الإسرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإخفاء.ويأتي بمعنى عدم إظهار
الصوت في
القراءة.
الإسرار هو
الكتمان والإخفاء، تقول:أسررت الشيء، أي كتمته وأخفيته. وتأتي بمعنى
الإظهار ،
كما في قوله تعالى: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ»
أي أظهروها.
أطلق
الفقهاء الإسرار على المعاني التالية:
۱- إسماع
النفس دون الغير، أو عدم إظهار جوهر الصوت وإن سمعه الغير،
وهو بهذا المعنى غالباً ما يستعمله الفقهاء في
الصلاة وأذكارها، ويعبّر عنه أيضاً بالإخفات.
۲- إخفاء الفعل وكتمانه عن الغير، وهو بهذا المعنى كثيراً ما يستعمل في
العبادات المستحبة كالصلاة
والزكاة ونحوهما.
۳-
إسماع الغير على سبيل
المناجاة مع
الكتمان عن الآخرين، يقال: تسارَّ القوم، أي: تناجوا،
وهو عبارة عن إيداع السرّ عند الآخرين،
ومنه قوله تعالى: «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً».
وهو خفض الصوت وعدم رفعه،
وقد تقدّم أنّه بهذا المعنى من مصاديق الإسرار. فالإخفات نوع إسرار، وهو الإسرار اللفظي، فيكون أخص من مطلق الإسرار.
وهو
الستر ، تقول: أخفيت الشيء إخفاءً إذا سترته.
والغالب في الإخفاء
استعماله في الأفعال، والغالب في الإسرار استعماله في الأقوال.
يعني ستر
الحديث ،
والسكوت عن بيانه،
وهو نقيض
الإعلان والإظهار،
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»،
أي يسكتون عن ذكره.
لغة: العلانية، والجهر بالقول:رفعه.
وعند الفقهاء ما اشتمل على جوهر الصوت،
وهو ضدّ الإسرار.
اسم من النجو، وهو السرّ بين اثنين فصاعداً، يقال: نجوته نجواً، أي: ساررته
في
اذنه .
والإسرار أعمّ من
النجوى ؛ لاستعماله في معانٍ اخرى غير النجوى.
بحث الفقهاء في أحكام الإسرار بمعانيه الثلاثة المتقدّمة وهو ما نحاول التعرّض له كما يلي:
وهو بهذا المعنى قد يكون واجباً كما في قراءة الظهرين،
والتسبيح في الأخيرتين، وقراءة للعشائين والصبح للمرأة عند سماع
الأجنبي صوتها.
وقد يكون مستحبّاً كما في
النوافل اليومية، وفي تكبيرات
الاستفتاح في غير التكبيرة الاولى
للإمام ، وفي جميع التكبيرات للمأموم، كما يستحب الإسرار في
الاستعاذة قبل
القراءة .ويتخيّر المكلّف بين الجهر والإخفات في تكبيرات الاستفتاح في الصلاة فرادى، وفي ذكر
الركوع والسجود .
لقد حثّت
الشريعة المقدسة على إخفاء
الأدعية والأذكار وبعض الأعمال العبادية،
حيث ورد الحثّ على الإسرار في الأدعية في قوله تعالى: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً»،
وقوله تعالى أيضاً: «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا• إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً».
وقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خير الدعاء الخفي...».
والسبب في الترغيب في إخفاء الدعاء والتضرّع هو أقربيته إلى
الإخلاص والإجابة ، وأبعديته عن
الرياء والإخابة .
هذا بالنسبة للأذكار، وأمّا الأعمال فقد ورد الحثّ على الإسرار في مندوباتها- خصوصاً في حقّ من خاف على نفسه من الرياء
- بخلاف فرائضها التي ورد الحثّ على إظهارها،
كما رواه
أبو بصير - يعني:
ليث ابن البختري - عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «كلّ ما فرض اللَّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، وكلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه...».
ولا بأس بهذه المناسبة من
التركيز على موضوعين اهتمّ الفقهاء ببحثهما: أحدهما:
الإسرار في
الصلاة المستحبة ، والآخر:الإسرار في
الصدقات .
أ- الإسرار في الصلاة المستحبة:
المشهور أفضلية الإسرار بالنوافل
وإتيانها في المنازل من التظاهر بها في
المساجد ، بخلاف الفرائض،
بل نسب ذلك إلى علمائنا.
ويدلّ
عليه- مضافاً إلى أنّ فعل النوافل في السرّ أبلغ في الإخلاص
وأبعد من الرياء
ووساوس
الشيطان - ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «...أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة».
