فسخ الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يتحقق الفسخ في
الإجارة باعمال حق الفسخ من قبل أحد المتعاقدين، وهذا يتوقّف على ثبوته لأحد المتعاقدين، وقد وقع البحث في ثبوته في عدة موارد.
•
حق الفسخ لثبوت أحد الخيارات، لا إشكال في ثبوت حق
الفسخ لأحد المتعاقدين إذا كان له أحد
الخيارات المعروفة في البيوع والمعاوضات. وقد وقع البحث في جريان بعض تلك الخيارات في
الإجارة ، والمعروف أنّ كلّ خيار يكون ثابتاً في سائر المعاوضات بدليل عام من قبيل
السيرة والارتكاز أو الاشتراط الضمني أو الشرط أو
قاعدة لا ضرر ، فهو ثابت في الإجارة أيضاً نحو خيار الغبن أو
التدليس أو تخلّف الشرط.
وأمّا إذا كان ثابتاً في عقد خاص فلا يثبت في الإجارة؛ فلا بد إذاً من النظر في أنواع الخيارات.
انظر:
المتعاقدان في الإجارة .
انظر:
المتعاقدان في الإجارة .
انظر:
قضاء .
لا إشكال في أنّ فسخ الإجارة كفسخ
البيع أثره رجوع كلّ من
العوضين - وهما الاجرة والمنفعة أو العمل في الإجارة- إلى مالكه الأوّل بالفسخ، فترجع الاجرة المسماة إلى المستأجر ومنفعة العين أو العمل إلى المؤجر، كما لا إشكال أنّ المشهور في باب الفسخ واعمال
الخيار أنّه يكون من حينه لا من أصل العقد على ما هو موضّح في مصطلح (
فسخ ) فالعوضان
بلحاظ زمان ما قبل الفسخ باقيان على ملك المتعاقدين ونماءاتهما المستقلّة تكون لهما، ولا ترجع بالفسخ إلى المالك الأوّل.
وأيضاً لا إشكال في أنّ الفسخ لا يتوقف على بقاء أحد العوضين، بل يتصوّر مع تلفه، إلّا إذا كان مشروطاً به كما في خيار الردّ، وعندئذٍ إذا فسخ كان له استرداد المثل أو
القيمة إذا كان العوض تالفاً، وهذا في مبادلة الأعيان واضح، وأمّا في باب الإجارة فحيث إنّ المنفعة تدريجية الوجود والتلف بمضي المدة فلا محالة يكون الفسخ في أثناء مدة الإجارة أو بعد مضيّها مساوقاً مع
تلف العوض وهو المنفعة أو العمل كلًا أو بعضاً. ومن هنا وقع البحث عندهم فيما يقتضيه الفسخ وآثاره في عقد الإجارة، من حيث كونه من حينه أو من أصله، ومن حيث كونه لتمام المدة أو لبعضها، ومن حيث ما يستحقه المؤجر من اجرة المسمّى أو المثل.
وفيما يلي نتعرّض لأنحاء وقوع الفسخ في الإجارة، من حيث كونه قبل الاستيفاء أو في أثنائه أو بعد مضي تمام المدة وما قيل في كلّ قسم من هذه الأقسام من الجهات التي أشرنا إليها.
إذا فسخت الإجارة بعد العقد- قبل أن تمضي مدّة لها اجرة- رجع المستأجر بجميع الاجرة المسمّاة، ولا يغرم شيئاً؛ لعدم الاستيفاء أو التفويت على المالك، وهذا مما لا إشكال فيه.
إنّما الكلام في أنّه إذا ثبت حق
الفسخ من حين العقد لمانع من الاستيفاء كالغصب قبل
القبض مثلًا إذا قيل بثبوت الخيار فيه للمستأجر ثمّ ارتفع ذلك المانع في الأثناء فهل للمستأجر فسخ العقد بالنسبة إلى مدة
الغصب فقط أو أنّ الفسخ لا بد أن يكون بالنسبة لجميع المدة؟
ذهب جملة من الفقهاء إلى الثاني إمّا مطلقاً
أو فيما إذا لم يكن المؤجر سبباً لذلك،
والمستند في ذلك أنّه مقتضى فسخ العقد وعدم تبعّضه، نظراً إلى أنّ الالتزام بالعقد ابتداءً كان مشروطاً بالتسليم الخارجي ولم يتحقق، فإذا فسخ كان العقد في حكم العدم، ولا يمكن بقاؤه بعد الفسخ عرفاً.
