الاختصاص (أحكام حقه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاختصاص (توضيح) .
ذكر
الفقهاء جملة من الأحكام المتعلّقة بحقّ الاختصاص نوردها فيما يلي:۱-حرمة
المزاحمة و
التصرف من قبل الغير،۲-
انتقاله بالإرث ،۳-
المعاوضة عليه،۴-نقل حق الاختصاص ومحله مجانا أو وقفه،۵-
رهن ما فيه حق الاختصاص،۶-صحة
المزارعة فيما ثبت فيه حق الاختصاص ،۷-
ضمان ما فيه حق الاختصاص،۸-تعلق
الخمس بما فيه حقّ الاختصاص.
من ثبت له حقّ الاختصاص يحرم على الغير
مزاحمته والتصرّف في محلّ حقّه بما ينافيه، قال
المحقق الحلّي في شروط
الإحياء : «أن لا يكون ممّا أقطعه إمام
الأصل . فإنّه يفيد اختصاصاً مانعاً من المزاحمة، فلا يصحّ دفع هذا الاختصاص بالإحياء».
بل عدّ بعض
الفقهاء الاستيلاء على ما فيه حقّ الاختصاص أحد مصاديق
الغصب .
قال : «
الاستقلال بإثبات اليد على حقّ الغير
كالتحجير وحقّ
المسجد و
المدرسة و
الرباط ونحوه ممّا لا يعدُّ مالًا، فإنّ الغصب متحقّق، وكذا غصب ما لا يتموّل عرفاً كحبّة
الحنطة ، فإنّه يتحقّق به أيضاً على ما اختاره المصنّف، ويجب ردّه على مالكه مع عدم الماليّة».
وفرّع عليه بعضهم بعض
الأحكام الوضعيّة ، منها:
بطلان العبادة الواقعة في المكان الذي سبق إليه شخص فأزاحه عن مكانه وأقام هو فيه.
قال : «ولو غصب مكاناً من المسجد، أو جلس على
فراش مغصوب،
فالأقوى البطلان، وأمّا
اللباس والمحمول فلا يبعث على
الفساد على الأقوى».
وقال : «إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله وجلس فيه فالأقوى بطلان......
اعتكافه ».
لكن بعض الفقهاء تنظّر في ذلك أو ردّه.
قال : بعد
إيراده كلام استاذه
كاشف الغطاء : «لكن أكثره لا يخلو من نظر حتّى الفرق بين اللباس والمحمول وغيرهما في الأوّل».
وقال أيضاً: «ولو غصب مكاناً في المسجد بأن دفع من سبق إليه أو جلس فيه ولغيره علامة اختصاص به فالأقوى عدم بطلان الاعتكاف».
وتبعه في ذلك أكثر فقهائنا المعاصرين خلافاً للسيد اليزدي؛
ولعلّ ذلك لعدم
امتداد حقّه في الاختصاص بالمكان إلى ما بعد
الإزاحة ليجتمع مع العبادة ويقتضي بطلانها، أو لكونه لا يقتضي ملك التصرّف في المكان ليتحقّق الغصب، أو لأنّ الاعتكاف لا يتضمّن
القرار وإن استلزمه خارجاً.
قال : «في بطلان اعتكافه نظر، بل منع؛ إذ
السبق إنّما يقتضي الأحقّيّة للسابق ما دام فيه على وجه يحرم مزاحمته
بإخراجه ، وليس له
إطلاق يشمل حال خروجه، ولو
بإجبار ، وليس المراد من الأحقّيّة للسابق صيرورته ذا حقّ في المحلّ مطلقاً مانع عن
سلطنة الغير، كيف؟! وظاهره كونه في مقام صرف
ترجيح السابق على غيره في ما كان لهما- بالنسبة إلى المحلّ- جهة ربط من السلطنة على تملّك
المنفعة أو
الانتفاع ، ومثل هذه السلطنة غير الحقّ المعروف كما لا يخفى، ولذا ليس
بإسقاطي ، فتسويته مانع (من) إطلاق دليله.وتوهّم أنّ منع الإطلاق غير كافٍ
لإثبات الجواز، بل
الاستصحاب يمنعه، مدفوع بأنّه كذلك لو لا إطلاق دليل سلطنة كلّ أحد في الانتفاع بهذه المحالّ في نفسه ما لم يثبت الترجيح لأحد فيه كما هو ظاهر».
