حكاية الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحبّ لمن سمع
الأذان أن يحكيه- وهو أن يقول مثل ما قاله المؤذّن عند السماع، من غير فصل معتدّ به بين السماع والقول،
فلذا صرّح جماعة بسقوطها إذا أخّرها حتى فرغ من الصلاة
-
إجماعاً بقسميه، بل المنقول منهما مستفيض أو
متواتر ؛
لصحيحتي
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام، قال في الاولى: «كان
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شيء».
وفي الثانية: «يا محمّد بن مسلم لا تدعنّ ذكر اللَّه عزّ وجلّ على كلّ حال، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على
الخلاء فاذكر اللَّه عزّ وجلّ وقل كما يقول المؤذّن».
ونحوه غير ذلك من الروايات.
وإليها استند كثير من الفقهاء.
ولا فرق في
استحباب الحكاية بين أذان الإعلام والجماعة والمنفرد،
بل يقوى استحباب حكاية أذان المسافر والمولود؛
لإطلاق الأدلّة المؤيّدة
بالتسامح في السنن.
نعم، لا يستحبّ حكاية الأذان المحرّم، أي الأذان غير المشروع، كالأذان قبل دخول الوقت، أو في موارد السقوط عزيمة بمعنى
الحرمة إلّا أن يقصد بالحكاية مطلق الذكر، فحينئذٍ لا ينبغي
الإشكال في الاستحباب؛ لشمول أدلّة الذكر له التي منها قوله عليه السلام في صحيحة
زرارة الآتية: «اذكر اللَّه مع كلّ ذاكر»؛ إذ لا قصور في شمول إطلاقه للمحكي المحرّم؛ ضرورة أنّ الصادر من الحاكي لم يكن إلّا ذكر اللَّه الذي هو حسن في جميع الأحوال حتى في حال صدور
المعصية من الغير إمّا شكراً أو زجراً، فإنّ مقتضى العبودية أن لا ينسى العبد ربّه، ويذكره حيثما كان، فالأذان المحرّم الصادر من الغير يكون مذكّراً للحاكي.
هذا في الأذان، وأمّا
الإقامة فذهب جماعة من الفقهاء إلى استحباب حكاية الإقامة لمن سمعها كالأذان، وهو قول
الشيخ الطوسي والقاضي ابن البرّاج والسيد بحر العلوم وغيرهم،
ونفى عنه البعد
السيد الطباطبائي .
واستدلّ لذلك:
۱- بعموم قوله عليه السلام في صحيحة زرارة:«اذكر اللَّه مع كلّ ذاكر».
۲- وعموم
التعليل في خبر
أبي بصير :«لأنّ ذكر اللَّه حسن على كلّ حال»،
ولا ريب في كون الإقامة ذكراً.
۳- وخصوص قول
الإمام الصادق عليه السلام في المروي عن
دعائم الإسلام : «إذا قال المؤذّن: اللَّه أكبر فقل: اللَّه أكبر، فإذا قال:أشهد أن لا إله إلّا اللَّه فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه» إلى أن قال: «فإذا قال: قد قامت الصلاة فقل: اللهمّ أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها».
حيث يستفاد من إطلاق المؤذّن فيه على المقيم أنّ المراد بالأذان في نصوص المقام ما يشمل الإقامة، مضافاً إلى التسامح في السنن.
نعم، ينبغي للسامع
إبدال فصلي الإقامة بالدعاء المذكور في خبر الدعائم.
ونوقش فيه بأنّ عموم التعليل ممنوع،
وغاية ما يمكن ادّعاؤه دلالة مثل هذه العمومات على استحباب حكاية الأذكار منها، لا مطلق الإقامة،
ولا يشمل الحيّعلات.
وذهب جماعة اخرى إلى عدم استحباب حكاية الإقامة، وهو قول المحقّق والشهيد الثانيين وبعض آخر.