وذهب آخرون
إلى جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدة التي كان فيها في يد الغاصب، فيكون نظير ما سيأتي عن المشهور في الفسخ في الأثناء من حصول
التبعيض ، كما أنّه يكون للموجر فسخ العقد أيضاً بالنسبة إلى ما تبقى دفعاً للتبعيض عليه فيما إذا لم يكن المنع من الاستيفاء مستنداً إليه.
ولا يلزم من ذلك اعتبار بقاء العقد عرفاً بعد فسخه
لانحلاله بالنسبة إلى أجزاء متعلّقه،
فما هو الباقي غير ما هو المنحلّ بالفسخ، إلّا أنّ هذا مبني على أن يكون
الخيار الثابت للمستأجر في المقام بملاك دفع الضرر أو عدم
الاستيلاء على المعوّض الفائت منه لا بملاك تخلّف الشرط ضمن العقد، والذي قد يستظهر منه أنّه راجع إلى أصل العقد وتعليق الالتزام به لا إلى متعلّقه، فيكون الخيار راجعاً إلى تزلزل العقد وهو أمر واحد لا يقبل التبعيض. وسيأتي مزيد إشارة إلى هذه النقطة.
المشهور
بين الفقهاء
وظاهر المسالك حيث لم يتعرض لشبهة أو إشكال.
ثبوت الاجرة المسمّاة بالنسبة إلى ما مضى لو وقع الفسخ أثناء مدة الإجارة، ولا ينفسخ العقد في تلك المدة، وإنّما ينفسخ في الباقي وهو من التبعيض في فسخ الإجارة.
واستدلّ لعدم الانفساخ بالنسبة إلى ما مضى تارة بأنّ الفسخ إنّما يؤثر من حين حدوثه لا من حين حدوث
العقد .
واخرى بأنّ المنفعة- التي هي متعلّق عقد الإيجار- متكثّرة بتكثّر الزمان، وذلك يؤدّي لا محالة إلى انحلال العقد إلى قرارات عديدة، بحيث لا يستلزم فسخ العقد بالنسبة إلى ما بقي فسخه بالنسبة إلى ما مضى أيضاً.
وثالثة بأنّ
الارتكاز العرفي في المقام يساعد على التبعيض.
هذا، ولكن قوّى السيد اليزدي
والمحقق النائيني الحكم برجوع تمام الاجرة المسمّاة حين وقوع الفسخ ودفع
أجرة المثل بالنسبة لما مضى، نظراً إلى أنّ العقد أمر واحد غير قابل للتبعيض في الفسخ.
وليس هذا بمعنى أنّ الفسخ من الأصل ومن حين حدوث العقد بل من حين الفسخ، إلّا أنّ المنفسخ والراجع تمام المنفعة حتى الماضية، وهذا واضح.
وفصَّل بعض المعلّقين على
العروة بين ما إذا كان سبب الخيار موجوداً حين العقد، كما إذا تبيّن الغبن أو وجد العيب السابق فلا يمكن التبعيض، وبين ما إذا طرأ السبب في الأثناء، كما إذا انهدمت الدار أثناء مدة الإجارة فيمكن التبعيض فيه.
وفصّل البعض الآخر بين الخيارات الثابتة بالنصّ المستفاد منه حق الفسخ بالنسبة إلى مجموع العقد، وبين الخيارات الناشئة من الضرر أو الشرط أو الناشئة من تخلّف
الوصف أو الشرط فلا مانع من فسخ البعض.
وفصّل ثالث بين شرط الخيار وبين غيره من الخيارات كخيار العيب والغبن ونحوهما، فيجوز التبعيض في الأوّل دون الثاني.
ويحتمل هنا تفصيل رابع وهو التفصيل بين الخيار الثابت بعنوان تزلزل العقد والخيار الثابت بعنوان حق ردّ جميع العين أو بعضها، فالفسخ في الأوّل يقتضي
انفساخ الإيجار في تمام المدّة، بخلافه في الثاني فإنّه لا يقتضي أكثر من ردّ ما تعلّق به الحق.
هذا كلّه في إجارة الأعيان.
وأمّا إجارة الأعمال فإذا كان الفسخ قبل العمل لم يستحق الأجير شيئاً، وإذا كان في أثناء العمل فالحكم فيها نحو ما تقدم في الوجهين السابقين من ثبوت
الأجرة المسماة أو المثل بمقدار ما عمله إذا لم يكن العمل المستأجر عليه نتيجة العمل أو المجموع من حيث المجموع.
