ضمان المال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الأوّل : ضمان المال).
وهو المراد منه حيث يطلق بلا قيد، بخلاف القسيمين فلا يطلق عليهما إلاّ بأحد القيدين.وهو ثابت بالكتاب والسنّة
والإجماع ، قال سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
وقال عزّ شأنه (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).
وأمّا السنة فمن طريق الخاصّة والعامّة مستفيضة سيأتي إلى جملة من الأولى
الإشارة .
ومن الثانية النبوية المشهورة في قضيّة ضمان
علي عليه السلام عن الميت، وكذا أبي قتادة،
وفيها : أقبل على علي عليه السلام، فقال : «جزاك الله تعالى عن
الإسلام خيراً وفكّ رهانك كما فككت رهان أخيك».
وفي أخرى نبوية : «العارية مؤدّاة، والمِنْحَة مردودة -المِنْحَة بالكسر : في
الأصل الشاة أو
الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثمّ يردّها إذا انقطع اللبن، ثمّ كثر
استعماله حتى أُطلق على كلّ عطاء.،
والدين مقضيّ، والزعيم غارم».
وأمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة، كما في المهذب وغيره.
(ويشترط في الضامن
التكليف ) بالبلوغ والعقل، فلا يصحّ من
الصبي والمجنون، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في المسالك؛
لأدلّة الحجر عليهما، وحديث رفع القلم.
ويصحّ عنهما، بلا خلاف أجده إلاّ من
الطبرسي ، فلا يصحّ كالأوّل.
ويدفعه الأصل، والعمومات، وفحوى ما دلّ على الصحة عن الميّت، وبه صرّح الفاضل في المختلف.
(و) يشترط فيه أيضاً (جواز التصرف) برفع الحجر عنه، ولقد كان فيه غنى عن ذكر الشرط السابق؛
لاندراجه تحت هذا الشرط. وكيف كان فلا يصحّ من السفيه ولا المملوك بدون إذن السيد، بلا خلاف أجده في الأوّل، وبالمنع فيه صرّح في التذكرة،
ووفاقاً للأكثر في الثاني؛ لعموم أدلّة الحجر، ومنها قوله سبحانه (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ).
خلافاً للفاضل في المختلف والتذكرة،
فقال بالصحة، ويتبع به بعد
العتق ؛ ولعلّه للأصل، والعموم،
واختصاص الآية بحكم السياق بالحجر في المال.
وفي الجميع نظر؛ إذ لا أصل للأصل بعد قطع النظر عن العموم، بل مقتضاه الفساد، ولا للعموم بعد فقد اللفظ الدالّ عليه في اللغة والعرف،
والإطلاق لا ينصرف إلاّ إلى الفردِ المتبادر الغالب، وليس منه محل الفرض.
وتخصيص الشيء بالمال مخالف للعموم المستفاد من ذكر النكرة في سياق النفي، وظهوره من السياق صريحاً بل وظاهراً غير معلوم، سيّما مع استنادهم :
بالآية لمنعه عن نحو الطلاق الذي ليس بمال في كثير من النصوص.
وأما
الاستناد بعموم : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
فغير مفيد بعد اختصاصه بحكم الوضع عندنا بالحاضرين،
وانحصار وجه التعدية إلى مَن عداهم بالإجماع المفقود في المفروض، لمصير الأكثر إلى عدم الصحة، فتأمّل.
ويصحّ مع
الإذن ، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في المختلف وغيره.
وفي تعلّق المال حينئذ بذمّة العبد فيتبع به بعد العتق، كما في الشرائع واللمعة،
بناءً على أن الإذن إنما هو في
الالتزام دون
الأداء الذي هو أخصّ، ولا دلالة للعام على الخاص.
أو بكسبه، بناءً على أن الإطلاق يحمل على ما يستعقب الأداء، فإنه المعهود وليس إلاّ ذاك، إذ الفرض أن الضامن هو العبد دون السيد أو بمال المولى مطلقاً، كما عن
الإسكافي وفي المسالك والروضة،
قياساً له
بالاستدانة .أقوال وإشكال، إلاّ أن يكون هناك معهود فيتبع، بلا إشكال فيه وفي لزوم كلّ من الاحتمالات مع
الاشتراط ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه، كما صرّح به بعض الأصحاب.
