الاعرابي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو أهل البدو من العرب وهم سكان البادية.
الأعرابي: المنسوب إلى
الأعراب، وهم سكّان
البادية،
وقيل: «الأعراب... أهل البدو من العرب».
لا يختلف استعمال الفقهاء عن المعنى اللغوي، إلّاأنّه قد يراد به من لا يعرف محاسن
الإسلام وتفاصيل أحكامه من سكّان البوادي المعنيّ بقوله تعالى: «الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ».
وقد يطلق على من يلزمه المهاجرة منهم ولم يهاجر وإن كان عارفاً بالأحكام، وعلى مطلق المنسوب إليهم.
ولعلّه لأجل هذا
الاختلاف في المعنى المراد من الأعراب وجدنا بين الفقهاء اختلافاً في الأحكام المرتبطة بهم. وإليك جملة من عباراتهم:
والفرق بين الأعرابي والعربي: أنّ الأعرابي هو البدوي وإن كان فارسياً أو تركياً، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويّاً، فبينهما عموم من وجه.
مفرد بدو، وهم سكّان البادية- أي
الصحراء - وأهلها، والبدوي هو المقيم في البادية ومسكنه المضارب والخيام، ولا يستقرّ في موضع معيّن، والبدو سكّان البادية سواء كانوا من العرب أم من غيرهم.
وهم أهل القرى والبساتين والأرياف وأطراف المدن، الذين يسكنون عادةً في بيوت الطين والخشب ونحوها، ويستوطنون منازلهم وأراضيهم طيلة العام.
وقد يطلق ويراد منه
أهل العراق من حيث إنّ أرض العراق مليئة بالزرع فكانت تسمّى
أرض السواد .وعليه فأهل البادية يختلفون عن أهل السواد من حيث
الاستقرار ؛ لأنّ أكثر أهل البادية لا يستقرّون، ومن حيث المكان فإنّ مسكن أهل البادية هو الصحراء لا المزارع والقرى وأطراف المدن.
لا فرق في الإسلام بين الأفراد من حيث خصوصية مسكنهم وأنّهم يعيشون بهذه الطريقة أو تلك، فالقروي والبلدي والحضري والمدني والبدوي والأعرابي كلّهم واحد في الحقوق والواجبات.لكن نظراً لاختلاف طبيعة الحياة من جهة بين الناس كنمط حياة المدينة ونمط حياة
القرية ، تترتب عليهم أحكام تتناسب مع ذلك.وكذلك قد يكون في بعض الناس من خلال طبيعة حياتهم طبائع خاصّة تترتب عليها أحكام شرعية.ولعلّ من ذلك الأعرابي فإنّ بعض الأحكام الثابتة في حقه ترجع إلى نمط عيشه وسكنه وحياته كما فيما يتصل بقصر صلاته، وكذا صلاة الجمعة والعيدين عليه إذا لم يستوطن، أو فيما يخصّ المرأة المعتدّة الأعرابية من حيث مسألة الخروج من المنزل وعدمه.والبعض الآخر من الأحكام الواردة في حقّ الأعرابي ترجع إلى الطبائع التي عليها غالب الأعراب عادةً، فإنّ المعروف عنهم أنّهم لا يعرفون الدين ولا الأحكام الشرعية ويفتقدون مظاهر المدنيّة والعلاقات الاجتماعية.
من هنا ورد كراهة إمامة الأعرابي معلّلًا ذلك بأنّه مجافٍ للوضوء والصلاة،
وورد نهي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الناس عن زجر ذاك الأعرابي الذي بال في المسجد،
بل لذلك ورد في بعض النصوص أنّ من لم يتفقه فهو أعرابي،
فبعض الأحكام ترجع إلى هذه الخصوصيات فيهم.وهذا الذي قلناه في فهم أحكام الأعرابي لعلّه كان سبباً في اختلاف الفقهاء كما قلنا سابقاً في تعريفه تبعاً لما يفهم من هذه التشريعات المتعلّقة به.وعلى أيّة حال، فقد ذكر الفقهاء للأعرابي أحكاماً نشير إلى أهمّها فيما يلي، ونترك تفاصيل ذلك إلى مصطلح (أهل البادية) لا سيما فيما رتب فيه الفقهاء في استعمالاتهم الأحكام على عنوان البدوي أو البدو أو أهل البادية:
منع جماعة من القدماء عن إمامة الأعرابي الجامع لشرائط الإمامة مطلقاً،
بل نفي الخلاف فيه إلّا من الحلّي ،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
والمشهور بين المتأخّرين
بل الأشهر
الكراهة.
وفصّل بعضهم بين إمامته لمثله فيجوز ولغيره فلا يجوز.
من شرائط تقصير الصلاة أن لا يكون المصلّي ممّن بيته معه كأهل البوادي من العرب
والعجم الذين لا مسكن لهم معيّناً، بل يدورون في البراري وينزلون في محلّ
العشب والكلاء ومواضع القطر
واجتماع الماء؛ لعدم صدق المسافر عليهم.
