الارتداد (عقوبة الارتداد عن فطرة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
لا خلاف بين فقهائنا في وجوب قتل
المرتدّ الفطري في الحال بلا
استتابة ، وقد نصّ على ذلك الشيخان
الصدوق والمفيد والسيّد المرتضى والمحقّق الحلّي وغيرهم،
بل عليه
الإجماع من غير واحد.
إلّا أنّ
الشهيد الثاني استظهر من
ابن الجنيد أنّ الارتداد قسم واحد وأنّه يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل، فيكون مخالفاً في وجوب قتل الفطري قبل استتابته، وظاهره الميل إليه لو لا مخالفة المشهور حيث قال: «وعموم الأدلّة المعتبرة يدلّ عليه، وتخصيص عامّها أو تقييد مطلقها برواية عمّار (المتقدّمة) لا يخلو من إشكال، ورواية
علي بن جعفر ليست صريحة في التفصيل، إلّا أنّ المشهور بل المذهب هو التفصيل...».
وحكاه
الفيض الكاشاني أيضاً ووصفه بالشذوذ وإن كان أحوط.
وفي
الجواهر : أنّه ممّا «لا ينبغي أن يسطر بعد
استقرار مذهب
الإماميّة على خلافه».
واستدلّ للمشهور بالكتاب
والسنّة :أمّا من
الكتاب ، فاستدلّ بقوله تعالى:«وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ».
واستدلّ بها
الشيخ في
المبسوط،
ولكن
المحقّق الأردبيلي قال: إنّ كفر المرتد مطلقاً وجريان بعض أحكام الكفر الأصلي عليه مثل عدم قتل المسلم به وكونه من أهل النار وجهه ظاهر كتاباً وسنة؛ فإنّ الآيات والروايات في ذلك كثيرة، أمّا الأحكام الخاصة فدليلها من الكتاب غير ظاهر.
وكذا
السيد الگلبايگاني نفى دلالة شيء من
القرآن على ذلك.
وأمّا من السنّة، فالنبوي المشهور: «من بدّل دينه فاقتلوه».
والأخبار الخاصّة:
منها: صحيح
علي بن جعفر عن أخيه
أبي الحسن عليهما السلام قال: سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: «يقتل ولا يستتاب».
ومنها: صحيح محمّد بن مسلم قال:سألت
أبا جعفر عليه السلام عن المرتدّ؟ فقال:«من رغب عن
الإسلام وكفر بما انزل على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعد إسلامه فلا
توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسّم ما ترك على
ولده ».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقيّد
إطلاق بعضها، فتحمل على المرتدّ الفطري بقرينة الروايات الاخرى الدالّة على أنّ المرتدّ إذا كان عن ملّة يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل،
كما سيأتي.
والروايات وإن أورد المحقّق الأردبيلي
بعض المناقشات عليها- سنداً ودلالةً- ولكن دلالتها على الحكم واضحة.هذا إذا كان المرتدّ رجلًا، وأمّا المرأة فإنّها لا تقتل بالارتداد، وإنّما تستتاب، فإن أبت حبست وضيّق عليها وضربت أوقات
الصلوات ، واستخدمت خدمة شديدة حتى تتوب أو تموت.صرّح
الفقهاء بذلك بغير خلاف فيه،
بل عليه الإجماع من غير واحد.
وتدلّ عليه الروايات
:
منها: صحيحة
الحسن بن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر
وأبي عبد اللَّه عليهما السلام، قال: «... والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت وإلّا خلّدت في
السجن وضيّق عليها في حبسها».
ومنها: موثّقة
عبّاد بن صهيب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «... والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلّا حُبست في السجن، واضرّ بها».
إلى غير ذلك من الأخبار
الدالّة على ذلك.وهذه الروايات تدلّ على أنّ حبسها في صورة عدم التوبة.
ولكن هناك روايات اخرى تدلّ على حبسها من دون تقييد بعدم التوبة:
منها: موثّقة
غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن
عليّ عليهم السلام، قال: «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل، ولكن تحبس أبداً».
ومنها: صحيحة
حمّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في المرتدّة عن الإسلام، قال:«لا تقتل، وتستخدم خدمة شديدة، وتمنع الطعام والشراب إلّا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات».
ومنها: صحيح
حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على
الموت ، والمرأة ترتدّ عن الإسلام،
والسارق بعد قطع اليد والرجل».
وظاهر هذه الروايات أنّها تحبس دائماً حتى مع التوبة.وقد جمع مشهور فقهائنا بين الطائفتين بحمل الروايات المطلقة على الروايات المقيّدة، فذهبوا إلى أنّها تحبس مؤبّداً ما لم تتب
كما تقدّم.
ولكن احتمل بعضهم إمكان الجمع بينها بوجه آخر، وهو حمل الروايات المقيّدة لحبسها بعدم التوبة على أنّها عقوبة المرتدّة عن ملّة، وأمّا الفطريّة فعقوبتها الحبس دائماً، من غير أن تقبل توبتها. ذكره الشهيد في
المسالك ،حيث قال- بعد ذكر الأخبار-: «وليس في هذه الأخبار ما يقتضي قبول توبتها في الحالين، والخبر الأوّل (أي صحيح الحسن بن محبوب المتقدم) كما تضمّن قبول توبتها تضمّن قبول توبة المرتدّ الذكر، وحمله على الملّي يرد مثله فيها، فيمكن حمل الأخبار الدالّة على حبسها دائماً من غير تفصيل على الفطرية؛ بأن يجعل ذلك حدّها من غير أن تقبل توبتها، كما لا تقبل توبته».
والفيض في
المفاتيح ، إلّا أنّه قال بعد ذلك: «إنّ العمل على المشهور أولى وأحوط».
وعبارته قريبة من عبارة المسالك مستشعرين من عبارة التحرير«لو تابت فالوجه قبول توبتها، وسقوط ذلك ( الحبس) عنها وإن كانت عن فطرة» الخلاف في قبول توبتها، معتبرين أنّ ذلك هو المناسب لحال الأخبار.
بل نسب
ابن فهد إلى بعضٍ القول بذلك وإن ردّه بعد ذلك بأنّه وهم. حيث قال: «وذهب بعضهم إلى أنّها تحبس دائماً مع التوبة، وهو وهم».
لكن في
الرياض : لم يظهر من العبارة كون المخالف منّا، فلعلّه من العامّة، أو من لم يعتدّ به أصلًا.
كما ردّ الجمع المذكور بأنّ الأنسب حمل الطائفة الثانية على عدم التوبة، بقرينة الطائفة الاولى المجبورة بالعمل، ولا ينافي
اشتمالها على قبول توبة المرتدّ الذكر المحمول على الملّي
كما سيأتي.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۸۵-۳۸۹.