الإشهاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو جعل
الشخص شاهداً أوعالماً أو
حاضراً على الشيء.
الإشهاد: مصدر أشهد، ويأتي بمعنيين:
۱-
الإحضار وجعل
الشخص يشهد شيئاً، فيقال: أشهدني
النكاح أو عقد زواجه، أي أحضرني وجعلني اشاهده.
۲- جعل شخص شاهداً على أمرٍ، يقال: أشهدته على كذا فشهد عليه، أي صار
شاهداً عليه.
استعمل
الفقهاء الإشهاد تارة في تحمّل
الشهادة و
تحميلها، وهو قريب من المعنى الأوّل، ويقصدون به أن يرى
الحادثة ويعاينها بحيث يمكنه الشهادة عليها بعد ذلك، ويسمّون ذلك تحمّل الشهادة، فإذا طلب منه شخص أن يفعل ذلك لكي يشهد بعده سمّي إشهاداً أو تحميلًا للشهادة. واخرى في جعله شاهداً على أمرٍ، وهو المعنى الثاني، فلا يوجد في
كلماتهم ما يختلف
جذرياً عن المعنى اللغوي.
الصلة بين الشهادة والإشهاد: أنّ الشهادة أعمّ من الإشهاد؛ إذ قد تكون الشهادة دون سبق إشهاد، وتحصل بطلب أو دونه.
والإشهاد: هو طلب
تحمّل الشهادة أو
أدائها .
يأتي بمعنى الإشهاد، أي طلب تحمّل الشهادة،
كما في قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ فَإِن لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ».
ويأتي بمعنى طلب أداء الشهادة أيضاً،
كما يأتي بمعنى أن يُقتل الرجل في
سبيل اللَّه .
وعلى
الاستعمالين الأولين يطابق معنى الإشهاد، أمّا على الاستعمال الأخير فيكون أجنبياً عنه على
المستوى الاصطلاحي.
وهو
الجهر و
الإشهار ، والنسبة بين الإشهاد و
الإعلان هي
العموم والخصوص من وجه، فقد يتحقق الإشهاد من دون إعلان للأمر بين الناس، وقد يتحقق الإعلان وينتشر خبر
الحدث دون أن يتم الإشهاد عليه لا تحملًا ولا أداءً، وقد يجتمعان.
يختلف حكم الإشهاد بحسب ما يضاف إليه ويتعلّق به، فتارةً يكون
مستحباً واخرى يكون
إلزامياً، كما تُشرط به صحّة بعض الأعمال ووقوعها، وغير ذلك. ونتعرّض هنا لأنواع وحالات الإشهاد على الشكل التالي:
يستحبّ الإشهاد على
البيع ؛
لقوله تعالى: «وَأَشهِدُوا إذا تَبايَعتُم».
وصرّح بعض الفقهاء أنّ الاستحباب هنا
إرشادي لا قربي.قال
الشيخ الطوسي : «والمندوب إليه ضربان:
ندب قربة، وندب إرشاد، فالقربة صلاة
التطوّع و
صدقة التطوّع وصوم التطوّع وكلّ
عبادة يتطوّع بها، فإنّه لا
عوض له بتركها. وأمّا الإرشاد فالإشهاد على البيع فإنّه إذا تركه فقد ترك
التحفّظ على عقدٍ لا يستدرك، فإنّه إذا ترك التحفّظ بها حين البيع فمتى كان هناك حدث يفتقر إلى الشهادة لم يستدرك ما فاته».
يستحبّ الإشهاد على
الدين ؛
لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ
بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ...»،
وللمروي عن
الإمام الصادق عليه السلام : «أربعة لا يستجاب لهم
دعوة : أحدهم رجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، يقول اللَّه عزوجل: ألم آمرك بالشهادة».
وقد حمل الفقهاء هذه النصوص على
الاستحباب لقرائن عديدة ذكروها في محلّها.
ظاهر كلام بعض الفقهاء
لزوم الإشهاد على دفع ثمن
الرهن إلى
المرتهن . كما ذكروا أنّه إذا كانت العين المرهونة تحتاج إلى
النفقة ، فإمّا أن يأمر الراهن المرتهن بصرف المال و
الإنفاق عليها أو يأذن له أو يمتنع من
الإذن أو غاب، فإن أمره بالإنفاق أو أذن له أنفق ورجع على الراهن بما غرم، فإن امتنع أو غاب رفع أمره إلى الحاكم، وإن تعذّر الحاكم أنفق هو بنيّة
الرجوع وأشهد عليه.
