سنن صلاة العيدين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
سنن
صلاة العيدين أمور : منها:
الإصحار بها، والسجود على
الأرض، وقول المؤذن « الصلاة »، خروج
الإمام حافياً، و
الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد العود في
الأضحى، وقراءة الأعلى والشمس في الصلاة، والتكبير، و كراهة الخروج بالسلاح، وكراهة
التنفل قبل
الصلاة وبعدها.
(
الإصحار بها) أي الخروج إلى الصحراء لفعلها، بإجماعنا وأكثر العامة كما صرّح به جماعة،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
وعن
النهاية : لا يجوز إلاّ في الصحراء.
ولعلّ مراده تأكد
الاستحباب ، لأنه أحد نقلة
الإجماع عليه في الخلاف.
وفي الصحيح : «لا ينبغي أن تصلّى صلاة العيد في مسجد مسقف ولا في بيت، إنّما تصلّى في الصحراء أو مكان بارز».
ويستثنى منه مكة ـ زادها الله شرفا وتعظيما ـ للخبرين : «من السنّة على
أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلاّ أهل مكة فإنّهم يصلّون في
المسجد الحرام ».
ولتكن فيه أيضا تحت السماء لا تحت الظلال، لعموم الصحيح السابق وغيره بالبروز إلى
آفاق السماء.
وألحق به
الإسكافي المدينة ـ على مشرّفها ألف سلام وصلاة وتحية ـ للحرمة،
وحكاه الحلّي أيضا عن طائفة.
وتردّه النصوص عموما وخصوصا، وفيه : «قيل لرسول الله صلي الله عليه و آله وسلم يوم فطر أو أضحى : لو صلّيت في مسجدك، فقال : إني لأحب أن أبرز إلى آفاق السماء».
ويستثنى منه أيضا حال الضرورة، للمشقة، وخصوص المعتبرة، منها : «مرض أبي عليه السلام يوم
الأضحى فصلّى في بيته ركعتين ثمَّ ضحّى».
ومنها : «الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبّانة حسن لمن استطاع الخروج إليها».
ووقت الخروج بعد طلوع الشمس على المشهور، وفي الخلاف الإجماع عليه،
وهو صريح ما مرّ في بحث الوقت من النصوص.
خلافا للمقنعة فقبل
الطلوع .
قيل
: ويوافقه
الطبرسي في ظاهر جوامع الجامع، إذ قال : كانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصّة بالمبكّرين يوم الجمعة يمشون بالسرج، وقيل : أول بدعة أحدثت في
الإسلام ترك البكور إلى الجمعة.
انتهى. وهو مع مخالفته لما مرّ ـ مضافا إلى استحباب الجلوس بعد
صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ـ غير واضح المستند، مع أنّ في الخلاف نسب التبكير إلى الشافعي خاصة، مدعيا على خلافه إجماع
الإمامية كما عرفته.
(والسجود على
الأرض ) للنصوص الصحيحة،
وهو وإن كان أفضل في سائر الصلوات وفي غيرها لكنه آكد هنا. وعن الهداية وفي غيرها : قم على الأرض ولا تقم على غيرها.
ولا بأس به، للصحيح
وغيره.
(وأن يقول المؤذّن :
الصلاة ) بالرفع أو النصب (ثلاثا) كما في الصحيح،
ولا خلاف فيه بين العلماء كما قيل.
وعن
العماني أن يقول : الصلاة جامعة.
ولم أعرف مستنده.
وهل المقصود به
إعلام الناس بالخروج إلى الصلاة فيكون كالأذان المعلم بالوقت كما في
الذكرى عن ظاهر الأصحاب،
أو بالدخول فيها فيكون بمنزلة
الإقامة قريبة منها كما عن الحلبي
؟ وجهان، والظاهر تأدّي السنّة بكلّ منهما كما قيل.
(وخروج
الإمام حافيا) تأسّيا
بمولانا الرضا عليه السلام مع نقله ذلك عن
النبي صلي الله عليه و آله وسلم والوصي عليه السلام ،
ولأنه أبلغ في التذلل و
الاستكانة .
قيل : وأطلق استحبابه في
التذكرة ونهاية الإحكام،
وفيهما الإجماع، وفي التذكرة إجماع العلماء.
ونصّ في المبسوط على
اختصاصه بالإمام،
وهو ظاهر الأكثر، ولا أعرف له جهة سوى أنهم لم يجدوا به نصّا عاما، ولكن في المعتبر والتذكرة
: إنّ بعض الصحابة كان يمشي حافيا وقال : سمعت
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم يقول : «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمهما على النار».
