أحكام السعي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وأما الأحكام فأربعة :) الأول :
السعي ،
بطلان السعي بالزيادة عمدا، قطع السعي للصلاة وغيره،
الإحلال بعد ستة أشواط بظن
الإتمام .
(الأول :
السعي ) عندنا (ركن .
يبطل الحج) والعمرة (بتركه) فيهما (عمداً) بإجماعنا الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً كالغنية والتذكرة والمنتهى وغيرها؛
لعدم
الإتيان بالمأمور به على وجهه، وللصحاح : منها : «من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل».
والكلام في وقت الترك والفوات كما تقدّم في الطواف.
(ولا يبطل) كلّ منهما بتركه (سهواً) بلا خلاف فيه هنا؛ للأصل، ورفع الخطأ والنسيان،
والعسر والحرج،
ولما سيأتي من الأخبار. (و) لكن (يعود لتداركه، فإن تعذّر العود) أو شقّ (استناب فيه) بلا خلاف فيهما، بل عليهما
الإجماع في الغنية.
وهو الحجّة الجامعة بين المعتبرة الواردة بعضها بإطلاق العود بنفسه كالصحيح : رجل نسي السعي بين
الصفا والمروة ، قال : «يعيد السعي» قلت : فإنه خرج، قال : «يرجع فيعيد السعي» الخبر.
وآخر بأنه يطاف عنه بقول مطلق كالصحيح
وغيره
: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله، قال : «يطاف عنه». يحمل الأول على صورة التمكن من غير مشقة، والأخيرين على غيرها جمعاً، والجامع ما مرّ. مضافاً إلى الأُصول الموجب بعضها العود على نفسه مع عدم المشقة وبقاء الوقت لبقاء
الأمر ، وآخر منها عدم وجوبه على نفسه مع المشقة لنفي العسر والحرج في الشريعة، وجاء وجوب
الاستنابة حينئذ من الخارج من النص والإجماع، فتأمل.
(الثاني : يبطل السعي بالزيادة) فيه (عمداً) كالطواف بلا خلاف، لما مرّ ثمة، مع تأمل فيما دلّت عليه إطلاق العبارة، وأن الوجه التفصيل على ما ذكر ثمة.
(ولا يبطل بالزيادة سهواً) إجماعاً؛ للأصل، والصحاح المستفيضة وإن اختلفت في الدلالة على
اطراح الزائد والاجتزاء بالسبعة كما في أكثرها، منها زيادةً على ما مرّ في بحث وجوب عدّ الذهاب شوطاً و
الإياب آخر الصحيح : حججنا ونحن صرورة، فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً، فسألت
أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال : «لا بأس، سبعة لك وسبعة تطرح».
والصحيح : «من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية واعتدّ بسبعة».
وهذه الأخبار وإن عمّت صورة صورة العمد لكنّها مقيدة بغيرها إجماعاً، وللصحيح : في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال : «إن كان خطأ أطرح واحداً واعتدّ بسبعة».
مضافاً إلى ظهور جملة منها في الزيادة جهلاً، وباقيها نسياناً، حملاً لأفعال المسلمين على الصحة. أو إكمال أُسبوعين كالصحيح : «إذا استيقن أنه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستّاً».
وجمع بينها أكثر الأصحاب بالتخيير بين الأمرين.
خلافاً لابن زهرة، فاقتصر على الثاني.
والأولى والأحوط
الاقتصار على الأول، كما هو ظاهر المتن؛ لكثرة ما دلّ عليه من الأخبار وصراحتها وعدم ترتب إشكال عليها، بخلاف الثاني، فإنّ الصحيح الدالّ عليه مع وحدته واحتماله ما سيأتي ممّا يخرجه عمّا نحن فيه يتطرّق إليه
الإشكال لو ابقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا والختم بها، أن الأُسبوع الثاني المنضمّة إلى الاولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا، وقد مرّ الحكم بفسادها مطلقاً ولو نسياناً أو جهلاً. وتقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضمّ كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا، ويكون الأمر بإضافة الستّ إنما هو لبطلان السبعة الأُولى، لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف الشوط الثامن، لوقوع البدأة فيه من الصفا.
وقيل : لا بعد في الصحة حينئذ إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى من الصفا إلى المروة سعي الحج أو العمرة قربةً إلى الله تعالى، مع الغفلة عن العدد، أو مع تذكر أنه الثامن، أو زعمه السابع، فلا مانع من مقارنة النية لكل شوط، بل لا يخلو منها المكلّف غالباً، ولذا أُطلق
إضافة الستّ إليها، فلم يبق الصحيح في المسألة مستنداً.
