الإيلاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو حلف الزوج القادر على الوطء على ترك وطء منكوحته .
الإيلاء: مطلق
الحلف والقسم،
من آلى يُؤلي- كإيتاء مِن آتى يُؤتى- ومنه قول الراوي
لأبي جعفر عليه السلام: إنّي آليتُ أن لا أشرب من لبن عنزي.
وقول الشاعرالبيت من
قصيدة للنابغة الذبياني، نقله
ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وفيه: (مجرماً) بدل (محرماً).
:فآليت لا آتيك إن كنت محرماً ولا أبتغي جاراً سواك مجاوراً أي حلفتُ.وقيل
: منه قوله تعالى: «وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ»،
أي لا يحلف.
وأمّا في اصطلاح الفقهاء فيطلق على حلف خاص،
وهو الحلف على ترك وطء الزوجة بقيود مخصوصة. قال
الشيخ الطوسي : «وقد انتقل في
الشرع إلى ما هو أخصّ منه، وهو إذا حلف أن لا يطأ امرأته»،
وزاد بعضهم قيوداً اخرى في التعريف كالدخول بها، وقصد
الإضرار بها، وغير ذلك،
ممّا قد ترجع إلى قيود الحكم وشروطه التي يأتي تفصيلها.وكيف كان، فالأصل فيه قوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ».
وقد كان
طلاقاً في الجاهليّة فغيّر الشرع حكمه، وجعل له أحكاماً خاصة مع توفّر شرائطه.
اليمين والحلف والقسم معروفة، وقد عرفت أنّ الإيلاء لغة هو الحلف والقسم، لكنه في الاصطلاح حلف خاص فهو أخصّ من تلك، ويختلف معها في الأحكام بما أجمله
السيّد العاملي في
نهاية المرام حيث قال:«والفرق بين اليمين والإيلاء- مع اشتراكهما في كونهما حلفاً وفي لزوم
الكفّارة مع الحنث- جواز مخالفة اليمين في الإيلاء، بل وجوبها على وجهٍ مع الكفّارة، بخلاف الحلف في غيره. وأنّ الإيلاء لا يشترط في
انعقاده أولوية المحلوف عليه ديناً أو دُنياً، أو تساوي طرفيه، بخلاف اليمين. وأنّ الإيلاء إنّما ينعقد مع قصد الإضرار بالزوجة، بخلاف اليمين؛ فإنّه ينعقد إذا كان متعلّقه
مباحاً مطلقاً».
وهو مصدر ظاهر، مأخوذ من الظهر، وهو أن يقول الرجل لزوجته:(أنتِ عليّ كظهر امّي)، وهو تشبيه لظهر الزوجة بظهر الامّ الممتنع ركوبها
للنكاح ، فهو
استعارة في تحريم الرجل وطء زوجته على نفسه.
وكان
الظهار - كالإيلاء- طلاقاً في
الجاهليّة فغيّر الشارع حكمه
وجعل له أحكاماً خاصّة.
الفيء أو الفيئة- بفتح الفاء وكسره- بمعنى الرجوع،
ومنه قوله تعالى: «حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»،
أي حتى ترجع إلى الحقّ.والمراد منه في باب الإيلاء الرجوع الخاص، وهو الرجوع إلى ما حلف على تركه، وهو الوطء، قال اللَّه تعالى: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ أي: يحلفون على ترك وطئهنّ. تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا أي: رجعوا إلى الوطء. فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
التربّص في اللغة بمعنى
الانتظار ، يقال: رَبَص بفلان وتربّص به،أي انتظر به خيراً أو شرّاً يَحُلّ به،
وقال
الراغب : التربّص الانتظار بالشيء،
سلعة كانت يقصد بها غلاءً، أو أمراً ينتظر
زواله ، أو حصوله.
ومن ذلك قوله تعالى: «قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ».
ويستعمل لدى الفقهاء أيضاً في نفس
المعنى اللغوي ، كما في قوله تعالى:«وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»،
وقوله: «تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ»،
في بابي الطلاق والإيلاء.وسوف يأتي أنّ من أحكام الإيلاء أنّ المرأة المولى منها إذا رفعت أمرها إلى
الحاكم الشرعي يُنظر الحاكم المولي أربعة أشهر، فإن فاء فيها وإلّا خيّره بين الوطء والطلاق، وهذه المدّة هي المعبّر عنها بمدّة التربّص.
