الاستناد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
اللجوء والاعتماد.
الاستناد في اللغة هو
الاعتماد ، يقال:سندت إلى الشيء واستندت إليه بمعنى اعتمدت عليه واتّكأت.
وليس
للفقهاء اصطلاح خاصّ بهم.
يختلف حكم الاستناد باختلاف موارده، ثمّ إنّ الاستناد قد يكون
حسيّاً وقد يكون
معنويّاً ، وذلك كما يلي:
تعرّض الفقهاء للاستناد الخارجي في أبواب متفرّقة من
الفقه نشير فيما يلي إلى أهمّها:
يكره الاستناد إلى
القبر ؛
إلّاأنّ الفقهاء عبّروا بالاتّكاء. لما فيه من
الاستهانة بالميت ، ولأنّ حرمة
المؤمن ميّتاً
كحرمته حيّاً، ويرشد إليه ما ورد في بعض
الروايات من
النهي عن
الجلوس على القبر.
يجوز الاستناد إلى حائط الغير بدون
الاستئذان منه،
كما في
الاستضاءة بسراج الغير
والاستظلال بجداره؛
لعدم صدق التصرّف، وللسيرة المستمرة،
بل يجوز الاستناد حتى مع
الشك في صدق التصرّف؛
لأصالة البراءة .
إنّما
الإشكال فيما لو منع صاحب الجدار من الاستناد إليه، حيث استقرب
الشهيد عدم تأثير ذلك في جوازه؛
للسيرة المستمرّة. ونوقش فيها بأنّ المتيقّن منها حال عدم التصريح بالمنع، لا مطلقاً.
بينما ذهب آخرون إلى تأثيره، فلم يجوّزوا الاستناد إليه؛
لأنّه نوع تصرّف بإيجاد الاعتماد عليه
فله المنع عنه؛ ولأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.
نعم، لو كان المنع موجباً
للعسر والحرج أمكن القول بعدم التأثير؛ لقاعدة نفي العسر والحرج، وقد يتمسّك بقاعدة نفي الضرر أيضاً.
اختلف الفقهاء في وجوب
الاستقلال في
القيام في
الصلاة حال
الاختيار - بمعنى عدم الاستناد إلى شيء بحيث لو رفع السناد لسقط- على قولين، حيث ذهب
المشهور إلى وجوبه، بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لبعض
النصوص الناهية عنه،
كصحيحة ابن سنان عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «... ولا تستند إلى جدار وأنت تصلّي إلّاأن تكون مريضاً»،
ولأنّ المتبادر من القيام
المأمور به إنّما هو الخالي عن السناد.
وذهب
جماعة ومال إليه في الحدائق،
إلى جواز الاستناد على
كراهة ، جمعاً بين النصوص المتقدمة والنصوص المجوّزة،
كصحيحة علي ابن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط
المسجد وهو يصلّي، أو يضع يده على
الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّة؟ فقال:«لا بأس».
وكذا الحال فيمن كانت وظيفته الصلاة جالساً، فإنّه لا يجوز له الاستناد حال الجلوس إلّاإذا اضطرّ إليه.
هذا، وقد يظهر من بعض الفقهاء عدم جواز الاستناد حال
النهوض أيضاً؛
ولعلّه
لتبادر إيجاد القيام من غير
استعانة .
هذا في حال الاختيار، وأمّا حال
الاضطرار فلا شكّ في جواز الاستناد،
بل أجمعوا
على عدم صحّة الصلاة من جلوس مع التمكّن من القيام مستنداً.
استخدم الفقهاء لفظة الاستناد في
الامور المعنوية والعلمية ، في موارد متعددة
كالاحتجاج والاستدلال ،
والانتساب والتسبّب، وذلك كما يلي:
أ- استناد الحكم إلى دليل:
كثيراً ما استعمل الفقهاء لفظة: (استناد) مع مشتقّاتها كقولهم: «لم نقف على مستند»،
أو «مستند هذا
الحكم رواية...»،
أو «استناداً إلى عدّة روايات»،
أو «استناداً إلى
الأصل وإطلاقات بعض الروايات»
وهكذا، ومرادهم من ذلك استناد
الحكم الشرعي إلى دليل.ب- استناد
القاضي إلى دليل
الإثبات :
لا تخفى على أحد أهمّية أمر
القضاء وخطورته، كما يستفاد ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال؛
ولذا لابدّ للقاضي من الاستناد في إثبات الدعوى أو ردّها إلى ما هو حجّة شرعاً، كعلمه بالواقعة، أو استناده إلى البينة
والإقرار واليمين وغير ذلك من امور مذكورة في مصطلح (قضاء).
