محرمات الذبيحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح).
وهي عدد من المحرمات التي تسبب في تحريم الذبيحة.
اختلفت عبارات
الفقهاء في عدد المحرّمات من الذبيحة، فذكر بعضهم ثلاثة،
وهي: الطحال،
والقضيب، والانثيان أي البيضتان، أو: المثانة، والمرارة،
والمشيمة،
وآخر خمسة عشر،
وهي:
الدم ، والفرث،
والطحال، والمرارة، والمشيمة، والفرج، والقضيب، والانثيان، والنخاع، والعلباء،
والغدد، والمثانة، وذات الأشاجع،
والحدق»،
والخرزة
تكون في الدماغ.
وبين ذلك مَن قال بأنّها خمسة،
وهي: الطحال، والقضيب، والفرث، والدم، والانثيان، وعليه دعوى الاتّفاق والإجماع من غير واحد من الفقهاء.
وادّعى
الأردبيلي عدم الخلاف على أربعة منها عدا الفرث.
وذكر
الحلبي أنّها سبعة، وهي: الدم، والطحال، والقضيب، والانثيان، والغدد، والمشيمة، والمثانة.
ووافقه ابن زهرة عليه ناسباً إيّاه إلى الإجماع وطريق الاحتياط.
وذهب العلّامة إلى أنّها تسعة، وهي: ما ذكره
الحلبي - عدا الغدد- بإضافة الفرث، والمرارة، والفرج.
ويرى
الشيخ الصدوق أنّها عشرة، وهي: الفرث، والدم، والنخاع، والطحال، والغدد، والقضيب، والانثيان، والرحم، والحياء، والأوداج.
بينما يرى الفاضل
النراقي أنّها: الدم، والفرث، والطحال، والقضيب، والانثيان، والنخاع، والمثانة، والغدد، والمرارة، والمشيمة.
وذهب
الشيخ الطوسي إلى أنّها أربعة عشر، وهي الخمسة عشر المتقدّمة خلا المثانة،
وتبعه القاضي، لكنّه استثنى منها الدم؛ ولعلّه لوضوحه،
كما استثنى منها
المحقّق النجفي وبعض المتأخّرين ذات الأشاجع.
وقال
المحقّق الخوانساري : «لا يبعد حرمة جميع المذكورات في الأخبار».
هذا، ونسب إلى
ابن الجنيد كراهة الطحال والمثانة، والغدد، والنخاع، والرحم، والقضيب، والانثيين،
كما أنّ المحقّق حكم بكراهة الخمسة عشر ما عدا الخمسة المتّفق عليها، مضافاً إلى أنّه تردّد في تحريم ثلاثة اخرى منها، هي: المثانة، والمرارة، والمشيمة، ولكن قال: «أشبهه التحريم».
وكيف كان، فقد استدلّ على التحريم- مضافاً إلى الاستخباث
- بالأخبار:
منها: مرسل ابن
أبي عمير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث،
والدم ، والطحال، والنخاع، والعلباء، والغدد، والقضيب، والانثيان، والحياء، والمرارة».
ومنها: خبر
إسماعيل بن مرّار عنهم عليهم السلام قال: «لا يؤكل ممّا يكون في
الإبل والبقر والغنم وغير ذلك ممّا لحمه حلال: الفرج بما فيه- ظاهره وباطنه- والقضيب، والبيضتان، والمشيمة- وهي موضع الولد- والطحال؛ لأنّه دم، والغدد مع العروق، والمخّ الذي يكون في الصلب، والمرارة، والحدق، والخرزة التي تكون في الدماغ، والدم».
ومنها: مرسل
الصدوق في المقنع: «في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث، والدم، والنخاع، والطحال، والغدد، والقضيب، والانثيان، والرحم، والحياء، والأوداج».
ومنها: رواية
إبراهيم بن عبد الحميد عن
أبي الحسن عليه السلام قال: «حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، والخصيتان، والقضيب، والمثانة، والغدد، والطحال، والمرارة».
ومنها: مرسل
البرقي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «فأمّا الذي يحرم من الذبيحة فالدم، والفرث، والغدد، والطحال، والقضيب، والانثيان، والرحم، والظلف، والقرن، والشعر».
