وجوب استبراء الأمة قبل بيعها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثالثة : يجب على البائع) ومن في حكمه إن قلنا
بإلحاقه به (استبراء الأمة) الموطوءة له حال بلوغها في قبل أو دبر، عزل أم لا، في ظاهر إطلاق النصوص والفتاوي (قبل بيعها) بل مطلق
الانتقال على الأشهر الأقوى، بل ربما يستفاد من الخلاف والغنية
الإجماع عليه.
بترك وطئها مطلقاً ولو دبراً، دون سائر
الاستمتاعات ، في زمان يأتي عليها (بحيضة) واحدة إن لم تُبَع في أثنائها، وإلاّ فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى (إن كانت ممّن تحيض) وحدّها البالغة تسع سنين، بلا خلاف يوجد إلاّ نادراً. (وبخمسة وأربعين يوماً) من حين الوطء (إن لم تحض) بعدُ، أو انقطع عنها حيضها (وكانت في سنّ من تحيض).
(وكذا يجب
الاستبراء ) بما ذكر كيفيّةً وقدراً (على المشتري إذا لم يستبرئها البائع) مطلقا، علم بوطئه لها أو جهل، ولا يجب إذا علم العدم
اتّفاقاً ، نصّاً وفتوى. ولا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الحلّي
في إلحاق مُطلق الانتقال بالبيع، التفاتاً إلى
الأصل ،
واختصاص الموجب به خاصّة، فالإلحاق لا بدّ له من حجّة، وليست سوى دعوى
الاشتراك في الحكمة الموجبة في الملحق به، وليست بمنصوصة.
والمناقشة فيه واضحة بعد ملاحظة خصوص الرواية الآتية في المسبيّة المندفع أخصّيتها من المدّعى بعدم القول بالفرق بين الطائفة. مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة الظاهرة في الحكمة، كالصحيح : في رجل ابتاع جارية لم تطمث، قال : «إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحمل فليس عليها عدّة فليطأها إن شاء، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدّة».
وقريب منه الخبر الذي ضعف سنده بالشهرة العظيمة منجبر : عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل، قال : «ليس عليها عدّة».
لظهوره في فهم الراوي دوران وجوب العدّة مدار خوف الحبل وأنّ إشكاله في الحكم مع عدم الخوف، وقد قرّره عليه السلام على ذلك، فتدبّر. ويشهد له سقوط الاستبراء فيمن لا يخاف عليها الحبل أصلاً، كالصغيرة ونحوها، وفي المشتراة من المرأة، فتأمّل جدّاً، ولعلّه لذا رجع عنه في باب السراري وملك الأيمان.
ومنه أيضاً في
الاكتفاء بتمام الحيضة إن بيعت في الأثناء، فلم يكتف به.
ويردّه الإجماع المحكي في الخلاف،
والمعتبرة، كالصحيحين، في أحدهما : عن رجل اشترى جارية وهي حائض، قال : «إذا طهرت فليمسّها إن شاء».
والموثق : عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أُخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟ قال : «لا، بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بأُخرى فلا بأس، هي بمنزلة فضل».
ومن
المبسوط ،
فألحق بالوطء سائر وجوه الاستمتاعات؛ للموثق : عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى، أيطؤها؟ قال : «لا» قلت : فدون الفرج؟ قال : «لا يقربها».
ويردّه مضافاً إلى الأصل،
وانتفاء وجه الحكمة الإجماع الذي حكاه في الخلاف،
وخصوص المعتبرة، كالصحيح : قلت : يحلّ للمشتري ملامستها؟ قال : «نعم، ولا يقرب فرجها».
والموثق : أيحلّ له أن يأتيها فيما دون فرجها؟ قال : «نعم».
ونحوه خبران آخران، في أحدهما : «ولكن يجوز ذلك فيما دون الفرج».
وفي الثاني : «لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها، وإن صبرت فهو خير لك».
فلتحمل الموثّقة على
الاستحباب ، كما يستفاد من هذه الرواية ومن المفيد في مبلغ العدّة الثانية، فجعله أشهراً ثلاثة.
