخصّ ممّا يثبت‌ بالباقي.
[۳۱] هداية المسترشدين، ج۳، ص۴۷۱.
مضافاً إلى أنّ الخبر الدالّ على كون الثواب على الخير- وهو خبر الصدوق- ضعيف سنداً ب (علي بن موسى) كما تقدّم.

۷.۳ - الاحتمال الثالث


وهو أن تكون الأخبار دالّة على جعل الحجّية لمطلق البلوغ في مورد المستحبّات- فيرد عليه:
أنّ ما ورد في هذه النصوص من ترتّب الثواب على العمل وإن لم يطابق فيه الخبر الواقع ولم يقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينفي احتمال كون هذه النصوص بصدد جعل الحجّية للخبر الضعيف في المستحبّات؛ لأنّ الحجّية هي جعل الخبر طريقاً إلى الواقع، ومعنى ذلك هو إلغاء احتمال الخلاف، وهو لا يجتمع مع فرض ثبوت المؤدّى في الواقع في موضوع الحجّية؛ لأنّ معناه حفظ احتمال الخلاف، ومن الواضح عدم معقوليّة الجمع بين حفظ احتمال الخلاف وبين إلغاء احتماله وغضّ النظر عنه.
[۳۴] دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۶۳.
هذا بناءً على مسلك جعل الطريقيّة في باب الطرق والأمارات، بل الأمر كذلك بناءً على مسلك جعل الأمارات على أساس قوّة الاحتمال كما هو مسلك الشهيد الصدر .

۷.۴ - الاحتمال الرابع


أي كون أخبار من بلغ بصدد جعل الأمر الظاهري على مستوى الأمر بالاحتياط- فيرد عليه: أنّ الأمر الظاهري الطريقي لا يكون إلّا بداعي التحفّظ على الواقع، وعليه فلا بدّ أن يكون متعلّقه ممّا ينحفظ معه الواقع مثل عنوان الاحتياط ولم يرد هذا العنوان في النصوص؛ إذ العنوان الوارد فيها هو ما بلغ عليه الثواب، وهو ليس مثل عنوان الاحتياط بحيث ينحفظ معه الواقع.
واورد عليه بوجه آخر هو: أنّ التعبير الوارد في مثل قوله عليه السلام: «وإن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله»، لا يناسب عرفاً مع نكتة جعل الحكم الظاهري التي هي التحفّظ على الملاكات الواقعيّة.

۷.۵ - الاحتمال الخامس


أي كون الأخبار إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد- فاستدلّ له بظهور فاء التفريع في قوله عليه السلام: «فعمله» في أنّ موضوع ترتّب الثواب والأجر هو الفعل الذي أتى به الشخص رجاء الثواب البالغ وبداعي كونه مطلوباً شرعاً، لا أنّ موضوعه ذات العمل من دون قيد، وعليه فالمقتضي لترتّب الثواب على العمل هو الانقياد الذي يستقلّ العقل بحسنه، لا تعلّق الأمر الشرعي به. مضافاً إلى ذلك ما ورد في بعض النصوص المذكورة من تقييد العمل بطلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو التماس ذلك الثواب.
وعلى هذا تكون النصوص إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد و الانبعاث من المطلوبيّة المحتملة للعمل من دون دلالة على الطلب المولوي. وسيأتي البحث في هذا الدليل، وما يرد على هذا الاحتمال.

۷.۶ - الاحتمال السادس


أي كون مفاد الأخبار جعل حكم الاستحباب للفعل بسبب طروّ عنوان بلوغ الثواب عليه- فاستدلّ له بأنّ ظاهر بعض الأخبار المتقدّمة- كصحيح هشام ونحوه- ممّا ليس فيه تقييد بالإتيان بداعي طلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو التماس الثواب هو ترتّب الثواب على ذات العمل البالغ عليه الثواب، لا على العمل بداعي طلب الثواب ورجاء كونه مطلوباً شرعاً، ومن ترتّب‌ الثواب على ذات العمل يستكشف إنّاً أنّ العمل قد تعلّق به الأمر الاستحبابي النفسي؛ إذ لا موجب حينئذٍ لترتّب الثواب على العمل سوى تعلّق الأمر به.
ولكن يرد عليه- كما اشير إلى ذلك- أنّ هناك قرينة على أنّ الثواب في النصوص المزبورة مترتّب على العمل الخاصّ، وهو ما اتي به بداعي احتمال المطلوبيّة ورجاء الثواب لا على ذات العمل، وعليه فالنصوص لا تدلّ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب؛ لوجود المقتضي للثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعي وهو الانقياد، وعليه فتلك النصوص تكون إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد والانبعاث من المطلوبيّة المحتملة في العمل.
وتلك القرينة مستفادة من أحد أمرين:
الأول: ظهور الفاء في قوله عليه السلام «فعمله» في أنّها للتفريع، ومقتضى ذلك هو أنّ موضوع ترتّب الثواب هو العمل المقيّد بإتيانه بداعي احتمال الأمر ورجاء الثواب، فلا يستفاد من النصوص المزبورة استحباب العمل شرعاً.
الثاني: لو فرض الالتزام بظهور بعض الأخبار في ترتّب الثواب على ذات العمل لا على العمل المقيّد بإتيانه بداعي احتمال المطلوبيّة ورجاء الثواب؛ وذلك لإطلاق الموضوع وعدم تقييده بإتيانه التماساً للثواب الموعود ونحوه، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق وتقييده بما ورد في البعض الآخر من النصوص من ترتّب الثواب على العمل المقيّد بالإتيان به التماساً للثواب، أو طلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حملًا للمطلق على المقيّد، فلا تدلّ الأخبار على الاستحباب النفسي، بل على الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد.
وقد استدلّ بعض الفقهاء بهاتين القرينتين على القول بأنّ أخبار من بلغ تكون إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد من دون دلالة على طلب ندبي. وفي قبال ذلك من ذهب إلى عدم تماميّة هاتين القرينتين.

۷.۶.۱ - القرينة الاولى


أمّا القرينة الاولى فذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ الفاء في قوله عليه السلام: «فعمله» وإن كانت دالّة على التفريع والسببيّة وأنّ الباعث للمكلّف وداعيه على العمل هو طلب الثواب والتماسه، إلّا أنّ ذلك لا يوجب تعنون العمل بهذا العنوان وتقيّده واختصاصه به، فإنّ ذلك محال وممتنع، وعليه فلا منافاة بين ظهور الفاء في السببيّة والتفريع، وكون الثواب داعياً إلى العمل وبين ظهور هذه النصوص في ترتّب الثواب على ذات العمل.
ووجه امتناع كون الداعي وجهاً وعنواناً للفعل هو أنّ داعي الشي‌ء علّته، والعلّة واقعة في الرتبة المتقدّمة على رتبة المعلول. ومن الواضح أنّه يستحيل أن يكون ما في الرتبة المتقدّمة قيداً لما في الرتبة المتأخّرة، وعليه فلا يمكن أن يكون الداعي قيداً وعنواناً للعمل الذي هو المعلول. وعلى هذا فيلزم من تقييد العمل بالداعي محذور ثبوتي، ومعه لا بدّ أن يكون الثواب والأجر مترتّباً على العمل لا بداعي طلب الثواب.
ويرد عليه: أنّ العمل ليس مقيّداً بنفس الداعي حتى يقال: إنّ تعنون العمل بالداعي وتقيّده به أمر مستحيل، بل هو مقيّد بعنوان منتزع من العمل كعنوان الصدور الذي هو حيثيّة قائمة بنفس العمل، وليس في الرتبة المتقدّمة عليه، فلا استحالة في تقييد العمل بالصدور ونحوه، وهذا ليس من تقييد العمل بذات العلّة والداعي. وعلى هذا فلا محذور ثبوتاً في أن تتعلّق دعوة المولى وترغيبه بالعمل الصادر عن داعي تحصيل الثواب الموعود به. وبذلك يظهر أنّه يمكن أن يكون عنوان الصدور ونحوه وجهاً وعنواناً للعمل بحيث يوجب تغيير الحكم و الأثر المترتّب عليه، ومن هنا يكون ضرب اليتيم الصادر بداعي التأديب حسناً وبداعي التشفّي قبيحاً.
ومن جملة القائلين بعدم قرينيّة الفاء التفريعيّة في قوله عليه السلام: «فعمله» على اختصاص الموضوع بالحصّة الانقياديّة هو المحقّق الأصفهاني فقد نفى ظهور الفاء في السببيّة؛ وذلك لأنّ الفاء وإن كانت ظاهرة في التفريع إلّا أنّ التفريع كما يمكن أن يكون من باب تفريع المعلول على علّته الغائيّة- بمعنى انبعاث العمل عن الثواب البالغ المحتمل- كذلك يمكن أن يكون بمعنى ترتيب مدخول الفاء على ما قبلها من دون أن يكون المرتّب عليه علّة غائيّة للمرتّب، نظير قول القائل: (سَمِع الأذانفبادر إلى المسجد) فإنّ الداعي للمبادرة ليس سماع الأذان بل تحصيل فضيلة المبادرة. ويمكن الحمل على ذلك التفريع في قوله عليه السلام: «فعمله» بلحاظ أنّ العمل المترتّب عليه الثواب حيث كان متقوّماً ببلوغ الثواب عليه، فلذا رتّبه على بلوغ الثواب. وعليه فمجرّد كون الفاء للتفريع هنا لا يعيّن كونه من باب تفريع المعلول على علّته الغائيّة حتى ينافي ظهور تلك الأخبار في ترتّب الثواب على نفس العمل، وعليه فلا وجه حينئذٍ لاستظهار أخذ داعويّة تحصيل الثواب في موضوع ترتّب الثواب.
[۴۴] نهاية الدراية، ج۴، ص۱۷۶- ۱۷۷.