كما أفتوا ببطلان
المسح بنداوة الماء المغصوب إذا التفت إلى غصبه أثناء
الوضوء قبل المسح رغم أنّ صاحب الماء حينئذٍ ليس مالكاً للنداوة؛ لعدم تموّلها وإنّما يثبت له فيها حقّ الاختصاص فقط.
قال : «إذا التفت إلى الغصبيّة في أثناء الوضوء صحّ ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل
المباح للباقي، وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز له المسح بما بقي من
الرطوبة في يده ويصحّ الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأوّل؛ لأنّ هذه
النداوة لا تُعدُّ مالًا وليس ممّا يمكن ردّه إلى مالكه، ولكنّ
الأحوط الثاني. وكذا إذا توضّأ بالماء المغصوب عمداً ثمّ أراد
الإعادة هل يجب عليه
تجفيف محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو
الصبر حتّى تجفّ أو لا؟
قولان: أقواهما الثاني، وأحوطهما الأوّل، وإذا قال
المالك : أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرّف فيها لا يسمع منه بناءً على ما ذكرنا. نعم، لو فرض
إمكان انتفاعه بها فله ذلك، ولا يجوز المسح بها حينئذٍ».
وعلّق على قوله: (أقواهما الأوّل) في الفرع الأوّل جملة من الفقهاء منهم
الشيخ محمّد حسن آل ياسين و
السيد الگلبايگاني و
السيد البروجردي فاختاروا القول الثاني، وحكم ببقائه على ملك صاحبه أو اختصاصه به
الإمام الخميني و
الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء و
المحقّق الشيخ ضياء العراقي ، واحتاط بعدم الترك
المحقّق الاصفهاني و
السيد الحكيم ، وكذلك صنع بعضهم في الفرع الثاني.
كما أفتى بعضهم بعدم ترتّب
الآثار في المعاملات أيضاً
كإحياء الموات، فإنّ
المزاحم لمن له حقّ الاختصاص لو أحيا ما حجّره الغير لم يملك الأرض بناءً على القول بملكيّتها مستقلّاً أو تبعاً للآثار، ولا يثبت له حقّ الاختصاص فيها.
فرّق من تعرّض من الفقهاء
لإرث حقّ الاختصاص بين ما يعتبر من المنافع العامّة نظير
الطرق و
الأسواق والباحات، والموقوفات نظير المساجد والمدارس والرباطات فأنكر فيها الإرث، وبين ما عداهُ من المباحات كالأراضي والثروات النباتيّة والمائيّة والمعدنيّة، وما لا ماليّة له كالمحقّرات والأموال التالفة، وما أهدر
الشارع ماليّته ومنع من ملكيّته
كالأعيان النجسة وموادّ
الفساد فأثبت
التوريث فيها.
قال : «تصحّ الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات
كالكلب المعلّم و
الزيت النجس
لإشعاله تحت السماء، و
الزبل للانتفاع بإشعاله و
التسميد به، وجلد الميتة- إن سوّغنا الانتفاع به و
الخمر المحترمة؛ لثبوت الاختصاص فيها و
انتقالها من يد إلى يد بالإرث وغيره».
وقال أيضاً: «التحجير لا يفيد ملكاً، بل
أولويّة واختصاصاً، فإن نقله إلى غيره كان الثاني بمنزلته، ولو مات فوارثه أحقّ به».
