الإقطاع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
إبانة شيء من شيء أي تعينه أو تقسيمه.
الإقطاع: من القطع بمعنى
إبانة شيء من شيء،
وأقطع
الوالي قطيعة، أي جعل له قطعة من
أرض الموات أو الخراج،
واستقطعته، أي سألته الإقطاع.
وأقطع
الإمام الجند البلد إقطاعاً: جعل لهم غلّتها رزقاً لهم.
وأقطعت فلاناً قُضباناً من الكرم، أي أذنت له في قطعها.
وإقطاع الموات لشخص: جعلها له ليتملّكها.
والقطيعة: هي المواضع التي أقطعها الإمام من الموات قوماً فيتملّكوها.
وإقطاع
الإرفاق : معناه تفويض مكان من الأماكن العامّة كالطرق والأسواق إلى شخص للقعود فيها والتكسّب كالمقاعدة في الأسواق التي هي طرق
المسلمين لا تمليك فيها، ومنه إقطاع السكنى.
ومنه يعرف أنّ الإقطاع مطلق التخصيص،
الأعم من التمليك والإرفاق.
يطلق الإقطاع في مصطلح
الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه، ولكنّه في خصوص الأراضي والمرافق العامّة، والذي يكون من شؤون الإمام
والحاكم .قال
ابن حمزة : «الإقطاع أن يدفع
السلطان إلى رجل من رعيّته قطعة من الأرض الميتة أو غير ذلك من الجبال».
وهو عمارة الأرض التي لا ينتفع بها لعطلتها، إمّا
لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء الماء عليها، أو لاستيجامها، أو غير ذلك من موانع
الانتفاع ،
أو الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد.
ويساوي حكمه حكم الإقطاع في جواز الانتفاع بالأرض.
والمراد منها ما يختصّ به الملوك من الأرض وغيرها من غير المنقول، كما أنّ صوافي الملوك:
ما يصطفيها الملوك لأنفسهم من الأموال النفيسة المنقولة.
وهذه القطائع كلّها للإمام عليه السلام يجوز أن يقطعها لأيّ شخص أراد.
وهو في اللغة بمعنى المحميّ،
مصدر يراد به اسم المفعول ، أي المكان الممنوع، وكان يستعمل في الموضع الذي فيه كلأ ويمنع الناس من الرعي فيه.
وقد استعمله الفقهاء فيما يحميه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو
الإمام عليه السلام لنفسه ولغيره من المصالح، كالحمى لنعم الصدقة.
ويفرّق بينه وبين الإقطاع بأنّ المقطع يمكن تملّكه
بالإحياء بينما المحمي لا يمكن، كما أنّ الإقطاع يكون لمصلحة خاصّة بخلاف الحمى فإنّه يكون لمصلحة عامّة.
الظاهر أنّه لا كلام من الناحية الفقهية في جواز الإقطاع ومشروعيّته في الجملة،
بل ادّعي عدم الخلاف
فيه.قال
الشيخ الطوسي : «إذا أقطع السلطان رجلًا من الرعيّة قطعة من الموات صار أحقّ به من غيره بإقطاع السلطان إيّاه بلا خلاف».
ويستفاد ذلك من فتواهم بعدم جواز إحياء الموات إذا كان ممّا أقطعه الإمام، فإنّه يفيد اختصاصاً مانعاً من المزاحمة، فلا يصحّ دفع هذا
الاختصاص بالإحياء.
وقد استدلّ عليه بما ورد من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع
عبد الله بن مسعود الدور،
ووائل بن حجر أرضاً بحضرموت ،
والزبير حضر فرسه بضمّ الحاء المهملة وسكون الضادالمعجمة
- أي مقدار عدوه- وبلال بن الحارث المزني العقيق.
ويمكن أن يستدلّ له أيضاً بالروايات الدالّة على أنّ
الموات والأنفال للإمام عليه السلام، فإذا كانت ملكاً له فحينئذٍ يجوز له التصرّف فيها بأيّ نحو شاء ولو بإعطائها لأحد، فجواز الإقطاع من آثار ملكه للموات والأنفال، ولم يدلّ دليل على منعه من ذلك.