(ولا بدّ) في اللزوم (من رضاء المضمون له) وفاقاً للأكثر، بل لعلّه عليه عامّة مَن تأخّر، وفي الغنية الإجماع عليه؛
وهو الحجة.مضافاً إلى الأصل، وأن حقه ينتقل من ذمّة إلى أُخرى، والناس مختلفون في حسن المعاملة وسهولة
القضاء ، فلو لم يعتبر رضاه لزم الضرر والغرر.
ومفهوم الصحيح : الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال : «إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت».
والرضوي : «وإن كان لك على رجل مال وضمنه رجل عند موته وقبلت ضمانه فالميت قد برئ وقد لزم الضامن ردّه عليك».
مضافاً إلى التأيّد بالخبر : احتضر عبد الله بن الحسن فاجتمع عليه غرماؤه فطالبوه بدين، فقال : ما عندي ما أُعطيكم، ولكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي [[|علي بن الحسين عليه السلام]] أو عبد الله بن جعفر، فقال الغرماء : أما
عبد الله بن جعفر فمليّ مَطُول -المَطْل : التسويف بالعدة والدين، وهو مَطُول.،
وعلي بن الحسين عليه السلام رجل لا مال له صدوق وهو أحبّهما إلينا، فأرسل إليه فأخبره الخبر، فقال : «أنا أضمن لكم المال إلى غلّة» ولم يكن له غلّة تجمّلاً :في النسخ : كملاً. وما أثبتناه من الكافي. وقال العلاّمة المجلسي في
مرآة العقول : تجمّلاً بالجيم أي : إنّما قال ذلك
لإظهار الجمال والزينة والغنى، ويمكن أن يقرأ بالحاء أي : إنّما فعل تحملاً للدين، أو لكثرة حمله وتحمّله للمشاقّ، والأوّل أظهر.
فقال القوم : قد رضينا، فضمنه فلمّا أتت الغلّة أتاح الله تعالى بالمال فأدّاه.
وقصور سنده كالثاني لو كان منجبر بعمل الأعيان، ولكن في
الاستدلال به كما في المختلف
كلام.
خلافاً لأحد قولي
الطوسي ،
فلم يعتبر رضاه؛ للنبوي المتقدم المتضمن لضمان علي عليه السلام وأبي قتادة عن الميت وحكمه عليه السلام عليهما باللزوم بقوله المتقدم بمجرّد ضمانهما، مع عدم سبق سؤاله عن رضاء المضمون له .وهو مع قصور سنده، مع عدم جابر له في محل الفرض قاصر الدلالة، أوّلاً : بأنه لا عموم فيه؛ لكونه قضية في واقعة.
وثانياً : باحتمال وجود القرينة الدالّة على رضاه؛ لعدم وجود ما يوفي به دينه من التركة على الظاهر، مع كون الضامن مثل عليّ عليه السلام في غاية مرتبة من الوثوق عليه في الوفاء، وهو موجب لحصول العلم برضاء المضمون له ولو بالفحوى، ولعلّه كافٍ في الصحة، بل واللزوم، وإن توقّف على القبول اللفظي بعده على
الاختلاف .
وثالثاً : باحتمال حصول رضاء المضمون له في الواقعة، وعدم النقل لا يدلّ على العدم بالضرورة، ودفعه بأصالة العدم مشروط بعدم النص على
الاشتراط ، وقد مرّ. فما هذا شأنه لا يعترض به الأدلّة المتقدمة.
وربما يستدل له بالموثق : في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت، فيقول وليّه : عليّ دينك، قال : «يبرئه ذلك وإن لم يوفّه وليّه من بعده» وقال : «أرجو أن لا يأثم، وإنما إثمه على الذي يحبسه».
وفيه بعد قصور السند عن المقاومة لما مرّ قصور الدلالة؛ لإطلاقه
بالإضافة إلى حصول رضاء المضمون له وعدمه فليقيّد بالأوّل، جمعاً بين الأدلّة،
للاتفاق على تقديم النص على الظاهر، سيّما مع اعتضاده
بالأصل ، وأدلّة نفي الضرر، وعمل الأكثر، فالاستدلال به في مقابلة الأوّل ضعيف.