ويستفاد ذلك أيضاً من عبارة من خصّ استحباب الحكاية بالأذان،
بل قال بعضهم
: لعلّه المشهور.واستدلّ
لذلك بمقتضى
الأصل وظهور الأخبار في استحباب حكاية الأذان فقط دون الإقامة.وفصّل ثالث بين حكايتها بعنوان الذكر المطلق فيستحبّ، وبين وصفها العنواني فلا يستحبّ.قال
السيد الخوئي : «لا ينبغي
الارتياب في الاستحباب بعنوان الذكر المطلق- فيما عدا الحيّعلات- الذي هو حسن على كلّ حال... وأمّا حكاية الإقامة بوصفها العنواني فلا دليل على استحبابها؛ لاختصاص مورد النصوص بالأذان الظاهر فيما يقابل الإقامة... فإنّ المنسبق من قوله عليه السلام في صحيحة ابن مسلم: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقوله في كلّ شيء...»
أنّ السماع لم يكن على الدوام، بل في بعض الأحيان، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان في الأوقات التي يسمع يحكي، وأمّا الإقامة فهي بمحضره دائماً، فالتعبير المزبور يتناسب مع خصوص الأذان».
ويمكن إرجاع ما في مصباح الفقيه ومستمسك العروة من ظهور الأخبار في استحباب حكاية خصوص الأذان إلى ذلك.
صرّح جمع من الفقهاء بأنّ
الحكاية تعمّ جميع ألفاظ الأذان حتى الحيعلات؛
استناداً إلى ظاهر الأخبار.
والظاهر من هؤلاء عدم جواز إبدال
الحيعلة بالحولقة كما صرّح بذلك
المحقق الأردبيلي في قوله «ودليل استحباب حكاية الأذان ولو في الخلاء بخصوصه بعض الأخبار، لكن من غير تبديل حيعلة بحوقلة، أي لا حول ولا قوة إلّا باللَّه».
وذهب آخرون إلى جواز إبدالها بالحولقة،
بل بعضهم إلى استحباب ذلك؛
قال الشيخ الطوسي: «روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يقول إذا قال حيّ على الصلاة: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه»».
وفي
مصباح الفقيه قال: «ويحتمل أن يكون مراد الشيخ بالرواية التي أرسلها هي ما حكي عن كتاب دعائم الإسلام (الآتي) مرسلًا.
و الخبر العامّي الذي رواه مسلم في صحيحه».
ونوقش فيه بجهالة السند،
وكونها عامّية؛ لموافقتها للمروي
في صحيح مسلم
وغيره.واجيب عن ذلك بأنّه يكفي مثلها بعد رواية الشيخ لها في
إثبات المندوب، خصوصاً بعد اعتضادها بما يظهر من بعض النصوص وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام التي تقدّمت آنفاً. من استحباب حكاية الذكر من الأذان وبما تضمّنه مرسل الدعائم عن
علي بن الحسين عليهما السلام وهو: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع المؤذّن قال كما يقول، فإذا قال: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.
ونحوه خبر الآداب والمكارم
المصرّح فيهما بإبدالها بالحولقة.
وذهب بعض آخر إلى استحباب كلّ منهما؛ جمعاً بين الأخبار المذكورة بعد البناء على قاعدة التسامح.
بل قال في الروض: «لو جمع بينهما (الحيعلة والحولقة) كان أفضل».
وفي
الجواهر أيضاً- بعد أن ذكر إمكان القول
بالتخيير - قال: «وتمام
الاحتياط في المندوب الجمع بينهما».
اختلف الفقهاء في حكاية الأذان حال الصلاة على قولين:
فذهب بعضهم إلى استحباب حكاية الأذان حال الصلاة مع إبدال الحيعلة بالحولقة؛
لإطلاق النصوص المتقدّمة الشامل لحال الصلاة.