وغيرها من النصوص.
وقد استشكل في الاستدلال بهذه الروايات؛ لضعف أسانيدها. نعم، يدلّ على بعضها الدليل الخاص، كالدم فإنّه محرّم بالنص
والإجماع ، وهو أيضاً ظاهر من الآية،
وكذا ما استخبث منها، كالفرث والفرج، والقضيب، والانثيين، والمثانة، والمرارة، والمشيمة.
وأمّا الباقي فتحريمه يحتاج إلى دليل، والأصل يقتضي عدمه.
واجيب عنه بأنّه لا وجه لرفع
اليد عن النصوص المشتملة على تحريم غير هذه الثمانية؛ لكثرتها وانجبار ضعف أسانيدها بعمل الفقهاء بمضامينها.
وقد يستشكل في العمل بهذه الأخبار من جهة اخرى، وهي ترائي التعارض بين ما دلّ منها على حرمة بعض المذكورات، وبين ما دلّ على أزيد، أو دلّ على حرمة شيء آخر غير ما فيها.
واجيب عنه بعدم ظهور الأخبار في حصر المحرّمات حتّى يعارض بعضها الآخر؛ فإنّ
إثبات شيء لا يوجب نفي ما عداه، فكثيراً مّا يذكر وجوب أشياء أو حرمتها أو كراهتها من دون أن يستظهر منه نفي الوجوب أو الحرمة أو الكراهة عن غيرها، وليس المقام من قبيل العامّ والخاصّ حتى يقال بتقديم الخاصّ على العامّ.
هذا، واختار بعضهم كراهة بعض المذكورات- كالفرج، والعلباء، وذات الأشاجع، والخرزة، والحدقة- ولعلّ وجهه خلوّ الروايات الصريحة في التحريم عنها بالمرّة، وقصور ما يتضمّنها عن إفادة الحرمة.
وظاهر عبارات أكثر الفقهاء عدم الفرق في حرمة أجزاء الذبيحة بين الكبيرة والصغيرة، بل صرّح بعضهم بالتعميم.
لكن مع ذلك قد يقال بأنّ الأجود اختصاص الحكم بالنعم وغيرها من الحيوانات الوحشية دون العصفور ونحوه؛ لاستلزام القول بالتعميم- مع عدم تمييزه- تحريم جميعه أو أكثره؛ للاشتباه.
وقد يستفاد التخصيص من
الصدوق ، حيث اقتصر على ذكر الشاة،
والمفيد ؛ حيث عبّر بالأنعام والوحوش.
لكن قد يقال بأنّه لا وجه للاختصاص؛ للعلم بإرادة المثال من الشاة ونحوها في هذه الأخبار والعبارات.
وفصّل بعضهم بين ما كان المستند في تحريمه
الإجماع فالقول بالاختصاص جيّد؛ لعدم معلومية تحقّقه في العصفور وشبهه، مع ما تقدّم من اختصاص عبائر بعضهم وجملة من النصوص بالشاة والنعم.
وما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كلّ ما تحقّقت فيه أجود.
ونوقش بأنّ معظم هذه الأجزاء أو جميعها دليل حرمتها النصوص وإن تأيّدت في بعضها بالخباثة ونحوها، فإنّ بعضها مطلق كخبر
إسماعيل المتقدّم، وأمّا ذكر الشاة في بعض النصوص والعبائر فهو لا يضرّ بعد إرادة المثال منها.
واختار
المحقّق النجفي حرمة الجميع في كلّ ذبيحة فيما إذا تحقّق مسمّاه، أمّا مع عدم ظهوره فلا حرمة؛ إذ لا يصدق أكله أو أكل شيء منه؛ إذ لعلّه غير مخلوق في الحيوان المزبور، مضافاً إلى السيرة المستمرّة على ذلك. نعم، لو علم شيوع أجزاء المحرّم منها في جملة اللحم اتّجه اجتنابه أجمع.
فما ذكره بعضهم من عدم شمول شيء من النصوص للحيوان الصغير إلّافي
الدم والطحال أو الرجيع
دعوى لا يساعدها
إطلاق خبر
إسماعيل عنهم عليهم السلام.