وقد حاول بعض الفقهاء
توجيه ذلك بأنّ الحقّ في الأوّل متقوّم بالشخص فلا ينتقل إلى غيره، بخلاف الثاني فينتقل؛ لتقوّمه بالجهة والجهة باقية وإن تبدّل طرفها.
قال في بيان شرط إرث
الحقوق : «الثاني: كونه ( الحقّ) حقّاً قابلًا للانتقال؛ ليصدق أنّه ممّا تركه الميّت بأن لا يكون وجود
الشخص وحياته مقوّماً له، وإلّا فمثل حقّ الجلوس في السوق والمسجد... غير قابل للانتقال، فلا يورث».
لكنّ تمييز ما يكون متقوّماً بوجود الشخص وحياته عن غيره مشكلٌ؛ ولذلك جعل
الميرزا النائيني المناط في ذلك
إجماع الفقهاء.
وربّما جعل المناط في ذلك
استجلاب شيء من المال أو غيره وعدمه، فما استجلب به المال يورث، وما ليس فلا يورث، والتحجير والسبق إلى المباحات ممّا يستجلب به المال فيورث، وحقّ السبق في
المشتركات العامّة لا يستجلب، فلا يورث. لكنّه قد يناقش بأنّ إثبات ذلك متوقّف على الإجماع.
قال : «وقد يقال: إنّ الحقّ لو كان ممّا يستجلب به المال كحقّ
الخيار و
الشفعة والتحجير والسبق إلى
المباحات الأصليّة ، أو يستجلب به
أمر آخر كالقصاص وحدّ
القذف فهو ممّا تركه الميّت وينتقل إلى وارثه، وأمّا لو لم يكن كذلك كحقّ السبق في المشتركات العامّة من المدارس والمساجد والخانات فليس ممّا تركه الميّت حتّى ينتقل إلى وارثه، وهذا منشأ
التفصيل بين جعل الخيار لأحد المتعاقدين فيرثه وجعله للأجنبي فلا يرثه... لكنّك خبير بأنّ إثبات هذا التفصيل أيضاً بغير الإجماع مشكل؛ فإنّ تعلّق الخيار المجعول لأحد المتعاقدين بالمال وعدم تعلّقه به لو كان مجعولًا للأجنبي دعوى بلا برهان، وهكذا الفرق بين حقّ التحجير مثلًا وحقّ الجلوس في المسجد».
وكيف كان فإنّ ما يورث وما لا يورث من حقّ الاختصاص واضح لا خلاف فيه، وأمّا توجيهه فهو يرجع إلى بحث أعمّ يرتبط بمطلق الحقوق.
ذكر بعض الفقهاء صحّة
بذل المال في مقابل
رفع اليد عن حقّ الاختصاص، وأمّا وقوعه عوضاً في المعاملات غير
الصلح فقد منع منه بعض الفقهاء في الأعيان النجسة، وأمّا في الصلح ففي جواز بذل
المال فيها خلاف.
قال : «ولو صالح على
إسقاط خيار، أو على حقّ أولويّة ونحو ذلك صحّ».
ونحوها عبارات كثير من كتب الفقهاء.
لكنّ الميرزا النائيني فصّل في صحّة الصلح على حقّ الاختصاص الثابت في النجاسات والمتنجّسات بين كون المنع عن
البيع ؛
لانتفاء الماليّة عرفاً أو لأجل
التعبّد ، فصحّح الصلح عليها في الأوّل دون الثاني، قال: «وعلى كلّ
تقدير ، فلا بأس في جواز
إعطاء شيء مجّاناً لمن له حقّ اختصاص بها؛ ليرفع اليد عنها، فيحوزها غيره. وأمّا صحّة الصلح على حقّ الاختصاص بها فالحقّ هو التفصيل بين كون المنع عن البيع؛ لمكان انتفاء الماليّة، وبين كونه لأجل التعبّد بالقول بصحّة الصلح في الأوّل دون الثاني؛ وذلك لكون مناط
الفساد في بيعها في الأوّل هو انتفاء الماليّة بالنهي عن الانتفاع بها، ويكفي في صحّة الصلح كونها متعلّقاً لحقّ الغير واختصاصها به، ولو لم يكن مالًا عرفاً، وهذا بخلاف الثاني حيث يستفاد من النهي التعبّدي مبغوضيّة
المبادلة على هذا المال والصلح
تغيير في المبادلة؛ إذ به يحصل ما كان يحصل بالبيع».