وذهب بعض آخر إلى عدم استحبابها،
بل صرّح بعضهم بأنّه لا فرق في ذلك بين
الفريضة والنافلة ؛
لقصور الأدلّة في الشمول لحال الصلاة، وذلك لأجل
الانصراف ، فإنّ المستفاد من الأدلّة أنّ المناط في استحباب الحكاية هو انتباه الغافل والاشتغال بذكر اللَّه تعالى الذي هو حسن على كلّ حال كما تضمّنته تلك النصوص، فلا تشمل من هو متشاغل بذكر اللَّه تعالى ومتوجّه إليه بتلبّسه بالصلاة،
مضافاً إلى أنّ
الإقبال على الصلاة أهمّ.
ونوقش فيه بأنّ أهمّية الإقبال- بعد تسليمها على وجه تنافي الحكاية- لا تنافي الاستحباب مع ما تقدّم من ثبوت العموميّة.
وذهب
الشيخ كاشف الغطاء إلى الكراهة بمعنى قلّة الثواب.
هذا كلّه في حكم حكاية الأذان حال الصلاة بوصف أنّه أذان، وأمّا بوصف أنّه ذكر مطلق فلا بأس ولا إشكال فيه.
وأمّا الحيعلات فلا تجوز حكايتها في الصلاة على كلّ حال؛ لأنّها من كلام
الآدميّين المبطل، وحينئذٍ فلو حرم
الإبطال حرمت الحكاية، ولو جاز- كما في النافلة- جازت.لكنّ المحدّث البحراني رجّح عدم الإبدال؛ مستدلّاً عليه بأنّ الحيعلات ذكر، فإنّ ظاهر الأخبار إطلاق الذكر على الأذان بجميع فصوله من الحيعلات وغيرها، كصحيحة محمّد بن مسلم ونحوها رواية أبي بصير المتقدّمتين. ولو خصّ ذكر اللَّه في الروايات المذكورة بما عدا الحيعلات لاختلّ النظام في هذا الكلام، على أنّ الحيعلات بمقتضى كلامهم من الكلام المتعارف الذي ليس بذكر اللَّه وهو مكروه على الخلاء اتّفاقاً نصّاً وفتوى إلّا ما استثني، فكيف يجامع هذا التأكيد بالإتيان به على الخلاء لو لم يكن ذكراً؟! والاحتياط في الوقوف على ما ذكروه.
إلّا أنّ سائر من جاء بعده من الفقهاء أنكروا كونها ذكراً مدّعين انعقاد
الإجماع بل الضرورة على ذلك، مضافاً إلى وضوح عدم جواز التلفّظ بها في الصلاة منفردة.
ولكن قد يستشكل في مشروعيّة حكاية ما عداها من الفصول؛ لأنّه بعض الأذان، ولا دليل على مشروعيّة حكاية البعض، وكذا لا دليل معتدّ به على بدليّة
الحولقة كي يكون الإتيان بها مع بقيّة الفصول حكاية لتمام الأذان.
واجيب عنه- مضافاً إلى قاعدة التسامح الدالّة على البدليّة- بأنّ الظاهر من الأدلّة هو استحباب حكاية كلّ فصل لنفسه، لا أنّه ارتباطي بين جميع الفصول.
وما ذكره
السيد الحكيم من عدم اشتراط استحبابها بحكاية الجميع، كان
المحقق النجفي قد قوّاه أيضاً، لكنّه تردّد في الحكم
بالبطلان حتى على القول بالاشتراط حيث قال: «فإن خالف وحكى حينئذٍ ففي البطلان وعدمه من جهة التشريع وجهان مبنيّان على خروج الذكر بالحرمة التشريعيّة عن كونه ذكراً أو عن كونه ذكراً سائغاً في الصلاة وعدمه».
صرّح غير واحد من الفقهاء باختصاص استحباب الحكاية بالأذان المشروع،
فلا يستحبّ حكاية الأذان المحرّم كالأذان الثاني للجمعة، أو أذان المرأة إذا سمعها
الأجنبي ، أو الأذان ما قبل دخول الوقت، أو الأذان لعصري عرفة والجمعة وعشاء مزدلفة بناءً على حرمة الثلاثة الأخيرة؛ لانصراف النصوص عن ذلك.