ج- استناد الشاهد إلى علمه:
لا خلاف في أنّ الضابط في
الشهادة استناد
الشاهد إلى علمه بالواقعة؛
لقوله تعالى: «إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»،
وقول الإمام الصادق عليه السلام في رواية
علي بن غياث : «لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفَّك»،
وهذا ممّا لا كلام فيه.
إنّما الكلام في مستند هذا العلم وأنّه هل يجب أن يكون الحواس الظاهرية كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات، أم يكفي
العلم القطعي بأيّ سبب كالعلم الحاصل من
التواتر والاشتهار ؟ وجهان
:
من أنّ المستفاد من لفظة (شهادة) في كثير من آيات
القرآن كقوله تعالى: «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
وقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ»
أنّها بمعنى الحضور، فيجب استنادها إلى الحواس الظاهرة التي بها يتحقّق هذا المعنى.
ومن أنّ الشهادة المعتبرة هي
الإخبار عن حقّ، المنطبق على كلّ شهادة يحصل الجزم بمضمونها،
سواء كان منشؤها الحواس الظاهرية أم غيرها.
نعم، لا يكفي في تحقّقها أن تكون بالحدس أو الامور العلمية التخصّصية النظرية، فإنّه لا يكون من باب الشهادة بل قد يكون حجة من باب كونه قول أهل الخبرة والتخصّص.
ذكر الفقهاء ضمن البحث عن العقود
والإيقاعات ، أنّ
الامور الاعتباريّة يمكن استنادها إلى غير المباشر لإيجادها، كاستناد البيع إلى
المالك في صورة قيام وكيله بالمعاملة- مثلًا- وبهذا الاستناد تقع المعاملة صحيحة، ويترتّب عليها الأثر، حيث يشترط في صحة العقد والإيقاع صدورهما عن المالك.
قد يكون استناد شيء إلى شيء مؤثّراً في ترتّب بعض الأحكام الفقهيّة التي نشير إلى بعضها كما يلي:
أ- اتّفق الفقهاء
على أنّ
الماء المطلق بأقسامه حتى الجاري منه ينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة؛ من الطعم واللون والرائحة
بشرط أن يكون التغيّر مستنداً إليها وإلّا فلا،
بل لو شكّ في استناد التغيّر إليها لم ينجس أيضاً؛ للأصل.
ب- عدّ الفقهاء
الشمس من
المطهرات واشترطوا في تطهيرها استناد
تجفيف رطوبة المتنجس إلى إشراقها، وإلّا فلا يحكم بطهارته.
ج- لا يصحّ أن يتولّى الغير
الوضوء كلّاً أو بعضاً بحيث يسند الفعل إليه
إجماعاً ، كما في
الانتصار والمنتهى ،
وعليه مذهب
الأصحاب كما في
المعتبر .
ويدلّ عليه- مضافاً إلى
استصحاب الحدث عند الشك في زواله- أنّ ظاهر الأمر
بالغسل والمسح المباشرة، خصوصاً في الأفعال العبادية المطلوب فيها تعبّد الشخص نفسه لا غيره.
وخالف في ذلك
ابن الجنيد ، معتبراً أنّ عدم
الاستعانة بالغير مستحبّ لا إلزام فيه.
ولا فرق في الغير- الذي لا يصحّ إسناد الفعل إليه- بين كونه إنساناً أو غيره؛ لأنّ المدار على تحقق النسبة وإسناد الفعل إلى
المكلّف على وجه الحقيقة عرفاً، فمتى اسند إلى المكلّف صحّ وضوؤه، ومتى اسند إلى غيره لا يصحّ قطعاً.
