شروط حج التمتع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وشروطه) أي التمتع (أربعة :
النية) بلا خلاف ولا إشكال إن أُريد به الخلوص و
القربة كما في كل عبادة. أو نية كل من العمرة والحج وكل من أفعالهما المتفرقة من
الإحرام والطواف والسعي ونحوها، كما يأتي تفصيلها في مواضعها إن شاء الله تعالى، كما قيل.
أو نية الإحرام خاصة، كما في الدروس،
إلاّ أنه حينئذ كالمستغنى عنه، فإنه من جملة الأفعال، وكما يجب
النية له كذا يجب لغيره. ويشكل لو أُريد بها نية المجموع جملةً غير ما لكلّ، كما استظهره في المسالك عن الأصحاب؛
لعدم دليل على شرطيتها ووجوبها بهذا المعنى، والأخبار خالية عن ذلك كلّه.
ويمكن أن يراد بها نية خصوص التمتع حين الإحرام. وفي وجوبها بين الأصحاب اختلاف، فالشيخ في
المبسوط على أنها أفضل، وإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلّل.
وفي المختلف : إنه مشكل؛ لأن الواجب عليه تعيين أحد النسكين، وإنما يتميّز عن الآخر بالنية، وأجاب عن قضية إهلال
علي عليه السلام بما أهلّ به
النبي صلي الله عليه و آله وسلم بالمنع عن كونه عليه السلام لم يعلم بإهلاله صلي الله عليه و آله وسلم.
أقول : ومرجعه إلى أنه قضية في واقعة، فلا عموم لها، فإذاً الوجوب أقوى.
(ووقوعه في
أشهر الحج ) بالكتاب والسنّة و
الإجماع (وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة) وفاقاً للإسكافي والصدوق والشيخ في النهاية،
وعليه المتأخرون كافة؛ لظاهر الكتاب،
بناءً على أن أقلّ الجمع ثلاثة، والشهر حقيقة في المجموع والجملة، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة، ففي الصحيح : «إن الله تعالى يقول : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) وهي
شوال وذو الحجة وذو القعدة».
(وقيل) هو الشهران الأولان (وعشرة من ذي الحجة) والقائل المرتضى والعماني والديلمي. قيل لأن أفعال الحج تنتهي بانتهاء العاشر وإن رخّص في تأخير بعضها؛ وخروج ما بعده من الرمي والمبيت عنها، ولذا لا يفسد
بالإخلال بها؛ وللخبر عن أبي جعفر عليه السلام كما في التبيان وروض الجنان،
وظاهرهما اتفاقنا عليه.
أقول : وروى الكليني عن
علي بن إبراهيم بإسناده ، قال : «أشهر الحج شوّال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة».
وفيه قطع، وفي الأول
إرسال ، وفي نقل الإجماع على تقدير وضوحه وهن، وفي الجميع مع ذلك عن المقاومة لما مرّ قصور. (وقيل :)
بدل العشرة (تسعة) والقائل الشيخ في الاقتصاد والجمل والعقود، والقاضي في
المهذّب فيما حكي،
قيل : لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع.
وهنا أقوال أُخر لا ثمرة بينها وبين غيرها يظهر بعد
الاتفاق الظاهر، المحكي في عبائر
على أن الإحرام بالحج لا يتأتّى بعد عاشر ذي الحجة، وكذا عمرة التمتع، وعلى إجزاء
الهدي وبدل طول ذي الحجة، وأفعال
أيام منى ولياليها، فيكون النزاع لفظياً، كما اعترف به جماعة من المتأخرين،
بل عامّتهم كما في ظاهر المسالك.
نعم فيه : وقد يظهر فائدة الخلاف فيما لو نذر
الصدقة أو غيرها من العبادات في الأشهر المعلومات أو في أشهر الحج، فإنّ جواز تأخيره إلى ما بعد التاسع يبنى على الخلاف.