فمن تلك الروايات: ما رواه
أبو خالد الكابلي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في
كتاب علي عليه السلام: «إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»،
أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمّرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من
أهل بيتي ، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها حتى يظهر
القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ومنعها، إلّاما كان في أيدي
شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم».
ومنها: ما رواه
حفص بن البختري عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة وبطون الأودية، فهو لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء».
ومنها: ما رواه
معاوية بن وهب ، قال:قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال:«إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للَّهوللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ».
ومنها: ما رواه
علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام- في حديث- قال: «إنّ اللَّه لمّا فتح على نبيّه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل اللَّه على نبيّه: «وَآتِ ذَا القُربَى حَقَّهُ»،
فلم يدر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع
جبرئيل ربّه، فأوحى اللَّه إليه: أن ادفع
فدك إلى
فاطمة ...».
وهذه الرواية صريحة في أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقطع فدكاً بأمر من اللَّه عزّوجلّ لفاطمة عليها السلام، وفدك لم تؤخذ بقتال، فهي ليست من الأراضي الخراجيّة، بل من الأنفال التي هي
لرسول اللَّه يضعه حيث يشاء.وغير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ الأنفال كلّها للإمام يضعها حيث يشاء،
.
يمكن تقسيم الإقطاع إلى ثلاثة أقسام:
وهو أن يفوّض الإمام إلى شخص ما يتملّكه
ابتداءً أو بالإحياء والعمل،
كأرض الموات والمعادن وغيرهما من الأموال التي يكون اختيارها بيد الإمام.
وهو أن يفوّض إلى شخص غلّة قرية أو مزرعة معيّنة دون رقبتها في قبال عوض يؤخذ بعنوان المقاسمة أو مجّاناً بأن يفوّض إليه خراجها مدّة معيّنة.ومن هذا القبيل إقطاع الأراضي الخراجيّة- والتي هي ملك للمسلمين- إلى شخص، فإنّ معناه كون خراجها له، لا خروجها عن الخراجيّة.
فإذاً يختلف إقطاع الأراضي الخراجيّة عن إقطاع أرض الموات، فمعنى الأوّل أن يكون للمقطع له خراج الأرض لا نفسها؛ لأنّها ملك لجميع المسلمين، فلا يصحّ أن يتملّكها شخص خاصّ، ومعنى الثاني اختصاص الأرض بالمقطع له ليتملّكها بالإحياء؛ لأنّها ملك للإمام فيتصرّف فيها كيف يشاء.
وهو أن يفوّض إلى شخص حقّ الانتفاع بمقاعدة الأسواق أو الشوارع الواسعة ورحاب الجوامع بأن يقطع له موضعاً من تلك الأمكنة كي يجلس فيه أو يشتغل بالعمل والكسب.
وهل يجوز
للإمام هذا الإقطاع؟ سيأتي تفصيله.
تترتّب على الإقطاع آثار:
المعروف أنّ إقطاع الأرض- كالتحجير- يفيد حقّ الاختصاص والأحقّية،
فإذا أقطع الإمام شخصاً قطعة من الأرض الموات أو معدناً من المعادن الباطنة كان له حقّ الاختصاص بذلك، فلا يجوز لأحد رفع هذا الحقّ بالإحياء،
وقد ادّعي نفي الخلاف فيه بين
المسلمين ،
وكذا ليس لأحد نقضه،
ولهذا ذكر
الفقهاء أنّ من شروط جواز إحياء الموات أن لا تكون قد أقطعها الإمام لأحد قبل ذلك،
بل يجوز نقل هذا الحقّ من قبل المقطع له إلى الغير بعقد ونحوه، كما في الأرض المحجّرة.