انتهى.
أقول : فيما ذكره بُعد. والأولى السكوت عن أمر النية؛ فإن الإشكال الوارد من جهتها وهو عدم تحققها في
الابتداء ومقارنتها مشترك الورود بين الاحتمالين - وهو احتمال تخصيص ما دلّ بوجوب البدأة بالصفا بالسعي المبتدأ و
إبقاء الصحيح هنا على ظاهره، واحتمال إبقاء العموم الأول عليه وصرف هذا الصحيح عن ظاهره بحمله على وقوع البدأة بالمروة دون الصفا-.
هذا، ولكن
الإنصاف بُعد الاحتمال الثاني جدّاً، وكون الجمع الأول أولى، سيّما مع اشتهاره بين أصحابنا. لكن ينبغي الاقتصار حينئذ في إضافة الستّ على مورد النص، وهو إكمال الشوط الثامن، كما صرّح به ابن زهرة وشيخنا
الشهيد الثاني وغيرهما؛
لما عرفت من مخالفته الأصل من وجهين - الأول : وقوع البدأة في الأُسبوع الثاني من المروة دون الصفا، والثاني : خلو أوّلها عن النية وعدم مقارنتها لها -، فتعيّن اطراح الزائد إن كان بعضاً، و
الاعتداد بالسبعة المزيد عليها؛ والأخبار بالصحة وإن اختصّت بمن زاد شوطاً كاملاً أو شوطين أو أشواطاً كاملة، لكن إذا لم يبطل بزيادتها سهواً فلئلاّ يبطل بزيادة بعضٍ شوطٍ أولى.
واعلم أنه هنا رواية صحيحة مفصِّلة بين زيادة شوط على السبعة فالبطلان رأساً ووجوب
الإعادة ، وزيادة شوطين عليها فبطلان ثمانية والبناء على واحد وإضافة ستة.
ولم أر عاملاً بها كما هي، ولذا اختلف في تنزيلها على صورة العمد. وفقهها حينئذ : أنه إذا طاف تسعةً عامداً كما هو المفروض فقد بطلت السبعة بالزيادة عليها شوطاً ثامناً، والشوط الثامن لا يمكن أن يتعبّد به مبدءاً لسعي جديد، لأن ابتدأه يكون من المروة فيبطل أيضاً، وأما التاسع فهو لخروجه من الأشواط الباطلة وكون مبدئه من الصفا يمكن أن يتعبّد به ويبني عليه سعياً جديداً، ولهذا قال : «فليسع على واحد ويطرح ثمانية». وإن طاف ثمانية خاصة فقد عرفت الوجه في
بطلان الجميع ولذا أمر باطراحها و
الاستئناف .
أو إبقائها على ظاهرها من وقوع ذلك نسياناً، وحملها على من استيقن الزيادة وهو على المروة لا الصفا، فيبطل سعيه على الأول، لابتدائه من المروة، دون الثاني، لابتداء التاسع من الصفا، وعلى هذا الصدوق في الفقيه والشيخ في
الاستبصار ،
والأول ظاهرة في التهذيب،
وتبعه جماعة.
ولعلّه الأولى إن لم يكن الحكم بالصحة في موردها مشكلاً؛ لإطلاق الأصحاب كالنصّ بكون الزيادة عمداً مبطلاً؛ واعتبارهم النية في كل عبادة في ابتدائها ؛ ونية العامد في أوّل الأُسبوع الثاني نية جعلها جزءاً من الاولى ـ لا عبادة مستقلّة برأسها وأسبوعاً مبتدأً بها ـ كما هو الفرض في الزيادة عمداً ، وإلاّ فلو نواها عبادة أُخرى مستقلّة عن الاولى لم يصحّ أن يقال : إنه زاد على العبادة عمداً ، بل يقال : إنه أتى بعبادة اخرى ، فيكون الأُسبوعين عبادتين صحيحتين إن شرّع ثانيتهما ، بأن ثبت استحباب السعي مطلقاً ، وإلاّ كما هو ظاهر الأصحاب حيث صرّحوا بأنه لم يشرّع السعي مندوباً مطلقاً إلاّ فيما قدّمنا فالثانية فاسدة ، دون الاولى ، عكس ما حكمت به الرواية كما ترى ، مع أن الموجود فيها زيادة شوط أو شوطين ، ونيتهما بمجردهما سعياً ولو في ابتدائهما باطل قطعاً ، إذ لا ريب في عدم مشروعية السعي بشوط أو شوطين ، فهذا أوضح قرينة على أن الشوط والشوطين لم يقرنا بنية كونهما عبادة مستقلة ، بل بنية الزيادة على أنها جزء من الأُسبوع الاولى مزيدة عليها.