وأضعف منه الاستدلال بالموثق الآخر : عن رجل مات وله عليّ دين، وخلّف ولداً رجالاً ونساءً وصبياناً، فجاء رجل منهم فقال : أنت في حلّ مما لإخوتي وأخواتي وأنا ضامن لرضاهم عنك، قال : «تكون في سعة من ذلك وحلّ» قلت : وإن لم يعطهم؟ قال : «كان ذلك في عنقه» قلت : فإن رجع الورثة عليّ فقالوا : أعطنا حقّنا؟ فقال : «لهم ذلك في الحكم الظاهر، فأما بينك وبين الله تعالى فأنت في حلّ منها إذا كان الرجل الذي أحلّ لك يضمن رضاهم»
الحديث.
لاشتراكه مع سابقه في قصور السند، مع زيادة قصور فيه بخروجه عن محل النزاع؛ لتضمّنه
إبراء ذمّة المديون عن مال الغريم مجّاناً بدون نقله إلى ذمّته، وهذا مع كونه في الظاهر مخالفاً للإجماع؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون
الإذن ، ولعلّه لهذا أطلق عليه السلام وقال : إن للورثة
المطالبة في الحكم الظاهر، وهو أعم من وجود البينة على الضمان وعدمه ليس من محل النزاع؛ لأنه ما تضمّن إبراء ذمة المديون عن مال الغريم بنقله إلى ذمة الضامن لا إبراؤه مجّاناً، والضمان في الخبر ليس إلاّ على تحصيل رضاء الغريم، وهو ليس من الضمان الذي هو محل الفرض.
نعم، الخبر صريح في حصول
البراءة بما فيه من
الضمان ، لكنه مخالف للقواعد، بل والإجماع، وعلى تقدير العدم فهو كما عرفت خارج عن محل النزاع، فالاستدلال على المطلب فيه عين الغفلة.
كالاستدلال بالصحيح : الرجل يكون عنده المال وديعة، يأخذ منه بغير إذن صاحبه، قال : «لا يأخذ إلاّ أن يكون له وفاء» قلت : أرأيت إن وجد من يضمنه ولم يكن له وفاء وأشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه، قال : «نعم».
لخروجه كسابقه عن محل النزاع، مع مخالفته للقواعد، بل
الإجماع .
ثم على المختار هل المعتبر مجرّد الرضاء كيف اتّفق، أم لا بدّ من كونه بصيغة القبول؟ قولان، أجودهما الثاني؛ للأصل، والاقتصار فيما خالفه من اللزوم
والانتقال على المتيقن من الإجماع والنص، وليس فيه تصريح بكفاية مطلق الرضاء. وإطلاقه لا عبرة به؛ لعدم وروده في بيان حكمه، بل لبيان حكم آخر؛ مضافاً إلى تضمّن بعض ما مرّ من الأخبار القبول بصيغته وشرائطه من المضيّ والتواصل المعهود بينه وبين
الإيجاب .
(ولا عبرة بالمضمون عنه) أي برضاه، بلا خلاف أجده حتى من القائلين بعدم الصحة مع
الإنكار ، فإن قولهم بذلك غير مبني على اعتبار رضاه
ابتداءً ، بل على جعلهم الإنكار مانعاً، ولذا صرّحوا بالصحة مع عدم معلومية كلّ من الرضاء والإنكار.
وربما يشعر بعدم الخلاف العبارة وغيرها، بل في المسالك الإجماع عليه؛
وهو الحجة بعد العمومات، وظواهر ما مرّ من المعتبرة المكتفية في شرائط الصحة والحكم باللزوم بمجرد رضاء المشروط له. والنبوي المتقدم بالضمان عن الميّت بعد موته نصّ في ذلك .
(ولو علم) المضمون عنه بالضمان (فأنكر) ولم يرض به(لم يبطل الضمان على الأصح) الأشهر، بل لعلّه علية عامّة من تأخّر، وفاقاً للحلّي؛
لبعض ما مرّ قال في الحدائق : وعلّلوه بأنّ إنكار المضمون عنه لا أثر له، فإنه إذا لم يعتبر رضاه ابتداءً فلا عبرة بإنكاره بعده.
مضافاً إلى ما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز
أداء الدين عنه بغير رضاه، بل مع كراهته، فالتزامه في الذمة أولى.
خلافاً للنهاية والمقنعة والقاضي وابن حمزة،
فنفوا الصحة بالإنكار. وحجّتهم عليه غير واضحة عدا الأصل الغير المعارض لما مرّ من الأدلة، مضافاً إلى
استصحاب الصحة السابقة. فما قالوه ضعيف غايته.
