الإقبال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى المجيء مستقبلا إلى شيء.
الإقبال- لغة-: من أقبل، وهو خلاف
الإدبار . تقول: أقبل فلان، أي جاء مستقبلًا لك.
واستعمله
الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
تعرّض الفقهاء لحكمه في أبواب
الاجتهاد والتقليد والطهارة والصلاة ، نذكره إجمالًا فيما يلي:
يستحبّ في الصلاة إقبال
القلب إليها،
والمراد بإقبال القلب: أن يحضر قلبه ويتفهّم ما يقول، ويتذكّر عظمة اللَّه تعالى بحيث يحصل في قلبه
هيبة منه، وبملاحظة أنّه
مقصّر في
أداء حقّه يحصل له حالة
حياء ، وبملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى يحصل له حالة بين
الخوف والرجاء .
وللإقبال
وحضور القلب مراتب ودرجات أعلاها ما كان
لأمير المؤمنين عليه السلام حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة ولا يحسّ به؛
فإنّ عمدة شرائط قبول العمل إقبال القلب عليه، فإنّه
روحه وهو بمنزلة الجسد، فإن كان الإقبال حاصلًا في جميعه فتمامه مقبول، وإلّا فبمقدار ما أقبل عليه، فقد يكون نصفه مقبولًا، وقد يكون ثلثه، وقد يكون ربعه وهكذا، على حسب إقباله عليه.
نعم،
سقوط التكليف يحصل ولو مع عدم الإقبال.
قال
ابن إدريس : «وينبغي أن يلزم المصلّي في صلاته
الخشوع والخضوع والوقار ، ويطرح الأفكار، ويقبل بقلبه كلّه على صلاته، ويكون مفرغاً قلبه من
علائق الدنيا».
وقد وردت في الحثّ على إقبال القلب في الصلاة روايات كثيرة:
منها:
رواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنّما لك منها ما أقبلت عليه».
ومنها: رواية
أبي بصير ، قال: قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا قمت في الصلاة فاعلم أنّك بين يدي اللَّه، فإن كنت لا تراه فاعلم أنّه يراك، فأقبل قبل صلاتك».
ومنها: رواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك، فإنّ اللَّه تعالى يقول: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»
.
ومنها: رواية
إبراهيم الكرخي عنه عليه السلام أيضاً- في حديث- أنّه قال: «إنّي لأحبّ للرجل
المؤمن منكم إذا قام في صلاة
فريضة أن يقبل بقلبه إلى اللَّه تعالى، ولا
يشغل قلبه بأمر الدنيا، فليس من عبد يقبل بقلبه في صلاته إلى اللَّه تعالى إلّا أقبل اللَّه إليه بوجهه، وأقبل بقلوب المؤمنين إليه
بالمحبّة بعد حبّ اللَّه إيّاه».
ومنها: رواية
الفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام أنّهما قالا: «إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها، فإن أوهمها كلّها أو غفل عن
أدائها لُفّت فضرب بها وجه صاحبها».
ومن شدّة
أهمّية إقبال القلب في الصلاة استثنوا من
استحباب تعجيل الصلاة حالة ما إذا لم يكن للمصلّي إقبال، فيجوز له
التأخير إلى تحقق الإقبال عنده.
جعل بعض الفقهاء من
وظائف التعقيب الإقبال عليه بالقلب،
وحيث إنّ التعقيب مشتمل على
الذكر والدعاء ، استدلّ بعضهم
على ذلك ببعض الروايات الواردة في الحثّ على الإقبال بالقلب حالة الدعاء، كرواية
سليمان بن عمرو ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ اللَّه عزّوجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك، ثمّ استيقن
بالإجابة ».
المراد بإقبال
الحيض : كون
الدم الذي تراه
المضطربة بصفات الحيض، فإنّ المضطربة التي ليست لها
عادة لا وقتيّة ولا عدديّة، وتكون ذات
التمييز ، بمعنى أنّ الدم الذي تراه يكون مختلفاً ومتميّزاً بعضه عن بعض فترجع في أيّام الحيض إلى التمييز بالصفات، فكلّ دم كان بصفات الحيض بأن كان أسود حارّ يخرج بحرقة تجعله حيضاً، والدم الذي ليس كذلك تجعله
استحاضة .
فمعنى إقبال الحيض أنّ المرأة ترى الدم في بعض الأيّام بصفات الحيض، فيجب عليها أن تجعله حيضاً، ومعنى إدبار الحيض أنّ المرأة ترى الدم بعد ذلك فاقداً لتلك الصفات، فحينئذٍ تنتهي أيّام حيضها،
كما جاء في مرسلة
يونس عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «... فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي- إلى أن قال-: إن اختلطت الأيّام عليها وتقدّمت وتأخّرت وتغيّر عليها الدم ألواناً فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته».
الإقبال على الدنيا يعني طلبها بحيث يجدّ في تحصيلها ويكبّ عليها.
ومن الواضح أنّ الإقبال على الدنيا أمرٌ مذموم بمعنى
الاستغراق في حبّها
والتعلّق بها وطلبها وجعلها آخر همّ الإنسان.
وليس في البحث
الفقهي موقف
شرعي إلزامي من قضية الإقبال على الدنيا ما لم يؤدّ هذا الإقبال إلى
ارتكاب محرّم من المحرمات أو
ترك واجب من الواجبات، لكنّ
السيد اليزدي تعرّض للإقبال على الدنيا وجعل تركه من الشرائط المعتبرة في
مرجع التقليد ، فقال: «وأن لا يكون مقبلًا على الدنيا وطالباً لها مكبّاً عليها مجدّاً في تحصيلها».
ولم يكن هذا الشرط مطروحاً في كلمات الفقهاء بشكل واضح قبل السيّد اليزدي، وقد صرّح بعضهم بعدم العثور على من قال بذلك غيره.
واستدلّ له
برواية أبي محمّد العسكري عليه السلام: «... من كان من
الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً
لدينه ، مخالفاً على هواه،
مطيعاً لأمر
مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه...».
لكن قال بعض المعلّقين على
العروة : «إنّ الإقبال على الدنيا وطلبها إن كان على الوجه المحرّم فهو يوجب
الفسق المنافي
للعدالة ، فيغني عنه اعتبارها، وإلّا فليس بنفسه
مانعاً عن
جواز التقليد ».
وقال بعد ذلك: «والصفات المذكورة في
الخبر ليست إلّا عبارة اخرى عن صفة العدالة».
وقال آخر: «المعتبر من ذلك هو المقدار الذي يعتبر في العدالة، والخبر لا يدلّ على أزيد من ذلك أيضاً».
وقال ثالث: إنّه مانع «على نحو يضرّ بعدالته».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۹۲-۳۹۵.