ويرد عليه:
أوّلًا: أنّ ظاهر الفاء في قوله عليه السلام: «فعمله» التي كانت عاطفة هو أنّها للسببيّة، لا أنّها للترتيب أو التعقيب، فالجملة المزبورة بقرينة الفاء ظاهرة في أنّ داعويّة تحصيل الثواب مأخوذة في موضوع ترتّب الثواب، وعليه فلا دلالة لها على الاستحباب؛ لأنّ الثواب مترتّب على العمل المقيّد بداعي تحصيل الثواب، فالمراد من الثواب في النصوص هو الثواب المترتّب على الانقياد، لا على إطاعة الأمر الندبي. بل يمكن أن يقال: إنّ ظاهر الجملة المزبورة هو تفرّع العمل على داعي طلب الثواب وإن لم تدخل عليها الفاء، فلو قال:(من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل وعمل فله أجر ذلك)، فإنّ ظاهره أيضاً هو أخذ داعويّة طلب الثواب البالغ في موضوع ترتّب الثواب‌.
وأمّا قياس المقام بقوله القائل: (سَمِع الأذان فبادر إلى المسجد) فغير تام؛ لعدم تصوّر داعويّة سماع الأذان للمبادرة إلى المسجد؛ إذ الداعي ما يكون بوجوده العيني مترتّباً على العمل وبوجوده الذهني سابقاً عليه، وسماع الأذان لا يترتّب خارجاً على المبادرة . والصحيح قياس المقام بقول القائل: (سَمِع الثواب على المبادرة إلى المسجد فبادر). والداعي للعمل- بناءً على ظهور قوله عليه السلام: «فعمله» في الداعويّة- هو حصول الثواب، فإنّه فائدة مترتّبة على العمل ويكون سابقاً عليه بوجوده الذهني، وأمّا بلوغ الثواب على العمل فليس فائدة مترتّبة على العمل، بل إنّما يتحقّق قبل العمل، فلا يكون علّة غائيّة داعية إلى العمل.
وثانياً: أنّه على فرض دوران الأمر بين كون الفاء للسببيّة وكونها لمطلق التفريع- كما هو المستفاد من كلامه في المقام- لا وجه لدعوى ظهور النصوص في استحباب العمل؛ لأنّها مقرونة بما يصلح للقرينيّة المانعة عن انعقاد ظهورها في ترتّب الثواب على ذات العمل؛ وذلك لاحتمال كون الفاء للسببيّة، وبناءً على هذا الاحتمال فالثواب مترتّب على العمل الخاصّ المأتيّ به بداعي طلب الثواب الموعود به، فلا تدلّ هذه الأخبار على استحباب العمل البالغ عليه الثواب.
وذهب بعض الأعلام أيضاً إلى عدم كون الفاء قرينةً على أخذ داعويّة تحصيل الثواب في موضوع ترتّب الثواب؛ مستدلّاً على ذلك بأنّ تفريع العمل على البلوغ لا يقتضي اختصاصه بالحصّة الانقياديّة؛ لأنّ تفريع عمل على شي‌ء كما يمكن أن يكون من باب التفريع على داعيه كقولك: (وجب عليّ كذا ففعلته)، كذلك يمكن أن يكون من باب التفريع على موضوع داعيه كقولك: (دخل الوقت‌ فصلّيت)، وفيما نحن فيه يكون تفريع العمل على بلوغ الثواب من باب أنّه موضوع لتحقّق الداعي الذي هو إمّا الانقياد أو الإطاعة وقصد الأمر الجزمي المستفاد من نفس هذه الأخبار، وليس تفريعاً على داعي الانقياد ورجاء بلوغ الحكم الواقعي ليكون مخصوصاً به.

۷.۶.۲ - القرينة الثانية


وأمّا القرينة الثانية لاختصاص موضوع ترتّب الثواب بالحصّة الانقياديّة فيناقش فيها:
أوّلًا: بضعف سند الخبرين المشتملين على التقييد، فإنّ في سند الخبر المشتمل على التقييد بالتماس ذلك الثواب محمّد بن سنان وعمران الزعفراني المجهول، وهو كافٍ في الحكم بضعف سند الخبر. وأمّا الخبر الآخر المشتمل على قيد طلب قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ففي سنده محمّد بن مروان وهو مجهول لم يرد في حقّه توثيق، إلّا أن يقال: إنّه قد روى عنه صفوان وابن أبي عمير وهما من الثلاثة الذين شهد الشيخ الطوسي بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، فلو اعتمدنا على هذه الشهادة صحّ سند هذا الخبر.
وثانياً: بأنّه لا يستفاد من الخبرين أنّ الموضوع مقيّد بإتيانه بداعي طلب الثواب؛ وذلك لأنّ المقصود من التماس الثواب أو طلب قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان هو الثواب الواقعي البالغ المترتّب على الأمر الواقعي، إلّا أنّ ذكر ذلك ليس من أجل تقييد المتعلّق وجعل خصوص هذه الحصّة، بل من أجل أنّ ذلك شرط لترتّب الثواب في كلّ مطلوب مولوي، فلا يكون ذكره من باب أخذه قيداً في متعلّق المطلوب المولويّ الواقعي البالغ بالخبر الضعيف رغم اشتراطه في ترتّب الثواب، فلا وجه لتوهّم الاختصاص والتقييد.
وثالثاً: بما أفاده المحقّق الخراساني من أنّه وإن كان يستفاد التقييد من هذين الخبرين إلّا أنّه لا تنافي بين المطلق والمقيّد؛ إذ المقيّد يتكفّل حكماً إرشاديّاً إلى حكم العقل بحسن الانقياد وهذا لا ينافي الدليل المطلق المتكفّل لإثبات الحكم الاستحبابي المتعلّق‌ بذات العمل، فإنّه لا منافاة بين ثبوت الحكم الإرشادي للمقيّد وثبوت الحكم المولوي للمطلق.
ويرد عليه: أنّه مع القول بامتناع تقييد العمل بداعي تحصيل الثواب- كما أفاد ذلك في المناقشة على القرينة الاولى- لا وجه لاستفادة تقييد العمل بداعي طلب الثواب من هذين الخبرين. وقد ذهب بعض المحقّقين هنا إلى أنّ المطلق محمول على المقيّد، وذلك لأنّ الظاهر عرفاً من هذه الأحاديث كلّها أنّها بصدد إثبات أمر واحد وشي‌ء فارد، فإذا فرض تقديم المقيّد لأقوائيّة ظهوره في دخل القيد فلا بدّ حينئذٍ من أخذ داعويّة طلب الثواب الموعود به في موضوع ترتّب الثواب، وهذا مورد حكم العقل بحسن الانقياد، وعليه تكون الأخبار إرشاداً إلى حكم العقل. وهكذا يظهر أنّه لو تمّت إحدى القرينتين المذكورتين فلا بدّ من أخذ داعويّة طلب الثواب البالغ قيداً في موضوع ترتّب الثواب، وعليه فتكون الأخبار إرشاداً إلى حكم العقل بحسن الانقياد، إلّا أنّ هنا عدّة إشكالات على ذلك:
۱- إنّ تحديد الثواب بخصوص ما بلغ أمر خارج عن وظيفة العقل؛ لأنّ العقل لا يستقلّ إلّا بحسن العمل الانقيادي وترتّب أصل الثواب عليه، مع أنّه قد تعلّق وعد الشارع في هذه النصوص بمقدار الثواب المترتّب على العمل، وعليه فما دلّت عليه الأخبار أجنبيّ عن حكم العقل.
واجيب عنه بأنّ تحديد الثواب في هذه النصوص يكون من باب الوعد المولويّ والتفضّل من المولى سبحانه، وهذا لا ينافي حملها على الإرشاد إلى حكم العقل، وقد وقع نظير ذلك في الإخبار عن ترتّب ثواب خاصّ على الإطاعة في قوله تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»، فإنّ تحديد الثواب في مورد الإطاعة الحقيقيّة لا ينافي كون الأمر بالإطاعة أمراً إرشاديّاً إلى حكم العقل.
والوجه في ذلك هو أنّ حكم العقل بحسن الانقياد ولزوم الإطاعة يكون بالنسبة إلى تعيين مقدار الثواب لا بشرط لا بشرط لا، وعليه فلا يمنع تعيين مقدار الثواب من دلالة أخبار من بلغ وأنّها إرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد. وبذلك يظهر أنّ مفاد أخبار من بلغ يتألّف من أمرين: أحدهما: الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد، والآخر: الترغيب المولويّ إلى طلب الثواب المعيّن، كما أشار إلى ذلك الشهيد الصدر.
[۵۳] دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۰۵.

