عدة أم الولد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تعتد أُمّ الولد من
وفاة الزوج كالحرة؛ ولو طلقها الزوج
رجعية ثم مات وهي في
العدة استأنفت عدة الحرة.
وأمّا أُمّ الولد منه فتعتدّ من
وفاة الزوج مطلقا، كانت ذات ولد منه أم لا، إجماعاً كالحرّة على الأظهر الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم الأدلّة المتقدّمة من
الكتاب والسنّة السليمة عن معارضة الأخبار المتقدّمة باعتدادها بالنصف ممّا على الحرّة؛ لاختصاصها بحكم
التبادر والغلبة بغير ذات الولد البتة.
مضافاً إلى الصحيحين، في أحدهما: عن رجل كانت له أُمّ ولد، فزوّجها من رجل، فأولدها غلاماً، ثم إنّ الرجل مات فرجعت إلى سيّدها، إله أن يطأها؟ قال: «تعتدّ من الزوج أربعة أشهر وعشراً، ثم يطؤها بالملك من غير
نكاح»
.
وفي الثاني: «إنّ
علياً (علیهالسّلام) قال في أُمّهات الأولاد: لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشراً، وهنّ إماء»
.
وهما مع صحتهما وصراحتهما في المطلوب واعتضادهما بالأُصول والعمومات معتضدان بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، ومع ذلك سليمان عمّا يصلح للمعارضة؛ لما مرّ إليه الإشارة، وليس فيهما إشارة إلى
التقييد بذات الولد المستلزم للنفي عمّا عداها. نعم في الثاني ربما كان فيه دلالة عليه، من حيث وقوع السؤال في صدرها عن عدّة مطلق الأمة، واختصاص الجواب المتضمّن لعدّة الحرّة بأُمّ الولد المشعر بذلك.
وفيه نظر؛ إذ هو حيث لا يمكن استفادة حكم مطلق الأمة منه، وليس إلاّ مع فقد قوله في الذيل: «وهنّ إماء» المشعر بالعموم، وورود
الحكم على مطلق الأمة، وكأنّه (علیهالسّلام) أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضيّة علي (علیهالسّلام) في أُمّهات الولد، لكن لمّا كان ربما يتوهّم منه الاختصاص بهنّ ذكر (علیهالسّلام) أنّ حكمه عليهنّ كان في حال كونهنّ إماءً ولسن بحرائر، وهذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد.
وكيف كان فاعتداد ذات الولد بعدّة الحرّة ليس محلّ شبهة، وإن حكي عن أكثر القدماء المخالفة
، والاعتداد بنصف ما على الحرّة، إلاّ أنّها ضعيفة البتّة.
ثمّ ظاهر العبارة عدم اعتداد أُمّ الولد من المولى من موته بتلك المدّة، بل اعتدادها من
موت الزوج خاصّة، وحكي عن
الحلّي صريحاً، مع حكمه بأنّ عليها
الاستبراء خاصة، ونفى عنه البأس في
المختلف، وجزم به في موضع من
التحرير شيخنا
العلاّمة؛ للأصل، واختصاص العدّة بالزوجة.
وفيه نظر؛ للمنع عنهما بعد ورود المعتبرة باعتداد الأمة من موت المولى عدّة الحرّة، منها
الصحيح السابق في أُمّهات الأولاد: «لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشراً». وهو
نصّ في أُمّ الولد، وعام لموت الموالي والأزواج، ولعلّه ظاهر في الأوّل، ويؤيّده الصحيح المتقدّم، المعمِّم للحكم في كل زوجة وموطوءة ولو بالملك.
والصحيح: يكون الرجل تحته السرية فيعتقها، فقال: «لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر، وإن توفّي عنها مولاها فعدّتها أربعة أشهر وعشراً»
.
والموثق: عن الأمة يموت سيّدها؟ فقال: «تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها»
.
وفي الخبر، بل
الحسن: في الأمة إذا غشيها سيّدها، ثم أعتقها «فإنّ عدّتها ثلاث
حيض، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشراً»
.
وفي الاستدلال بهذه
الرواية مع قصور سندها وكذا بالصحيحة الثانية كما وقع عن جماعة
نظر؛ لظهورهما في الاعتداد بعدّة الحرّة بعد أن صارت معتقة، وليستا حينئذٍ من محلّ البحث في شيء، بل لموردهما حكم على حدة، يأتي إليه الإشارة.
فانحصر الأدلّة في الصحيحين الأوّلين والموثقة، وهي كافية في
الحجّة، سيّما مع اعتضادها بالشهرة، كما يظهر من بعض الأجلّة
، وحكي عن
الطوسي والحلبي وابن حمزة وموضع من التحرير وشيخنا
الشهيد في
اللمعة، واختاره من المتأخّرين عنهم جماعة
، مدّعين كون تلك المعتبرة عن المعارض سليمة.
