الإحسان (حكمه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحسان (توضيح).
قد يختلف حكم الإحسان بحسب
الاستعمالات المتقدّمة.فالإحسان إذا كان عنواناً للواجبات والمستحبّات
فهو
واجب في محلّ الوجوب، ومندوب في محلّ
الندب .
ويدل على أنّه واجب قوله سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ
أَهْلِيكُمْ ناراً»،
حيث يمكن
استفادة الوجوب منها
بالإضافة إلى
الأهل ولو كان
المنع عن
المنكر بالإيذاء ونحوه؛ وذلك لأنّ المنع عن المنكر إحسان، كما يشهد له ما رواه
عبد اللَّه بن سنان عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «جاء رجل إلى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ
امّي لا تدفع يد لامس، فقال: فاحبسها، قال: قد فعلت، قال: فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال: قيّدها فإنّك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها من
محارم اللَّه ».
بل يمكن أن يقال: لا يحتمل عادةً أن يكون المنع عن محارم اللَّه إحساناً و
برّاً بالإضافة إلى الامّ والأهل، ولا يكون إحساناً بالنسبة إلى الآخرين، ولذا لا يبعد
جواز المنع مطلقاً، كما لا يبعد
الالتزام بأنّه على
الحاكم و
والي المسلمين المنع في موارد كون المنكر بشيوعه موجباً لفساد
المجتمعات الإسلاميّة.
وأمّا إذا كان
الإحسان بمعنى
اصطناع المعروف إلى الآخرين فهو
مستحب . ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَ سارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ• الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ
الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ
الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
قال: «فدلت الآية على كون
التقوى و
الإنفاق و
كظم الغيظ و
العفو عن الناس والإحسان الذي يجده العقل وبيّنه الشرع عبادات وقربات، وكذا
المسارعة إليها بمنزلة عظيمة عند اللَّه، وهو ظاهر، ويدلّ عليه الأخبار ويجده العقل»،
كما تقدّم قسم من النصوص ويأتي قسم آخر منها. ويؤيّد
استحبابه بما قيل:
العدل هو الواجب، والإحسان هو
المندوب .
وما قيل: إنّ «الإحسان فوق العدل، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ أقلّ ممّا له، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه، ويأخذ أقلّ ممّا له، فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل واجب، وتحرّي الإحسان ندب و
تطوّع ».
ثمّ إنّ
الشريعة أكّدت تأكيداً بالغاً على اصطناع المعروف والبرّ والإحسان إلى
الأخ المؤمن، بل لم يكتف الشرع بالحث عليه و
الترغيب فيه، وإنّما جعله حقّاً يجب
الوفاء به
أخلاقيّاً ، وأيضاً لم يكتف بالعموم، بل عيّن مصاديق البرّ و
الصلة إليه، فجعل أوّل فعل المعروف بالنسبة إليه أن «يسلّم عليه إذا لقيه».
وقال
الإمام الصادق عليه السلام : «المسلم أخو
المسلم ، وحقّ المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروي ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم».
وقال عليه السلام: «إذا قال الرجل لأخيه: افّ انقطع ما بينهما من
الولاية ، فإذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث في قلبه
الإيمان كما ينماث
الملح في الماء».
وقال عليه السلام: «واللَّه ما عبد اللَّه بشيء أفضل من
أداء حقّ المؤمن».
وقال عليه السلام: «واللَّه إنّ المؤمن لأعظم حقاً من
الكعبة ».
وقال عليه السلام: «دعاء المؤمن للمؤمن يدفع عنه
البلاء ويدرّ عليه
الرزق ».
وعن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من اللَّه عزّ وجلّ:
الإجلال له في عينه، والودّ له في صدره، و
المواساة له في ماله، وأن يحرّم غيبته، وأن يعوده في مرضه، وأن يشيّع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلّا خيراً».
وبهذا
المضمون فقد روي عن
أئمّتنا عليهم السلام ما يبلغ حدّ
التواتر .