۲- إنّ بلوغ الثواب إنّما يتحقّق قبل العمل، وليس فائدة مترتّبة على العمل كي يكون علّة غائيّة داعية إلى العمل. وبعبارة اخرى: أنّ الداعي والعلّة الغائيّة ما يكون بوجوده العيني مترتّباً على العمل، وبوجوده الذهني سابقاً عليه، وبلوغ الثواب ليس فائدة مترتّبة على العمل ولم يتحقّق قبل العمل.
واجيب عنه بأنّ عنوان البلوغ أو السماع عنوان طريقي لا موضوعيّة له، فما هو الداعي في الواقع هو تحصيل الثواب البالغ الموعود به.
۳- إنّ حمل النصوص على الإرشاد يستلزم إلغاء خصوصيّة البلوغ؛ لأنّ حكم العقل بحسن الانقياد لا يختصّ بمورد البلوغ بل يجري في كلّ مورد تحتمل فيه المطلوبيّة وإن لم يكن بعنوان البلوغ.
واجيب عنه بأنّه لا مانع من اختلاف مراتب الانقياد في الأهمّيّة في مقدار الثواب بالنحو الذي يدركه الشارع، فلا مانع من اختصاص الانقياد في مورد بلوغ الثواب بمزيّة تقتضي الوعد بتمام الثواب البالغ وإن لم يتمّ في سائر موارد الانقياد.
ثمّ إنّه قد ذكر بعض الأعلام وجهاً آخر لاستفادة الاستحباب النفسي من أخبار من بلغ، وهو أنّ قوله عليه السلام: «فعمله» جملة خبريّة واقعة موقع الإنشاء ، وعليه فالجملة تفيد الأمر، وتكون بمنزلة قوله: (فاعمل) الدالّ على المطلوبيّة والبعث.
ويرد عليه: أنّ الجملة الخبريّة إنّما تدلّ على الأمر والمطلوبيّة إذا كانت جملة حمليّة أو وقعت موقع الجزاء، وأمّا إذا كانت شرطاً أو من توابعه كما في المقام حيث إنّ الفاء هنا عاطفة وليست للجزاء، فلا تدلّ الجملة المزبورة على الأمر والمطلوبيّة؛ لأنّ الشرط وما هو من توابعه بمنزلة الموضوع، والموضوع بما هو موضوع اخذ مفروض الوجود من دون أن يكون المولى بصدد البعث والتحريك والدعوة إليه.
ثمّ إنّ هناك عدّة امور:

۷.۷ - ثمرة القول باستحباب العمل أو حجية الخبر


هل تترتّب ثمرة فقهيّة عمليّة على الخلاف بين كون أخبار من بلغ في مقام إنشاء الحجّية للخبر الضعيف في باب المستحبّات، وبين كونها في مقام إنشاء الاستحباب النفسي على طبق عنوان البلوغ؟
أنكر السيّد الخوئي وجود ثمرة فقهيّة بين القولين؛ إذ يفتي المجتهد على أيّ حال باستحباب العمل البالغ عليه الثواب، إمّا لعنوان البلوغ الثانوي أو للخبر الضعيف الذي ثبتت حجّيته تعبّداً، فلا فرق بينهما فيما يهمّ الفقيه ، وأمّا المحاولة لإبراز الفرق بينهما بأنّه إذا ورد خبر ضعيف يدلّ على استحباب شي‌ء كالمشي بعد الطعام- مثلًا- وورد خبر صحيح يدلّ على حرمته فعلى القول بأنّها في مقام جعل الحجّية يكون الخبر الضعيف حجّة ومعارضاً للخبر الصحيح، وعلى القول الآخر ليس الأمر كذلك بل يكون الفعل بعنوانه الأوّلي حراماً وبعنوان بلوغ الثواب عليه مستحبّاً، فيدخل ذلك في باب تزاحم الملاكين والمقتضيين للحكم لا في باب التعارض، فهذه المحاولة غير تامّة؛ لأنّ أخبار من بلغ لا تشمل فرض بلوغ الثواب في مورد ثبت العقاب عليه أيضاً، فمثل هذا الفرض خارج عن أخبار من بلغ رأساً. ولكن في قبال ذلك ذهب السيّد الصدر إلى أنّ هناك ثمرات عمليّة يختلف بموجبها أحد القولين عن الآخر، وقد ذكر جملة منها، وهي كما يلي:

۷.۷.۱ - الثمرةالاولى


أن يدلّ خبر ضعيف على استحباب فعل وخبر آخر صحيح على نفي استحبابه، فعلى القول بجعل الحجّية للخبر الضعيف لا يثبت الاستحباب لوقوع التعارض بينهما؛ لحجّية كلّ منهما بحسب الفرض ونظرهما معاً إلى حكم واقعي واحد إثباتاً ونفياً، بينما على القول باستحباب الفعل بالعنوان الثانوي يثبت الرجحان؛ لعدم التعارض بينهما؛ لأنّ الخبر الضعيف الحاكي عن الاستحباب لا يثبت مؤدّاه ليعارض الخبر النافي له، بل هو بنفسه يكون موضوعاً لاستحباب واقعي مترتّب على عنوان البلوغ والبلوغ محقّق، وكونه معارضاً لا ينافي صدق عنوان البلوغ فيثبت الاستحباب.
[۵۹] مباحث الاصول (الجزء الثالث من القسم الثاني)، ج۱، ص۵۰۲.



۷.۷.۲ - الثمرةالثانية


أن نفرض ورود خبر صحيح يدلّ على أنّ ما يوجب الإضرار بالنفس لا يكون مستحبّاً ولو بعنوان ثانوي، وورود خبر ضعيف يدلّ على استحباب اللطم في عزاء الإمام الحسين عليه السلام ونفترض أنّ اللطم أمر مضرّ، فعلى القول بجعل الحجّية للخبر الضعيف يقدّم الخبر الثاني على الأوّل بالأخصيّة، ولا معارضة بين أخبار من بلغ وهذا الخبر الصحيح النافي للاستحباب؛ لأنّ أخبار من بلغ تدلّ على حجّية ما يعارضه من الخبر المثبت للاستحباب ولا تنفي مدلول ذلك الخبر، ولا منافاة بين عدم استحباب شي‌ء واقعاً وحجّية ما دلّ على استحبابه، وأمّا بناءً على الاستحباب فيقع التعارض بين الخبر الصحيح وبين أخبار من بلغ بنحو العموم من وجه فيتساقطان فلا يثبت الاستحباب.
وقد اورد عليه بأنّ الخبر الضعيف إنّما يكون مخصّصاً للخبر الصحيح- بناءً على جعل الحجّية- إذا كان المستفاد من أخبار من بلغ حجّية الخبر الضعيف بجميع خصوصيّاته وآثاره، وأمّا إذا كان قصارى ما يدلّ عليه إثبات الاستحباب لا أزيد كان معارضاً بحجّية إطلاق الدليل العامّ النافي للاستحباب فيتساقطان؛ لأنّ أخبار من بلغ لا ترتّب حينئذٍ حكم التخصيص والجمع العرفي على الخبر الضعيف.

۷.۷.۳ - الثمرة الثالثة


لو دلّ خبر ضعيف على استحباب عمل قبل الزوال- مثلًا- مع الشكّ في بقاء استحبابه بعد الزوال فبناءً على جعل الحجّية يمكن إثبات ذلك بالاستصحاب ، بخلافه بناءً على الاستحباب النفسي لعنوان البلوغ؛ لأنّ البالغ إنّما هو الثواب قبل الزوال، وهذا منتفٍ بعد الزوال جزماً.