وليس كذلك؛ فإنّ الرواية الأخيرة ظاهرة في اشتراط الغشيان ثم
الإعتاق في الاعتداد بالمدّة المزبورة، ولازمه عدمه بعدم الإعتاق، وحيث لا قائل بعد ثبوت العدم بعدّة اخرى سوى
الاستبراء استقرّ دلالتها بعدم الاعتداد مطلقا مع عدم الإعتاق، كما هو مفروض البحث،
وسند الرواية ليس بذلك الضعيف، بل ربما يعدّ من الحسن، ومع ذلك معتضد
بالأصل المتيقّن، وعمومات ما دلّ على أنّ على الأمة الاستبراء خاصّة، من دون تفصيل بين موت مواليهنّ وعدمه، ومؤيّد بموافقة
فتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد، فالقول به لا يخلو عن قوّة.
إلاّ أنّ
الشهرة في جانب الأخبار السابقة ربما غلبت المرجّحات المزبورة، مع الاعتضاد بأصالة بقاء
الحرمة، فهو الأقوى في المسألة.
إلاّ أنّ منشأ القوّة إنّما هو الشهرة، فلندر مدارها، وإنّما هو ذات الولد خاصّة، وأمّا غيرها كالأمة المحضة الغير المتشبثة بذيل الحرّية فإنّ المشهور أنّ عليها الاستبراء خاصّة؛ عملاً بما قدّمناه من الأدلّة.
خلافاً للطوسي
، فساوى بينهما في
العدّة؛ عملاً بإطلاق تلك المعتبرة.
وهي مع عدم الشهرة غير مكافئة
لأصالة البراءة، والعمومات السابقة، مع مفهوم الرواية المتقدّمة، المعتضد جميع ذلك هنا بالشهرة العظيمة فيخصّ بها عموم الصحيحة والموثقة، ويجعل المراد منها أُمّهات الأولاد خاصّة.
ومفهوم الرواية السابقة وإن عمّت أُمّهات الأولاد، إلاّ أنّها مخصّصة بغيرهنّ بعموم الصحيحة المتقدّمة فيهنّ، الشاملة لذوات الأزواج وغيرهنّ، فتأمّل.
ولعلّ هذا هو وجه الحكمة في عدم موافقة أحدٍ من
الطائفة للشيخ في المسألة، ولا عجب فيه، كما ذكره بعض الأجلّة
.
ثم كلّ ذا إذا لم تكن حين وفاته مزوّجة، وإلاّ فلا عدّة عليها من وفاته،
بإجماع الطائفة، كما حكاه جماعة
؛ للأصل، واختصاص المثبتة من المعتبرة بحكم
التبادر بغيرها بالضرورة.
ثم ظاهر اشتراط الغشيان في الرواية السابقة أنّه لا عدّة عليها مع عدمه، ونحوها المعتبر، بل الصحيح: في المدبّرة إذا مات مولاها: «إنّ عدّتها أربعة أشهر وعشرا (كذا، وفي
الكافي والوسائل، وعشرٌ، ولعلّه الأنسب.) من يوم يموت سيّدها، إذا كان سيّدها يطؤها»
الخبر.
وهو وإن كان مورده المدبّرة، إلاّ أنّه بالفحوى يدل على الحكم في المسألة، فإنّها مع حرّيتها إذا كانت لا تعتدّ بالأربعة أشهر وعشراً، فالأولى أن لا تعتدّ بها مع رقّيتها جدّاً، وهو ظاهر الفتاوي أيضاً؛ لاختصاصها بالمدخول بها دون غيرها، وبهما يقيّد
إطلاق ما مضى من المعتبرة، مع أنّها المتبادرة منهما خاصّة، لكن هذا في العدّة عن وفاة المولى، وأمّا الزوج فالحكم عامّ للمدخول وغيرها قطعاً؛ لإطلاق النص والفتوى، مع عدم معارض لهما أصلاً.
ويتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من وفاة الزوج بعدّة الحرّة، وغيرها بعدّة الأمة أنّه لو طلّقها أي ذات الولد الزوج
طلاقاً رجعيّاً، ثم مات وهي في العدّة استأنفت عدّة الحرّة لأنّها بمنزلة الزوجة، ويدلُّ عليه إطلاق أكثر المعتبرة بإثبات هذا الحكم في الحرّة المطلّقة المتوفّى عنها زوجها في عدّتها الرجعية.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۲۸-۳۳۴.