وقال : «لو بذل له مالًا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها
الباذل سلم من
الإشكال ، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة كالمسجد والمدرسة ليرفع يده عنه فيسكن الباذل»
وجوّز كثير من الفقهاء بيع الحقّ المذكور إذا كان مورده غير ما أهدر الشارع ماليّته، كالاختصاص الحاصل في الأراضي بإحياء أو غيره، فقد اتّفق الفقهاء على جواز بيعه تبعاً لبيع ما عليها من
البناء والآثار.
قال : «وأمّا
الموات وقت الفتح فهي للإمام خاصّة، ولا يجوز لأحد إحياؤه إلّا بإذنه مع ظهوره (عليه السلام). ولو تصرّف كان عليه طسقها له، ولو كان غائباً ملكها المحيي من غير
إذن ، ومع ظهوره يجوز له نقلها من يد من أحياها إذا لم يقبلها بما يقبلها غيره، ولا يجوز بيع هذه
الأرض على ما تقدّم، بل البيع يتناول التصرّف من البناء والغرس، وحقّ الاختصاص بالتصرّف لا
الرقبة ».
قال : «قال الشيخ قدس سره في
النهاية و
المبسوط وكافّة
الأصحاب : لا يجوز بيع هذه ولا هبتها، ولا وقفها كما حكيناه سابقاً عنهم؛ لأنّها أرض
المسلمين قاطبة، فلا يختصّ بها أحد على وجه
التملّك لرقبة الأرض، إنّما يجوز له التصرّف فيها، ويؤدّي حقّ
القبالة إلى الإمام، ويخرج
الزكاة مع
اجتماع الشرائط، وإذا تصرّف فيها أحد بالبناء والغرس صحّ له بيعها على معنى أنّه يبيع ما له فيها من الآثار وحقّ الاختصاص بالتصرّف لا الرقبة؛ لأنّها ملك المسلمين
قاطبة ».
قال : «
الإنصاف أنّه لا يستفاد من الأدلّة- سيّما بعد ملاحظة الأخبار الناهية، ومقتضى الاصول الأوّليّة- أزيد من ثبوت حقّ الاختصاص والأولويّة في التصرّف في
الأرض لمن له الآثار فيها، فإذا بيعت الآثار المملوكة لبايعها لَحِقَ المشتري ما كان للبائع في نفس الأرض من حقّ الاختصاص والأحقّيّة بالتصرّف».
بل ظاهر جملة من الفقهاء صحّة بيع نفس الأرض المحياة
أصالةً ، ويكون بيعها بمعنى
انتقال حقّ الاختصاص المتعلّق بها إلى
المشتري .