وإلى لظية النزاع يشير قول الماتن : (وحاصل الخلاف) ومحلّه الذي يجتمع عليه الأقوال أنّ (إنشاء الحج) يجب أن يكون (في الزمان الذي يعلم
إدراك المناسك فيه، وما زاد) على ذلك الزمان (يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج، كالطواف و
السعي والذبح) والأمران مجمع عليهما كما مضى.
(وأن يأتي بالعمرة والحج في عام واحد) بلا خلاف بين العلماء، كما في المدارك،
وفي غيره بالاخلاف،
وعن
التذكرة الاتفاق عليه -حكاه عنه في كشف اللثام-.
وهو الحجة، المعتضدة بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج إلى
يوم القيامة ،
والناصّة على ارتباط عمرة التمتع بحجّه وأنه لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي حجه.
وإنما جعلت معاضدة، لا حجة مستقلة، بناءً على عدم وضوح دلالتها على
اعتبار كونهما في سنة كما هو المفروض في نحو العبارة، فإنّ ما دلّت عليه إنما هو ارتباط أحدهما بالآخر ووجوب وقوعهما في أشهر الحج، لكن كونها من سنة واحدة لم يظهر منها.
وعليه فيتوجه ما ذكره الشهيد ; من أنه لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير
إتمام الأفعال إلى القابل احتمل
الإجزاء .
اللهم إلاّ أن يقال : إن المتبادر منها اتحاد السنة، سيّما مع ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة. ويمكن أن يقال : إنّ غاية التبادر تشخيص المورد، لا اشتراطه، بحيث يستفاد منه نفي الحكم عمّا عداه، كما هو المطلوب. وبالجملة : فإثبات
الاشتراط بالروايات مشكل، فما ذكره من الإجزاء محتمل، إلاّ أن يدفع بقاعدة توقيفية العبادة، وتوقف صحتها على دلالة، وهي في المقام مفقودة؛ لأنّ غاية الأدلة
الإطلاق ، وفي انصرافه إلى محل الفرض لما عرفت إشكال، فتأمل. وكيف كان، فلا ريب في أن
الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط.
(وأن يُحرم بالحج له) أي للتمتع (من) بطن (مكة) شرّفها الله سبحانه، بإجماع العلماء كافة، كما في المدارك وغيره،
ونقل الإجماع المطلق مستفيض في عبائر جمع،
وسيأتي من النصوص ما يدلّ عليه. والمراد بمكة كما صرّح به جماعة
ما دخل في شيء من بنائها، وأقلّه سورها، فيجوز الإحرام من داخله مطلقاً.
(و) لكن (أفضلها المسجد) اتفاقاً كما في المدارك وغيره؛
لكونه أشرف أماكنها، ولاستحباب الإحرام عقيب الصلاة، وهي في المسجد أفضل.
(وأفضله
مقام إبراهيم عليه السلام ) كما عن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذّب والسرائر والشرائع؛
للخبر : «إذا كان
يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صلّ ركعتين خلف المقام، ثم أهلّ بالحج، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام، وإن كنت راكباً فإذا نهض بعيرك».
وقول الماتن هنا : (أو تحت
الميزاب ) يفيد التخيير بينهما، كما عن الكافي والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس.
وعن الهداية والمقنع و
الفقيه : التخيير بين المقام والحِجر، كما في الصحيح : «إذا كان
يوم التروية إن شاء الله تعالى فاغتسل، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك بالسكينة والوقار، ثم صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحِجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة، وأحرم بالحج».
ولا يتعيّن شيء من ذلك اتفاقاً، كما عن التذكرة في المسجد،
وفي غيرها في غيره؛
وللنصوص، منها الصحيح : من أين أُهلّ بالحج؟ فقال : «إن شئت من رحلك، وإن شئت من الكعبة، وإن شئت من الطريق»
وفي بعض الألفاظ مكان من
الكعبة : من المسجد.
ومنها الموثق : من أيّ المسجد أُحرم يوم التروية؟ فقال : «من أيّ المسجد شئت».
رياض المسائل، ج۶، ص۱۰۵- ۱۱۱.