وحكمة هذا
التأكيد والترغيب هي ما رواه
الأزدي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال لخيثمة وأنا أسمع: «يا خيثمة اقرأ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى اللَّه العظيم، وأن يعود غنيّهم على فقيرهم، وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد أحياهم جنائز موتاهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم؛ فإنّ لقياهم حياة لأمرنا»، ثمّ رفع يده فقال: «رحم اللَّه من أحيا
أمرنا ».
هذا، وربّما يتّصف الإحسان بمعنى اصطناع المعروف بالوجوب، وذلك فيما يكون فعله إلى
الوالدين ؛ ولعلّ ذلك لأنّ الإحسان إليهما خارج عن نطاق
التعريف المتقدّم للإحسان، كما يبدو ذلك من اقتران الأمر به بالأمر بالتوحيد والنهي عن الترك، ولذا يجب على الولد الإحسان إلى الوالدين والمصاحبة لهما بالمعروف.
ولا يشترط في وجوب ذلك أن يكونا مسلمين، بل يجب الإحسان إليهما ولو كانا كافرين، وأن يدعو لهما في حال العبادة
بالهداية في حال حياتهما، وبتخفيف
العذاب بعد موتهما.
قال اللَّه تعالى: «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»،
فقد وضع الأمر بالإحسان موضع النهي عن
الإساءة إليهما للمبالغة، و
الدلالة على أنّ ترك الإساءة هنا لا يكفي، بل لا بدّ من الإحسان، فيفهم أنّ ترك الإحسان بمنزلة
الشرك في
النهي و
القبح .
وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام ما هذا الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تحسن
صحبتهما ، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه».
وكما يلاحظ أنّ
القرآن اهتمّ
اهتماماً بالغاً بالإحسان إلى الوالدين حتّى أنّه جعله تلو
التوحيد ونفي الشرك، فأمر به بعد الأمر بالتوحيد أو النهي عن الشرك، وقيل في سرّ ذلك بأنّ
المجتمع البشري الذي لا يتمّ للإنسان دونه حياة ولا
دين هو أمر وضعي
اعتباري ، لا يحفظه في حدوثه وبقائه إلّا حبّ النسل الذي يتّكئ على رابطة
الرحمة المتكوّنة في البيت القائمة بالوالدين من جانب، وبالأولاد من جانب آخر، و
الأولاد إنّما يحتاجون إلى رحمتهما وإحسانهما في زمان تتوق أنفسهما إلى نحو الأولاد بحسب الطبع، وكفى به داعياً ومحرّضاً لهما إلى الإحسان إليهم، بخلاف حاجتهم إلى
رأفة الأولاد ورحمتهم؛ فإنّها بالطبع يصادف كبرهما، ويوم عجزهما عن
الاستقلال بالقيام بواجب حياتهما وشباب الأولاد وقوّتهم على ما يعينهم.
وجفاء الأولاد للوالدين و
عقوقهم لهما يوم حاجتهما إليهم ورجائهما منهم وانتشار ذلك بين النوع يؤدّي بالمقابلة إلى
بطلان عاطفة التوليد و
التربية ، ويدعو ذلك من جهة إلى ترك
التناسل و
انقطاع النسل، ومن جهة إلى كراهيّة
تأسيس البيت و
التكاهل إلى
تشكيل المجتمع الصغير، و
الاستنكاف عن حفظ سمة
الابوّة و
الامومة ، وينجرّ إلى تكوّن طبقة من الذرّية الإنسانيّة لا
قرابة بينهم ولا
أثر من رابطة الرحم فيهم، ويتلاشى عندئذٍ أجزاء المجتمع ويتشتّت شملهم ويتفرّق جمعهم، ويفسد أمرهم فساداً لا يصلحه قانون جار ولا سنّة دائرة، ويرتحل عنهم
سعادة الدنيا والآخرة.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۱۶-۲۰.