الإشهاد في
الوديعة تارة يكون على النفقة عليها واخرى عليها نفسها عند ظهور
أمارات الموت. أمّا في الحالة الاولى فقد ذكروا أنّه تحفظ الوديعة بما جرت
العادة بحفظها، فإن كانت تحتاج إلى النفقة وصرف المال، فإمّا أن يأمر المالك
المستودع بصرف المال والإنفاق على الوديعة أو ينهاه أو يطلق:
أ- فإن أمره بالإنفاق أنفق ورجع على المالك.
ب- وإن أطلق توصّل إلى
تحصيل الإذن على الإنفاق من المالك أو
وكيله ، فإن تعذّر رفع أمره إلى
الحاكم ليأمره به إن شاء أو يستدين عليه أو يبيع بعضه للنفقة أو ينصب
أميناً عليه، وإن تعذّر الحاكم أنفق هو وأشهد عليه، ورجع على المالك مع
نيّة الرجوع.
ج- وإن نهى المالك عن الإنفاق فحكمه حكم
الفرع الثاني؛ لأنّ نهيه لا يرفع
التكليف بحفظ المال
المحترم .
وهل تكفي نيّة الرجوع من دون إشهاد أم لا؟ فيه أقوال:
الأوّل: أنّها لا تكفي
مطلقاً، سواء تمكّن من الإشهاد أو لا؛
لأنّ الإشهاد بمنزلة إذن الحاكم.
الثاني: أنّها تكفي مطلقاً؛ لعدم دخل الإشهاد في
إثبات شيء في الذمّة، بل إنّما يفيد في إثبات الحقّ، وهو أمر آخر.
الثالث: إن تعذّر الإشهاد فتكفي نيّة الرجوع، ونسبه
المحدّث البحراني إلى ظاهر الأصحاب.
وأمّا في الحالة الثانية- وهي ظهور
علامات الموت- فيجب الإشهاد على الوديعة إذا ظهرت هذه الأمارات على من عنده وديعة، وادّعي عدم
الخلاف فيه؛ حفظاً
لحقوق الناس، فإنّه لو لم يشهد عليها تكون من جملة
التركة التي تصير إلى
الورثة ، فإنّهم يستحقّون جميع ما كان في يد الميّت، إلّاأن يقوم دليل على شيء أنّه لم يكن له. لكنّ هذا مبنيّ على جواز
بقائها وديعة عنده مع ظنّ
الوفاة ، وإلّا وجب ردّ الوديعة على المالك مع
الإمكان ، ومع عدمه تدفع إلى الحاكم، وإن تعذّر تدفع إلى عدول
المؤمنين، ومع تعذّر الردّ يجب الإشهاد عليها.
اختلف الفقهاء في كيفيّة عزل الوكيل على أقوال:
۱- يشترط في عزل الوكيل
إعلامه بذلك،
فإذا أعلمه
الموكّل بالعزل انعزل من دون حاجة إلى الإشهاد، وهو
المنسوب إلى المشهور خصوصاً بين المتأخّرين.
۲- ينعزل الوكيل بإعلامه بالعزل أو بالإشهاد عليه وإن لم يعلم به، وبناءً على ذلك لا تصحّ
تصرّفات الوكيل بعد الإشهاد على عزله وإن لم يعلم به. ذهب إليه جماعة من المتقدّمين.
لكن قيّد
ابنُ إدريس وابن زهرة قبولَ الإشهاد وإن لم يعلم به بما إذا لم يمكن إعلامه بالعزل، وقيّده
الأخير -
مضافاً إلى ذلك- بما إذا أمكن الإشهاد، وظاهر عبارته أنّه إذا لم يتمكّن الموكّل من إعلام الوكيل بالعزل ولا الإشهاد عليه واقتضت
المصلحة عزله، صحّ عزله من دون إشهاد أيضاً.
۳- أنّه ينعزل بالعزل مطلقاً، أي سواء أعلمه
العزل أو لا، أشهد أو لم يشهد، ذهب إليه
العلّامة الحلّي .
يستحبّ لمن أراد
الوصيّة أن يشهد عليها شاهدين
مسلمين عدلين، فإن لم يجد مسلماً يشهده على وصيّته فليشهد اثنين من
أهل الذمّة عدلين في دينهما؛
لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي
الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ
مُصِيبَةُ الْمَوْتِ».
يستحبّ الإشهاد على عقد النكاح الدائم، دون أن يكون شرطاً في
صحّته بل ادّعي
الإجماع عليه.
لكنّ ظاهر عبارة
ابن أبي عقيل وجوبه.