ولا مستند له سوى القياس على الحرّة المطلّقة.
والمناقشة فيه واضحة، سيّما بعد
اتّحاد عدّة الأمة المطلّقة لمقدار عدّتها في المسألة بالإجماع وأكثر النصوص المعتبرة. ومع ذلك النصوص بردّه هنا مستفيضة زيادة على الإجماع في الخلاف،
منها : عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل، قال : «يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس وأربعين ليلة والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة».
ومنها : في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض، كم عدّتها؟ قال : «خمسة وأربعون يوماً»
ونحوه آخر.
وفي الصحيح والموثق : في كم يستبين له حبل؟ قال : «في خمس وأربعين ليلة».
هذا، وكلامه في
المقنعة في باب لحوق الأولاد
يوافق ما في العبارة.
ومن الصحيحين
في مقدار العدّة الأُولى، فجعلاه حيضتين، مؤذنين بكون الواحدة مذهب العامّة. وهما شاذّان مردودان بفحوى المعتبرة المتقدّمة المكتفية بتمام الحيضة، وصريح أخبار معتبرة أُخر، منها : «استبرئوا سباياكم بحيضة».
وقصور السند بالفتاوي منجبر، وحملهما على الاستحباب كما فعله الشيخ
غير بعيد، كما دلّ عليه صريح الموثّق المتقدّم، ولعلّ العامّة في المدينة أنكرت استحباب الحيضتين.
ومن بعض المحققين في تعميم الوطء للدبر، فخصّه بالقبل،
وهو الظاهر من الحلّي
حيث أوجب الاستبراء بتركة خاصّة للمشتري؛ ولعلّه للأصل، واختصاص الموجب من النص بحكم
التبادر بمحلّ الفرض، فلا يجوز التعدّي إلى الغير. ولا يخلو عن قرب إن لم يحصل بوطء الدبر خوف سبق الماء في القبل الموجب لخشية الحبل، بل حصل
القطع بعدمه بالعزل ونحوه.
ومنه يظهر الوجه في الإشكال في تعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء، ولا فرق فيه بين القبل والدبر إلاّ أنّ التعميم مطلقا كما ذكرنا وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب هنا طريق
الاحتياط .
•
سقوط الاستبراء عن الصغيرة واليائسة والمستبرأة،(ويسقط
الاستبراء عن الصغيرة) الغير البالغة (واليائسة) عن الحيض،
بالبلوغ إلى سنّ اليأس (والمستبرأة) بلا خلاف في الثلاثة.
(ولا) يجوز أن (توطأ) الأمة (الحامل قُبُلاً حتى يمضي لحملها أربعة أشهر) كما عن
المفيد والحلبي،
وفي الغنية مدّعياً في الظاهر عليه إجماع الطائفة؛
وهو الحجة لا الرواية الآتية، لزيادة فيها ليست في كلام هؤلاء الجماعة، بل حكيت عن النهاية
خاصّة، وتبعه من المتأخّرين جماعة، كالماتن في
الشرائع والفاضل في
الإرشاد والقواعد وشيخنا في الروضة والمسالك.
ولا ريب في الحرمة قبل
انقضاء هذه المدّة؛ للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،
وهي مع ذلك معتضدة بالشهرة العظيمة، كما في
الدروس ،
وإجماع الغنية، وأصالة بقاء الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا قوله سبحانه (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
وهو معارض بالآية الأُخرى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
وبعد
التساقط بموجب التعارض تبقى الأصالة المزبورة عن معارضة الآية الأُولى سليمة.