وفي اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب، كما عن
المبسوط ؛
أو بما يتميّزان به عن الغير خاصّة، كما في اللمعة؛
أو العدم مطلقاً، كما عن الخلاف وفي الغنية،
وهو ظاهر العبارة وصريح الشرائع والفاضل فيما عدا المختلف والمسالك والروضة؛
أو يعتبر معرفة الأوّل بما يتميّز خاصّة دون الثاني، كما في المختلف،
أقوال أربعة.
أجودها ثالثها؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد المتأيّد بإطلاقات أخبارالباب، والنبوي المتقدّم الظاهر في جهالة الشخصين. ومجرّد حضور الجنازة مع عدم المعرفة بمحمولها مطلقاً ولو بقدر ما يحصل به التميّز في الجملة ليس معرفة بالمضمون عنه بالضرورة.
والغرر المتوهّم منه اشتراط المعرفة مطلقاً أو في الجملة سيأتي إلى جوابه
الإشارة ، مع أن
الاستناد إليه يوجب اشتراط المعرفة بسهولة القضاء في المضمون له وحسن المعاملة، وهو منفيّ بالإجماع، كما في المختلف.
(وهو) أي الضمان (ينقل المال) المضمون (من ذمّة المضمون عنه إلى) ذمّة (الضامن ويُبرئ ذمّة المضمون عنه) بإجماعنا المستفيض الحكاية في كلام جماعة، كالسرائر والغنية ونهج الحق والمهذب والمسالك والتذكرة، وغيرها من كتب الجماعة؛
وهو الحجة المخصِّصة للأصل؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصيّة والعامّيّة المتقدّمة التي هي ظاهرة في ذلك، بل صريحة.
خلافاً للعامّة، فجعلوا فائدته ضمّ ذمّة إلى أُخرى، وخيّروا لذلك المضمون له بين مطالبة المضمون عنه والضامن.
وتظهر ثمرة الخلاف في مواضع، منها : جواز الدور فيه كالتسلسل، فالأوّل : كأن يضمن اثنان كلّ ما على صاحبه، أو يضمن الأصيل ضامنه بما يضمنه عنه بعينه، أو ضامن ضامنه، وهكذا. والثاني : كأن يضمن
أجنبي عن الضامن، وهكذا.
لتحقق الشرط، وهو ثبوت المال في الذمّة، وعدم المانع، فيرجع كلّ ضامن مع الإذن بما أدّاه على مضمونه لا على الأصيل في الثاني، وفي الأوّل يسقط الضمان ويرجع الحق كما كان. نعم، يترتب عليه أحكامه، كظهور
إعسار الأصيل الذي صار ضامناً الموجب لخيار المضمون له في فسخ ضمانه والرجوع إلى المضمون عنه الذي صار ضامنه كما يأتي.
ولا خلاف بيننا في شيء من ذلك إلاّ من المبسوط في الأوّل، فمنعه؛ لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً والأصل فرعاً؛ ولعدم الفائدة.
وردّ الأوّل بأن ذلك لا يصلح للمانعية، والثاني بأن الفائدة موجودة، وهو ما مرّ إليه الإشارة من ظهور إعسار الأصيل وما بعده. وكذلك يصحّ وحدة الضامن وتعدّد المضمون عنه وبالعكس مع
الاقتران ، أما بدونه في مال واحد فيصح الأوّل خاصّة. وهذا كلّه ظاهر بحمد الله سبحانه.
(ويشترط فيه) أي الضامن (الملاءة) بأن يكون مالكاً لما يوفي به الحق المضمون فاضلاً عن المستثنيات في وفاء
الدين (أو علم المضمون له بإعساره) حين الضمان، بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الأصل، وعدم انصراف
إطلاق النصوص إليه، بناءً على أن المتبادر المقصود من الضمان
استيفاء الدين من الضامن، وبه يشعر ظاهر اشتراط رضاء المضمون له في بعضها، وإنما يكون ذلك إذا أمكن الأداء بيساره؛ مضافاً إلى لزوم الضرر بعدم اعتباره. وبه يجاب عن عموم
الأمر بالوفاء بالعقود لو تمسّك به.
ومنه يظهر الوجه في عدم الاشتراط مع العلم بالإعسار؛ للزوم الوفاء بالعقد السالم حينئذ عن الضرر المعارض، لاندفاعه
بالإقدام عليه بالعلم؛ مضافاً إلى النص المتقدّم في ضمان علي بن الحسين عليه السلام مع
اعتراف من ضمن لهم فيه بأنه لا مال له ، ولذا لم يكن شرطاً في الصحة، بل في اللزوم خاصّة، كما صرّح به جماعة.