ولكن ذكر القول بثبوت حقّ الاختصاص بالإقطاع مبني على القول باختصاص سبب تملّك الأرض الموات بالإحياء دون الإقطاع، وحينئذٍ يكون أثره حقّ الاختصاص، وقد اعترض عليه بالمنع من اختصاص سبب التملّك بالإحياء، بل يحصل به وبالإقطاع.وفيه منع إن لم يكن إجماعاً، فلابدّ من تنزيل الإقطاع المزبور على وجه الاختصاص والأحقّية بالإحياء، وإلّا فلو فرض كونه إقطاعاً على وجه التمليك جاز إن لم يكن إجماعاً،
وحينئذٍ فيكون أثره الملكية، ووجهه إطلاق أدلّة
ولاية الإمام
والحاكم . وتفصيل ذلك في مصطلح (إحياء الموات).
هذا كلّه في إقطاع التمليك، وأمّا إقطاع الإرفاق فأثره حصول حقّ الإرفاق للمقطع له، كما أنّ إقطاع الأرض الخراجيّة للاستغلال أثره ملك المنفعة، فهو نوع من
الإجارة أو
المزارعة .وتفصيله في مصطلح (خراج).
يلزم المقطع له بالإحياء إن كان الإقطاع من أجل الإحياء، فإن أخّره خيّره الإمام بين
الإحياء وبين التخلية بينه وبين غيره، فإن ذكر عذراً في التأخير واستمهل في ذلك أمهله في ذلك،
ولو اعتذر بكونه فقيراً فطلب
الإمهال إلى اليسار فقد احتمل بعض عدم
الإجابة .
إذا ترك المقطع له إحياء المقطع بعد الإمهال في التأخير ولم يكن له عذر استرجعت منه واخرجت من يده.
هذا إذا كان الإقطاع لأجل الإحياء لا لجهة اخرى أو للتمليك ابتداءً، وإلّا فلا وجه للاسترجاع كما هو واضح.
وقال
المحقّق النجفي : كأنّ الحكم باسترجاعها مع التعطيل «مبنيّ على عدم تملّك الموات بغير الإحياء، ولكن فيه منع واضح إن لم يكن إجماعاً، وحينئذٍ فلابدّ من تنزيل الإقطاع المزبور على وجه الاختصاص والأحقّية بالإحياء وإلّا فلو فرض كونه (الإقطاع) على جهة التمليك جاز إن لم يكن إجماعاً، وليس لأحد حينئذٍ الاعتراض عليه بتعطيله وإن تمادى الزمان على إشكال؛ لاحتمال جواز إحياء الغير له بأجرة».
•
ما یصح فیه الإقطاع،أمّا
إقطاع التمليك فيصحّ من
الإمام في كلّ ما يكون ملكاً له كالأنفال.
لا إشكال في أنّه من حقّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المعصوم عليه السلام الإقطاع؛ إمّا لكونهما مالكين للمقطع كالأنفال ونحوها، أو لكونهما وليّين عليه ولاية مطلقة، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمّة المعصومين عليهم السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم على أموالهم وأنفسهم، كما دلّ على ذلك نصّ الكتاب والروايات القطعيّة.وإنّما الكلام في ثبوت جواز ذلك لغيرهم من الحكّام في زمن الغيبة، والصحيح أنّ ما كان ثابتاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بوصفهم حكّاماً شرعيّين منصوبين من قبل اللَّه سبحانه وتعالى فهو ثابت في حقّ سائر الحكّام الشرعيّين أيضاً بنفس دليل شرعيّة حكومتهم، والتي تكون في زمن الغيبة بمقتضى أدلّة ولاية الفقيه ثابتة للفقهاء العدول الجامعين لشروط الإمامة، فيجوز لهم أو لمن يفوّضونه ذلك الإقطاع أيضاً.
قال
الإمام الخميني : «... فتحصّل ممّا مرّ ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين عليهم السلام في جميع ما ثبتت لهم الولاية فيه من جهة كونهم سلاطين على الامّة».
وقال أيضاً: «يكون الفقيه في عصر الغيبة وليّاً للأمر ولجميع ما كان الإمام عليه السلام وليّاً له... بل له الولاية على الأنفال والفيء».