وكيف كان ، فالعمل بهذه الرواية مشكل ، والمعمول عليه ما قدّمنا.
( ومن تيقن عدد الأشواط وشك ) في الأثناء ( فيما بدأ به ) أهو
المروة أم الصفا ( فإن كان في الفرد على الصفا ) أو متوجهاً إليه ( أعاد ) السعي من أوّله ؛ لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة. ( ولو كان ) فيه ( على المروة ) أو متوجهاً إليها ( لم يعد ) وصحّ سعيه ؛ لأنه يقتضي ابتدأه بالصفا. ( و ) يكون الحكم ( بالعكس لو كان سعيه زوجاً ) فيصح لو كان فيه على
الصفا ، ويعيد لو كان فيه على المروة. والوجه في الجميع واضح ممّا قدّمنا من وجوب البدأة بالصفا ، وأن البدأة بالمروة مبطل للسعي عندنا ، وعن العامة أنهم بين من يجوّز الابتداء بها، ومن يهدر الشوط الأول ويبني على ما بعد.
وهو ضعيف جدّاً. واعلم أن الشك هنا إنما هو باعتبار الذهول أوّلاً، وإلاّ فبعد ظهور الأمر بما مضى يحصل العلم بما به ابتدأ، صحيحاً كان أو فاسداً.
(ولو لم يحصِّل العدد) وشك فيه في الأثناء فلم يدر ما سعى شوطاً أو شوطين فصاعداً (أعاد) السعي قطعاً؛ لتردده بين محذورين : الزيادة، والنقصان، المبطل كلّ منهما؛ وللصحيح : «وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستاً فليعد، فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط».
ويستثنى منه ما لو شك بين
الإكمال والزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا، كما إذا شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة فإنه لا يعيد؛ لتحقق الإكمال، وأصالة عدم الزيادة، مع أنها نسياناً كما مرّ مغتفرة. ولو كان على الصفا أعاد.
(ولو تيقن النقصان أتى به) أي بالناقص المدلول عليه بالعبارة، نسي شوطاً أو أقلّ أو أكثر وإن كان أكثر من النصف، كما يقتضيه إطلاق المتن وجمع،
وصريح آخرين ومنهم شيخنا في المسالك و
الروضة ،
قائلاً إنه أشهر القولين في المسألة. قيل : للأصل، وما سيأتي من القطع للصلاة بعد شوط، وللحاجة بعد ثلاثة.
هذا فيما نقص عن النصف الذي هو محل التشاجر، وأما فيما زاد فالمعتبرة به مستفيضة، منها مضافاً إلى ما سيأتي في المسألة الرابعة الصحيح : «فإن سعى الرجل أقلّ من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شيء، وإن كان لا يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً».
خلافاً للمحكي عن المفيد والديلمي والحلبيّين،
فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف؛ للخبر : «إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف عَلَمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله»
ونحوه آخر.
وفي سندهما ضعف، فلا يعارضان ما مرّ، سيّما مع اعتضاده زيادةً على
الأصل والكثرة بعمل الأكثر.
لكن في الغنية الإجماع عليهما، والأكثر عملوا بمضمون الخبرين في
الطواف كما عرفته في صدر الكتاب، فالاحتياط لا يترك.
(الثالث : لو قطع سعيه لصلاة) فريضة حاضرة، وجوباً فيما إذا ضاق وقتها، واستحباباً في غيره (أو لحاجة) مؤمن استحباباً (أو لتدرك ركعتي الطواف) بعد أن نسيهما وجوباً، أو جوازاً (أو غير ذلك) من نسيان بعض الطواف كما مرّ (أتمّ) السعي بعد قضاء الوطر مطلقاً (ولو كان) ما سعى قبل القطع (شوطاً) واحداً، على الأشهر الأقوى؛ للمعتبرة المستفيضة : ففي الصحيح : الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة، أيخفّف، أو يقطع ويصلّي ثم يعود، أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال : «لا، بل يصلّي ثم يعود».