وكيف كان، فلا يترك الاحتياط عند بعضهم بالاجتناب عن كلّ ما وجد من المذكورات في الطيور، كما أنّه لا إشكال في حرمة الرجيع والدم منها.
ولا شكّ في اختصاص الحرمة بالذبائح دون غيرها، كالسمك والجراد، كما صرّح بعضهم بذلك.
وقد استدلّ عليه بالأصل، والعمومات، واختصاص النصّ والفتوى- بحكم التبادر والتصريح في جملة منها- بغير السمك والجراد.
بل احتمل بعضهم عدم خلق كثير من هذه الأشياء فيهما، وأنّه لا يحرم منهما غير الدم والرجيع، وأنّ الأصل يقتضي الحلّية، والخباثة غير معلومة، وما يتراءى من التنفّر ففي الأكثر لمظنّة الحرمة، أو كون أكله خلاف العادة.
قال
المحقّق النجفي : «والرجيع الذي مدار حرمته فيهما على الاستخباث الذي يمكن منعه هنا، خصوصاً إذا اكل في جملتها على وجه لا يعدّ فيه أكل شيء من الخبيث».
ولو اكل شيء من الأجزاء المحرّمة في جملة المأكول بحيث استهلك المحرّم فيها- كما لو وقع شيء من فرث الغنم في لبنها- فلا بأس به وإن بقيت أجزاء منه بعد إخراجه وقد استهلكت فيه.
هذا بالنسبة إلى ما حكم بحرمته من أجزاء الذبيحة. وأمّا غيره فالمشهور كراهة الكليتين والعروق واذني القلب.
وقال بعضهم بكراهة الكلى واذني القلب،
ولم يتعرّض للعروق.
واستدلّ لكراهة الكلى وعدم حرمتها برواية محمّد بن صدقة عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما؛ لقربهما من البول».
وروي نحوه عن الإمام الرضا عليه السلام.
وأمّا كراهة اذني القلب والعروق فقد استدلّ عليها بورودهما في بعض الأخبار المتقدّمة.
لكن استشكل بعضهم في ذلك من جهة أن النهي عنهما ورد في هذه الأخبار المشتملة على النهي عن كثير من الأجزاء الاخرى، فكيف يحمل النهي بالنسبة إليهما على الكراهة وفي الباقي على الحرمة
؟! وقد اجيب عنه بأنّ النصوص التي نهت عنهما ضعيفة سنداً ولا جابر لها في ذلك، بل عدم الخلاف والاتّفاق ظاهراً على عدم إرادة الحرمة منه.
وهو على قسمين:
يحرم تناول بول ما لا يؤكل لحمه، نجساً كان- كالكلب والخنزير- أو طاهراً كالأسد والذئب،
ونفى عنه بعضهم الخلاف
والشبهة،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
لنجاسته، ولكونه من الخبائث.
ذهب
الإسكافي والسيّد المرتضى والحلّي وجماعة
إلى حلّه، وفي الجواهر: «الحلّ هو الأشبه باصول المذهب وقواعده»،
وقد ادّعى السيّد المرتضى
الإجماع عليه ونفي
الخلاف عنه بين كلّ من قال بطهارة الأبوال ممّا يؤكل لحمه.
ودليل الحلّ- مضافاً إلى الأصل، والعمومات
- روايتان:
الاولى: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا بأس ببول ما اكل لحمه».
الثانية: ما رواه الجعفري عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال: «أبوال الإبل خير من ألبانها، ويجعل اللَّه الشفاء في ألبانها».
فإنّ الاولى تدلّ على جواز شرب أبوال مأكول اللحم على وجه الإطلاق، والثانية على جواز شرب بول الإبل مطلقاً.
واجيب عنهما بأنّهما- مضافاً إلى ضعف سنديهما- لابدّ من تقييدهما بمفهوم موثّقة عمّار
الدالّ على حرمة شربها لغير التداوي.
واستدلّ للحلّ أيضاً بكونه طاهراً.
واجيب عنه بأنّه لا يلزم من طهارتها حلّها؛ لأنّ المحلّل أخصّ من الطاهر، ولا يلزم من ثبوت الأعمّ ثبوت الأخصّ.
