أقسام الاجتهاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يمكن تقسيم
الاجتهاد إلى نحوين:الأوّل: تقسيمه إلى الاجتهاد المطلق والاجتهاد
المتجزئ . والثاني: تقسيمه إلى الاجتهاد الفعلي والاجتهاد بالقوة والملكة.
إذا كان الشخص واجداً لقدرة علمية وملكة عامة يستطيع بها
استنباط الأحكام الشرعية بصورة لا تختص هذه الملكة بباب دون باب من أبواب
الفقه ، بل يكون قادراً على بيان حكم كل مسألة من المسائل وفي مختلف فروع الفقه طبقاً للُاصول والقواعد المقررة للاستنباط، فيسمى هذا مجتهداً مطلقاً، ولو لم يستنبط جميع أحكام المسائل فعلًا. وأمّا إذا اختصت هذه القدرة والملكة في الاستنباط ببعض الأبواب دون بعض، بحيث لا يتمكّن من استنباط إلّا جملة من الأحكام لا جميعها، فيسمّى صاحبها بالمتجزئ في الاجتهاد.
وقد ذهب كثير من الفقهاء الاصوليين إلى
إمكان التجزئ في الاجتهاد،
في قبال من قال باستحالته؛
نظراً إلى أنّ الاجتهاد ملكة كباقي الملكات كالشجاعة والسخاوة وغيرهما، وهي كيف نفساني بسيط غير قابل للتجزئة والتقسيم، وإنّما القابل لذلك هو الكم، فأمر الملكة دائماً يدور بين الوجود والعدم، إذ المتصدي للاستنباط إمّا أن يكون مجتهداً مطلقاً وإمّا أن لا يتصف بالاجتهاد أصلًا.
وقد ردّ القول
باستحالة التجزؤ في الاجتهاد؛ لوضوح أنّ من ادعى إمكانه لا يريد بذلك أن ملكة الاجتهاد قابلة للتجزئة والتنصيف أو ما شابه، بل مراده أنّ متعلّق القدرة في المجتهد المتجزّئ أضيق دائرة من متعلّقها في المجتهد المطلق. فإنّ القدرة تتعدد بتعدّد متعلّقاتها، إذ القدرة على استنباط حكمٍ ما مغايرة للقدرة على استنباط حكم آخر، وهما تغايران القدرة على استنباط حكم ثالث، وهكذا.
كما أنّ الأحكام تختلف بحسب سهولة المدرك والاستنباط وصعوبتهما، فربّ حكم اختلفت فيه الأقوال وتضاربت أدلته وأخباره، وحكم آخر مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة وتامة السند، ومن البديهي أنّ الاستنباط في الأوّل أصعب وفي الثاني أسهل. وعليه يمكن أن تحصل
للإنسان ملكة على الاستنباط في باب لسهولة مقدماته ومداركه ولا تحصل له في أبواب اخرى لصعوبة مبادئها ومآخذها. بل لا يبعد القول بأن المطلق من الاجتهاد مسبوق بالتجزّي دائماً، وأنّ أيّ مجتهد مطلق كان في وقت متجزّئاً ثمّ قوي وترقى وتكامل شيئاً فشيئاً حتى تمكّن من استنباط أكثر الأحكام أو كلّها. وإلى ذلك أشار
المحقق الخراساني : «بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزّي».
ثمّ إنّ هنا بحثاً حول امكان التجزّي الطولي في الاجتهاد، بمعنى أن يكون شخص مجتهداً في بعض المدارك للمسألة الفرعية دون جميعها، كما إذا فرض أنّه مجتهد مثلًا في الاصول العملية والأدلّة الفقاهتية دون الأدلّة الاجتهادية أو بالعكس.
ويظهر من كلمات بعض الفقهاء إمكان ذلك، قال المحقق الحائري: «إن فرض كونه مجتهداً في مدارك المسألة الفقهية، أعني
الاستظهار من الخبر مثلًا، دون مداركها أعني حجّية السند والظهور، يتعيّن تقليده في المسألة الاصولية للمجتهد المطلق، فإن أفتاه بالحجّية في حقّه- كما هو الحق- رجع في المسألة الفقهية إلى اجتهاد نفسه، وإن خالف اجتهاد المجتهد المطلق».
وقد يظهر من كلمات بعض آخر عدم إمكانه، قال
المحقق العراقي : «وأمّا لو لم يقدر إلّا على
إعمال بعضها، بأن كان مجتهداً في بعض القواعد المعمولة في كل مسألة لا في جميعها، فلا شبهة في عدم تحقّق الاجتهاد في مسألة من المسائل، لعدم قابليته للتجزئة من هذه الجهة، ولازمه كونه مقلّداً في المسألة لا مجتهداً».
ويمكن أن يكون مقصود مدّعي عدم الإمكان عدم صدق كونه مجتهداً في تلك المسألة الفرعية حتى بنحو التجزّي، ولهذا يجب عليه التقليد فيها أو في سائر مداركها، وإن صدق عليه كونه مجتهداً في المسألة الاصولية التي تكون إحدى المدارك لتلك المسألة الفرعية، فلا خلاف بين العلمين.
الاجتهاد قد يكون ملكة عند الشخص يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية، إلّا أنّه لم يعمل بعد هذه القدرة في الاستنباط، أو أنّه استنبط شيئاً قليلًا من الأحكام، فإنّ هذا يسمى اجتهاداً بالقوة. وأمّا إذا كان الشخص ذا ملكة الاجتهاد وكان قد أعمل قدرته أيضاً في الاستنباط وكان عالماً بالأحكام الشرعية ومستخرجاً لها من أدلتها التفصيلية بالفعل، وإن لم يكن علمه علماً وجدانياً بل
مستنداً إلى الأدلّة والحجج، يسمّى اجتهاده اجتهاداً فعلياً. وحيث إنّ الاجتهاد موضوع لجملة من الأحكام، فيقع الكلام في أنّه هل تترتب هذه الأحكام على جميع الأقسام المتقدمة أو تختص ببعضها دون بعض؟
سنتعرض لذلك عند الكلام في
أحكام المجتهد ومناصبه .
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۲۰۸-۲۱۱.