قال : «المشهور، بل
المجمع عليه أنّ الأراضي الموات
بالأصل تكون ملكاً لمن أحياها، ولكنّ الظاهر خلافه، وتوضيح ذلك، أنّ الأخبار الواردة على ثلاث طوائف:
الاولى: ما دلّ على أنّها لمن أحياها وأنّها له. والثانية: ما دلّ على أنّ المحيي أحقّ بها من غيره. والثالث: ما جمع الأمرين:
الإلهيّة والأحقيّة. ولا شبهة أنّ ما اشتمل على اللام في كونه ظاهراً في
إفادة الملكيّة ولكن لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره و
إرادة مجرّد الاختصاص من ذلك، وذلك من جهة أنّه ذكر في جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها في الجهة الرابعة أنّ غير
الشيعة لا بدّ وأن يعطي
الخراج وإلّا يكون كسبهم في تلك الأراضي حراماً. ومن الواضح أنّه لا معنى لحرمة
الكسب في ملك نفسه ووجوب
إخراج الخراج منه، فيعلم من ذلك أنّه لم يحصل بالإحياء إلّا مجرّد حقّ الاختصاص....لا يقال: إنّه لا شبهة في جواز بيع تلك الأراضي كما في الأخبار الدالّة على
اشترائها من ذمّي... فإنّه يقال:... يبيع منها ما ثبت له من الحقّ فيها، فإنّ البيع- كما عرفت- هو
التبدّل بين الشيئين بحيث يقوم كلٌّ منهما مقام الآخر في جهة
الإضافة ، ففي المقام يقوم بالمبادلة كلّ من
العوض والمعوّض مقام الآخر، فالعوض هو
الثمن ، والمعوّض هو الحقّ الثابت في تلك الأرض كحقّ التحجير وحقّ الجلوس، كما هو الموسوم اليوم في
الدكاكين المسمّى في
الفارسية ب (سرقفلي)، فجواز البيع من هذه الجهة».
وصرّح بعض بصحّة جعله مهراً في
النكاح إذا فرض كونه من
الحقوق الماليّة .
يصحّ
تمليك حقّ الاختصاص ومحلّه مجّاناً
بهبة أو
وصيّة أو غيرهما، كما يصحّ وقفه على ما صرّح بذلك جملة من الفقهاء الذين تقدّمت عبارات بعضهم، منهم العلّامة الحلّي في الوصيّة وإن استشكل فيه آخرون،
قال :«ولو أوصى بما ينتفع به في ثاني الحال كالخمر المحترمة التي يرجى
انقلابها ، والجرو القابل
لتعليم الصيد، فالأقرب
الجواز » : «أقول: وجه القرب ثبوت حقّ عليها، وهو
الإمساك للتخليل، وثبوت الحرمة لها، فيجوز الوصيّة بها؛ ولأنّه في
الحقيقة وصيّة بمنفعة فتصحّ.
ويحتمل عدم الجواز؛ لأنّ الوصيّة تمليك وهي غير صالحة للتمليك، والأصحّ عندي أنّه كلّ ما يصحّ الانتفاع به من النجاسات كالجرو القابل للتعليم والزيت النجس
لاشتعاله تحت السماء تصحّ الوصيّة به، وكذا الخمر المحترمة كالتي اتّخذت للتخليل؛ لثبوت الاختصاص بها وانتقالها من يد إلى يد بالارث».
وقال
المحقّق النجفي : «فتصحّ الوصيّة... بالعين التي لا تدخل في الملك، لكن للمستولي عليها حقّ اختصاص بها على معنى الوصيّة بذلك الحقّ الذي للموصى، وكذا حقّ التحجير».
وقال أيضاً: «وكذا يخرج
باعتباره (الملك) ما لا يقصد ملكه عادة؛ لحقارته كفضلة
الإنسان ، أو لقلّته كحبّة
الحنطة ، ولعلّ ذلك ونحوه الذي أشار إليه (المحقّق الحلّي) بقوله: (ولا ما لا نفع). لكن قد يقال: إنّ ما لا نفع معتدّ به فيه غالباً إذا اتّفق حصول النفع به يختصّ به من استولى عليه، بل لعلّ حقّ الاختصاص به ثابت له مطلقاً؛ لصدق
الظلم على من انتزعه منه قهراً، فتصحّ الوصيّة بهذا الحقّ...وبالجملة: عمومات الوصيّة شاملة لذلك كلّه، ولكلّ حقّ قابل للنقل ولو بصلح أو شرط سواء حرم
التكسّب به أو لا».