وعليه فيجوز للفقيه الجامع للشرائط الإقطاع كما كان للإمام عليه السلام.ولا شكّ في أنّه إذا صدر الإقطاع ممّن له الولاية شرعاً يجوز التصرّف في المقطع وأخذه، وأمّا إذا صدر من السلطان الجائر الذي ليست له الولاية شرعاً، فهل يصحّ إقطاعه ويجوز للمقطع له أخذه أو لا؟ذهب
الشهيد الثاني إلى الجواز حيث قال: «لو أقطع الجائر أرضاً ممّا تقسم أو تخرج أو عاوض عليها فهو تسليط منه عليهما، فيجوز للمقطَع أو المعاوِض أخذهما من الزارع والمالك».
وتفصيل ذلك في مصطلح (ولاية).
ذكروا للإقطاع شروطاً:
۱- أن لا يزيد على طاقة المقطع له.قال العلّامة الحلّي: «لا ينبغي للإمام أن يقطع أحداً من الموات ما لا يمكنه عمارته؛ لما فيه من التضييق على الناس في مشترك بما لا فائدة فيه».
ولكن الشيخ الطوسي نسب هذا القول إلى المخالفين حيث قال: «يجوز للسلطان إقطاعه ( ما يكون في بطون الأرض من المعادن)؛ لأنّه يملكه عندنا. وقال المخالف: لا يقطعه إلّاالقدر الذي يطيقه آلته ورجاله».
وحينئذٍ يكون مقتضى إطلاق كلامه الجواز مطلقاً كما نسب ذلك إلى علمائنا.
ويناسب القول بعدم الجواز مع عدم القدرة ما ذكروه من أنّه إذا أهمل المحجر له بعض العمل، أجبره الإمام على
إتمامه أو الترك، فإن اعتذر بعذر أنظره، ثمّ يلزمه أحد الأمرين؛
إذ ليس ذلك إلّالأجل التعطيل والضيق، بل قال بعضهم: لو اعتذر
بالإعسار أمكن عدم إجابته؛
لعدم الأمد الذي يخشى منه التطويل المفضي إلى التعطيل.
والذي تقتضيه إطلاقات أدلّة الإقطاع والولاية العامّة جواز ذلك إذا كانت المصلحة تقتضيه ولم تكن فيه مفسدة أو ضرر على المسلمين.
۲- أن لا يكون المقطع مسبوقاً بحقّ.
۳- أن يكون الإقطاع من قبل
الإمام أو نائبه أو بإذن منه، فلا يصحّ إقطاع السلطان الجائر إلّاإذا استكشفنا إذن الإمام ورضاه بذلك.
۴- أن لا يكون في الإقطاع
إضرار بحقوق الآخرين؛ طبقاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، ولا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ.
قد يستمرّ الإقطاع وقد لا يستمرّ، والثاني في موارد، وهي كما يلي:
تقدّم أنّ الإقطاع على ثلاثة أقسام:
إقطاع تمليك، وإقطاع إرفاق، وإقطاع
استغلال ، ففي القسم الأوّل لا ينتهي الإقطاع؛ لأنّه أصبح ملكاً للرقبة كسائر أملاكه وليس له أمد، وأمّا القسمين الأخيرين فحيث يكون لهما أمد فإنّ إقطاع
الإرفاق تفويض مكان من الطرق والشوارع العامّة إلى شخص إلى وقت معيّن ينتهي الإقطاع بانتهائه، كما أنّ إقطاع الاستغلال كذلك ينتهي بانتهاء أمده.
وكذلك ينتهي الإقطاع إذا استرجعه الحاكم، وهذا إنّما يكون إذا لم يكن قد حصل التمليك بالإقطاع؛ إذ في فرض التمليك لا يمكن
إرجاعه . نعم، إنّما يمكن للحاكم استرجاعه إذا كان إقطاع إرفاق أو إقطاع استغلال، ففي هذين القسمين يجوز للحاكم استرجاعه أيّ وقت شاء.
إذا اشترط الحاكم في إقطاعه لشخص شروطاً بأن أقطعه مشروطاً بتلك الشروط، فحينئذٍ إذا تخلّف المقطع له عن تلك الشروط استرجع منه الحاكم المقطع.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۱۳۷-۱۵۱.