وأن يكون (على سكينة ووقار) ذاكرا لله، للإجماع المحكي عن الخلاف و
نهاية الإحكام والتذكرة،
قيل : وفيها إجماع العلماء. وعن مولانا الرضا عليه السلام أنه : كان يمشي ويقف في كل عشر خطوات ويكبّر ثلاث مرّات
(وأن يطعم) ويأكل (قبل خروجه) إلى الصلاة (في الفطر، وبعد عوده) منها (في الأضحى) إجماعا، للنصوص المستفيضة.
ويستحب في الأول التمر، للنصوص، ومنها الرضوي، وزيد فيه
الزبيب .
وفي
المنتهى والتحرير والتذكرة والمبسوط والمهذّب والسرائر وغيرها
: استحباب الحلو، وفي
السرائر والذكرى والبيان
أنّ أفضله السكر، ولعلّه للرضوي : «وروي عن العالم
الإفطار بالسكر»
وفيه أيضا «أفضل ما يفطر عليه طين قبر
الحسين عليه السلام ».
أقول : وبه رواية
علي بن محمد النوفلي .
لكنهما مع ضعف سندهما ومخالفتهما لعموم المنع عن الطين
شاذتان، كما صرّح به الشهيد ; والحلّي،
فطرحهما متعين.
ويمكن حملهما على الاستحباب الإفطار بها في صورة جواز أكله بقصد
الاستشفاء لا مطلقا.
وفي الثاني كون مطعومه (ممّا يضحّي به) إن كان ممّن يضحّي، للصحيح : «لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا، ولا تأكل يوم الأضحى إلاّ من هديك وأضحيّتك إن قويت عليه، وإن لم تقو فمعذور».
(وأن يقرأ) بعد الحمد (في) الركعة (الأولى بـ) سورة (الأعلى، وفي الثانية بـ) سورة (والشمس) وضحيها، كما في الخبرين.
وقيل : بالشمس في الاولى والغاشية في الثانية،
للصحيحين.
وهذان القولان مشهوران، بل على ثانيهما الإجماع في الخلاف، ولعلّه الأقرب. وهنا أقوال أخر
غير واضحة المأخذ، عدا الرضوي
لبعضها.ولا خلاف في جواز العمل بالكل، وإنما اختلفوا في الأفضل، ولعلّه ما ذكرنا.
•
التكبير في العيدين، من المستحبات في صلاة العيدين التكبير في العيدين معا على الأشهر الأقوى.
(ويكره الخروج بالسلاح) إلاّ للضرورة، للنص.
(وأن يتنفّل)
أداء وقضاء (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (وبعدها) إلى الزوال، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة : «صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء».
والمراد بها نفي الصلاة قبلهما وبعدهما كما يعرب عنه الصحيحان : «لا تقض وتر ليلتك في العيدين إن فاتك حتى تصلّي الزوال».
وظاهر النهي فيهما ـ كالنفي في سابقتهما ـ المنع عنها وحرمتها كما حكي عن جماعة من قدمائنا.
لكن الأشهر ما في المتن، بل لا خلاف فيه يظهر بين عامة من تأخر، وربما يظهر من جملة منهم كونه مجمعا عليه كما هو ظاهر المنتهى،
وصرّح به في
الخلاف وشرح القواعد للمحقّق الثاني
فقال : أجمع علماؤنا على كراهة
التنفل قبلها وبعدها إلى الزوال للإمام والمأموم.. إلى آخر ما قاله.
ولو لا هذه الإجماعات المنقولة الصريحة في نفي الحرمة المعتضدة بالشهرة العظيمة و
أصالة البراءة، لكان القول بها في غاية القوة، لظواهر المستفيضة السليمة عن المعارض فيما أجده.
نعم، أسند الصدوق في
ثواب الأعمال عن سلمان، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم : «من صلّى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهنّ سبّح اسم ربك الأعلى، فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله تعالى، وفي
الركعة الثانية الشمس وضحيها، فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس، وفي الثالثة والضحى، فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهّنهم ونظّفهم، وفي الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرّة، غفر الله تعالى له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة».
لكنه غير واضح السند والتكافؤ لما مرّ، مع ظهوره في الاستحباب ولم يظهر به قائل من معتمدي الأصحاب. قال الصدوق بعد نقله : هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلّي معه تقية ثمَّ يصلّي هذه الأربع ركعات للعيد، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك حتى تزول الشمس.