لمّا كان الإيلاء قسماً من أقسام اليمين والحلف، فهو
إيقاع لا محالة، وليس بعقد، فتشمله أحكام سائر الإيقاعات، فلا ينعقد إلّا بالقصد إليه
بإنشائه باعتباره
وإبرازه بصيغة تدلّ على المعنى، ولا يحتاج إلى
القبول ، بل لا معنى للقبول فيه؛ لأنّ اليمين إنّما يتعلّق بفعل
الإنسان نفسه لا فعل الغير، فلا يتصوّر فيه القبول.وأمّا كون اليمين من الإيقاعات فهو من المسلّمات؛ ولذا لم يبحث الفقهاء عن حقيقة اليمين ولا الإيلاء من هذه الجهة، لا في بحث اليمين ولا في بحث الإيلاء، بل أرسلوه
إرسال المسلّمات، وبنوا عليه بعض الامور.فممّا بُني على هذا المبنى أنّ اليمين حيث يحتاج إلى
الإذن - كيمين
الولد والزوجة والعبد على المشهور- لا يقع موقوفاً على
الإجازة ؛ واستدلّوا على ذلك بأنّ اليمين إيقاع ولا تجري الفضولية في الإيقاعات.
قال
الشهيد الثاني : «وقيل: تقع بدون الإذن باطلة حتى لا تنفعه
إجازة الولي فضلًا عن توقّف
إبطالها على ردّه؛ لنفيه صلى الله عليه وآله وسلم اليمين مع أحد الثلاثة.
..ولأنّ اليمين إيقاع، وهو لا يقع موقوفاً، وهذا أقوى».
وهذا وإن كان قابلًا للمناقشة بعدم تسليم عدم جريان الفضولية في الإيقاع على الإطلاق، إلّاأنّ الغرض
الاستشهاد به؛ لمسلّمية كون اليمين إيقاعاً عندهم.وقال
السيّد الخوئي : «ودعوى أنّ اليمين إيقاع ولا تجري الفضولية فيه إجماعاً فلا تؤثّر الإجازة اللاحقة، مدفوعة بأنّ
الإجماع دليل لبّي يؤخذ بالقدر المتيقّن منه، وهو الإيقاع الواقع على مال الغير وأمره، كطلاق زوجة الغير
وعتق عبده ونحو ذلك من الأمور الأجنبيّة عن نفسه، فإنّ الإجازة اللاحقة لا تؤثّر، وأمّا إذا كان الإيقاع متعلّقاً بفعل نفسه، مالًا كان أو غيره- غاية الأمر قد يفرض فيه حقّ للغير، وقد يكون منوطاً برضى الآخر- فلا دليل على عدم تأثير الإجازة اللاحقة».
وهذا كالصريح في مسلّمية كون اليمين- ومنه الإيلاء- من الإيقاعات.وكيف كان، فلا خلاف بينهم في حقيقة الإيلاء وكونه من الإيقاعات، كما أنّه مقتضى حقيقة اليمين؛ فإنّه ليس
التزاماً قائماً بين اثنين فلا يشمله تعريف
العقد .
•
أركان الإيلاء ،لا يتحقّق
الإيلاء إلّاإذا اجتمعت أمور تعتبر أركاناً له كالحلف والمدة و..
•
شروط الإيلاء،يقع البحث في شروط
الإيلاء ضمن البحث في شروط الصيغة، وشروط المؤلي، وشروط المؤلى منها.
•
حكم الإيلاء،حكم
الإيلاء على نحو
الإجمال أنّ المرأة إن صبرت عليه فلا بحث، وإلّا فيجوز لها أن ترفع أمرها إلى
الحاكم الشرعي .
لو ظاهر ثمّ آلى صحّ الأمران معاً؛ لبقاء الزوجية الصالحة
لإيقاع كلّ منهما، وإن كانت قد حرمت بالسبب الآخر، فتحرم المرأة حينئذٍ من الجهتين ولا تستباح بدون الكفّارتين، ولا فرق في ذلك بين تقدّم
الظهار على الإيلاء وتأخّره. نعم، حيث كانت تختلف مدّة التربّص فيهما فتكون مدّته في الظهار ثلاثة أشهر، ثمّ بعده يجب عليه إمّا الطلاق وإمّا الوطء والتكفير مع
المطالبة،قال المحقّق الحلّي في ظهار الشرائع : «(المسألة) العاشرة: إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم خيّره بين التكفير
والرجعة أو الطلاق، وأنظره ثلاثة أشهر من حين
المرافعة، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدهما ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما.