د- لا إشكال في إجراء أحكام
الشهيد على كلّ مسلم استند موته إلى
القتل في
المعركة ، وكذا من وجد في المعركة، وفيه أثر القتل.وإنّما الإشكال فيمن لم يوجد فيه ذلك الأثر حيث ألحقه بعض الفقهاء بالشهيد، عملًا بظاهر الحال.
وخالف في ذلك ابن الجنيد محتجّاً بأنّ القتل هو العلّة في الشهادة، فمع احتمال استناد موته إلى غير القتل لا يثبت المعلول.
وقوّاه في جواهر الكلام.
ه- لا إشكال في اشتراط العلم في تنجّز
التكليف ،
وكذا العلم بظرفه وكيفيّة
إتيانه وكمّيّته، فمن جهل بأحد هذه الأمور وكان جهله مستنداً إلى قصوره كان معذوراً، وتجري عليه أحكام
الجاهل ، بخلاف ما لو استند جهله إلى تقصيره، كما لو احتمل
الخلاف وقصّر في التحصيل، فإنّ حكمه حينئذٍ حكم العالم العامد في ترك العمل، فيجب عليه تداركه.
و- لا إشكال في جواز اختيار
الزوجة فسخ
النكاح لو عجز زوجها عن
الإيلاج إذا كان عجزه مستنداً إلى العنّة، بل عليه الإجماع،
أمّا لو استند إلى أمر آخر من العوارض النفسية والخارجية فليس لها
الفسخ .
ز- يشترط في حلّية المطلّقة ثلاثاً للزوج أن تنكح زوجاً آخر يعبّر عنه اصطلاحاً بالمحلِّل الذي لابدّ أن يكون
بالغاً ،
مستنداً في وطئه لها إلى
عقد دائم صحيح، فلا تحلّ له لو استند إلى
عقد موقّت أو
إباحة أو ملكية أو كان عن شبهة.
ح- إذا حلف المكلّف على ترك فعل معيّن
كالبيع - مثلًا- فلا يحنث لو باع عنه غيره،
كوكيله أو أجيره؛ لعدم إسناد الفعل واستناده إليه؛ لأنّ اليمين تابع لمفاد لفظه حقيقة أو مجازاً، فإذا أراد
الحلف على الترك حقيقة فهو لا يفيد إلّا المباشرة.
وكذا لو حلف على القيام بفعل معيّن فقام به غيره لم يبَرَّ بما حلف عليه؛ لإسناد الفعل إلى الغير، ولعلّه لذلك أمر اللَّه تعالى
أيّوب عليه السلام بقوله: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ».
ط- لا يجوز استناد بيع
السلف إلى متاع معيّن؛ لأنّ
المثمن فيه كلّي مضمون في
الذمّة فلا يتعيّن إلّابقبض
المشتري .
نعم، لو استند إلى معيّن قابل
للإشاعة ولم يكن مقتضى التعيين فيه عسر
التسليم عادةً جاز، كما لو أسلف على مئة رطل من تمر البصرة مثلًا.
ى- حلّية
اللحم مشروطة باستناد موت
الحيوان المأكول اللحم إلى سبب شرعي
كالتذكية أو
الصيد ،
فلا يحلّ لو استند إلى سبب غير شرعي، كما لو ذبح حيواناً غير مستقر الحياة،
أو جرح صيداً فسقط في الماء بحيث استند موته إلى الغرق.
ك- لا شكّ في مسؤولية المكلّف عن أفعاله المستندة إليه وأنّ عليه تبعاتها من
الضمان والدية والقصاص وغيرها، والأمثلة عليه كثيرة:
منها: ما لو فعل شخص فعلًا يوجب
التلف أو
النقص في مال الغير، فإنّه يكون ضامناً له لو استند إلى فعله.
ومنها: ما لو جنى على أحد فمات، وكان
الموت مستنداً إلى فعله، فإنّ عليه الدية إن كان خاطئاً، والقود إن كان عامداً.
ومنها: ما لو جنى على شخص خطأً فاستند إثبات جنايته إلى
إقراره ، فإنّ الدية تكون عليه، بخلاف ما لو استند إثباتها إلى البيّنة فإنّ الدية تكون على العاقلة.
الموسوعة الفقهية ج۱۲، ص۲۳۲-۲۳۹.