۷.۷.۴ - الثمرة الرابعة


لو دلّ خبر ضعيف على وجوب عمل فإنّه بناءً على الاستحباب يثبت استحبابه؛ لأنّه مصداق لبلوغ الثواب على عمل، وأمّا بناءً على جعل الحجّية فإن قيل: إنّ أخبار من بلغ تثبت الحجّية حتى للخبر الضعيف الدالّ على الوجوب ثبت الوجوب، وإلّا فكما لا يثبت الوجوب كذلك لا يثبت الاستحباب؛ لأنّ الخبر لا يدلّ عليه فلا يكون طريقاً وحجّةً لإثبات غير مدلوله، وأيضاً لا يثبت‌ به الجامع بين الوجوب والاستحباب؛ لأنّه مدلول تحليلي للخبر، فلا يكون حجّة لإثباته عند من يرى أنّ حجّية الخبر في المدلول التحليلي متوقّفة على حجّيته في المدلول المطابقي بكامله. نعم، بناءً على إمكان التفكيك بينهما وعدم توقّف حجّية الخبر في المدلول التحليلي على حجّيته فيمكن الالتزام هنا بثبوت الجامع وأصل الرجحان.
[۶۴] دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۰۵- ۲۰۶.


۷.۸ - ثمرة القول بالاستحباب الشرعي أو العقلي


قد وقع البحث في أنّه هل تترتّب ثمرة عمليّة فقهيّة على الخلاف بين القول بأنّ مفاد الأخبار هو جعل الاستحباب الواقعي النفسي على طبق البلوغ بوصفه عنواناً ثانويّاً وبين القول بأنّ مفادها هو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد؟ قد ذكر الشيخ الأنصاري هنا موردين:
الأوّل: لو دلّ خبر ضعيف على استحباب غَسل المسترسل من اللحية في الوضوء فإنّه بناءً على ثبوت الاستحباب بالخبر الضعيف يجوز المسح ببلّته، وبناءً على عدم ثبوته به فلا يجوز المسح بها؛ لعدم كونه من أجزاء الوضوء حينئذٍ. واورد عليه:
أوّلًا: بعدم جواز المسح بالبلّة المذكورة حتّى على القول باستحباب الغَسل شرعاً؛ لأنّه مستحبّ مستقلّ في واجب أو في مستحبّ، وليس من أجزاء الوضوء، فلا يجوز المسح بها على كلا القولين.
واجيب عنه بأنّ ذلك خروج عن الفرض؛ إذ المفروض دلالة الخبر الضعيف على كونه جزءاً من الوضوء.
وثانياً: بأنّه لا دليل على جواز الأخذ من بلّة الوضوء مطلقاً حتى من الأجزاء المستحبّة، وإنّما ثبت جواز الأخذ من الأجزاء الأصليّة، فالقول باستحباب غَسل المسترسل من اللحية لا يستلزم جواز المسح ببلّته، وعليه فلا تتمّ هذه الثمرة.
الثاني: لو دلّ خبر ضعيف على استحباب الوضوء لغاية خاصّة كقراءة القرآن أو النوم- مثلًا- فإنّه على القول باستحبابه شرعاً يرتفع به الحدث، وعلى القول بعدمه لا يرتفع.
ويرد عليه: أنّ كلّ وضوء مستحبّ لم يثبت كونه رافعاً للحدث، فإنّه يستحبّ الوضوء للجنب و الحائض في بعض الأحوال مع أنّه لا يرتفع به الحدث، وكذا الوضوء التجديدي مستحبّ ولا يرتفع به الحدث.
واجيب عنه بأنّ الوضوء إنّما يرفع الحدث الأصغر ، و الجنب والحائض محدثان بالحدث الأكبر، فعدم ارتفاع الحدث فيهما إنّما هو من جهة عدم قابليّة المورد، فلا ينتقض بذلك على الارتفاع في مورد قابل كما في المقام. ومن ذلك يظهر الحال في الوضوء التجديدي. على أنّ من الممكن أن يكون وضوء الجنب والحائض رافعاً للحدث وللظلمة النفسانيّة، لكن رفعاً خفيفاً لا بمثابة ارتفاع الحدث في غيرهما.
وأمّا الوضوء التجديدي فيمكن أن يكون موجباً لشدّة الطهارة ، كما هو الظاهر من قوله عليه السلام: «الوضوء نور على نور». ثمّ إنّ هذه الثمرة مبنيّة على القول بعدم استحباب الوضوء استحباباً نفسيّاً من دون أن يقصد به غاية من الغايات، فإن قلنا باستحبابه كذلك فلا تتمّ الثمرة المذكورة؛ إذ يكون نفس الوضوء مستحبّاً رافعاً للحدث حينئذٍ سواء ثبت استحبابه لغاية خاصّة أو لم يثبت.

۷.۹ - ما يفتي به الفقيه في موارد التسامح


ذهب المحقّق العراقي إلى أنّه تظهر الثمرة بين القول بجعل الحجّية للخبر الضعيف وبين القول بجعل الاستحباب النفسي بعنوان البلوغ فيما إذا وصل الفقيه خبر ضعيف دالّ على الاستحباب، فيجوز له الإفتاء بالاستحباب للعامّي الذي لم يصله ذلك الخبر بناءً على القول بجعل الحجّية؛ لأنّ الحجّية وإن كانت مجعولةً في حقّ من بلغه الخبر الضعيف وهو المجتهد خاصّة، إلّا أنّ مفاد ذلك الخبر الضعيف الذي صار حجّة هو استحباب العمل على جميع المكلّفين، وعليه فللفقيه الإفتاء على طبق هذا المضمون.
وأمّا بناءً على جعل الاستحباب النفسي بعنوان البلوغ فلا يجوز له ذلك؛ لأنّ موضوع هذا الاستحباب هو البلوغ، وهذا الموضوع لم يتحقّق بشأن العامّي الذي لم يصله الخبر الضعيف. وعليه فإذا أراد المجتهد أن يفتي بالاستحباب فلا بدّ أن يقيّد موضوعه بمن بلغه الثواب، أو يخبر أوّلًا بأنّ في المورد خبراً ضعيفاً دالّاً على رجحان الفعل ثمّ يفتي باستحبابه.
وفي قبال ذلك ذهب السيّد الصدر إلى عدم تماميّة الثمرة المذكورة فإنّه لا فرق عنده بين القولين من هذه الجهة، فكما لا يجوز للمجتهد أن يفتي باستحباب العمل لمن لم يصله الخبر بناءً على استفادة جعل استحباب العمل لطروّ عنوان البلوغ، كذلك لا يجوز ذلك بناءً على استفادة جعل الحجّية للخبر الضعيف من أخبار من بلغ.
وأمّا عدم جواز الإفتاء- بناءً على القول الأوّل- فلما تقدّم من أنّ موضوع الاستحباب هو البلوغ، وهذا الموضوع لم يتحقّق بشأن العامّي الذي لم يصله الخبر، وعليه فلا مجال للفتوى بالاستحباب استناداً إلى أخبار من بلغ، كما لا مجال للفتوى بالاستحباب استناداً إلى الخبر الضعيف الدالّ على الثواب؛ لعدم حجّيته على الفرض.
وأمّا عدم جواز الإفتاء- بناءً على استفادة جعل الحجّية من أخبار من بلغ- فلأنّ ظاهر تلك الأخبار أنّ البلوغ قد اخذ بنحو الموضوعيّة لا الطريقيّة، فإنّ الحجّية الثابتة للخبر الضعيف ليست بملاك الكاشفيّة العقلائيّة وقوّة الاحتمال كي يكون موضوع الحجّية واقع الخبر الدالّ على الثواب، بل لخصوصيّة البلوغ دخل لثبوت الحجّية، بحيث لا يمكن إلغاء هذه الخصوصيّة والتعدّي لمن لم يثبت في حقّه هذه الخصوصيّة، فلا مجال لفتوى المجتهد بمؤدّى الخبر للعامّي الذي لم يصله ذلك الخبر، كما لا مجال لرجوع العامّي إلى المجتهد في ذلك؛ لأنّ وظيفة العامّي الرجوع إلى المجتهد في تشخيص ما ثبت في حقّه لا ما ثبت في حقّ المجتهد نفسه دونه.
وأمّا الاستدلال على جواز الإفتاء بالاستحباب حينئذٍ بأنّ المجتهد بعد جعل الحجّية للخبر الضعيف في حقّه يصبح عالماً تعبّداً بالاستحباب فتترتّب عليه آثار العلم من جواز الإفتاء وحجّية قوله للمقلّدين فغير تامّ؛ لأنّه قد اخذ في موضوع جواز الإفتاء و الإسناد إلى الشارع العلم بأنّ ما أفتى به قول الشارع غاية الأمر قام الإجماع على قيام الحجج والأمارات مقام العلم بالواقع، وهذا الإجماع والتسالم قدره المتيقّن الأمارات والحجج المتعارفة الثابتة بالسيرة والتي تكون الحجّية فيها بملاك الكاشفيّة العقلائيّة لا مثل الحجّية المستفادة من أخبار من بلغ.
وبذلك يظهر أنّه لا يجوز للمجتهد الإفتاء بالاستحباب للعامّي الذي لم يصله الخبر سواء كان مفاد الأخبار جعل الحجّية أو جعل الاستحباب بعنوان البلوغ.
نعم، لو أراد المجتهد أن يفتي بالاستحباب فلا بدّ أن يقيّد الموضوع بمن بلغه الثواب، أو يخبر بأنّ في المورد خبراً يدلّ على الثواب فيتحقّق البلوغ للعامّي فيثبت الاستحباب في حقّه، ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ مفاد أخبار من بلغ جعل الحجّية للخبر الضعيف أو القول بأنّ مفادها جعل الاستحباب بعنوان البلوغ.
(هذا، ولكن وافق المحقّق العراقي في ترتّب هذه الثمرة في الكتاب الآخر من تقريراته
[۷۷] مباحث الاصول، الجزء الثالث من القسم الثاني، ج۱، ص۵۴۹.
فإنّه قد صرّح فيه بشمول الحجّية المجعولة في أخبار من بلغ حتى لمن لم يبلغه الثواب؛ مستدلّاً عليه بأنّ البلوغ فيها لم يؤخذ بحسب المتفاهم العرفي بنحو الموضوعيّة بل بنحو الطريقيّة، فدليل حجّية الخبر البالغ يدلّ على حجّية أصل ذلك الخبر للجميع، وإنّما البلوغ المأخوذ في الكلام في الحقيقة بلوغ للحجّة، وعلى هذا فعلى القول بأنّ مفاد أخبار من بلغ هو جعل الحجّية للخبر الضعيف فيجوز للمجتهد أن يفتي باستحباب العمل وأن يقيّد موضوعه بمن بلغه الثواب، وأمّا بناءً على جعل الاستحباب بسبب طروّ عنوان البلوغ فلا يجوز ذلك. )