نعم، لو سافروا لمقصد آخر من حجّ أو زيارة أو نحوهما قصّروا،
لكن
السيد الخوئي فصّل بين ما إذا كان بيته معه في هذه الحركة أيضاً فيبقى حينئذٍ على
التمام ، وبين ما لو أبقى بيته من خيم وفسطاط وأمتعة ونحوها وخرج بنفسه لمقصده كسائر المسافرين فيجب القصر.
واستشكل بعض الفقهاء فيما لو سافر أحدهم
لاختيار منزل أو لطلب محلّ القطر أو العشب وكان مسافة واحتاط بالجمع بين القصر والتمام في هذه الصورة.
وللمسألة تفريعات مذكورة في محلّها.
صرّح جملة من الفقهاء بوجوب صلاة الجمعة على الأعرابي إذا كان ساكناً مستكملًا الشرائط.
قال المحقّق الحلّي: «تجب الجمعة على أهل السواد كما تجب على أهل المدن مع
استكمال الشروط، وكذا على الساكن بالخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين».
وقد استدلّ عليه بالعموم
المعتضد بظاهر الفتاوى التي يمكن تحصيل الإجماع منها.
ذكر الفقهاء أنّ صلاة العيدين واجبة مع وجود
الإمام عليه السلام بالشروط المعتبرة في صلاة الجمعة، فتجب على كلّ من وجبت عليه صلاة الجمعة، ولو اختلّت الشرائط سقط الوجوب واستحبّ
الإتيان بها جماعة وفرادى، ومن شرائطه
الاستيطان ، فالأعرابي وأهل البادية ما لم يستوطنوا تسقط عنهم صلاة العيدين.
أفتى بعض الفقهاء بجواز دفع
الزكاة إلى الأعراب بعنوان (المؤلّفة قلوبهم) بناءً على عدم
اختصاص عنوان (المؤلّفة قلوبهم) بالكفّار وشموله للمسلمين، فكان الأعراب ممّن يمكن تأليف قلوبهم
للجهاد أو الدفاع.
المراد من الأعراب في هذه المسألة أهل البادية الذين أظهروا الإسلام دون أن يفهموا معانيه ومقاصده، وصولحوا على ترك المهاجرة والمجيء إلى دار الإسلام بترك النصيب.
حيث قال: «نعم، قد يقال: إنّ المراد من الأعراب الذين لم يعضّوا على الإسلام بضرس قاطع.لا الأعراب الذين أحكموا إسلامهم وآمنوا بقلوبهم».وقد اختلف الفقهاء في أنّه هل يستحقّ من الغنيمة نصيباً كسائر المقاتلين أو لا؟ذهب المشهور
منهم إلى عدم
الاستحقاق ،
بل قيل: لم ينقل فيه خلاف
إلّا من ابن إدريس الحلّي.
قال
الشيخ الطوسي : «فأمّا الأعراب فليس لهم من الغنيمة شيء، ويجوز للإمام أن يرضخ (الرضخ: هو أن يعطى المرضوخ له شيئاً من الغنيمة ولايسهم لهم سهماً كاملًا، ولا تقدير للرضخ، بل هو موكول إلى نظر الإمام، فإن رأى التسوية سوّى، وإن رأى التفضيل فضّل.)
لهم أو يعطيهم من سهم ابن السبيل من
الصدقة ؛ لأنّ الاسم يتناولهم».
وقد استدلّ
عليه بما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه صالح الأعراب عن ترك المهاجرة والمجيء إلى دار الإسلام، بأن يساعدوا المسلمين إذا استنفربهم العدوّ وليقاتلوا ولا نصيب لهم من الغنيمة.
وبرواية طويلة لعبد الكريم الهاشمي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «... أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا، على أنّه إن دهمهم من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم، وليس لهم في القسمة نصيب».
في المقابل ذهب بعض الفقهاء إلى الاستحقاق، كابن إدريس حيث قال:«قال بعض أصحابنا: إنّه ليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع المهاجرين.وهذه رواية شاذّة مخالفة لُاصول مذهب أصحابنا... لأنّه لاخلاف بين المسلمين أنّ كلّ من قاتل من المسلمين فإنّه من جملة المقاتلة، وأنّ الغنيمة للمقاتلة وسهمه ثابت في ذلك، فلا يخرج من هذا الإجماع إلّا بإجماع مثله، أو دليل مكافٍ له، ولا يرجع فيه إلى أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملًا».
ونوقش فيه بأنّه مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق.
وتردّد بعضهم في المسألة.
تعرّض بعض الفقهاء لحكم النظر إلى شعر نساء الأعراب اللواتي لا ينتهين إذا نهين، وأفتوا بعدم وجوب الغضّ عنهنّ وعدم البأس مع
اتّفاق وقوع النظر عليهنّ؛
للعسر والحرج،
ولبعض الروايات:
منها: ما عن
عبّاد بن صهيب قال:سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس (نساء) أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون».