(و) على هذا (لو) لم يعلم بإعساره حتى ضمن ثم (بان إعساره كان المضمون له مخيّراً) بين الفسخ والرجوع إلى المضمون عنه وبين
إلزام العقد ومطالبة الضامن.وفي فورية هذا الخيار أم كونه على التراخي وجهان، أجودهما الثاني، وفاقاً للشهيد الثاني،
للأصل.
وإنما يعتبر الملاءة في
الابتداء دون الاستدامة. فلو تجدّد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ؛ لتحقق الشرط حالته والأصل بقاء الصحة.وكما لا يقدح تجدّد إعساره فكذا تعذّر الاستيفاء منه بوجه آخر.
(والضمان المؤجّل) للدين الحالّ (جائز) مطلقاً، تبرّعاً كان أو غيره، إجماعاً، كما عن
التذكرة [[]] وفي الشرائع والمسالك؛
للأصل، والعمومات السليمة عن المعارض، عدا ما ربما يتوهّم من كونه ضماناً معلّقاً وهو غير جائز عندنا. وليس كما يتوهّم، بل هو تأجيل للدين الحالّ في عقد لازم فيلزم.
(وفي) جواز العكس، وهو الضمان (المعجّل) للدين المؤجّل (قولان، أصحّهما الجواز) مطلقاً، وفاقاً للمبسوط والقاضي في المهذب والحلّي والفاضلين والشهيدين و المهذب حكاه عنه في المختلف،
والمفلح الصيمري، بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين؛ للأصل، وعموم دلائل مشروعيّة الضمان مع فقد المعارض، لفساد ما يأتي، وأصالة عدم غيره.
خلافاً للمقنعة والنهاية والقاضي في الكامل وابني حمزة وزهرة وحكاه عن الكامل في المختلف،
فمنعوا عنه كذلك؛ لبناء الضمان على
الإرفاق فيشترط فيه الأجل، لمنافاة الحالّ للإرفاق، لأن الضمان الحالّ يسوّغ تعجيل المطالبة بالحق المضمون فيتسلّط الضامن على مطالبة المضمون عنه فتنتفي فائدة الضمان، وأن ثبوت المال في ذمّة الضامن فرع ثبوته في ذمّة المضمون عنه، والفرع لا يكون أقوى من
الأصل .
ووافقهم فخر الإسلام والمحقق الثاني كما حكي،
لا لما ذكر، بل لأن من شرط صحّة الضمان وجوب الحق على المضمون عنه، والأجل حق من حقوق الدين، وتعجيله غير واجب فيكون ضمانه كذلك ضمان ما لم يجب، وليس بصحيح.
وفي الجميع نظر، فالأوّل : أوّلاً : بعدم جريانه في الضمان تبرّعاً. وثانياً : بمنع بناء الضمان على الإرفاق
وانحصار فائدته فيه؛ إذ لا دليل عليه من نصّ أو إجماع، ويحتمل كون الفائدة فيه هو تفاوت الغرماء بحسن القضاء والتقاضي. وثالثاً : بمنع اقتضاء
الإحلال تسويغ
المطالبة مطلقاً، بل يشترط حلوله على المضمون عنه، أو تصريحه بالرجوع عليه حالاّ. وبهذا يظهر وجه النظر في الثاني، مع أن الضمان كالقضاء على اعترافهم، فكما أنه يجوز للمضمون عنه دفع المال معجّلاً فكذا يجوز الضمان حالاّ.
وأمّا الثالث : فلأن المضمون إنّما هو المال، وأمّا الأجل فلا يتعلّق به الضمان وإن كان من توابع الحق وأوصافه، إلاّ أن دخوله حيث يدخل ليس بالذات بل بالتبع، وهو حق للمديون، فإذا رضي الضامن بإسقاطه وتعجيل
الإيفاء فقد ضمن ما يجب وهو المال ورضي
بإسقاط الوصف.ولا يرد أنه غير واجب الأداء بسبب الأجل؛ لأنه واجب في الجملة، غايته أنه موسّع، سيّما مع رضاء المضمون عنه.
وبما ذكرنا يظهر وجه الجواز في باقي الصور الغير المفروضة في العبارة، وهي ثمان : الضمان المؤجّل للدين المؤجّل مع تساوي الأجلين، أو الاختلاف بالزيادة والنقصان، بسؤال المضمون عنه كان أو تبرعّاً، فهذه ستة، والضمان المعجّل للدين المعجّل بالسؤال أو التبرّع، فهذه ثمان.
