وتكون حسّية ومعنوية كالتلويح بلفظ إلى لازم معناه، فالإيماء والإشارة مترادفان لغة.
وأمّا في اصطلاح علماء الاصول في باب دلالات الألفاظ فيطلق على دلالة خاصة كما سيأتي.
وهي لغة بمعنى الكشف عن شيء، و الانتقال من شيء إلى معرفة شيء آخر، فكلّ شيء يكون كذلك يقال: إنّه يدلّ عليه، و الاسم الدالّ و الدليل ، بلا فرق بين أن يكون ذلك لفظاً ينتقل منه إلى معنى، أو إشارة بيد ونحوها ينتقل منه إلى المشار إليه، أو علامة منصوبة ، أو تحقّق شيءٍ أو وصفٍ في الخارج يستكشف منه ثبوت شيء أو وصف آخر،
فالدلالة أعم من الإيماء والإشارة بحسب اللغة، ويطلق عليهما أيضاً مع القرينة أو مضافاً إليهما، فيقال: دلالة الإيماء ودلالة الإشارة، وأمّا عند الإطلاق فيتبادر منه دلالة اللفظ على ما اريد منه منطوقاً أو مفهوماً .
قد يتعلّق بالإيماء بعض الأحكام ، وهي مختلفة باختلاف الموارد تراجع في مصطلح (إشارة)، وذلك أنّ الإيماء تارةً يلحظ بما هو فعلٌ من الأفعال، فيندرج فيه إيماء المصلّي لشيء في الصلاة، وإيماؤه في تسليم الصلاة، وإيماء القاضي إلى الخصوم ، وإيماء المحرم للصيد، وتعيين إمام الجماعة أو العينالمستأجرة أو الزوجين بالإيماء، والإيماء إلى الحجر الأسود وما شابه ذلك.
وقد ذكر الفقهاء هذه الموارد كلّها، وحكموا فيها ببعض الأحكام ورتّبوا عليها بعض الآثار ، ممّا يراجع في محلّه، وفي مصطلح (إشارة).
وتارةً اخرى يلحظ الإيماء بوصفه بدلًا عن أمر، كقيامه مقام اللفظ والكلام في حقّ القادر على الكلام و العاجز عنه في العبادات و المعاملات ، أو قيامه مقام فعلٍ ما كقيامه مقام الركوع والسجود في الصلاة، وهذا ما يراجع تفصيله في محلّه.
ويمكن الإشارة إلى أهمّ ما ذكروه في أحكام الإيماء- إجمالًا - فيما يلي:
ذكر الفقهاء أنّ السابح و الغريق و الموتحل إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكّنوا من أن يكونوا في موضع يصلّون فيه استقبلوا القبلةبتكبيرة الإحرام وصلّوا إيماءً، فإن لم يتمكّنوا من استقبال القبلة صلّوا ولم يكن عليهم شيء، ويكون ركوعهم وسجودهم إيماء ويجعلون سجودهم أخفض من ركوعهم،
و الخائف من العدوّ أو السبع أو اللصّ يصلّي على حسب إمكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام، ثمّ يستمرّ إن أمكنه الاستمرار وإلّا استقبل ما أمكن، وإذا لم يتمكّن من النزول صلّى راكباً وسجد على قربوس فرسه، وإذا لم يتمكّن أومأ إيماء،
لرواية سماعة ابن مهران، أنّه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن صلاة القتال ، فقال: «إذا التقوا فاقتتلوا فإنّما الصلاة حينئذٍ تكبير، وإذا كانوا وقوفاً لا يقدرون على الجماعة فالصلاة إيماء».
لرواية عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:
«... فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر؛ فإنّه له جائز، وليستقبل بوجهه القبلة، ثمّ يؤمي بالصلاة إيماء».
ذكر الفقهاء أنّه إذا لم يكن للمصلّي ساتر في صلاته ولم يجد ما يستر به عورته، فإن أمن من المطلع وجب عليه أن يصلّي قائماً ويومئ إلى الركوع والسجود، وإن لم يأمن من الناظرالمحترم وجب عليه أن يصلّي جالساً، وأن ينحني للركوع والسجود بمقدار لا تبدو معه عورته، فإن لم يمكنه ذلك أومأ برأسه للركوع والسجود وإلّا فبعينيه، ويجعل الانحناء أو الإيماء للسجود أكثر منه للركوع، ويرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه.
واستدلّ لذلك بما رواه زرارة ، قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل خرج من سفينةعرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال: «يصلّي إيماء، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما...».
ذكر الفقهاء أنّه إذا عرض للرجل أو المرأة حاجة في صلاته جاز أن يؤمي بيده أو يضرب إحدى يديه على الاخرى أو يضرب الحائط أو يسبّح أو يكبّر، سواء اومي إلى إمامه أو إلى غيره؛
وذلك لما رواه الحلبي ، أنّه سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة، فقال: «يومئ برأسه ويشير بيده ويسبّح، والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلّي فتصفّق بيديها».
يستحبّ للمنفرد والإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه بمؤخّر عينه أو بأنفه أو غيرهما على وجه لا ينافي الاستقبال ، وأمّا المأموم فإن لم يكن على يساره أحد فكذلك، وإن كان على يساره بعض المأمومين فيأتي بتسليمة اخرى مومياً إلى يساره .
لرواية عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة ».
لأنّ الرفع الحقيقي لهما كذب، فلابدّ من إضمار شيء كالحكم أو الأثر أو المؤاخذة ، أو إعمال عناية اخرى بها يصحّ الكلام، ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ».
وأمّا دلالة الإيماء أو التنبيه فهي دلالة الكلام على أمر مقصود، ولكن ليس الكلام بحيث لا يصحّ لو لم يرد ذلك منه، بل الكلام يكون ظاهراً في إرادته أو بعيداً عدم إرادته منه، وذلك كقول الإمام الصادق عليه السلام في رواية ابن سنان :
«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ».
فيعلم منه نجاسة هذه الأبوال؛ فإنّ النجاسة ليست منطوقاً للكلام ولا مفهوماً بمعناه الاصطلاحي، ولكنّها من لوازم المدلول وليست بحيث لو لم يرد منه ذلك لبطل الكلام .
وأمّا دلالة الإشارة فهي دلالة اللفظ على ما لا يراد منه في ظاهر الحال ، وليس مقصوداً بالقصد الاستعمالي من شخص الكلام، كما في ضمّ أقارير المتّهم بعضها إلى بعض و استفادة أمر آخر عنها.
ففي الحقيقة تكون هي الأخذ باللّازم العقلي من مدلول كلامٍ واحد أو كلامين أو أكثر.
ولا يخلو تسميتها بالدلالة من مسامحة ، وقد يمثّل لذلك بالآيتين الشريفتين : « وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ»،
حيث يكون اللازم من ضمّ المدلولين أن يكون أقلّ الحمل ستّة أشهر.
نعم، المستفاد من بعض الكلمات جعل ذلك من دلالة المنطوق.
ثمّ إنّ الملاك في حجّية هذه الدلالات وعدمها تحقّق الظهور في المعنى عرفاً، فيكون مصداقاً لكبرى حجّية الظهور، وإلّا فلا، وهي في الأوّلين متحقّقة فيما إذا لم يكن مردّداً بين امور، وإلّا انجرّ الأمر إلى الإجمال ، وفي الثالث محلّ كلام.
وتفصيل البحث بأكثر من ذلك يطلب من محلّه في علم الاصول.