وما ورد
في
وصيته صلى الله عليه وآله وسلم
لأبي ذر رحمه الله قال: «... يا أبا ذر إنّ الصلاة النافلة تفضل في السرّ على العلانية كفضل الفريضة على النافلة...».
لكنّ
الشهيد الثاني مال إلى رجحان فعلها في المساجد كالفرائض،
ولم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني. وأيّده
السيد العاملي بقوله: إنّه «حسن، خصوصاً إذا أمن على نفسه الرياء، ورجاء
اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير».
ويدلّ
عليه: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلّي صلاة الليل في المسجد.
ويظهر من بعضهم أنّ الأفضلية تختلف باختلاف الموارد، فقد ترجّح الصلاة في البيت خوفاً من الرياء ووساوس الشيطان، وقد ترجّح في المسجد رجاء اقتداء الناس وحثّهم على فعل الخيرات.
لكن هذا الكلام لا يجري في النساء، وقد نسب إلى أكثر الفقهاء،
بل إلى مشهورهم
أفضلية صلاتها في بيتها من صلاتها في المسجد حتى بالنسبة إلى المكتوبة منها،
بل قال
المحقّق النجفي : «لا نعرف خلافاً بينهم، بل ظاهرهم
الاتّفاق عليه... رعاية للستر المطلوب منهنّ، وحذراً عن
الافتتان بهنّ».
ويدلّ
عليه- مضافاً إلى ذلك- حديث
يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام: «خير مساجد نسائكم البيوت».
لكن
السيّد الطباطبائي نفى أن يكون قد وقف على مفتٍ به من الفقهاء عدا قليل.
ب- الإسرار في الصدقات المستحبّة:
لا خلاف
في أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلانية، بل ادّعي
الإجماع عليه.
قال: هو «موضع وفاق».
ويدل عليه من الكتاب
قوله تعالى: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُم مِن سَيِّئَاتِكُم».
ومن
السنّة روايات
:
منها: ما رواه
ابن القدّاح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم صدقة السرّ تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى».
ومنها: ما رواه
عمّار الساباطي ، قال:قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: «يا عمّار، الصدقة واللَّه في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية».
والقدر المتيقّن من هذه النصوص الصدقة المندوبة إلّاإذا استلزم إسرارها
الاتّهام بعدم مواساة
الفقراء ، أو كان الغرض من الإظهار جرّ الناس للتصدّق على الفقراء واقتدائهم به.
وأمّا الصدقة الواجبة فقد اختلفوا فيها على أقوال:
الأوّل: أنّ إظهارها أفضل من إسرارها،
ويدلّ عليه
:
۱- ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
«إنّ صدقة السرّ في التطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقة
الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفاً».
۲- ما رواه
علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «
الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية...».
۳- إنّ الرياء لا يتطرّق إلى الفرائض غالباً، بخلاف المندوبات.
الثاني: أنّها كالمندوبة يستحب فيها الإسرار، وهو ما ذهب إليه الشيخان
الطوسي والطبرسي ،
ومال إليه المحقّق النجفي؛
لقوله تعالى: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».
الثالث: أنّ
الحكم يختلف باختلاف الجهات المقتضية للإسرار والإظهار، فإن استلزم الإظهار الرياء قدّم الإسرار عليه،وإن قصد به رفع التهمة أو ترغيب الناس واقتدائهم به قدّم الإظهار على الإسرار.
وفيه عدة مسائل:
أ- الإسرار في
النكاح :
لا يجب
الإشهاد والإعلان في عقد النكاح، بل يجوز
إيقاعه سرّاً. نعم، يستحب الإشهاد والإعلان؛
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يكره نكاح السرّ.
ولأنّ إيقاعه علناً وبحضور الناس أنقى للتهمة وأبعد عن الخصومة.
ويستحب الإسرار في نكاح المرأة بمعنى
الاستتار بأن يكون
الزفاف ليلًا،
بل يستحب مؤكّداً إضافة
الستر المكاني والقولي إلى
الستر الزماني؛
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «إنّ من أشرّ الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها».
مهر السرّ والعلانية:
قد يتزوّج الرجل المرأة
بمهر سرّاً وبآخر
جهراً ، وله صورتان:
الاولى: أن يكون
العقد سرّاً على مهر وجهراً على آخر، وفي هذه الصورة ذهب الفقهاء إلى
اعتبار العقد السابق سواء كان مهرها سرّياً أو جهريّاً؛ لصيرورة المرأة زوجة به، فلا يؤثّر العقد اللاحق بالسابق،
بلا خلاف ولا
إشكال .