ويمكن
إدراجها في العبارة بحذف ما ذكرناه في صورتيها من الصلة، إلاّ أن الظاهر من ذكر القولين فيها في الصورة الثانية يقتضي ذكر ما ذكرناه من الصلة، لاختصاص نصّ القول بالمنع فيها بها معها خاصّة، وذكرت الصلة في الأُولى بالتبعية، وإن كان ظاهر العبارة كالشرائع
في هذه الصورة وظاهر
اختصاص فتوى المانعين بالصورة الثانية عدم الخلاف فيه في الأُولى بشقوقها، ولكن مقتضى تعليلات المنع انسحابه في كثير من شقوقها وبعض شقوق الصورة الثانية، وإن اختلفت في تعيينها.
(ويرجع الضامن على المضمون عنه) بما أدّاه (إن ضمن بسؤاله) وإن لم يؤدّ بإذنه، بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في الغنية والسرائر والمسالك وعن التذكرة؛
وهو الحجة المخصِّصة للأصل.
مضافاً إلى المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بعمل الطائفة والإجماعات المحكية، منها الخبر المروي في الكتب الثلاثة «ليس على الضامن غرم، الغرم على من
أكل المال»
فتأمّل.
ومنها الموثق المروي في الكافي في باب
الصلح ، وفي التهذيب في هذا الباب بسنده إلى عمر بن يزيد : عن رجل ضمن ضماناً ثم صالح عليه، قال : «ليس له إلاّ الذي صالح عليه».
ونحوه الخبر المروي في الأخير
بسند فيه بنان، المعدّ في الحسن عند بعض.وهما ظاهرا الدلالة من حيث إطلاقهما الشامل لصورتي
الإذن في الأداء وعدمه.
(و) يستفاد منهما أنه (لا) يجب على المضمون عنه أن (يؤدّي) إلى الضامن (أكثر ممّا دفعه) إلى المضمون له، مع أنه أيضاً لا خلاف فيه في الجملة، ويعضده الأصل، وعدم دليل على الزائد،
لاختصاص الفتاوى والإجماعات التي هي العمدة في الحجة بما أدّاه خاصّة.وخلاف الإسكافي في بعض الصور
شاذّ لا يلتفت إليه، والنصوص كما ترى حجة عليه.
(و) من هنا يظهر الوجه في أنه (لو وهبه) أي الضامن (المضمون له أو أبرأه) عن المضمون (لم يرجع) الضامن (على المضمون عنه بشيء ولو كان) الضمان (بإذنه) وكذا لم يرجع المضمون له عليه به عندنا؛ بناءً على انتقال الحق من ذمّة إلى أُخرى. خلافاً للعامة، فأثبتوا له الرجوع به عليه؛ بناءً على أصلهم الذي مضى.
(وإذا تبرّع الضامن بالضمان فلا رجوع) له على المضمون عنه بما أدّاه مطلقاً، وإن كان الأداء بإذنه، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الكتب المتقدمة ونهج الحق للفاضل؛
وهو الحجة. مضافاً إلى أصالة براءة الذمة حتى في صورة الإذن في الأداء؛ لانتقال الحق إلى ذمته ولا دليل مع عدم الإذن في الضمان على اشتغال ذمّة المضمون عنه بما أدّاه بمجرّد إذنه في الأداء.
كما أن
الأمر في غير صورة الضمان كذلك، ليس له الرجوع بمجرّد الإذن في الأداء، إلاّ أن يقول قبل الضمان : أدِّ عنّي، أو دلّت عليه قرينة، فيرجع حينئذٍ بما أدّى بلا شبهة، لظهوره في
الالتزام بالعوض، كما لو صرّح به بقوله : وعليّ عوضه. ودليل الرجوع حينئذٍ لزوم الضرر على الدافع الناشئ من أمر الآمر، وهو منفي اتفاقاً فتوى ورواية.فمناقشة بعض الأصحاب في الرجوع في هذه الصورة لعدم الدليل بزعمه غير واضحة.
وإطلاق الخبرين المتقدمين بالرجوع محمول على صورة الإذن في الضمان، كما هو الغالب دون التبرّع.
