الأجير المؤتمن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن أنواع
الإجارة بلحاظ الموجَر أنه: الأجير إمّا أن يكون صانعاً أو يكون غير صانع وبالنسبة إلى هذا نبحث في
ضمانه لإتلاف العمل أو
براءة ذمته والقسمان يأتيان فيما يلي.
قد تقدم أنّ الأجير إذا كان صانعاً فهو يضمن ما أفسده بواسطة عمله وإن كان غير متعدّ ولا مفرطاً، ولكن هذا فيما إذا كان العمل مستنداً إليه عند العرف والعقلاء ولم يكن مأذوناً من قبل المالك في
الإتلاف ولم يأخذ
البراءة من ذلك. فلا يضمن في غير ذلك من موارد الإتلاف:
منها: إذا لم يستند الفعل إلى الأجير كما إذا كان كالآلة.
ومنها: إذا كان السبب أقوى من المباشر.
ومنها: إذا أذن المالك في الإتلاف ولو ضمناً، كإذنه بالعمل على كلّ حال دون ما إذا كان إذنه منوطاً ومعلّقاً على عدم التلف، كما إذا صرّح بذلك أو جعل عهدة تشخيصه عليه، فإنّ العامل حينئذٍ يضمن في صورة التلف أو النقص. وعليه فإن قال المستأجر- المالك- للخياط: إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه فلم يكفِ، ضمن.
بخلاف ما لو قال المالك: هل يكفيني قميصاً؟ فقال الخياط: نعم، فقال: اقطعه، فلم يكفه
وإن كان فيه خلاف من بعض.
إلّا أنّه قيّده بعض بما إذا استند إذن المالك إلى غرور الأجير، وأنكره آخرون.
وتفصيله في محله.
ومنها: أخذ البراءة:
ذهب الفقهاء
إلى أنّ من أسباب عدم
ضمان الأجير أخذ البراءة من المستأجر، فلو تبرّأ الطبيب لم يكن ضامناً- على تقدير موافقة أمر المستأجر- لما يحصل من التلف أو النقص إن لم يقصّر في الاجتهاد
والاحتياط .
ولكن نسب إلى
ابن إدريس القول بعدم صحة البراءة قبل العلاج، ويظهر من المحقق في
الشرائع والعلّامة في بعض كتبه
(ولكن نسب العلّامة في المسالك ترجيح القول بالضمان.
) التوقّف في المسألة.
ورجّح
الشهيد في المسالك
القول بالضمان وعدم صحة الإبراء قبل العلاج، واختاره بعض المحققين.
ومنشأ الإشكال هو أنّ أخذ البراءة قبل العلاج اسقاط لما لم يجب بعد، والضمان لا يثبت قبل تحقق الإتلاف، فيكون القول به على خلاف القاعدة. إلّا أنّه اجيب عنه
أنّه مع تسليم كونه على خلاف القاعدة لا ضير في الالتزام به في مثل
الطبابة ؛ لورود النص الخاص فيه كما في رواية
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلّا فهو ضامن»،
مضافاً إلى أنّه موضع حاجة وضرورة، وإلّا لانسد باب
العلاج والطبابة.
وإن احتمل حمل الرواية على البراءة بعد الجناية- الذي ربما يرشد إليه لفظ «وليّه»؛ إذ لا حق له قبل
الجناية - إلّا أنّه مخالف لما فهمه
الفقهاء من ظاهر السياق فيها.
إمكان أخذ البراءة بنحو الشرط ضمن عقد
الإجارة ؛ بأنّه على فرض التلف في الطبابة أو
البيطرة لم يكن ضامناً؛ إذ لا محذور في التعليق في الشروط، ولذا صحّ شرط سقوط
الخيار .
يحتمل أن يكون أخذ البراءة بمعنى
الإذن في العمل على نحوٍ لا ضمان معه،
فيكون من باب دفع موضوع الضمان ومن الإذن في الشيء المقتضي لعدم ثبوت الحق، وليس من باب رفع الضمان والإبراء قبل ثبوت الحق.
وهذا واضح في فرض إتلاف المال.
وأمّا في إتلاف النفس وضمان الدية فإن كان مدركه قاعدة الإتلاف فهو واضح أيضاً، وإن كان مدركه أدلّة
الدية في الخطأ فكذلك بناءً على المشهور من سقوط ضمان الدية إذا كان بأمره.
هذا، ولكن الظاهر اعتبار إذن المريض في ذلك بعد فرض كونه كامل العقل على ما صرّح به كثير من الفقهاء،
إلّا أنّه يظهر من
النهاية اعتبار إذن الوليّ فيه أيضاً كما هو المستفاد من رواية السكوني المتقدمة.
وقيل في بيان وجهه: إنّ الوليّ هو المطالب بالدية على تقدير التلف، فلما شرّع
الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولّى المطالبة بعد فرض وقوع ما يبرأ منه.