الثانية: أن يتّفقا على مهر ظاهراً، وعلى آخر باطناً في عقد واحد.وقد اختلف الفقهاء في هذه الصورة، فذهب الشيخ الطوسي إلى اعتبار العقد الظاهري؛ لوقوعه صحيحاً،
ورجّح المحقّق النجفي ما اتّفقا عليه سرّاً؛ لأنّه هو الذي قصده المتعاقدان،
بينما ذكر الشهيد الثاني أنّ المسألة مبتنية على أنّ دلالة الألفاظ على معانيها توقيفيّة أو اصطلاحيّة؟ فعلى الأوّل يفسد المهر؛ لأنّ الباطني غير ملفوظ، والظاهري غير مقصود فينتقل إلى مهر المثل.وعلى الثاني يحتمل الصحة ويكون المهر هو الباطني؛ لاصطلاحهما وتوافقهما عليه.
ب- استيفاء الحق سرّاً:
يجوز لمن له حقّ على غيره أن يستوفي حقّه سرّاً إذا كان من عليه الحق ممتنعاً عن
أدائه ، كما أنّ للزوجة استيفاء حقّها من زوجها سرّاً لو امتنع عن
الإنفاق عليها.
ويؤيّده حديث هند مع زوجها أبي سفيان حيث شكته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت له: إنّ
أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ، إلّا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:«خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك».
ومن هذا القبيل أخذ مال من الغاصب تقاصّاً سرّاً؛ فإنّه يجوز في الجملة. إلّاأنّه وقع
الكلام في
الحاجة إلى إذن
الحاكم الشرعي فيه وعدمه.
ج- الإسرار في
الإقرار :
إذا أقرّ الخصم عند الحاكم في مجلس حكمه وقضائه علناً فللحاكم الحكم عليه إجماعاً.
وأمّا لو أقرّ عنده سرّاً،
فقيل: إنّ مشروعية حكم
القاضي عليه مبتنٍ على القول بجواز عمل القاضي بعلمه.
«إلّاعند بعض من منع من الحكم بعلمه»، ولم نعثر على قائله.
وقيل بعدم
ابتناء المسألة على ذلك؛ لعدم الخلاف في جواز عمل القاضي بعلمه في هذه الصورة،
بل ادّعي عليها الإجماع،
وإنّما
الخلاف في صورة عدم الإقرار.
د- الإسرار في تزكية الشهود:
عدّ بعضهم
من جملة آداب القضاء ومستحباته الإسرار في التحقيق عن الشهود عبّر كثير منهم: بلفظ «ينبغي».
بالسؤال عن حالهم وعدالتهم؛ لأنّه أقرب إلى صدق من يحقق عنهم؛
وأبعد عن اتّهامه بتزكيتهم
حياءً أو
رجاءً أو خوفاً،
مضافاً إلى ما يستلزمه
الإعلان عن التحقيق من تظاهر الشاهد وتصنّعه بحسن
السيرة .
ه- اشتراط أخذ المال سرّاً في حدّ السرقة:
من جملة شروط إجراء حدّ
السرقة أخذ المال سرّاً فلا يجري لو أخذه بمرأى
المالك ومسمعه
بالقهر والقوّة؛
لصدق الغصبية عليه حينئذٍ دون السرقة.
لا يجوز لمن اودع سرّاً
افشاؤه إذا كان صاحبه لا يرضى بإفشائه، سواء كان قولًا أو فعلًا أو حالة، وسواء كان بين اثنين أو أكثر؛ لدخوله في النميمة،
ولقول
الإمام الصادق عليه السلام في رواية
ابن أبي عوف : «المجالس بالأمانة»،
وفي اخرى: «المجالس بالأمانة، وليس لأحدٍ أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلّا بإذنه...».
ولما رواه عبد اللَّه بن سنان عنه عليه السلام أيضاً، قال: سألته عن عورة
المؤمن على المؤمن حرام، فقال: «نعم»، قلت: أعني سفليه، فقال: «ليس حيث تذهب، إنّما هو إذاعة سرّه».
هذا إذا كان السرّ شخصيّاً، وأمّا إذا كان عامّاً مرتبطاً بالمجتمع الإسلامي وأمن الدولة فمن الطبيعي أن يكون جرمه أعظم وعقوبته أشدّ، وقد تعرّض
القرآن الكريم لهذه الحالة مندداً بها بقوله: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا»،
حيث ورد في
تفسيره عن
محمّد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ اللَّه عزّوجلّ عيّر قوماً بالإذاعة في قوله عزّوجلّ:«وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ» فإيّاكم والإذاعة».
وقد كان قوم من ضعفة
الإيمان إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أو أخبرهم الرسول بما اوحي إليه من وعد بالظفر أو خطر يهدّد البلاد أذاعوا به وأفسدوا على
المسلمين امورهم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۴۴۳-۴۵۲.