وإلى
التعارض مع ترجيح الثانية على ما ذكره بعض الأجلة
يشير بعض المعتبرة، كالصحيح : في الأمة الحبلى يشتريها الرجل، قال : «سئل أبي عن ذلك فقال : أحلّتها آية وحرّمتها آية فأنا ناهٍ عنها نفسي وولدي»
سيّما بعد ملاحظة الصحيح : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يروي الناس عن
علي عليه السلام في أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلاّ أنه ينهى عنها نفسه وولده. فقلت : وكيف يكون ذلك؟ قال : «قد أحلّتها آية وحرّمتها آية أُخرى» قلت : فهل يصير إلاّ أن تكون إحداهما قد نسخت الأُخرى. أو هما محكمتان جميعاً. أو ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال : «قد بيّن لكم إذ نهى نفسه وولده» قلت : ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟ فقال : «خشي أن لا يطاع. ولو أنّ علياً عليه السلام ثبتت له قدماه أقام كتاب الله والحق كلّه».
والنهي حقيقة في الحرمة.
وتخصيصه إيّاه بنفسه وولده غير مشعر بالكراهة، فلعلّه للتقية، كما صرّح به جماعة.
فإذاً الرواية من أدلّة الحرمة كالمستفيضة، منها الصحيح : الرجل يشتري الجارية وهي حامل، ما يحلّ منها؟ قال : «ما دون الفرج».
والموثقات الثلاث، فيما عدا الثالث منها : عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى، أيطؤها؟ قال : «لا».
ونحوهما المرويان عن
قرب الإسناد .
وفيه : عن الجارية الحبلى يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال : «لا بأس» قلت : فيصيب منها في ذلك؟ قال : «تريد تغرّة»
وبدلها في «ح» و «ت» و «ر» : يزيد نفرة..والخبران،
في أحدهما : «عشر لا يحلّ نكاحهنّ ولا غشيانهنّ» وعدّ منها «أمتك وهي حبلى من غيرك». وفي الموثق : عن رجل اشترى جارية حاملاً وقد استبان حملها فوطئها، قال : «بئس ما صنع».
إلى غير ذلك من النصوص الآتية التي بملاحظتها وسابقتها ربما يحصل القطع بأنّها متواترة، وهي ما بين ظاهرة وصريحة في الحرمة.
فالقول بالكراهة كما عن الخلاف والحلّي
ضعيف، وإن ادّعى الأوّل عليه الإجماع؛ لوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه، مع معارضته بالإجماع المتقدم، فلا يقاوم ما مرّ من الأدلّة. ونحوه باقي أدلّة الجواز؛ لضعف الآية المتقدّمة بما مرّ إليه الإشارة، والرواية : «ما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى قد حبلت من غيره حتى يأتيه فيخبره»
بقصور السند بالجهالة، والمتن عن وضوح الدلالة؛ لأعميّة : «ما أُحبّ» من الكراهة. فإذاً الأقوى ما عليه الجماعة من الحرمة قبل المدّة.
وفيما بعدها أقوال مختلفة
باختلاف الأنظار في الجمع بين أخبار المسألة، أشهرها كما في الدروس،
ولعلّه الظاهر من كلام الجماعة الجواز مع الكراهة؛ استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة من إطلاق النهي في النصوص المتقدّمة وكلام جماعة.
وفي الأوّل إلى الأصل، والعمومات، والصحيح : قلت : وإن كانت حبلى فمالي منها إن أردت؟ قال : «لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيّام فلا بأس
بنكاحها في الفرج»
الحديث. وبه يقيّد
الإطلاق المتقدّم.
وفيه إشكال، أوّلاً : بقصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً، مع بُعد التقييد فيها جدّاً، فإنّ أظهر أفراد الحبلى المنهي عن وطئها فيه هو من استبان حملها، وليس إلاّ بعد انقضاء المدّة المزبورة غالباً، وبذلك صرّح بعض أصحابنا.
وثانياً : بمعارضته بكثير من المعتبرة المصرّحة بالمنع إلى حين الوضع، كالصحيح : «في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى، قال : «لا يقربها حتى تضع ولدها».
ونحوه النبوي المروي عن العيون : «نهى عن وطء الحبالى حتى يضعن».
