اختصاص التعفير بالإناء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هل إنّ
التعفير يختصّ بالظروف ولا يجري في غيرها ممّا تنجّس بولوغ الكلب أو لا؟
قولان:
الاختصاص بالظروف مطلقاً أو ببعضها، وعدم الاختصاص.
صرّح بعض الفقهاء بالأوّل، قال
السيد اليزدي : «لا يجري حكم التعفير في غير الظروف ممّا تنجّس بالكلب ولو بماء ولوغه أو بلطعه».وأضاف قائلًا: «نعم، لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير حتى مثل الدلو لو شرب الكلب منه، بل والقربة والمطهرة وما أشبه ذلك».
ومنشأ
الاختلاف هو مقدار ما يستفاد من النصّ- وهو صحيح البقباق- الذي هو مستند الحكم في لزوم التعفير؛ فإنّ قوله عليه السلام: «وأصبب ذلك الماء» قد يستظهر منه الاختصاص بالظروف دون غيرها كالحوض.
وأمّا مستند القول بالاختصاص ببعض الظروف فهو قوله عليه السلام: «واغسله بالتراب» حيث لم يصرّح فيه بمرجع الضمير، وهو يحتمل وجوهاً، فلا مناصّ من أن يقتصر فيه على المقدار المتيقّن منه، وهو الظروف التي جرت العادة بجعل الماء أو المأكول فيها؛ لكونها معدّة لذلك، دون مطلق الظروف. وعليه فالحكم يختصّ بالإناء، ولا يأتي في غيره كالدلو مثلًا.ويؤيّد ذلك ورود لفظة
الإناء في بعض الروايات كالأحاديث النبوية وما ورد في الفقه الرضوي وموثّق عمّار، وإن لم يعتمد عليها.
وأمّا مستند القول بتعميم الحكم لمطلق ما ولغ فيه الكلب وإن لم يكن من الظروف فهو
استفادة كون موضوع الحكم في الصحيح هو فضل الكلب، وهو يصدق ولو في غير الظروف.
بل قال
المحقق النجفي : «بل لو ولغ بماء في كفّ
إنسان مثلًا أو موضوع في ثوب ونحوه لا تعفير بناء على ذلك أيضاً.لكن لا يخلو من نظر وتأمل من حيث ظهور الصحيح السابق في كون الإناء فيه مثالًا لغيره، لا أنّه يراد منه التخصيص والتعيين قطعاً، وإلّا لم يؤدَّ بهذا النوع من العبارة، ويؤيّده...».
ودعوى استفادة الاختصاص بالإناء من التعبير بالصبّ يمكن الجواب عنها بأنّ المراد هو مجرّد
الإخلاء بالصبّ أو غيره.
من هنا أفتى بعض المعلّقين على العروة بالتعميم حيث قال: «إذا صدق اسم الفضلة وجب تعفير محلّها»
وإن احتاط البعض الآخر باجراء الحكم فيما يصدق عليه أنّه ولغ فيه أو شرب منه وإن لم يصدق عليه الظرف.
إلّا أنّ الحديث لا إطلاق له لغير الإناء الذي فيه فضل الكلب؛ فإنّ الفضل وإن كان نجساً مطلقاً ولا يتوضأ منه إلّا أنّ
الأمر بالتعفير متوجه إلى الظرف الذي فيه الفضل والذي يحصل فيه الماء ونحوه
للاستعمال ، لا مطلق المحل.
لا يخفى أنّه بناءً على القول بأنّ حكم التعفير مختصٌّ بالظرف أو الإناء ولا يعمّ غير الظروف يقع الكلام فيما يلي:
أ- لو تفرّقت أجزاء الاناء بعد الولوغ فخرج عن عنوان
الآنية فهل يجري فيه حكم الولوغ؟ذهب الشيخ جعفر الكبير إلى جريان حكم الولوغ هنا؛
فإنّ هذا الشيء كان إناء حين ولوغ الكلب فيه، فتشمله صحيحة البقباق، فلا يطهر إلّا بالتعفير والغسل بالماء.
إلّا أنّ السيد الگلپايگاني حكم بالتعفير
احتياطاً .
وفرض المسألة هو إذا ولغ الكلب في لوح نحاس ثمّ صنع من النحاس ظرفاً، فهل انّ التعفير لازم أم لا؟ وكذا صورة العكس. والظاهر: انّ هذا الفرض لا يختلف عمّا نحن فيه.ولعلّ عدم الجزم بالحكم في جريان حكم الولوغ من جهة التشكيك في شمول صحيحة البقباق لهذه الأجزاء؛ لعدم صدق الانائية عليها فعلًا وإن كانت إناءً سابقاً، فالموضوع قد تبدل فعلًا، فتجري عليها أحكام النجاسات غير المنصوصة من عدم لزوم التعفير.
ب- لو اجتمعت أجزاء الاناء بعد الولوغ فدخل في عنوان الآنية فهل يجري فيه حكم الولوغ؟
ذهب الشيخ جعفر الكبير إلى عدم جريان حكم الولوغ هنا؛
لأنّه حين الولوغ لم يكن إناءً، فلا يشمله النصّ.وأمّا السيد الگلپايگاني فقد احتاط هنا بالتعفير أيضاً.
ويظهر وجه الحكم المذكور ممّا أشرنا إليه في صورة العكس؛ فانّه إذا
استظهر دوران الحكم مدار صدق الإنائية فالاطلاق تام هنا أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۴۵۶-۴۵۸.