۷.۱۰ - شمول القاعدة لأحاديث الفضائل أو المراقد والمساجد


قد صرّح بعض الفقهاء بشمول أخبار من بلغ للروايات غير المعتبرة الدالّة على الموضوعات الخارجيّة مثل ما ورد عنهم عليهم السلام من تعيين المساجد والمراقد ونحوها ممّا تتعلّق بها أحكام ندبيّة غير واجبة، فإذا ورد في خبر ضعيف أنّ هذا الموضع مسجد فيحكم باستحباب الصلاة فيه، وكذا إذا ورد أنّ هذا الموضع الخاصّ مدفن نبيّ من الأنبياء عليهم السلام فيحكم حينئذٍ باستحباب الحضور عنده.
والوجه في شمول أخبار من بلغ لمثل هذه الروايات هو أنّ الإخبار بالموضوع الخارجي يكون في الواقع إخباراً بالملازمة عن استحباب ورجحان العمل الذي يتعلّق بذلك الموضوع الخارجي، فكما تشمل أخبار من بلغ الخبر الضعيف الذي يكون مدلوله المطابقي استحباب العمل وترتّب الثواب عليه، كذلك تشمل الخبر الضعيف الذي يكون مدلوله الالتزامي الاستحباب وترتّب الثواب وإن كان مدلوله المطابقي هو الإخبار عن الموضوع الخارجي.
فإذا ورد في خبر أنّ هذا الموضع مدفن نبيّ من الأنبياء عليهم السلام فمدلوله الالتزامي هو أنّ هذا الموضع يكون من المواضع التي يستحبّ الحضور عندها. نعم، لو ترتّب على هذا الخبر حكم آخر غير الاستحباب فلا يكون مشمولًا لأخبار من بلغ، فإذا ورد في الخبر الضعيف أنّ هذا الموضع مسجد فإنّه يترتّب عليه استحباب الصلاة ونحوه من الأحكام الاستحبابيّة، لا وجوب إزالة النجاسة عنه أو جواز الاعتكاف فيه ونحو ذلك.
هذا إذا كان العمل المتعلّق بالموضوع الخارجي من غير مقولة القول، وأمّا إذا كان العمل من مقولة القول، كما إذا ورد في خبر ضعيف ما يدلّ على فضيلة من الفضائل التي يتحلّى بها الأئمّة المعصومون عليهم السلام ومناقبهم، فالعمل بهذا الخبر هو نشر تلك الفضيلة الواردة فيه، والإخبار بوقوعها من دون نسبةٍ إلى الحكاية على حدّ الإخبار بالامور والوقائع الواردة بالطرق المعتبرة، ومثل ذلك الأخبار الواردة فيها المواعظ أو ما نزل بالأئمّة عليهم السلام من محن ومصائب.
وقد تعرّض لهذه المسألة الشهيدان، قال أوّلهما: إنّ «أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم». وقال ثانيهما: «جوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في صفات اللَّه وأحكام الحلال والحرام. وهو حسن، حيث لم يبلغ الضعيف حدّ الوضع و الاختلاق ».
[۸۱] الدراية، ج۱، ص۲۹.
ومراده بالعمل هو نقل هذه الامور و استماعها وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها كما ذكره الشيخ الأنصاري.
وكيف كان فقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى جواز ذلك، ولكن خالفه في ذلك جمع من الفقهاء كالمحقّق النائيني والاصفهاني وغيرهما.
[۸۴] نهاية الدراية، ج۴، ص۱۹۲- ۱۹۳.
[۸۵] أجود التقريرات، ج۳، ص۳۶۸- ۳۶۹.

وتفصيل الكلام فيه هو: أنّه لو كان المختار في مفاد أخبار من بلغ جعل الحجّية للخبر الضعيف فقد يقال: إنّه لا محذور في ذلك، فإذا ورد في الخبر الضعيف ما يدلّ على ما نزل على سيّد الشهداء عليه السلام من المصائب فالعمل بهذا الخبر هو نقل تلك المصيبة وذكرها للبكاء و الإبكاء ، وبما أنّ الخبر صار حجةً بسبب أخبار من بلغ فلا بأس بنقل المصيبة من دون نسبة إلى الحكاية، فكما يجوز ذلك فيما إذا ورد ذلك في الخبر الصحيح، ولا يكون ذلك من القول بغير علم ولا من الكذب، كذلك فيما إذا ورد في الخبر الضعيف.
إلّا أنّ هذا مبنيّ على كون الحجّية المجعولة للخبر الضعيف ثابتة بالسيرة العقلائيّة ونحوها ممّا يدلّ على أنّ جعل الحجّية يكون بملاك الكاشفيّة العقلائيّة، ولكن أخبار من بلغ ليست ظاهرة في أنّ نكتة جعل الحجّية للخبر الضعيف هي الكاشفيّة عن الواقع، فليست هذه الحجّية بدرجة توجب ترتّب آثار القطع الموضوعي عليه، بخلاف الخبر الذي صار حجّة بالسيرة العقلائيّة التي يستفاد منها أنّ نكتة جعل الحجّية هي الكاشفيّة عن الواقع، فإنّه يقوم مقام القطع الموضوعي ويترتّب عليه أثره.
وأمّا إذا كان المختار في مفاد أخبار من بلغ جعل الاستحباب بعنوان البلوغ أو الإرشاد إلى حكم العقل فقد يقال: إنّه يجوز حينئذٍ الإخبار بما ورد في الخبر الضعيف من الفضائل والمصائب ونحوها من دون نسبة إلى الحكاية، وذلك لحكم العقل بحسن العمل حينئذٍ مع أمن المضرّة فيه على تقدير عدم موافقة الخبر للواقع. ولكن اورد عليه بمنع حكم العقل بحسن النقل والإخبار مع عدم إحراز مطابقة الخبر للواقع؛ لأنّ العقل إنّما يحكم بحسن العمل إذا كانت‌ فيه مصلحة تامّة غير مزاحمة وغير مقترنة بالمفسدة، وفي نقل ما لم يحرز مطابقته للواقع والإخبار به مفسدة توجب الحكم بقبحه عقلًا فقط أو عقلًا وشرعاً معاً.
وقد استدلّ المحقّق الاصفهاني على ذلك بأنّ النقل والإخبار بما لم يحرز مطابقته للواقع كذب محرّم شرعاً وعقلًا، فكما أنّه يصدق الكذب على الإخبار بما اعتقد الشخص مخالفته للواقع، كذلك يصدق على الإخبار بما لا يعتقد ولا يحرز مطابقته للواقع، فإنّ التقابل بين الكذب والصدق تقابل العدم والملكة .
[۸۷] نهاية الدراية، ج۴، ص۱۹۳.
ولكن اورد عليه بأنّ المرجع في تعيين مفهوم الصدق والكذب هو العرف؛ لأنّ أدلّة حرمة الكذب كسائر الأدلّة والخطابات الشرعيّة ملقاة إلى عرف الناس، فالميزان في تعيين مفهوم موضوعات الأحكام الواردة في تلك الأدلّة هو ما يفهمه العرف، وظاهر عنوان الصدق عرفاً ولغةً هو مطابقة القول للواقع، كما أنّ ظاهر الكذب عرفاً ولغةً هو مخالفة القول للواقع، ولا يكون إحراز المطابقة وعدمها مأخوذاً في المفهوم العرفي منهما، فالصدق هو القول الموافق للواقع سواء احرز ذلك أو لا، كما أنّ الكذب هو القول المخالف للواقع سواء احرز ذلك أو لا، ويعبّر عن الصدق والكذب بهذا المعنى بالصدق والكذب الخبريّين، كما يعبّر عن الصدق والكذب المأخوذ فيه الإحراز وعدمه بالصدق والكذب المخبريّين.
ومن الواضح أنّ الصدق والكذب الخبريّين يتعلّق بهما الحكم العقلي والشرعي، خلافاً لما أفاده المحقّق الاصفهاني ؛ وذلك لأنّ المخبر إذا أخبر بخبر كان مخالفاً للواقع فإنّه يصدق أنّه كذب وإن لم يحرز ذلك ويكون محكوماً بالقبح عقلًا، إلّا أنّه ليس قبحاً فاعليّاً بل قبحاً فعليّاً، وعليه فالكذب بهذا المعنى له حكم عقلًا وكذلك له حكم شرعاً؛ إذ ليست واقعة إلّا وهي محكومة بأحد الأحكام الخمسة، وكذا الأمر في الصدق فإنّه محكوم بحكم عقلي وشرعي. وعليه، فلو أحرز المخبر مطابقة الخبر للواقع فأخبر فإنّه كما هو محكوم بالحسن الفعلي كذلك محكوم بالحسن الفاعلي، ولو أحرز عدم مطابقته فأخبر فإنّه محكوم بالقبح الفعلي والفاعلي معاً.
وبذلك يظهر عدم تماميّة ما أفاده المحقّق الاصفهاني من أنّ الصدق والكذب الخبريّين لا حكم لهما عقلًا ولا شرعاً، وكذا ما أفاده من أنّه إذا لم يحرز عدم مطابقة الخبر للواقع فأخبر فإنّه يصدق حينئذٍ عنوان الكذب؛ لما تقدّم من أنّ الكذب هو القول المخالف للواقع، فإذا لم يحرز موافقته للواقع فإنّه فرد مشكوك للكذب، فإنّ المورد يكون شبهة مصداقيّة لعنوان الكذب. وهناك وجه آخر لقبح الإخبار بما لم يعلم أنّه مطابق للواقع: وهو أنّ الإخبار به من مصاديق القول بغير علم وهو قبيح ومحرّم عقلًا وشرعاً.
ووجه ثالث لقبحه عقلًا وحرمته: وهو أنّ كلّ ما لا يعلم أنّه كذب يكون طرفاً لعلم إجمالي بحرمة الإخبار به أو بنقيضه أو ضدّه للعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع فيكون كذلك، فإذا لم يعلم بمجي‌ء زيد يعلم إجمالًا بأنّ الإخبار به أو الإخبار بعدم مجيئه حرام واقعاً؛ لخلوّ الواقع عن أحدهما، فهو يعلم أنّ الكذب لا يخرج عن أحدهما، وهو علم إجمالي منجّز، فيستلزم حرمة كلّ من الطرفين عقلًا.
[۸۹] المكاسب المحرّمة (الخميني)، ج۲، ص۷۸.