وأمّا القول بالتحريم فقد ذهب إليه جماعة،
ويظهر من الشيخ في
النهاية .
وقد استدلّ
له بقوله تعالى: «وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ».
واجيب عنه بأنّ المراد من الخبيث كلّ ما فيه مفسدة، فلا تعمّ شرب الأبوال الطاهرة. وتنفّر الطباع عنها لا يوجب كونها ذات مفسدة.
وبمفهوم موثّقة
عمّار ، قال: سئل عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال عليه السلام: «إن كان محتاجاً إليه يتداوى به يشربه، كذلك أبوال الإبل والغنم»،
فإنّها تدلّ على الحرمة لغير التداوي، وبه يقيّد
إطلاق ما تقدّم.
واستدلّ له أيضاً بالأولويّة المستفادة ممّا دلّ على حرمة الفرث والمثانة.
واجيب عنه بمنع الأولوية وعدم دلالة المفهوم على أزيد من المرجوحية، مع أنّ الاحتياج إلى التداوي أعم من الضرورة المبيحة للأشياء المحرّمة.
ذهب الفقهاء إلى جواز شرب بول الإبل لغرض الاستشفاء والتداوي به،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه
ما روي من أنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر قوماً اعتلّوا أن يشربوا أبوال الإبل فشفوا.
وما رواه
سماعة ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال: «نعم، لا بأس به»،
وغيرهما.
ويدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار المتقدّمة.
وأمّا شرب بول غير الإبل للتداوي، فظاهر القواعد إلحاقها بالإبل،
وذهب إليه أيضاً جملة من الفقهاء.
ويدلّ عليه ما تقدّم في موثّقة عمّار.
قال
الشهيد الصدر : «لم يثبت حكم خاص لبول الإبل؛ لأنّ رواية الجعفري
غير تامّة السند، بل حاله حال غيره من أبوال ما يؤكل لحمه في المنع، وإنّما يجوز في حالة الاحتياج إليه للتداوي»،
ثمّ اعتبر رواية عمّار الدالّة على التعميم لغيره تامّة.
لا شبهة في حرمة رطوبات نجس العين من الحيوانات؛ لنجاستها. وأمّا فضلات الإنسان كبصاقه ونخامته، وفضلات الحيوان، فقد ذهب الشهيد في
الدروس إلى حرمتها، وفي
الرياض نسبة ذلك إلى المشهور.
واستدلّ عليه باستخباثها، وتنفّر الطباع عنها.
نعم، وردت
رخصة في بصاق المرأة والإبنة.
لكنّ بعض الفقهاء استشكل في صدق الخباثة في مثل البصاق والعرق، وذكر أنّ الطبائع مختلفة،
لا سيّما في مثل البصاق الذي قد يستطاب من المحبوب، فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخرج لقمته من فيه وأعطاها إلى من طلبها،
مع أنّها كانت ممزوجة باللعاب قطعاً.
وورد في بعض الروايات أنّ
الحسين عليه السلام مصّ لسان
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه عليه السلام مصّ لسان
ولده عليّ بن الحسين عندما غلبه العطش يوم الطف.
هذا، مضافاً إلى إباحة بعض الأشياء مع أنّها عند أكثر الناس من الخبائث، فكيف يمكن العدول عمّا دلّ من العقل والنقل على حلّ الأشياء؟! وأمّا ما ذكره
السيّد الطباطبائي من كفاية احتمال الخباثة لإيجاب لزوم الاجتناب، كما في الأمر بالاجتناب عن السموم من باب المقدّمة.
فقد أجاب عنه
المحقّق النجفي بأنّ مبنى الحرمة في مثل السموم الخوف والمخاطرة ونحوهما ممّا يكفي فيه الاحتمال المعتدّ به، ولكنّ المبنى فيما نحن فيه النفرة، والفرض انتفاؤها، ومع التسليم فلا يجب الاجتناب؛ للعمومات كمحتمل النجاسة.
أمّا بالنسبة لمثل القيح والبلغم والنخامة فقد ذكر النراقي أنّ الظاهر الحرمة، فإنّه لا يستراب في خباثتها أبداً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۹۰-۲۰۰.