قضاء الحج عن الميت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وإذا استقرّ الحجّ في ذمته، بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه مدة يمكنه فيها
استيفاء جميع أفعال الحجّ، أو الأركان منها خاصة فأهمل، قضي عنه وجوباً من أصل تركته مقدماً على وصاياه.
(وإذا استقرّ الحجّ) في ذمته، بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه مدة يمكنه فيها
استيفاء جميع أفعال الحجّ، كما عن الأكثر
أو الأركان منها خاصة، كما احتمله جماعة
حاكين له عن
التذكرة ، ويضعّف بأن الموجود فيها احتمال
الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم،
كما احتملوه أيضاً وفاقاً له (فأهمل، قضي عنه) وجوباً (من أصل تركته) مقدماً على وصاياه، بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في
الخلاف والتذكرة والمنتهى
وغيرها،
والصحاح به مع ذلك مستفيضة جدّاً، معتضدة بغيرها. وأمّا ما في نحو الصحيح : «من مات ولم يحجّ
حجّة الإسلام ، ولم يترك إلاّ بقدر نفقة الحجّ، فورثته أحق بما ترك، إن شاؤوا حجّوا عنه، وإن شاؤوا أكلوا»
فمحمول على صورة عدم
الاستطاعة .
(ولو لم يخلف سوى
الأجرة ) لقضاء الحجّ (قضي عنه من أقرب الأماكن) إلى الميقات وكذا لو خلف الزيادة وفاقاً للأكثر على الظاهر، المصرّح به في عبائر جمع،
وفي الغنية
الإجماع للأصل، وعدم
اشتراط الحجّ بالمسير إلاّ بالعقل، فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على وجوب قضائه، كيف ولو سار إلى الميقات لا بنيّة الحجّ ثم أراده فأحرم صحّ، وكذا لو استطاع في غير بلده لم يجب عليه قصد بلده وإنشاء الحجّ منه، بلا خلاف، كما في
المختلف .
ويؤيده الصحيح : عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من
الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة، قال : «لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه».
وربما استدل عليه بنحو الصحيح : عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة
الإسلام ، فلم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين درهماً، قال : «يحجّ عنه من بعض الأوقات التي وقّت
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قرب».
بناءً على ترك
الاستفصال عن
إمكان الحجّ بذلك من البلد، أو غيره ممّا هو أقرب إلى الميقات. وضعّف بجواز كون عدم إمكان الحجّ بذلك من غير الميقات معلوماً بحسب متعارف ذلك الزمان.
(وقيل :) يقضى (من بلده مع السعة) في تركته، وإلاّ فمن الميقات، والقائل الشيخ في
النهاية ،
والحلي والقاضي،
والصدوق في
المقنع ويحيى بن سعيد في الجامع
كما حكي،
وهو خيرة المحقّق الثاني والشهيد في صريح
الدروس وظاهر اللمعة.
ووجهه غير واضح، عدا ما في السرائر من أنّه لو كان حياً كان يجب عليه في ماله نفقة الطريق من بلده، فاستقرّ هذا الحق في ماله؛ وأنّه به تواترت أخبارنا وروايات أصحابنا.
وفي الأول ما مرّ؛ وفي الثاني ما في
المعتبر والمختلف،
من أنّا لم نقف بذلك على خبر شاذّ، فكيف دعوى التواتر؟! ولعلّه لذا لم يستند إليهما الشهيد ; بل قال : لظاهر الرواية.
والأولى أن يراد بها الجنس، كما في
الروضة ، قال : لأنّ ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي،
أظهرها دلالةً رواية أحمد بن محمد بن أبي نصير عن محمد بن عبد الله، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يحجّ عنه؟ قال : «على قدر مال، ان وسعه ماله فمن منزله، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة». وإنّما جعله ظاهر الرواية لإمكان أن يراد ب «ماله» ما عيّنه اجرة للحجّ بالوصية، فإنّه يتعيّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن أُجرته من الميقات من الثلث إجماعاً. وإنّما الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة، أو علم أنّ عليه حجّة الإسلام ولم يوص به، فالأقوى القضاء _عنه _ من الميقات خاصة؛ لأصالة
البراءة . إلى أن قال : والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيّن قدراً، ويمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر، مع ضعف سندها، و
اشتراك محمد بن عبد الله في سند هذا الخبر بين الثقة والضعيف والمجهول. ثمّ قال : لو صحّ هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى؛ لأنّ «ماله» المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه، وإنّما حملناه لمعارضته للأدلة الدالة على خلافه، مع عدم صحة سنده
انتهى.
وهو حسن، إلاّ أنّ هنا أخباراً معتبرة يفهم منها أيضاً وجوب
الإخراج من البلد عند
إطلاق الوصية. منها الصحيح : «وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام، ولم يبلغ ماله ذلك، فليحجّ عنه من بعض المواقيت».
وقريب منه الصحيح المتقدم فيمن أوصى أن يحجّ عنه ولم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين. والموثق : عن رجل أوصى بماله في الحجّ، فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده، قال «فيعطي في الموضع الذي يحجّ عنه».
بناءً على ظهورهما في فهم الرواة وجوب القضاء من البلد مع الوفاء، وأنّ إشكالهم إنّما هو مع عدمه، وقررهم
الإمام : على ذلك. وأظهر من الجميع المروي في
مستطرفات السرائر ، وفيه : إن رجلاً؛ مات في الطريق، وأوصى بحجة، وما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا، فقال بعضهم : يحجّ من الوقت، فهو أوفر للشيء أن يبقى عليه، وقال بعضهم : يحجّ عنه من حيث مات، فقال عليه السلام : «يحجّ عنه من حيث مات».
لكن شيء منها ليس بصريح في ذلك، مع أنّ موردها كما سبق ـ الوصية بالحجّ، ولعلّ القرائن الحالية يومئذٍ كانت دالّة على إرادة الحجّ من البلد، كما هو الظاهر عند إطلاق الوصية في زماننا هذا، فلا يلزم مثله مع
انتفاء الوصيّة، وبهذا أجاب عنها جماعة.
هذا، والمسألة بعدُ لا تخلو عن شبهة، ولا ريب أن هذا القول مع رضاء الورثة أحوط. ثمّ إنّ الموجود في كلام الأكثر من الأقوال في المسألة ما مرّ، وحكي الماتن في
الشرائع ثالثاً بالإخراج من البلد مطلقاً
ومقتضاه سقوط الحجّ مع عدم وفاء المال به من البلد، ولم نعرف قائله، وبه صرّح جمع،
بل نفاه بعضهم من أصله.
رياض المسائل، ج۶، ص۴۳- ۴۸.