وبذلك يظهر أنّه لا يجوز نقل الأخبار الواردة فيها المواعظ أو الفضائل أو المصائب أو نحوها والإخبار بها من دون نسبة إلى الحكاية، إمّا من أجل أنّه كذب محرّم شرعاً وعقلًا، وإمّا من أجل أنّه من القول بغير علم، وإمّا من أجل أنّ الإخبار بما لم يحرز أنّه كذب يكون طرفاً للعلم الإجمالي بحرمة الإخبار به أو بنقيضه أو ضدّه. نعم، يجوز النقل والإخبار على نحو الحكاية من دون إشكال في ذلك.

۷.۱۱ - شمول القاعدة للخبر المجمل وعدمه


إذا كان سند الخبر صحيحاً ومعتبراً ولكن لا تكون دلالته على الاستحباب والرجحان تامّة، فهل يمكن إثبات الاستحباب بتلك الدلالة غير التامّة الضعيفة أو لا؟ نسب إلى بعض القول بإمكان ذلك، فكما يتسامح في سند الخبر ولا يعتنى بضعفه فيثبت الاستحباب بالخبر الضعيف في السند، كذلك يتسامح في دلالته، فيمكن إثبات استحباب العمل بالخبر الذي تكون دلالته على الاستحباب ضعيفة غير تامّة.
ويرد عليه: أنّ الموضوع في أخبار من بلغ بلوغ الثواب وسماعه، فما لم يبلغ الثواب إلى المكلّف ولم يسمعه لم يثبت الاستحباب، ومع ضعف دلالة الخبر وعدم ظهوره لا يصدق عنوان البلوغ والسماع، فالموضوع منتفٍ حينئذٍ.

۷.۱۲ - شمول القاعدة للخبر الدال على الوجوب


هل تشمل أخبار من بلغ الخبر الضعيف الدالّ على الوجوب أو لا؟ ذهب بعض الفقهاء الاصوليّين كالمحقّق النائيني إلى شمولها له، واستدلّ عليه بأنّ إطلاق الأخبار يقتضي عدم اختصاصها بما إذا بلغ الثواب على الفعل فقط من دون اشتماله على العقاب على الترك، بل يعمّ ما اشتمل على العقاب على الترك، فإذا ورد خبر ضعيف دالّ على وجوب فعل فيثبت به الاستحباب والرجحان، وأمّا المنع من الترك فلا؛ لأنّه مندفع بالأصل.
[۹۲] أجود التقريرات، ج۳، ص۳۷۱.