فبانقضاء ثلاثة أشهر يجب عليه اختيار أحد الأمرين، وبتبعه يسقط حقّ تربّصه بالنسبة للشهر الرابع. قال
المحقّق الحلّي: «إذا ظاهر ثمّ آلى صحّ الأمران، وتوقّف بعد
انقضاء مدّة الظهار، فإن طلّق فقد وفى الحقّ، وإن أبى الزم التكفير والوطء؛ لأنّه أسقط حقّه من التربّص بالظهار، وكان عليه كفّارة الإيلاء».
ومثله قال العلّامة الحلّي.
والدليل على ذلك شمول أدلّة الظهار والإيلاء معاً للمقام، فيحكم بمقتضاها جميعاً مع
الإمكان. نعم،
الإمهال بأكثر من ثلاثة أشهر مع مطالبة الزوجة غير ممكن شرعاً بعد لزوم حكم الظهار، فسقوط حقّه بالنسبة للشهر الرابع من لوازم تحقّق الظهار الواقع باختياره، ولذا صرّح المحقّق والعلّامة الحلّيان بأنّه أسقط حقّه من التربّص بالظهار، فلا يحتاج الحكم إلى دليل خاص بالمقام ويكفيه نفس أدلّة الظهار والإيلاء، وإلى هذا أشار
الفاضل الأصفهاني بقوله: «ولو ظاهر ثمّ آلى أو عكس صحّا معاً؛ لكمال الزوجية، وعموم الأدلّة،
وانتفاء المخصّص».
ثمّ إنّه لو اختار
الطلاق فقد خرج من الحقّين، وإن اختار الوطء لزمته كفّارة الظهار، فإذا كفّر ووطأ لزمته كفّارة الإيلاء أيضاً لحنثه في يمينه،
بل قال الفاضل الأصفهاني: «إن وطأ قبله (قبل التكفير للظهار) كانت عليه ثلاث كفّارات، كفارة للإيلاء والباقيتان للظهار»؛
وذلك لشموله حكم الظهار والإيلاء معاً.
هذا كلّه إذا كان انقضاء مدّة التربّص في الظهار قبل انقضائها في الإيلاء، وأمّا إذا تأخّر، بأن كان الظهار متأخّراً عن الإيلاء بحيث كان التخلّص من مدّته بعد التخلّص من مدة الإيلاء، أو اختار المظاهر التكفير عنه
بالصوم، أو لم يتّفق له التكفير بإحدى الخصلتين إلى أن انقضت مدّة الإيلاء أيضاً، ففي مثل هذه الحالات يطالب بالأمرين معاً ويلزمه حكمهما، لكن قد يختلف حكمهما في بعض الصور، وذلك كما لو انقضت مدّة الإيلاء ولمّا يكمل كفّارة الظهار، وقد اختار الفيء دون الطلاق؛ وذلك لأنّ حكم الإيلاء عند عدم
اختياره الطلاق هو إلزامه بالفيئة وتعجيل الوطء، وحكم الظهار تحريمه قبل التكفير، فيقع التنافي. وطريق الجمع حينئذٍ إلزامه للإيلاء بفيئة العاجز؛ لأنّ الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير، فتجتمع الكفّارتان
بالعزم على الوطء، إحداهما للفيئة والاخرى للعزم عليه.
ثمّ إنّهما صرّحا بأنّه لو أراد الوطء في هذه الحالة قبل
التكفير للظهار حرم عليه ذلك، بل يحرم عليها
التمكين أيضاً، وإن ابيح لهما ذلك من حيث الإيلاء. نعم، لو فعل حراماً ووطأ فقد حصلت الفيئة كما سبق، ولزمته كفّارتا الظهار والإيلاء. ولعلّ حكمهم بتحريم التمكين من باب
الإعانة أو
التعاون على الإثم، وإلّا فحرمة الوطء قبل التكفير في الظهار والإيلاء، إنّما هو بالنسبة للمؤلي والمظاهر لا المرأة المظاهرة أو المؤلى منها كما لا يخفى.
•
صور التنازع في الإيلاء،لو ادّعت المرأة تحقّق
الإيلاء وأرادت
إجراء أحكام الإيلاء وأنكر الرجل فالقول قول الرجل بيمينه؛ لأنّه منكر، والأصل عدم تحقّق الإيلاء.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۲۳-۳۷۳.