ثمّ قال: «وتصحّ الوصيّة بالكلاب المملوكة
ككلب الصيد والماشية و
الحائط والزرع، وبالجرو القابل للتعليم؛ لما عرفته مفصّلًا في كتاب
البيع ، بل لعلّ
الأقوى جواز الوصيّة بها وإن لم نقل بملكها وجواز بيعها؛ لثبوت الاختصاص الكافي في صحّة الوصيّة بها. نعم، لا تصحّ الوصيّة بالكلب الذي لا يجوز
اقتناؤه ؛ لعدم ثبوت يد اختصاص عليه بخلاف ما تثبت يد الاختصاص فيه، بل يقوى جواز الوصيّة به وإن لم يكن في التركة؛ لوجوب تنزيلها على تحصيله بمعاوضة الصلح مع
التركة ونحوه، وتعذّر البيع خاصّة لا يبطلها».
وقال : «وتصحّ الوصيّة بالكلاب المملوكة ككلب الصيد والماشية والحائط والزرع إجماعاً كما في
التذكرة ، والجرو القابل للتعليم وإن لم نقل بالملك؛ إذ يكفي في صحّة الوصيّة حقّ الاختصاص».
وقال : «في صحّة وقف ما لا يملكه لكن كان له حقّ الاختصاص به وجهان: أقواهما الجواز، فيكفي ملكيّة التصرّف وإن لم يكن مالكاً للعين، فعلى هذا يجوز وقف كلب الحائط والزرع والماشية إذا قلنا بعدم كونها مملوكة، وأمّا كلب
الصيد فلا إشكال فيه؛ لأنّه مملوك، وكذا يصحّ وقف الأرض التي حجّرها إذا قلنا بعدم
كفاية التحجير في التملّك».
وتفصيل ذلك في محلّه.
المعروف بين الفقهاء، بل المجمع عليه عدم جواز جعل ما لا يملك
وثيقة في
الرهن ؛ ولذلك منع الفقهاء من رهن الأراضي الخراجيّة والخمر ونحوهما، بل أبطلوا رهن
العصير إذا تحوّل في يد
الراهن خمراً.
قال : «يعتبر في الرهن أصل الملكيّة كما عرفت، وحينئذٍ فلو رهن المسلم خمراً أو خنزيراً أو نحوهما ممّا لا يملكه المسلم لم يصحّ بلا خلاف أجده فيه ولو كان عند ذمّي؛ لعدم ملكيّة الراهن لها، وعدم سلطنته على بيعها و
وفاء دينه منها... ولو رهن أرض الخراج- كالمفتوحة
عنوة ، والتي صولح أهلها على أن تكون ملكاً للمسلمين وضرب عليهم الخراج- لم يصحّ عند
المصنف وجماعة؛ لأنّها لم تتعيّن لواحد من المسلمين. نعم، يصحّ رهن ما بها من
أبنية و
آلات وشجر؛ لكونها مملوكة لصاحبها بخلافها هي، كما أنّه يصحّ رهنها مع الآثار بناءً على أنّها تملك تبعاً لآثار التصرّف، بل لا يبعد حينئذٍ صحّة رهنها نفسها دون الآثار؛ لكونها مملوكة ما دامت الآثار كما عساه يظهر من
الدروس ».
وقال أيضاً: «ولو رهن عصيراً جاز بلا خلاف، بل عن المبسوط
الإجماع عليه؛ لأنّه عين مملوكة يجوز بيعها إجماعاً بقسميه... فإن صار خمراً في يد
المرتهن بطل الرهن عندنا؛ للخروج عن الملكيّة التي هي شرط صحّته».
وإذ كان مورد حقّ الاختصاص
منحصراً فيما لا يملك فلا يصحّ أن يكون متعلّقاً للرهن وإن ثبت فيه حقّ الاختصاص. نعم، يصحّ رهن الحقّ نفسه إن فرض له
اعتبار عند العقلاء بحيث يصحّ عليه الرهن، كما صرّح به بعض الفقهاء.