ومع ذلك قال
المحقّق النجفي :«لا ريب في أنّ ترك النظر أحوط وأقوى».
وقال السيد اليزدي- بعد أن استشكل في جواز النظر إلى شعر نساء الأعراب ممّن جرت العادة على عدم تستّرهنّ-:«نعم، الظاهر عدم حرمة التردّد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهنّ، ولايجب غضّ البصر إذا لم يكن هناك خوف
افتتان ».
صرّح بعض الفقهاء بكراهة تزويج الأعرابي بالمهاجرة؛
استناداً إلى رواية محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام حيث قال: «لا يتزوّج الأعرابي بالمهاجرة فيخرجها من دار الهجرة إلى الأعراب».
وما ورد عن حمّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يصلح للأعرابي أن ينكح
المهاجرة فيخرج بها من أرض الهجرة فيتعرّب بها، إلّاأن يكون قد عرف السنّة والحجّة، فإن أقام بها في أرض الهجرة فهو مهاجر».
إلّاأنّ المراد من التعرّب في هذه الروايات التعرّب عن الإسلام، أي
الاستبعاد أو الخروج بها عن أرض الإسلام إلى بلاد الكفر ونحوه ممّا يكون فيه خطر على دين الإسلام، وقد أفتى بعضهم بحرمة التعرّب بعد الهجرة بهذا المعنى.
ذكر غير واحد من الفقهاء أنّ الأعرابية تعتدّ في المنزل الذي طلّقت فيه وإن كان بيتها من صوف أو شعر أو غيرهما؛
إذ لا فرق بينه وبين الآجر والطين في صدق البيت
الذي هو العنوان في الكتاب
والسنّة.
وصرّح بعضهم بأنّه لا يجوز لها الخروج ولا له
الإخراج عن القطعة من الأرض التي عليها القبّة أو الخيمة، ويجوز تبديلهما.
فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم؛ دفعاً لضرر الانفراد، وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم ما لم يغلب الخوف
بالإقامة.
وأمّا لو رحل أهلها الذين كانت تستأنس بهم في بيتها وبقي من النازلين من فيه منعة وتأمن معهم فالأقرب جواز
الارتحال مع الأهل.
وقال المحقّق الحلّي: «الأشبه جواز النقل؛ دفعاً لضرر الوحشة
بالانفراد »،
بل في كشف اللثام: «وإن بقي معها الزوج».
وذهب المحقق النجفي إلى جواز تنقّل بيتها من مكان إلى مكان للنزهة أو لطلب الماء أو المرعى أو لغير ذلك ممّا يفعله البدو.
ليس للأعرابي صلاة مختلفة عن غيره لكن الفقهاء ذكروا في الصلوات المندوبة صلاةً سمّيت بصلاة الأعرابي، أي سمّيت باسم السائل الذي سأل، وإلّا فهي صلاة مندوبة لجميع المسلمين.ورغم تداول ذكر هذه الصلاة في الصلوات المندوبة في كتب الفقهاء إلّاأنّه ذكر بعض الفقهاء عدم ثبوتها من طرق
الشيعة ،
بل احتاط الشيخ النجفي وقال:«الأحوط ترك هذه الصلاة».
وأصل هذه الصلاة يرجع إلى الرواية التي ذكرها
الشيخ الطوسي في كتاب مصباح المتهجّد وهي كالتالي:
روي عن
زيد بن ثابت قال: أتى رجل من الأعراب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال:بأبي أنت وامّي يا رسول اللَّه! إنّا نكون في هذه البادية بعيداً من المدينة، ولا نقدر أن نأتيك في كلّ جمعة، فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي خبّرتهم به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:«إذا كان
ارتفاع النهار، فصلّ ركعتين، تقرأ في أوّل ركعةٍ الحمد مرّة، وقُل أعوذُ بربّ الفلق سبع مرّات، وتقرأ في الثانية الحمد مرّة، وقُل أعوذُ برب الناس سبع مرّات، فإذا سلّمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرّات، ثمّ قم، فصلّ ثمان ركعات بتسليمتين، واقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة، وإذا جاء نصر اللَّه والفتح مرّة، وقُل هو اللَّه أحد خمساً وعشرين مرّة.فإذا فرغت من صلاتك فقل: سبحان اللَّه ربّ العرش الكريم، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العلي العظيم، سبعين مرّة.فوالذي اصطفاني بالنبوّة، ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلّي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّاأنا ضامن له الجنة، ولا يقوم من مقامه حتى يُغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما».
وهذه الرواية مرسلة حيث لم يذكر لها الشيخ الطوسي سنداً، ولعلّ الفقهاء أدرجوا مضمونها في الصلوات المندوبة، عملًا بقاعدة
التسامح في أدلّة السنن.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۵۲-۶۰.