وحملهما على الكراهة فرع المكافأة ورحجان الاولى، وليس، لاعتضاد هذين بالأصل وإطلاق النصوص المتقدّمين، وتأيّدهما بظاهر الصحيح الأوّل من حيث دلالته على
انحصار الأمر بين
الإباحة المطلقة، كما دلّت عليه الآية الأُولى، أو الحرمة كذلك، كما صرّحت به الثانية، وحيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلّة السابقة تعيّن ترجيح
الآية الثانية، وهي في الحرمة إلى الوضع صريحة، ولا آية هنا تدلّ على التفصيل بين المدّتين بالبديهة.
وثالثاً : بتطرّق الوهن إليه بخلوّه في
الكافي من التحديد إلى الغاية،
بل الرواية فيه مطلقة وبالغاية غير مقيّدة، وليست الشهرة بمجرّدها هنا توجب الرجحان والتقوية، بحيث يتقوّى ويترجّح على تلك الأدلّة، مع أنّ عبائر المقيّدين للحرمة بهذه المدّة مختلفة، فبين من عبّر بنفس ما في الرواية،
ومن عبّر بالأربعة أشهر وأسقط الزيادة.
فإذاً القول بالحرمة قويّ غاية القوّة، وفاقاً للمفيد في المقنعة في باب لحوق الأولاد، والفاضل في المختلف والمحقق الثاني والشهيد في اللمعة،
مع أنّه طريق
الاحتياط في المسألة. وهنا أقوال أُخر مداركها غير معلومة، وإن كان يجمع بها النصوص المختلفة؛ لخلوّها عن شاهد وقرينة.
ثم إنّ تخصيص العبارة الوطء بالقبل ظاهر الأكثر، وادّعى عليه في الدروس الشهرة؛
ولعلّه للأصل، واختصاص النصوص بحكم
التبادر والغلبة به دون الدبر. وقيل بإلحاقه به؛
للإطلاق. وفيه ما مرّ. ولورود النهي عن القرب الشامل لقربه في بعض الأخبار. وفيه مضافاً إلى قصور السند وضعف الدلالة باحتمال
إرادة الغالب مخالفة للإجماع والنصوص إن ابقي على عمومه، وإلاّ فاللازم ترجيح ما يوافق
الأصل من بين أفراده، فتأمّل. ولا ريب أنّه أحوط.
(و) اعلم أنّه (لو وطئها) أي الحامل المستبين حملها (عزل) استحباباً، كما عن
التحرير والقواعد؛
ولعلّه
لإشعار بعض النصوص الآتية به، مع عدم دليل على وجوبه من أمر أو غيره عدا ما ربما يتوهّم من الأخبار الناهية عن وطئها، وهو أعمّ من
الأمر بالعزل جدّاً.
(ولو لم يعزل كره له بيع ولدها) بل حرم، وفاقاً لجماعة من قدمائنا، كالمفيد والشيخ في
النهاية وابن حمزة والحلبي والديلمي وابن زهرة العلوي
مدّعياً عليه الإجماع؛ وهو الحجة، مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.
(واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطاً) يعيش به، ففي الموثّق المتقدّم صدره إلى قوله : «بئس ما صنع» قلت : فما تقول فيه؟ قال : «أعَزَلَ عنها أم لا؟» فقلت :
أجبني في الوجهين، قال : «إن كان عزل عنها فليتّق الله سبحانه ولا يعود، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك
الولد ولا يورثه، ولكن يعتقه ويجعل له شيئاً من ماله يعيش به، فإنّه غذّاه بنطفته» . ونحوه في الأمر بالعتق خبران آخران،
ظاهرهما كالأوّل وجوب
العتق ، من حيث الأمر به. بل في أحدهما أنّ عليه ذلك، وهو كالصريح في الوجوب.
إلاّ أنّ ظاهر متأخّري الأصحاب كافّة وجمع من القدماء
الاستحباب ؛ ولعلّه لقصور الأسانيد مع
أصالة البراءة .وفيهما مناقشة، فإن كان إجماع، وإلاّ فالوجوب لا يخلو عن قوّة؛
لاعتبار سند الروايات، سيّما الاولى،
واعتضاد بعضها ببعض، لكن مخالفة الأصحاب مشكلة، ولا ريب أنّ الوجوب أحوط.
رياض المسائل، ج۹، ص۶۸-۸۴.