قال : «لو رهن عصيراً فصار خمراً عند المرتهن فلا شكّ في زوال ملكيّة الراهن؛ لأنّ
الشارع أسقط ماليّة الخمر وملكيّته، ولكن حقّ الاختصاص باقٍ، فله
تخليله ومنع غيره عنه، فإن كان لهذا الحقّ اعتبار عند العقلاء بحيث يمكن أن يكون وثيقة لدين المرتهن، فلا يبطل الرهن ويبقى وثيقة عنده، وأمّا إذا لم يكن قابلًا
للاستيثاق به فبقاؤه هنا لا معنى له، ويكون لغواً».
والتفصيل في محلّه.
صرّح بعض الفقهاء بكفاية ثبوت حقّ الاختصاص في الأرض لتصحيح
المزارعة عليها.
قال : «لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكاً لمنفعتها
بالإجارة والوصيّة أو
الوقف عليه، أو مسلّطاً عليها
بالتولية كمتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ، والوصي أو كان له حقّ اختصاص بها بمثل التحجير والسبق ونحو ذلك».
لكن جملة من فقهائنا ناقش في ذلك باعتبار أنّ المزارعة عقد على تمليك العامل بعض منافع العين مقابل عمله، والحال أنّ من له حقّ الاختصاص في الأرض لا يملكها ولا يملك منافعها، فلا تصحّ المزارعة عليها لذلك.
قال : «الظاهر عدم كفاية مثل حقّ التحجير والسبق في صحّة المزارعة. نعم، لو كانت الأرض زراعيّة، وله حقّ اختصاص بها من جهة تقبّلها من
السلطان - مثلًا- لا إشكال في جواز مزارعتها».
وقال : «لا يكفي التحجير في صحّتها؛ إذ التحجير يفيد
أولويّته بإحيائها وعدم جواز مزاحمته فيه لا اختصاصه بمنافعها حتّى لا يجوز لغيره
التصرّف فيها إلّا بإذنه».
وقال : «لا يكفي ظاهراً حقّ التحجير في صحّتها وكذا السبق للإحياء. نعم، لا إشكال فيما إذا سبق فأحياها».
وقال : «في كفاية التحجير ونحوه لصحّة المزارعة إشكال بل منع؛ لأنّه موجب لأولويّته بالإحياء، لا
للتسلّط على نقل المنافع إلى الغير ولو بالمزارعة».
والظاهر أنّ سبب
الاختلاف في ذلك هو أنّ
السيد اليزدي يرى التحجير ونحوه يوجب تسلّطاً على العين بجميع جهاتها وانتفاعاتها فلا فرق بينه وبين الملكيّة حينئذٍ، وهو ما صرّح به في حاشيته،
بخلاف الفقهاء الآخرين فإنّهم يرونه يوجب تسلّطاً على إحياء الأرض فقط؛ ولذلك يجوز التصرّف في الأرض بالصلاة والنوم فيها وغير ذلك ما لم يزاحم حقّ المحجّر.
صرّح الفقهاء بأنّ غاصب العين- التي ثبت فيها حقّ الاختصاص- يعتبر ضامناً بشرط أن يكون المغصوب متموَّلًا وإن لم يكن مملوكاً.
قال في الدروس: «ولو أثبت يده على مسجد أو
رباط أو مدرسة على وجه التغلّب، ومنع المستحقّ، فالظاهر
ضمان العين و
المنفعة ».
وقال : «يمكن القول بعدم اعتبار الملك في
القيمة التي هي عوض الشيء و
بدله وإن لم يكن مملوكاً، خصوصاً إذا كان فيه حقّ الاختصاص».