أقول : وبهذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض، لكون الأربع ركعات حينئذ هي صلاة العيد كما عليه جماعة تقدّم إلى ذكرهم مع دليلهم
الإشارة .
هذا، ولا ريب أن الترك أحوط وأولى (إلاّ بمسجد النبي صلي الله عليه و آله وسلم) بالمدينة فإنه يصلي فيه (قبل خروجه) إلى الصلاة ركعتين على المشهور، للنص،
وبه يقيّد
إطلاق ما مرّ، ويضعف القول بإطلاق الكراهة كما في الخلاف وعن
المقنع .
ونحوه في الضعف
إلحاق المسجد الحرام كما عن الكيدري.
وكذا عن الإسكافي ولكن بزيادة كل مكان شريف قال : وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده.
قال
الشهيد : وكأنه قياس، وهو مردود.
أقول : والرواية أيضا لم تثبت.
واحتجّ له في المختلف بتساوي المسجدين في أكثر الأحكام، وبتساوي
الابتداء والرجوع، وأجاب بمنع التساوي في المقامين.
وربما يحتج له بعموم أدلة استحباب
صلاة التحية ، مع عدم صلاحية المستفيضة المتقدمة لتخصيصها، إذ ليس مفادها إلاّ أنه لم يرتّب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال، وأن الراتبة لا تقضى فيه قبل الزوال، وذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز بمسجد بدءا وعودا، والنص المستثنى إنما أفاد استحباب
إتيان مسجده صلي الله عليه و آله وسلم والصلاة فيه وعدم استحباب مثله في غير المدينة، وهو أمر وراء صلاة التحية إذا اجتاز بمسجد وإن فهم منه الحلّي استحباب الصلاة إن اجتاز به.
وفيه نظر، لابتنائه على أنّ المراد من نفي الصلاة في المستفيضة نفي التوظيف، لا المنع عن فعل
أصل النافلة، وهو خلاف ما فهمه منها الجماعة حتى الإسكافي والمستدل له بهذه الحجّة، حيث إنه قال بعد نقل أحد الصحيحين الأخيرين : ولولاه أمكن أن يكون معنى تلك الأخبار أنه لم يوظّف في العيدين قبل صلاتهما صلاة، ولأجله وافق القوم على
استنباط الكراهة من الأخبار المزبورة.
ومنه يظهر ضعف ما عن الفاضلين في المعتبر والنهاية والتذكرة
من استحباب صلاة التحية إن صلّيت العيد في المسجد، لعدم ظهور وجه له، عدا ما يقال من عموم أدلة استحباب التحية.
وفيه : أنه أعم من المستفيضة الواردة هنا، وهي خاصة بالنسبة إليه كما صرّح به في الذكرى،
ويظهر أيضا من
المنتهى ،
ولذا قالا بالمنع عنها.
ويمكن أن يقال : بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه لا مطلقا، كما صرّح به بعض أصحابنا،
ومعه فيكفي في استحباب التحية عموم : الصلاة خير موضوع.
لكن فيه : أنّ بين هذا العموم والنصوص المانعة عموما وخصوصا مطلقا فيخص بها قطعا، فيبقى شرعية التحية في مفروض المسألة لا دليل عليها.
ولو سلّم عموم ما دلّ على استحبابها كان مطلوبيتها غير مشروط بوقوع صلاة العيد في المسجد أو غيره، ومع ذلك لا وجه لتخصيص الاستحباب بتحية المسجد بل ينبغي إلحاق مطلق النوافل ذوات الأسباب، وكلّ منهما خلاف ما ذكراه، وهذا أوضح شاهد على أنّ النصوص المانعة هنا أخص من عمومات التحية ونحوها، وأنّ دليلهما غيرها كما لا يخفى.
وهل كراهة
النافلة أو حرمتها تختص بما إذا صلّيت العيد كما هو ظاهر العبارة وغيرها، أم يعمّه وغيره كما هو مقتضى إطلاق الصحيحين الأخيرين؟ وجهان، ولعلّ الثاني أجودهما.
•
المسائل في صلاة العيدين، وهنا مسائل خمس منها: حكم التكبير الزائد في الصلاة، وجواز ترك صلاة الجمعة لو حضر العيد ، ومحل الخطبتين في صلاة عيد، وكراهة نقل المنبر، وحرمة السفر بعد طلوع الشمس قبل صلاة العيد.
رياض المسائل، ج۳، ص۳۹۴- ۴۱۳.