واعترض عليه بأنّ كون الوليّ هو المطالب لا يرفع سلطنة المريض الكامل العقل على نفسه.
ويمكن حمل الولي في الخبر المزبور على ما يشمل المريض وربّ المال في مثل البيطرة.
وتفصيل ذلك في مصطلح (
إبراء ) فراجع.
لا يضمن الأجير- إذا كان أميناً محضاً- ما يتلف عنده من دون تعدٍّ أو تفريط كصاحب الحمام الذي تودع عنده الثياب فإنّه لا يضمن تلفها مع عدم
التعدّي والتفريط بلا خلاف ولا إشكال،
وحينئذٍ يشكل صحة اشتراط الضمان بنحو شرط النتيجة؛ لأنّه أمين محض؛
إذ هو يستحق الاجرة على الحمام لا على حفظ الثياب، فيكون شرط الضمان منافياً لمقتضى عقد
الأمانة .
هذا مضافاً إلى معتبرة
غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ
أمير المؤمنين عليه السلام اتي بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه، قال: إنّما هو
أمين ».
أمّا الضمان بنحو التدارك فلا إشكال في اشتراطه ووجوب الوفاء به بمقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم».
نعم، لو استؤجر مع ذلك للحفظ أيضاً صحّ اشتراط الضمان بنحو النتيجة لأخذه الاجرة على حفظ الثياب أيضاً فلا يكون أميناً محضاً،
فهو كالأجير والصانع الذي يعمل فيفسد.
أمّا مع عدم الشرط فلا يضمن، إلّا مع التعدّي أو
التفريط بأن يكون مقصّراً في الحفظ.
إلّا أنّه قد يستدلّ على الضمان في المقام بمعتبرة
إسحاق بن عمار حيث ورد فيها:
«أنّ
عليّاً عليه السلام كان يقول: لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب؛ لأنّه إنّما أخذ على الحمام ولم يأخذ على الثياب»؛
فإنّ مقتضى مفهوم التعليل في ذيلها أنّ الحمامي لو كان أجيراً على حفظ الثياب لكان ضامناً لها.
ونوقش فيه
أوّلًا: بأنّه لا دلالة في
الرواية على ضمان الحمامي مطلقاً أو مع شرط التفريط إذا كان أجيراً على الحفظ، على أنّه يحتمل أن تكون الرواية ناظرة إلى ما كان متعارفاً سابقاً من عدم إيداع الثياب عند الحمامي أصلًا، فتكون الرواية نافية لضمان الحمامي، لكن لا من جهة كون يده أمينة بل لعدم يدٍ له عليها أصلًا.
وثانياً: أنّه مع تسليم الدلالة فإنّ مفهوم ذيل الرواية مقيّد بما دلّ على ضمان الأجير إذا كان عدلًا
مؤمناً ، كصحيح
الحلبي الوارد في خصوص الأجير على الحفظ: عن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق، قال: «هو مؤتمن».
فيختص الضمان في معتبرة اسحاق بموارد الإتلاف
والتجاوز ، أو بموارد دعوى التلف
والسرقة من دون بيّنة.
وعلى فرض التعارض بين الروايتين والتساقط فالمرجع هو عمومات عدم ضمان الأمين أو
استصحابه بناءً على جريانه في
الشبهات الحكمية .
صرّح عدة من الفقهاء
بكراهة تضمين الأجير مع انتفاء
التهمة عنه، وفسَّره بعضهم
بأنّه مختص بموارد ضمان الأجير؛ كأن يشهد على إتلافه أو تفريطه شاهدان، أو نكل عن اليمين وقضينا
بالنكول أو
اليمين المردودة، أو كان صانعاً.
واستدلّ على الكراهة بالنصوص المفصّلة في الضمان بين كون الأجير أميناً وغيره مما قام
الإجماع على عدم التفصيل في مثل تلك الموارد. فمن تلك الروايات ما ورد في الجمّال أو الحمّال الذي يكسر ما يحمل،
أو الحمّال الذي يضيّع المتاع.
ومنها ما دلّ على أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام كان يضمّن القصّار والصانع احتياطاً للناس، ولكن أبا جعفر عليه السلام كان يتطوّل على الأجير إذا كان مأموناً.
وحينئذٍ يمكن دعوى كون المراد من مجموعها كراهة
تغريم الأجير أو التسبيب في تغريمه مع كونه أميناً وغير متهم في كلّ مقام يثبت ضمانه للتلف بفعله أو بفعل غيره.
وخصّ بعضهم
الحكم بموارد التلف الحاصل من الصناعة نظراً إلى اختلاف الأخبار في تضمين الصنّاع، فطريق الجمع كراهة التضمين، إلّا مع التهمة. أمّا في غير ذلك ممّا يثبت به الضمان بالبيّنة أو اليمين أو النكول فلا وجه للكراهة.
وحاول بعض الفقهاء حمل الكراهة على
استحباب التفضّل.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۰۳-۳۰۸.