وأظهر منه في البناء على الشوط الواحد الموثق
وغيره
: سعيت شوطاً ثم طلع الفجر، قال : «صلِّ ثم عد فأتمّ سعيك». وعن
التذكرة والمنتهى
: أنه لا نعلم فيه خلافاً.
وفي الصحيح : عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام، قال : «إن أجابه فلا بأس».
وفي الفقيه و
التهذيب زيادة قوله : «ولكن يقضي حقّ الله تعالى أحبّ إليّ من أن يقضي حقّ صاحبه». قيل : ولذا قال القاضي : ولا يقطعه إذا عرضه حاجة، بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكّن من تأخيرها، ومرّ في الطواف الأمر بالقطع، فلعلّ
الاختلاف لاختلاف الحاجات.
وفيه : عن الرجل يطوف بالبيت، ثم ينسى أن يصلّي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك، قال : «ينصرف حتى يصلّي، ثم يصلّي الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه».
ونحوه آخر
والمرسل كالصحيح،
إلاّ أنه ليس فيهما ذكر الخمسة أشواط أو أقلّ، ولا التصريح بإتمام السعي بعد العود إلى المكان الذي خرج منه.
وهذه النصوص مع استفاضتها، وصحة أكثرها، وصراحة بعضها في جواز البناء ولو على شوط معتضدة بالأصل، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، من المتأخرين إجماع حقيقة، مضافاً إلى حكاية عدم الخلاف المتقدمة، المؤيدة بالإجماع على عدم وجوب
الموالاة في السعي المنقول عن التذكرة.
خلافاً للمفيد ومن تبعه في المسألة السابقة،
فجعلوا السعي كالطواف، واعتبروا فيه للبناء المجاوزة عن النصف، وأوجبوا الاستئناف بدونها، فيلزمهم اعتبارها له هنا في هذه الصور كلّها.
إلاّ أن الحلبيّين حيث نصّا في الطواف أنه إذا قطع لفريضة بني بعد الفراغ ولو على شوط، فيوافقان الأصحاب في القطع للفريضة، بخلاف المفيد والديلمي فأطلقا افتراق مجاوزة النصف وعدمها في الطواف ومشابهة السعي له. ومستندهم ما مرّ من الخبرين مع الجواب عنه، لا حمل السعي على الطواف كما في المختلف،
ليد أنه قياس مع الفارق، لأن حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي.
وهل يجوز القطع من غير داعٍ حيث لا يخاف الفوت؟ وجهان.
والمحكي من الجامع : نعم،
وعليه جمع؛
للأصل، وما مرّ من نقل الإجماع على عدم وجوب الموالاة. ولكن الأحوط العدم؛ أخذاً بمقتضى التأسي والمتيقن.
هذا، ولو لا
اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف في هذه الصور كلّها وجواز البناء مطلقاً ولو كان ما سعى شوطاً واحداً لكان القول بما قاله الحلبيّان قوياً؛ للتأسي وما بعده السالمين عن المعارض صريحاً، بل وظاهراً ظهوراً يعتدّ به، إلاّ الموثق وغيره الواردين في القطع للصلاة، فإنهما صريحان في البناء ولو على شوط، ونحن نقول فيه بمضمونهما، بل مرّ نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة والمنتهى. ولا موجب للتعدي إلى ما عداه من الصور سوى الأخبار الباقية والإجماع على عدم وجوب الموالاة.
والأخبار ليست بواضحة الدلالة إلاّ على الأمر بالعود إلى المكان الذي فيه قطعه خاصة كما في بعضها ، أو مع الأمر بإتمام السعي كما في آخر منها ، وربما خلا بعضها عن الأمر بالعود أيضاً وإنما فيه رخصة القطع خاصة. فأوضحها دلالةً الرواية الثانية ، وليس فيها تصريح بالبناء على الأصل ، بل ظاهرها
الإطلاق ، ولمّا سيق لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه صار فيه مجملاً ، وإنما ذكر الحكم فيه تبعاً ، فيشكل التعويل على مثل هذا الإطلاق جدّاً في الخروج عن مقتضى الدليلين اللذين قدّمناهما ، سيّما بعد اعتضادهما بالخبرين اللذين ذكراً سابقاً للمفيد ومن تبعه مستنداً. والإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة غايته نفي الوجوب الشرعي ، بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعاً ، لا الشرطي ، فلا ينافي وجوبها شرطاً في محل النزاع ، بمعنى أنه لو لم يوالِ يفسد سعيه ، ويتوقف صحته على إعادته وإن لم يكن بترك الموالاة آثماً.