أمّا النكاح المنقطع فلا يستحبّ الإشهاد فيه، وليس شرطاً في صحّته، إلّاأن يخاف الرجل أو
المرأة التهمة بالزنا فيستحبّ.
قال الشيخ الطوسي: «وأمّا الإشهاد والإعلان فليسا من شرائط
المتعة على حالٍ، الّلهمّ إلّاأن يخاف الرجل التهمة بالزنا فيستحبّ له حينئذٍ أن يشهد على العقد شاهدين».
الإشهاد في
الطلاق وتوابعه تعرّضوا له في عدّة نقاط:
الاولى: الإشهاد على
أصل الطلاق: وقد حكموا بوجوبه، وأنّه شرط في صحّته
وادّعي عليه الإجماع،
بل حكايته
مستفيضة أو
متواترة .
قال الشيخ الطوسي: «كلّ طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان- وإن تكاملت سائر الشروط- فإنّه لا يقع».
ويدلّ على ذلك:
الكتاب ،
والسنّة :
۱- أمّا الكتاب فقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ » إلى قوله تعالى: «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ».
والإشهاد عند فقهاء
الإمامية راجع إلى أصل الطلاق، لا إلى
الإمساك و
الرجعة .
۲- وأمّا السنّة فبروايات مستفيضة، بل متواترة،
كصحيحة
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «طلاق السنّة: يطلّقها تطليقة، يعني على
طهر من غير
جماع بشهادة شاهدين».
النقطة الثانية: كيفيّة تحمّل الشهادة على الطلاق: اختلف الفقهاء في كيفيّة الإشهاد في الطلاق على أقوال:
الأوّل:
اشتراط علم الشاهدين بالمطلّقة، بحيث يمكن لهما أن يشهدا بوقوعه بالنسبة إليها عند
الحاجة .
قال
السيّد العاملي : «واعلم أنّ
الظاهر من اشتراط الإشهاد أنّه لابدّ من
حضور شاهدين يسمعان الطلاق بحيث يتحقّق مع الشهادة بوقوعه، وإنّما يحصل ذلك مع العلم بالمطلّقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها، فما اشتهر بين
أهل زماننا من
الاكتفاء بمجرّد سماع العدلين صيغة الطلاق- وإن لم يعلما المطلّق والمطلّقة بوجهٍ- بعيد جدّاً، بل الظاهر أنّه لا أصل له في
المذهب ، فإنّ النصّ و
الفتوى متطابقان على
اعتبار الإشهاد، ومجرّد سماع صيغة لا يعرف قائلها، لا يسمّى إشهاداً قطعاً».
الثاني: عدم لزوم علم الشاهدين بالمطلقة، بل يكفي المعرفة
الإجماليّة .
وقد دافع المحدّث البحراني عن هذا
الرأي - بعد نقله كلام العاملي و
مناقشته - فقال: «وبالجملة، فإنّ ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الإجماليّة هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم، كما حكاه هو أيضاً عمّا اشتهر في زمانه، وأمّا ما ادّعاه رحمه الله فلم أقف له على
موافق، ولا دليل يعتمد عليه، ولم أقف لأحدٍ من
أصحابنا على بحثٍ في هذه
المسألة سوى ما نقلناه عنه، وقد عرفت ما فيه».
القول الثالث: ما ذهب إليه
المحقّق النجفي بعد أن استشكل في لزوم
المعرفة الإجماليّة أيضاً، حيث اكتفى بشهادة
إنشاء الطلاق- من
الأصيل أو الوكيل أو
الولي - من دون اعتبار العلم بالمطلّق والمطلّقة على وجه يشهد عليهما لو احتيج إليه؛
مستدلّاً على ذلك بإطلاق الأدلّة.
النقطة الثالثة: الإشهاد على الرجعة بعد الطلاق: يستحبّ الإشهاد على رجوع
الزوج في الطلاق،
وادّعي عدم الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.
والدليل عليه الأصل، والنصوص، وحفظ الحقوق، ورفع
النزاع .
النقطة الرابعة: الإشهاد على
الظهار : يشترط في صحّة الظهار
إيقاعه أمام شاهدين عدلين،
وادّعي عدم الخلاف فيه»، بل الإجماع بقسميه عليه.
قال المحقّق النجفي: «يشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق
المظاهر على نحو الطلاق، بلا خلاف أجده فيه نصّاً وفتوى، بل الإجماع بقسميه عليه».
ذهب بعض الفقهاء إلى لزوم الإشهاد على
نفي الولد لو كان الزوج معذوراً في
التأخير أو غائباً ولم يتمكّن من
المسير عند
الولادة .