وقال : «الحقّ في باب الضمان ثبوته مطلقاً ولو لم نقُل بكونه ملكاً؛ وذلك لكفاية حقّ الاختصاص الثابت عليه من المالك لثبوت الضمان، ولا يحتاج الضمان إلى الملك التامّ، بل يكفي في ثبوته مرتبة ناقصة منه المعبّر عنه بالحقّ».
لكنّه أنكر ضمان ما لا يتموّل بعد تلفه حيث قال: «يعتبر في وجوب ردّ عوضها شروط ثلاثة: الأوّل: أن يكون
التالف ممّا يتموّل عرفاً وشرعاً، فمثل
الخنفساء والخمر وإن وجب ردّهما حين بقائهما لجهة حقّ الاختصاص الثابت لمن أخذ منه، إلّا أنّه بعد تلفهما لا يتعلّق بهما ضمان...».
لكن من يتمسّك بحديث «على اليد»
أو غيره ممّا يدلّ على ثبوت ضمان المثل قبل ضمان القيمة حتّى في القيمي لا يرى سقوط الضمان فيما لا ماليّة له رأساً، بل بعد تعذّر المثل فالتموّل شرط في ضمان القيمة لا ضمان
المثل ، وهذا هو الذي دعا
السيد الخوئي لأن يشكل على
الميرزا النائيني بأنّ
انتفاء الضمان إنّما يصحّ- بناءً على التمسّك بحديث على اليد- مع عدم المثل فينتقل إلى ضمان القيمة، والمفروض عدمها، فلا ضمان، وأمّا مع وجوده فتشمله أدلّة الضمان.
قال في
حديث «على اليد» : «إنّ الظاهر منه هو ثبوت العين بدءاً في عهدة الآخذ، وإذا تعذّر
أداؤها بعينها انتقل الضمان إلى المثل، وإذا تعذّر المثل أيضاً انتقل إلى القيمة من غير فرق في ذلك بين المثلي والقيمي... وقد ظهر لك ممّا ذكرناه... فساد ما ذكره شيخنا
الاستاذ من أنّ وجوب ردّ العوض مشروط بكون التالف (ممّا يتموّل...). ووجه الفساد هو أنّ وضع اليد على متعلّق حقّ الغير بدون سبب شرعي يوجب ضمانه، وإذا تلف انتقل ضمانه إلى المثل. نعم، إذا تعذّر المثل أيضاً بقي التالف في عهدة الضامن؛ إذ المفروض أنّه ليس بمال لكي ينتقل ضمانه- مع تعذّر مثله- إلى قيمته».
ثمّ ردّ بأنّ الذي يسهّل
الخطب أنّ حديث على اليد ضعيف
السند وغير منجبر بشيء، فلا يمكن
الاستناد إليه في شيء من
الأحكام الفرعيّة.
وقال السيد الخوئي أيضاً: «يضمن المسلم للذمّي
الخمر و
الخنزير بقيمتهما عندهم مع
الاستتار ، وكذا يضمن للمسلم حقّ اختصاصه فيما إذا استولى عليهما لغرض صحيح».
وظاهره أنّ نفس حقّ الاختصاص إذا كانت له ماليّة وقيمة عرفاً فإنّ
إتلافها يكون موجباً لضمان تلك القيمة لصاحبه. وتفصيل ذلك في موضعه.
المتّفق عليه بين الفقهاء أنّ
الخمس إنّما يتعلّق بالمال المملوك، فما ليس بمال شرعاً أو عرفاً لا خمس فيه وإن كان ملكاً لصاحبه فضلًا عمّا إذا كان له فيه حقّ الاختصاص؛ لعدم صدق
الربح و
الفائدة عليه. وأمّا ما لا يملك- ولكن يتعلّق به حقّ الاختصاص- فإن كان متموَّلًا أو كان لنفس الحقّ ماليّة وقيمة عرفاً تعلّق به الخمس؛ لكونه ربحاً وفائدة، فتشمله أدلّة الخمس. والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۳۱۲-۳۲۷.