وفي حكاية أذان الجنب في المسجد خلاف بينهم.اختلف الفقهاء في أذان الجنب في المسجد، فذهب المحقق الكركي وثاني الشهيدين إلى أنّه لا يحكيه.
وتنظّر فيه
السيد العاملي والمحقق السبزواري والسيد الطباطبائي لأنّ تحريم الكون لا يقتضي فساد الأذان.
وقال في الجواهر في حكاية أذان الإعلام المستأجر عليه على القول بحرمة الأجرة خاصّة وعدم حرمة الأذان نفسه أيضاً: «لا إشكال في تناول استحباب الحكاية له، كتناولها لأذان الجنب في المسجد وإن قارنه حرمة المكث».
ولكن استشكل المحدّث البحراني على السبزواري بأنّه منافٍ لما حقّقوه في مسألة الصلاة في المكان المغصوب؛ فإنّ المسألتين من باب واحد، وهم قد ذكروا ثمّة أنّ
العبادة منهيّ عنها في المكان المغصوب، والنهي في العبادة يستلزم الفساد، وهذا يجري في الأذان أيضاً، فكلام شيخنا الشهيد مبنيّ على ذلك، فلا وجه لاعتراض صاحب الذخيرة عليه مع موافقته ثمّة عليه.
وأمّا الأذان المستأجر عليه فيستحبّ حكايته؛ لأنّ المحرّم أخذ الأجرة لا الأذان، وقال في
الجواهر أيضاً: يحتمل «استحباب الحكاية. في خصوص أذان الإعلام المستأجر عليه وإن قلنا بحرمته وحرمة
الأجرة عليه، لا هي خاصّة بناءً على أنّه ليس عبادة يفسد بذلك».وأمّا الأذان المكروه- كما في موارد السقوط عن رخصة بناءً على القول به حينئذٍ- فذهب بعض إلى استحباب حكايته.
لإطلاق النصوص.
وذهب بعض آخر إلى عدم استحباب الحكاية،
وهو الظاهر من كلمات [[|الشهيد]]
أيضاً.وتردّد فيه
المحقق الكركي ؛ لعموم الأمر بالحكاية، ومن أنّ الكراهة تقتضي المرجوحيّة فلا يناسبها استحباب الحكاية.
وكذا لا يستحبّ حكاية أذان من لا عبرة بأذانه
كالكافر والمجنون
والصبيّ غير المميّز.
هذا كلّه إذا كانت الحكاية بقصد الأذان بوصفه العنواني، وأمّا إذا كانت بقصد مطلق الذكر فقد استضعف القول بصحّته المحقّق النجفي في قوله: «واحتمال أنّ التشريع فيه لا يخرجه عن اسم الذكريّة وقد امرنا أن نذكر مع كلّ ذاكرٍ في غاية الضعف».
لكن السيد الخوئي نفى انبغاء
الإشكال في استحبابه؛ لأنّ ذكر اللَّه حسن على كلّ حال، فيشمله قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «اذكر اللَّه مع كل ذاكر»؛
إذ لا قصور في شمول إطلاقه للمحكي المحرّم؛ ضرورة أنّ الصادر من الحاكي لم يكن إلّا ذكر اللَّه الذي هو حسن في جميع الأحوال حتى في حال صدور المعصية من الغير حيث يكون مذكّراً للحاكي.
تستحبّ الحكاية وإن كان الحاكي على الخلاء؛ لإطلاق النصوص الواردة في استحبابها، وخصوص ما ورد في خبر محمّد بن مسلم عن
الباقر عليه السلام: «لا تدعنّ ذكر اللَّه عزّ وجلّ على كلّ حال، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللَّه عزّ وجلّ، وقل كما يقول المؤذّن»،
وبها استدلّ بعض الفقهاء.
واستظهر المحقق النجفي
أولويّة اختيار ذي الحولقة في الحكاية على الخلاء؛ تجنّباً من كراهة الكلام فيها، وإن أمكن القول باستثنائه بالخصوص لظهور صحيحة زرارة- المتقدّمة- فيه.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۲۴-۲۳۲.