وكذا ذهب إليه المحقّق العراقي؛ مستدلّاً على ذلك بأنّه بناءً على استفادة الاستحباب النفسي من الأخبار فإنّ الخبر الدالّ على الوجوب يصدق عليه من- جهة اشتماله على أصل الرجحان- بلوغ الثواب حينئذٍ فتشمله الأخبار، وهكذا الأمر بناءً على استفادة الحجّية، فإنّ الخبر يبعّض في مضمونه فيؤخذ به من جهة دلالته على أصل الرجحان ويترك دلالته على المنع من النقيض .
وينبغي قبل البحث الإشارة إلى ما ذكروه في كيفيّة دلالة مادّة الأمر أو صيغته على الوجوب ومنشأ هذه الدلالة، فقد ذهب المحقّق النائيني
[۹۴] أجود التقريرات، ج۱، ص۹۵- ۹۶.
إلى أنّ الوجوب ليس مدلولًا للدليل اللفظي وإنّما مدلوله طلب الفعل فحسب، بل الوجوب إنّما يكون بحكم العقل، فإنّ الطلب إذا صدر من المولى ولم يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بأنّ مقتضى وظيفة العبوديّة لزوم امتثاله وإطاعته، ومن ذلك ينتزع عنوان الوجوب، كما أنّه إذا أقام المولى قرينةً على الترخيص لا يحكم العقل بلزوم موافقة الطلب، ومن ذلك ينتزع عنوان الاستحباب، فكلّ من الوجوب والاستحباب شأن من شئون حكم العقل المتعلّق بطلب المولى.
وقد ذهب بعض
[۹۵] مقالات الاصول، ج۱، ص۶۵- ۶۶.
إلى أنّ الوجوب ليس مدلولًا للدليل اللفظي وإنّما مدلوله هو الجامع بين الإرادة الشديدة والضعيفة، بل إنّما الوجوب مستفاد من إطلاق الدليل ومقدّمات الحكمة، فإنّ المولى إذا أمر بشي‌ء وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على إرادة الجامع أو المرتبة الضعيفة من الإرادة فمقتضى الإطلاق وعدم نصب القرينة هو حمل الأمر على بيان المرتبة الشديدة، حيث إنّ بيانها لا يحتاج إلى مئونة زائدة دون بيان المرتبة الضعيفة.
وهناك قول آخر نسب إلى المتقدّمين من الفقهاء: وهو أنّ الوجوب يكون مدلولًا لفظيّاً لصيغة الأمر أو مادّته وهو مركّب من جزءين: طلب الفعل والمنع من الترك.
[۹۶] أجود التقريرات، ج۱، ص۹۴- ۹۵.
ولكن ذهب المحقّقون من المتأخّرين إلى أنّ الوجوب وإن كان مدلولًا للّفظ إلّا أنّه ليس بأمر مركّب، بل هو أمر بسيط وهو المرتبة الشديدة من الطلب والإرادة.
[۹۷] أجود التقريرات، ج۱، ص۹۴- ۹۵.
ثمّ إنّه بناءً على القول الأوّل- أي قول المحقّق النائيني- لا مانع من شمول أخبار من بلغ للخبر الضعيف الدالّ على الوجوب؛ لأنّ مدلول الخبر ليس إلّا مطلوبيّة العمل ومحبوبيّة متعلّق الأمر، والوجوب على هذا المبنى يكون بحكم العقل، فيتحقّق بهذا الخبر موضوع الأخبار وهو بلوغ الثواب، فيثبت بذلك رجحان العمل، وبما أنّ موضوع حكم العقل بلزوم الموافقة لم يتحقّق هنا فلا يحكم العقل بالوجوب واللزوم؛ لأنّ موضوعه الحجّة، والخبر الضعيف ليس بحجّة.
هذا بناءً على استفادة الاستحباب بعنوان البلوغ الثانوي، وأمّا بناءً على جعل الحجّية فالخبر الضعيف وإن كان حجّة إلّا أنّ الحجّية الثابتة بأخبار من بلغ هي الحجّية المحدودة بمقدار بلوغ الثواب، وأمّا الزائد على ذلك فغير ثابت بتلك الأخبار، وعليه فيثبت الرجحان فقط لا اللزوم والوجوب. وأمّا بناءً على القول الثاني- أي القول بأنّ الوجوب مستفاد من الإطلاق ومقدّمات الحكمة- فكذلك يمكن إثبات الاستحباب بالخبر الدالّ على الوجوب؛ لأنّ الخبر يكون حجّة بالنسبة إلى أصل الجامع بين الإرادة الشديدة والضعيفة، ولكن لا يثبت به الوجوب؛ لأنّ مقدّمات الحكمة والإطلاق إنّما تقتضي إرادة الرتبة الشديدة إذا كان الخبر حجّة من هذه الجهة، ولكن الحجّية الثابتة بأخبار من بلغ هي الحجّية المحدودة بمقدار بلوغ الثواب، فيثبت به أصل الطلب والرجحان فقط.
هذا بناءً على استفادة جعل الحجّية، وأمّا بناءً على استفادة الاستحباب النفسي فالأمر كذلك؛ لأنّ موضوع الأخبار- وهو بلوغ الثواب- يتحقّق بذلك الخبر الضعيف، فإنّه يدلّ على ترتّب الثواب بالملازمة. وأمّا على القول بتركّب الوجوب من طلب الفعل والمنع من الترك فموضوع الأخبار متحقّق أيضاً؛ لأنّ الخبر من جهة اشتماله على طلب الفعل وأصل الرجحان يصدق عليه حينئذٍ بلوغ الثواب.
هذا بناءً على استفادة جعل الاستحباب بعنوان البلوغ، وأمّا بناءً على استفادة جعل الحجّية فلما ذكره المحقّق العراقي من أنّ الخبر الضعيف يكون حجّة إلّا أنّه يبعّض في مضمونه فيؤخذ به من جهة دلالته على أصل الرجحان ويترك دلالته على المنع من الترك. ولكن هذا المبنى غير تامّ عند المحقّقين ومنهم المحقّق العراقي، ومن هنا يرد على ما ذكره المحقّق العراقي أنّه يكون مبنيّاً على القول بتركّب الوجوب من طلب الفعل والمنع من الترك، وهو غير تامّ حتى عند هذا المحقّق. وأمّا على القول ببساطة الوجوب فكذلك يثبت الرجحان بالخبر الضعيف الدالّ على الوجوب؛ لأنّ الخبر الضعيف وإن لم يكن مشمولًا لأخبار من بلغ بملاحظة مدلوله المطابقي وهو الوجوب، إلّا أنّه بملاحظة مدلوله الالتزامي- وهو ترتّب الثواب- يكون مشمولًا لأخبار من بلغ، ولا محذور في التفكيك في الحجّية بين المدلول المطابقي و المدلول الالتزامي بهذا النحو كما هو واضح.
وبذلك يظهر أنّه على جميع المباني يمكن إثبات استحباب ورجحان العمل بالخبر الضعيف الدالّ على وجوبه.
وقد اختار بعض الفقهاء عدم شمول أخبار من بلغ لهذا المورد؛ مستدلّاً على ذلك بأنّ ظاهر أخبار من بلغ كون الداعي إلى العمل هو تحصيل الثواب، بمعنى أنّ موضوعها ما يتفرّع العمل فيه على بلوغ الثواب طبعاً وعادةً بحيث يكون الداعي هو الثواب. وليس الأمر كذلك في الواجبات؛ إذ الداعي إلى فعل الواجب عادةً وطبعاً هو الفرار عن مفسدة تركه وهو العقاب، لا تحصيل مصلحة فعله وهو الثواب، فلا يكون الإخبار بالوجوب مشمولًا لهذه القاعدة؛ لاختصاص موضوعها بما يؤتى به بداعي الثواب عادةً وهو خصوص المستحبّات؛ لعدم الإتيان بالواجب عادةً بداعي الثواب وإن أمكن حصوله أحياناً.

۷.۱۳ - شمول التسامح للمكروهات وعدمه


نسب إلى المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب في التسامح في دليلها؛ وذلك بدعوى شمول عنوان العمل في أخبار من بلغ للفعل والترك، وحينئذٍ يثبت رجحان ترك الفعل الذي قام الخبر الضعيف على كراهته أو يثبت به كراهة الفعل. ولكن ذكر في المقام وجهان لعدم شمول أخبار من بلغ لمورد الكراهة ، ويتّضح خلال البحث عدم شمولها للخبر الضعيف الدالّ على الحرمة:

۷.۱۳.۱ - الوجه الأول


أنّ المنصرف من قوله عليه السلام: «من بلغه ثواب من اللَّه على عمل فعمله...» هو اختصاص عنوان العمل بالأمر الوجودي غير الصادق على التروك في باب المحرّمات والمكروهات، وكذا قوله عليه السلام: «من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير...»، فإنّ ظاهره أيضاً الاختصاص بالأمر الوجودي بلحاظ ما فيه من المصلحة المقتضية للمطلوبيّة، ومن الواضح أنّ مطلوبيّة الترك في المحرّمات ليس من أجل قيام المصلحة بنفس الترك، وإنّما كان ذلك باعتبار ما في الفعل من المفسدة الموجبة لمبغوضيّة الوجود وللزجر عن إيجاده ، ونظير ذلك في المكروهات.
ويرد عليه: أنّ لازم ذلك عدم شمول أخبار من بلغ لما إذا قام الخبر الضعيف على استحباب ترك الفعل. ولكن اجيب عنه:
أوّلًا: بأنّ قوله عليه السلام: «من بلغه ثواب من اللَّه على عمل فعمله» وإن لم يشمل هذا المورد كما لم يشمل الترك في باب المحرّمات والمكروهات، إلّا أنّ قوله عليه السلام: «ومن بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير» يشمل ما إذا كان نفس الترك متعلّقاً للطلب والبعث ومورداً لقيام المصلحة به كما في تروك الصوم؛ إذ عنوان الخير كما هو صادق على الفعل الذي فيه المصلحة، كذلك صادق على الترك الذي فيه المصلحة. وهذا بخلاف الترك في باب المحرّمات والمكروهات فإنّه لا يشمله؛ لأنّ مطلوبيّة الترك فيهما إنّما كانت بلحاظ ما في الفعل من المفسدة والحزازة لا بلحاظ ما فيه من المصلحة المقتضية للمطلوبيّة.
وثانياً: بأنّ المناسبات المرتكزة في ذهن العرف هنا تقتضي إلغاء خصوصيّة الفعل والترك والحكم بأنّ تمام النكتة والموضوع لترتّب الثواب هو بلوغ الثواب على شي‌ء سواء كان على فعل أو ترك.