(ولو ضمن ما عليه صحّ وإن لم يعلم كمّيته) ومقداره حال الضمان (على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وفاقاً للمقنعة والنهاية والإسكافي والديلمي والتقي والقاضي وابن زهرة العلوي
مدّعياً عليه الإجماع؛ وهو الحجة.مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود من الكتاب والسنة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة، كما يأتي إليه
الإشارة .
واستدلوا زيادةً على ذلك : بقوله سبحانه (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)
مشيراً إلى الحِمْل المختلف أفراده في الكمّية.والمناقشة باحتمال المعلومية بالتعارف حال الضمان والمعهودية، بأصالة العدم مدفوعة. وإطلاقِ قوله عليه السلام : «والزعيم غارم».
والخبرِ : «أن رسول الله صلي الله و عليه وآله وسلم كان يقول في خطبته : من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه، ومن ترك ديناً فعليّ دينه، ومن ترك مالاً فآكله، وكفالة
رسول الله صلي الله و عليه وآله وسلم ميّتاً ككفالته حيّاً، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً».
ولو لم يكن ضمان المجهول صحيحاً لم يكن لهذا الضمان حكم ولا
اعتبار ؛ إذ الباطل لا اعتبار به فامتنع من
الإمام عليه السلام الحكم بأن النبي صلي الله و عليه وآله وسلم كافل.
وفيه نظر، كالاستدلال بأخبار أُخر
تضمّنت كفالة علي بن الحسين عليه السلام جميع ما على المريض، لظهور جهالته وأصالته عدم معلوميته، وبعضها قد مر، نعم يصلح الجميع للتأييد القوي. خلافاً للمبسوط والخلاف والقاضي في المهذب والحلّي،
فقالوا بالمنع؛ استناداً إلى تضمّنه الغرر المنهي عنه، مع عدم دليل على الصحة.
ويندفع الثاني بما مرّ من الأدلّة. والأول بمنع الغرر؛ إذ ليس إلاّ في المعاوضات المفضية إلى
التنازع دون مثل
الإقرار والمقام وشبههما؛ لتعين الحكم فيها، وهو الرجوع إلى المقرّ في الأوّل وإلى البيّنة في الثاني. وما ربما يدفع به هذا من عدم تسليم زوال الغرر بالرجوع إلى ما ثبت بالبينة، لاحتمال قيامها بما يعجز عنه الضامن فيحصل الضرر المستند إلى
الغرر .
مدفوع بأن هذا الضرر هو شيء أدخله على نفسه، فهو مستند إلى فعله وضمانه للمجهول مع علمه بهذا الاحتمال وقد أقدم على ذلك، فيكون كما لو ضمن المعلوم مع عجزه عنه، وذلك واضح. هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك، كالمثال، فلو لم يمكن كضمنتُ لك شيئاً ممّا في ذمّته، لم يصحّ قولاً واحداً، كما في المسالك.
(و) على تقدير الصحة (يثبت عليه ما تقوم به البينة) أنه كان لازماً للمضمون عنه وقت الضمان (لا ما) يتجدّد أو (يوجد في دفتر أو حساب، ولا ما يقرّ به المضمون عنه) أو يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه؛ لعدم دخول الأول في الضمان، وعدم ثبوت الثاني في الذمة، وإنما يلزم الثابت فيها خاصة، وعدم نفوذ الإقرار في الثالث على الغير، وكون الخصومة حينئذ مع الضامن والمضمون عنه، فلا يلزمه ما ثبت بمنازعة غيره، كما لا يثبت ما يقرّ به في الرابع، نعم لو كان الحلف بردّ الضامن ثبت ما حلف عليه.
ولا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الحلبي في الثالث، فأثبته عليه،
وتبعه في الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة.
وفيه وهن؛ لعدم وجود قائل به إلاّ هو والحلبي، فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟! ولكنه أعرف.
ومن المفيد والطوسي في الرابع، فأثبتاه عليه، وإن اختلفا في
الإطلاق ، كما عن الأوّل، والتقييد بكون الحلف برضا الضامن، كما عن الثاني.ويمكن ردّ هذا القول مع القيد إلى الأوّل بحمل الرضا على الردّ وإن كان أعمّ منه. وربما يُبنى ذلك على أن يمين المدّعى هل هو كالبيّنة أو كإقرار المنكر، فيثبت على الضامن ما حلف عليه على الأوّل دون الثاني.
رياض المسائل، ج۹، ص۲۵۹-۲۷۸.