وبالجملة : التمسك بنحو هذا الإجماع المنقول والأخبار لا يخلو عن إشكال. وكيف كان ، فالاحتياط لا يترك على حال ، ويحصل بالإتمام ثم الاستئناف.
( الرابع : لو ) سعى ستة أشواط ثم ( ظنّ
إتمام سعيه فأحلّ وواقع أهله ، أو قلّم أظفاره ، ثم ذكر أنه نسي شوطاً ) واحداً ( أتمّ ) سعيه بلا خلاف ؛ لما مرّ من وجوب الإتمام مع تيقن النقصان. (وفي) بعض (الروايات) أنه (يلزم دم بقرة) ففي الصحيح : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه، وقلّم أظفاره وأحلّ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط، فقال عليه السلام: «يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد وليتمّ شوطاً وليُرِقْ دماً» سأله : دم ماذا؟ فقال : «دم بقرة» الخبر.
وفي آخر : عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة، فذكر بعد ما أحلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط، فقال : «عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً».
وفي سند هذا ضعف، وفي متنه كالأول مخالفة للأُصول المقرّرة عندهم من وجوب
الكفارة على الناسي في غير الصيد؛ ووجوب البقرة في تقليم
الأظفار ، مع أن الواجب بمجموعها شاة؛ ووجوبها في الجماع مطلقاً، مع أن الواجب به مع العلم بُدنة، ولا شيء من النسيان؛ ومساواة القلم للجماع، والحال أنهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة.
ولعلّه لهذا أطرحهما القاضي والشيخ في كفارة النهاية والمبسوط كما حكي،
وحملهما بعض الأصحاب على
الاستحباب ،
ولم يفت الماتن بها هنا ولا في الشرائع، بل عزاه إلى القيل
وبعض الروايات، مشعراً بتردّده فيه : من ذلك، ومن صحة الرواية الأُولى، و
إمكان جبر ضعف الثانية بفتوى الشيخين والحلّي بها وجماعة،
فيمكن تخصيص القواعد بهما، كما صرّح به جماعة
قائلين بأن العقل لا يأباها بعد ورود النص بها. مع إمكان توجيه الحكم فيهما بنحو لا يخالفها، إمّا بما ذكره الحلّي من أن الكفارة لأجل أنه خرج من السعي غير قاطع به ولا متيقِّن بإتمامه، بل خرج عن ظنّ منه، وهاهنا لا يجوز له أن يخرج مع الظن بل مع القطع واليقين، وقال : هذا ليس بحكم الناسي. أو بما ذكره شيخنا في المسالك من أن الناسي وإن كان معذوراً لكن قد قصّر حيث لم يلحظ النقص، قال : فإنّ من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا، وهو واضح الفساد، فلم يعذر، بخلاف الناسي غيره فإنه معذور.
انتهى. ولعلّ هذا أقوى.
لكن يجب القصر على مورد النص، وهو
المتمتع كما في الرواية الأُولى جزماً، وكذا في الثانية على ما يفهم من جماعة، ومنهم الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد،
تبعاً للحلّي،
حيث قال بعد الفتوى بمضمونها وتوجيهه بما مضى : وهذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج، فإنه في غيرها قاطع بوجوب
طواف النساء عليه وقد جامع قبله متذكراً فعليه لذلك بدنة.
ولكن اعترض عليه بأن الرواية مطلقة بل عامة، وما ادّعاه من القبلية والتذكر ممنوعة،
ولذا احتمل المحقّق في النكت أن يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه إتمام السعي،
والفاضل في المختلف أن يكون قدّم طواف النساء على السعي لعذر.
أقول : ويرد عليه أيضاً منافاة ما ذكره هنا لما ذكره في توجيه الرواية سابقاً، من أن الكفارة إنما هي لتقصيره في
الاكتفاء بالظن وعدم مراعاته العلم مع وجوب مراعاته عليه، وهذا لا يختلف فيه الحال بين أن يكون في سعي
العمرة المتمتع بها أو غيرها، وما ذكره هنا ظاهر بل صريح في أن الكفارة إنما هي من حيث المواقعة، لا ما ذكره، فتأمّل.
رياض المسائل، ج۷، ص۱۲۴- ۱۳۹.