۷.۱۳.۲ - الوجه الثاني


أنّه يعتبر في صدق البلوغ الظهور العرفي للخبر في ترتّب الثواب، فإذا لم يكن ترتّب الثواب على فعل مستنداً إلى الظهور العرفي للخبر الضعيف فلا يصدق البلوغ حينئذٍ، وترتّب الثواب على الترك في باب المحرّمات والمكروهات ليس مستنداً إلى الظهور العرفي للنهي التحريمي أو التنزيهي. نعم، هو من لوازمه العقليّة، وهذا لا يكفي في صدق البلوغ.
وتوضيح ذلك هو: أنّ النهي بناءً على القول بأنّه عبارة عن الزجر عن الفعل لا ظهور له في الزجر عنه إلّا لوجود مفسدة في الفعل، بحيث يستحقّ اللوم والعقاب عليه، وإذا ورد النهي في الخبر فهو إخبار بترتّب المفسدة والعقاب على الفعل، ولا يكون هذا إخباراً بترتّب الثواب على تركه وإن ترتّب عليه بحكم العقل لأجل الامتثال لكنّه أجنبيّ عن ظهور اللفظ عرفاً في الوعد على الثواب، وعليه فلا يصدق حينئذٍ عنوان البلوغ.
وأمّا بناءً على كون النهي عبارة عن طلب الترك وإن كان يوهم حينئذٍ أنّ النهي ظاهر في رجحان الترك وهو ملازم لترتّب الثواب‌، إلّا أنّ هذا التوهّم غير صحيح؛ لأنّ طلب الترك في المحرّمات ليس لمصلحة فيه، بل إنّما هو بملاك وجود المفسدة في الفعل، وعليه فلا ظهور للنهي إلّا في التحرّز عن مفسدة الفعل، ولا ظهور له عرفاً في ترتّب الثواب على الترك. نعم، يترتّب عليه الثواب عقلًا، إلّا أنّه لا يوجب انعقاد الظهور العرفي للدليل في ترتّب الثواب على الترك الموجب لصدق البلوغ. وعلى هذا فلا تشمل أخبار من بلغ موارد الحرمة، وكذا موارد الكراهة؛ إذ لا ظهور عرفاً للخبر الدالّ على الكراهة في ترتّب الثواب على الترك، ومعه لا يصدق بلوغ الثواب عليه. على أنّ ظاهر الأخبار هو أنّ موضوعها ما يؤتى به بداعي الثواب عادةً، وهو لا ينطبق على المحرّمات؛ إذ الامتثال فيها لا يكون بداعي تحصيل الثواب عادةً بل بداعي الفرار عن العقاب على الفعل، كما لا ينطبق على المكروهات؛ لأنّ الامتثال فيها لا يكون بداعي تحصيل الثواب على الترك عادةً بل بداعي الفرار والتحرّز عن المنقصة الموجودة في الفعل.
ثمّ إنّه بناءً على عدم اختصاص أخبار من بلغ بالخبر الضعيف الدالّ على الاستحباب وشمولها للخبر الضعيف الدالّ على الكراهة فغاية ما يستفاد منها أنّه إذا قام الخبر الضعيف على الكراهة يثبت به رجحان الترك ومطلوبيّته فقط، ولا تثبت به كراهة الفعل، والوجه في ذلك- بناءً على استفادة الاستحباب النفسي بعنوان البلوغ من هذه الأخبار- واضح؛ إذ استفادة حكم الاستحباب في مورد خبر الاستحباب والكراهة في مورد خبر الكراهة خلاف ظهورها في جعل سنخ واحد من الحكم، وأمّا بناءً على استفادة جعل الحجّية منها فالأمر كذلك؛ لأنّها تثبت الحجّية بمقدار بلوغ الثواب لا أكثر أي تثبت رجحان الترك الجامع بين استحبابه ذاتاً أو تبعاً وباعتباره نقيض المكروه، ولا يثبت الكراهة بعنوانها وخصوصيّتها.


 
۱. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۰۰- ۲۰۱.    
۲. رسائل فقهيّة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۳۷.    
۳. المحاسن، ج۱، ص۲۵، ح ۱.    
۴. الوسائل، ج۱، ص۸۱، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۳.    
۵. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸، من مقدّمة العبادات، ح ۶.    
۶. ثواب الأعمال، ج۱، ص۱۳۲.    
۷. الوسائل، ج۱، ص۸۰، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۱.    
۸. الوسائل، ج۱، ص۸۱، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۴.    
۹. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۷.    
۱۰. إقبال الأعمال، ج۳، ص۴۷.
۱۱. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۹.    
۱۲. عدّة الداعي، ج۱، ص۹.    
۱۳. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۸.    
۱۴. عدّة الداعي، ج۱، ص۹- ۱۰.    
۱۵. عدّة الاصول ، ج۱، ص۳۸۶- ۳۸۷.
۱۶. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۲۵.    
۱۷. الحاشية على الكفاية، ج۲، ص۲۵۱.    
۱۸. المحجّة في تقريرات الحجّة، ج۲، ص۲۳۹- ۲۴۰.
۱۹. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۶.    
۲۰. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۷۹.    
۲۱. حقائق الاصول، ج۲، ص۲۶۹.    
۲۲. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۱۹.    
۲۳. هداية المسترشدين، ج۳، ص۴۷۱.
۲۴. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۵۲.    
۲۵. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۰۲.    
۲۶. فوائد الاصول، ج۳، ص۴۰۹- ۴۱۰.    
۲۷. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۷۷- ۲۷۸.    
۲۸. الوسائل، ج۱، ص۸۰، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۱.    
۲۹. المحاسن، ج۱، ص۲۵، ح ۱.    
۳۰. الوسائل، ج۱، ص۸۱، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۳.    
۳۱. هداية المسترشدين، ج۳، ص۴۷۱.
۳۲. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۲- ۱۲۳.    
۳۳. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۰۲.    
۳۴. دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۶۳.
۳۵. الوسائل، ج۱، ص۸۰-۸۱ ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۱.    
۳۶. الوسائل، ج۱، ص۸۲ ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح۳، ۴.    
۳۷. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۳، التعليقة رقم ۲.    
۳۸. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۷۹.    
۳۹. الوسائل، ج۱، ص۸۰، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۱.    
۴۰. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۵۲.    
۴۱. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۷۹.    
۴۲. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۷۹.    
۴۳. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۵۳.    
۴۴. نهاية الدراية، ج۴، ص۱۷۶- ۱۷۷.
۴۵. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۳۰.    
۴۶. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۷.    
۴۷. الوسائل، ج۱، ص۸۱، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۴.    
۴۸. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۳۱.    
۴۹. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۵۳.    
۵۰. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۲۹.    
۵۱. النساء/سورة ۴، الآية ۱۳.    
۵۲. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۰۶- ۳۰۷.    
۵۳. دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۰۵.
۵۴. المحكم في اصول الفقه، ج۴، ص۱۴۹- ۱۵۰.    
۵۵. فوائد الاصول، ج۳، ص۴۱۲.    
۵۶. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۶.    
۵۷. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۲۷.    
۵۸. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۰۲- ۳۰۳.    
۵۹. مباحث الاصول (الجزء الثالث من القسم الثاني)، ج۱، ص۵۰۲.
۶۰. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۷- ۱۲۸.    
۶۱. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۸، التعليقة رقم ۱.    
۶۲. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۸.    
۶۳. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۲۸.    
۶۴. دروس في علم الاصول، الحلقة الثانية، ج۱، ص۲۰۵- ۲۰۶.
۶۵. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۲، ص۱۵۸.    
۶۶. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۲۲.    
۶۷. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۲۲.    
۶۸. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۲۲.    
۶۹. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۲، ص۱۵۸.    
۷۰. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۲۲.    
۷۱. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۱۲- ۳۱۳.    
۷۲. الوسائل، ج۱، ص۳۷۷، ب ۸ من الوضوء، ح ۸.    
۷۳. دراسات في علم الاصول، ج۳، ص۳۱۲- ۳۱۳.    
۷۴. مصباح الاصول، ج۲، ص۳۲۲- ۳۲۳.    
۷۵. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۸۱.    
۷۶. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۳۷- ۱۳۸.    
۷۷. مباحث الاصول، الجزء الثالث من القسم الثاني، ج۱، ص۵۴۹.
۷۸. رسائل فقهيّة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۷۲- ۱۷۳.    
۷۹. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۴۰.    
۸۰. الذكرى، ج۲، ص۳۴.    
۸۱. الدراية، ج۱، ص۲۹.
۸۲. رسائل فقهية (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۵۸.    
۸۳. رسائل فقهية (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۷۲.    
۸۴. نهاية الدراية، ج۴، ص۱۹۲- ۱۹۳.
۸۵. أجود التقريرات، ج۳، ص۳۶۸- ۳۶۹.
۸۶. رسائل فقهية (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۷۲.    
۸۷. نهاية الدراية، ج۴، ص۱۹۳.
۸۸. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۴۱.    
۸۹. المكاسب المحرّمة (الخميني)، ج۲، ص۷۸.
۹۰. رسائل فقهية (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۷۰.    
۹۱. رسائل فقهية (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۷۰.    
۹۲. أجود التقريرات، ج۳، ص۳۷۱.
۹۳. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۸۲.    
۹۴. أجود التقريرات، ج۱، ص۹۵- ۹۶.
۹۵. مقالات الاصول، ج۱، ص۶۵- ۶۶.
۹۶. أجود التقريرات، ج۱، ص۹۴- ۹۵.
۹۷. أجود التقريرات، ج۱، ص۹۴- ۹۵.
۹۸. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۸۲.    
۹۹. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۳۳- ۵۳۴.    
۱۰۰. الوسائل، ج۱، ص۸۲، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۷.    
۱۰۱. الوسائل، ج۱، ص۸۰، ب ۱۸ من مقدّمة العبادات، ح ۱.    
۱۰۲. نهاية الأفكار، ج۲، ص۲۸۲- ۲۸۳.    
۱۰۳. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۳۲.    
۱۰۴. منتقى الاصول، ج۴، ص۵۳۴- ۵۳۶.    
۱۰۵. بحوث في علم الاصول، ج۵، ص۱۳۲.    




الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۱۱-۲۴۲.    



جعبه ابزار