يستحبّ للحاكم إذا حجر على
السفيه أن يشهد عليه.
قال العلّامة: «ينبغي للحاكم إذا حجر على السفيه أن يشهد عليه؛ ليظهر أمره، فتجتنب
معاملته، ولا يشترط الإشهاد عليه».
تارةً يؤخذ الآدمي، وهو
اللقيط ، واخرى غيره من
الحيوان وغيره، وهو المسمّى بالضالّة واللقطة:
ففي الحالة الاولى ذكروا أنّه لا يجب الإشهاد على أخذ اللقيط، وظاهر بعضهم الإجماع عليه.
واستدلّ له
بأصالة البراءة .
نعم، صرّح بعضهم باستحبابه؛ لأنّه أصون وأحفظ لنسبه وحرّيّته.
ويرى بعض الفقهاء أنّ الاستحباب يتأكّد لو كان الملتقط فاسقاً أو معسراً؛ دفعاً
لادّعاء رقّيّته.
وأمّا في الحالة الثانية فقد ذكروا أنّه يستحبّ الإشهاد على أخذ اللقطة، والضالّة؛
لما في الإشهاد من فائدة
صيانة نفسه عن
الطمع فيها ونفي التهمة عنه، وحفظها عن ورثته لو مات ومن غرمائه لو فلّس،
وادّعي عدم الخلاف فيه،
بل الإجماع عليه،
عند علمائنا.
وإنّما التزموا الاستحباب دون
الوجوب ؛ لعدم الدليل عليه، ولأنّ
اللقطة أمانة، والأمين لا يلزمه الإشهاد.
وأمّا كيفيّة الإشهاد هنا فذكر
الشهيد الثاني فيها وجهين: «أحدهما- وهو الأشهر-: أن يشهد على أصلها دون صفاتها، أو يذكر بعضها من غير
استقصاء؛ لئلّا يذيع خبرها فيدّعيها من لا يستحقّها فيأخذها إذا ذكر صفاتها أو يذكر بعضها...
والثاني: أنّه يشهد على صفاتها أيضاً حتّى لو مات لم يتملّكها
الوارث ، ويشهد الشهود للمالك على وجهٍ يثبت به. وعلى
التقديرين لا ينبغي
الاقتصار على الإطلاق، كقوله: عندي لقطة؛ لعدم
الفائدة بذلك».
يجب على من في يده أو في ذمّته حقّ لغيره أن يدفعه إلى صاحبه عند
المطالبة ، سواء كان ماليّاً أو غيره.
ولكن هل له أن يمتنع من
التسليم إلى أن يشهد عليه أم لا؟ فيه أقوال:
۱- أنّ له
الامتناع عن الدفع حتى يشهد،
ونسب إلى الأشهر.
۲- وجوب التسليم وعدم جواز الامتناع طلباً للإشهاد إلّامع مظنّة الضرر، فحينئذٍ يجوز الامتناع من التسليم ولو نافى الفورية. ذهب إليه
السيّد اليزدي .
۳-
التفصيل بين ما يقبل قوله في الردّ- كالوديعة- وما لا يقبل- كالعارية- فيجب التسليم في الأوّل وإن لم يشهد، ويجوز تأخير
الدفع للإشهاد في الثاني. ذهب إليه الشيخ في
المبسوط .
۴- التفصيل في ما لا يقبل قوله بين ما أشهد صاحب الحقّ عليه حين دفعه وبين ما لم يشهد، فيجوز
التأخير للإشهاد في الصورة الاولى دون الثانية. اختاره
ابن سعيد .
۵- التفصيل بين ما إذا استلزم التأخير ضرراً على المالك فلا يجوز التأخير، وبين ما إذا لم يستلزم ذلك فيجوز؛ لأنّ من عليه الحقّ مخيّر في طرق أداء الحقّ إذا لم تستلزم ضرراً على المالك، فإذا تعذّر الإشهاد واستلزم التأخير ضرراً على
المستحقّ - أي من له الحقّ- فيقدّم المستحقّ، فيجب دفع الحقّ من دون إشهاد.
ذكر ذلك المحقّق النجفي بعنوان: (قد يقال)، ثمّ قال: «فإن أمكن حينئذٍ حمل كلام المصنّف وغيره من الأصحاب على ذلك أو ما يقرب منه كان له وجهٌ، لا ما عساه يظهر منه من جواز الامتناع حتى يشهد، وإن استلزم ذلك التأخير سنة أو أزيد؛
لتعذّر الشهود أو تعسّرهم...».