وأمّا إذا كان المستأجر عليه نتيجة العمل أو المجموع من حيث المجموع ووقع الفسخ في أثناء العمل فقد فصّل فيه بعض الفقهاء بين فسخ الأجير في أثناء العمل وفسخ المستأجر، فإذا كان للأجير خيار الفسخ وفسخ في أثناء العمل لم يستحق شيئاً؛ لأنّه أقدم بنفسه على هدر عمله ولم يكن ما عمله متعلّقاً للإجارة بحسب الفرض فلا وجه
لضمان المستأجر، وأمّا إذا كان للمستأجر خيار الفسخ ففسخ فإنّ الأجير يستحق حينئذٍ اجرة المثل بمقدار ما عمل؛ لاحترام عمل المسلم، خصوصاً إذا لم يكن خيار المستأجر من باب الشرط، نظراً إلى عدم إقدام الأجير هنا على إلغاء مالية عمله.
بخلاف الفرض الأوّل الذي أقدم الأجير فيه على إلغاء مالية عمله بفسخ العقد مع علمه؛ بأنّ المستأجر عليه هو المجموع من حيث المجموع.
ولكن خالف أكثر الفقهاء
في ذلك فذهبوا إلى عدم الفرق بين كون الخيار للأجير أو المستأجر، وحينئذٍ فليس للعامل الرجوع بأُجرة المثل، نظراً إلى أنّه لا مجال هنا لتطبيق قاعدة
الاحترام ؛ لأنّها لا تشخّص من عليه الضمان، بل لا بد من صدق سبب الضمان من
الإتلاف أو الأمر أو غير ذلك بالنسبة للمستأجر، ومع فرض أنّ المستأجَر عليه هو المجموع بما هو مجموع لم يتعلّق أمر من المستأجر بما وقع، غاية الأمر أنّ المستأجر بمقتضى الخيار الثابت له وبعد إعمال حقه لم يعطِ الأجير فرصة إتمام العمل ليستحق عليه الاجرة، فهو بفسخه أعدم موضوع الاستحقاق لا أنّه أتلف عليه المال.
وقد يقال: إنّ فوات فرصة العمل على الأجير وشروعه في العمل، وهو المجموع للمستأجر كان بأمره وبمقتضى الإجارة، فيكون مضموناً عليه بقيمته وإن لم يكن مضموناً بالعقد، فذهاب هذه الفرصة عليه هدراً خلاف المرتكز العقلائي الممضى شرعاً.
إن كان العمل مما يجب
إتمامه بعد الشروع فيه- كما في
الحج بناءً على وجوب اتمامه، أو
الصلاة بناءً على حرمة قطعها- فهل يكون حكم الفسخ في أثناء هذه الأعمال كالفسخ بعد العمل أم لا؟
فيه وجهان، ذهب
السيد اليزدي إلى الأوّل، نظراً إلى أنّ الأمر من موجبات الضمان
بالسيرة العقلائية، بلا فرق بين تعلّق الأمر بتمام العمل أو بالشروع في عملٍ لا بدّ من إتمامه شرعاً.
بينما ذهب
السيد الحكيم والمحقق الخوئي في تعليقته على العروة
إلى الثاني، نظراً إلى عدم استحقاق وجوب إتمام العمل عليه بالإجارة، بل هو تكليف مستقل، فلا وجه لضمان ما بقي خصوصاً فيما لو كان الفاسخ هو الأجير.
ولكن
المحقق الخوئي ذهب في شرحه على العروة
إلى نفس ما اختاره صاحب العروة من استحقاق اجرة المثل؛ لأنّ ما لا بد منه شرعاً من قبيل ما لا بد منه عقلًا وتكويناً، فكما يكون شروعه بأمر المستأجر كذلك يكون اتمامه مستنداً إلى أمره بمقتضى اللابدّية التكوينية أو الشرعية.
ولا يفرّق في ذلك بين كون العمل بنحو المجموعية أو الانحلالية وإن كان قد فصّل بعضهم بينهما في المقام أيضاً.
إذا فسخ العقد بعد
استيفاء منفعة العين أو مضيّ المدة عند المستأجر أو بعد العمل رجع المؤجر بالاجرة المسمّاة، وعليه دفع اجرة المثل لما استوفاه؛
لأنّ استيفاء المنفعة أو العمل إنّما وقع على نحو الضمان، فإذا بطل ضمانه للمسمّى تعيّن عليه اجرة المثل. والظاهر أنّ ذلك مما لا إشكال فيه ولا خلاف، بل قيل: إنّ الضمان هنا أولى منه مع
فساد العقد بقاعدة ما يضمن.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۷۱-۳۸۷.