۶-
التوقّف في أصل الحكم. وهو الظاهر من
المحقّق الأردبيلي، حيث قال: «وبالجملة، الحكم الكلّي مشكل جدّاً، إلّا أن يدلّ عليه نصّ أو إجماع...».
وقد أيّده المحدّث البحراني فقال بعد نقل كلامه: «وهو جيّد؛ لعدم
الدليل عليه، والأصل العدم...».
وكذا المحقّق النجفي، حيث قال بعد نقل كلامه: «ولعلّه كذلك؛ للعقل و
النقل كتاباً وسنّة في وجوب دفع الحقّ إلى صاحبه مع مطالبته، وخصوصاً مع الضرر
العظيم في تأخيره عنه، وتعذّر الإشهاد المعتبر أو تعسّره في كثير من المقامات...».
هذا، وقد تعرّض الفقهاء لدفع الحقّ في باب
الكفالة ، فذهبوا إلى
إبراء ذمّة الكفيل
بإحضار المكفول للمكفول له وتسلّمه منه، فإن امتنع المكفول له من تسلّمه من دون عذر مقبول أشهد عدلين بإحضاره له وامتناعه من قبضه.
وقوّاه بعضهم
بعدما اختار أنّه إن لم يتسلّمه منه وأمكن تسليمه إلى الحاكم سلّمه إليه، فإن لم يمكن أشهد على تسليمه وامتناع المكفول له.
ولكن هل هذا على نحو
الوجوب أم لا؟ ظاهر بعض الكلمات يومئ إلى ذلك كعبارة الشيخ الطوسي، حيث قال: «... فإن لم يقبل أشهد عليه رجلين أنّه سلّمه إليه وبرئ».
وقريب منها غيرها.
لكن ظاهر بعض آخر عدم الوجوب، وإنّما فائدة الإشهاد إثبات تسليم الكفيل وامتناع المكفول له من تسلّمه و
إسقاط مطالبته مرّةً ثانية.
تحدّث الفقهاء عن الإشهاد في
القضاء في ثلاثة مواضع:
أ- أصل قيام القضاء على
البينات، حيث ذكروا أنّه لا تثبت دعوى
المدّعي إلّا بالبيّنة أو
اليمين أو علم القاضي على كلام فيه، فعلى المدّعي إحضار البيّنة، فمع عدمها يلزم اليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف ردّ اليمين على المدّعي، فإن نكل سقطت
الدعوى .
ولو كان للمدّعي بيّنة فهل للحاكم أن يأمره بإحضارها أم لا؟ فيه أقوال:
الأوّل: عدم جواز ذلك له؛ لأنّه حقّ له، إن شاء جاء به، وإلّا فلا؛ إذ قد يريد اليمين.
الثاني:
جواز ذلك له،
، ونسب إلى أكثر المتأخّرين.
، بل إلى أكثر أصحابنا.
الثالث:
التفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدّعي بكون
المقام مقام بيّنة فالأوّل، وبين جهله بذلك فالثاني.
ب- إشهاد
القاضي لأهل العلم مجلس القضاء، حيث يستحبّ أن يحضر القاضي من
أهل العلم بالأحكام الشرعيّة مَن يشهد حكمه، فإن أخطأ نبّهوه؛ لأنّ القضاء مظنّة تشعّب
الخاطر وتقسّم الفكر، وجزئيّات الأحكام الواردة عليه بعضها يشتمل على دقّة وصعوبة
مدرك، فربّما غفل بواسطة ذلك عن بعض مدارك المسألة، فينبّهوه عليه ليعتمد ما هو
الأرجح منه.
وهل يعتبر في أهل العلم
الاجتهاد أم لا؟ فيه قولان:
الأوّل: اعتبار الاجتهاد فيهم،
الثاني: عدم اعتبار الاجتهاد فيهم؛ إذ يجوز لغير المجتهد تنبيه المجتهد إذا نسى أو غفل، كما صرّح به بعض الفقهاء.
ج- إذا ترافع إلى الحاكم
خصمان فأقرّ أحدهما لصاحبه، فإن قال
المقرّ له: أشهد لي أيّها الحاكم بما أقرّ لي به شاهدان، لزم الحاكم أن يشهد له به، سواء قيل: إنّ الحاكم يقضي بعلمه أو قيل: لا يقضي بعلمه؛ لأنّه إن قيل: لا يقضي بعلمه فلابدّ منه؛ لأنّ علمه لا يقضي له به، وإذا قيل: يقضي له بعلمه فلابدّ أيضاً منه؛ لأنّه قد يعلم ثمّ ينسى ويعزل، فلا يحكم بقوله بعد عزله، أو يموت فيبطل حقّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۵۷-۲۶۹.