الجلد في حد الزنا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويجز رأس
البكر مع
الحد، ويغرب عن بلده سنة؛ والبكر من ليس بمحصن، وقيل: الذي أملك ولم يدخل؛ ولا تغريب على المرأة ولا جز؛ والمملوك يجلد خمسين، ذكرا أو أنثى،
محصنا أو غير محصن، ولا جز على أحدهما ولا تغريب.
ويُجَزّ أي يحلق رأس البكر مع
الحدّ وجلد مائة ويُغَرَّب وينفى عن بلده التي جلد فيها كما يستفاد من النصوص سنة بلا خلاف أجده في الجملة، بل عليه الإجماع في
المسالك والغنية؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة النبويّ: «البكر بالبكر: جلد مائة وتغريب عام، والثيّب بالثيّب: جلد مائة ثم
الرجم»
.
والصحيح: «في الشيخ والشيخة: جلد مائة والرجم؛ والبكر والبكرة: جلد مائة ونفي سنة»
.
وليس فيهما ككثير من النصوص ذكر
الجزّ، كما هنا وفي
الشرائع والقواعد والإرشاد والتحرير وعن النهاية والمراسم والوسيلة
والجامع والمقنعة
، بل فيها ذكر الجلد والتغريب خاصّة.
ولعلّه لذا لم يذكره من القدماء جماعة، كالصدوق والعماني والإسكافي والشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة.
ولكن الأوّل أشهر، بل لم ينقل الخلاف فيه كثير؛ للخبرين:
في أحدهما: عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها، فزنى، ما عليه؟ قال: «يجلد الحدّ، ويحلق رأسه، ويفرّق بينه وبين أهله، وينفى سنة»
.
وفي الثاني: فيمن تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال: «يضرب مائة، ويجزّ شعره، وينفى من المصر حولاً، ويفرّق بينه وبين أهله»
.
وظاهر
إطلاق الجزّ فيه وإن شمل جزّ شعر اللحية ونحوها، إلاّ أنّ المتبادر منه جزّ شعر الرأس، فينبغي تقييده به، سيّما مع التصريح به في
الخبر الأوّل، ولذا منع
الأصحاب عن غيره، بل ظاهر المحكيّ عن
المقنعة والمراسم والوسيلة: تخصيصه بشعر الناصية.
قيل:
لأصل البراءة من الزيادة عليها، وزيادة مدخليّة جزّ شعرها خاصّة في الشناعة
.
وهو حسن، لولا ظهور الخبرين في جزّ شعر الرأس بتمامه، مع كونهما المستند في أصل جوازه واختلف الأصحاب في تعريف البكر من هو؟
فقيل: الذي ليس بمحصن مطلقاً، كما في صريح المبسوط والخلاف والسرائر، وظاهر
العماني والإسكافي والحلبي، واختاره أكثر المتأخّرين كما في المسالك
، بل المشهور كما في غيره، وظاهر السرائر وصريح الخلاف كونه مجمعاً عليه بين
الطائفة؛ وهو
الحجّة.
مضافاً إلى النبويّة المتقدّمة، حيث قسّم الزاني فيها قسمين لا ثالث لهما.
وإطلاق الخبر: «إذا زنى الشاب الحدث السن جلد، ونفي سنة من مصره»
فإنّه عامّ، خرج المحصن بالنصّ والإجماع، فيبقى غيره.
وقيل كما عن صريح النهاية والجامع والغنية
والإصباح، وظاهر
المقنع والمقنعة والمراسم والوسيلة
: إنّه الذي أُملك وعقد له أو عليها دواماً ولم يدخل وادّعى في
التحرير عليه الشهرة، واختاره فيه وفي
المختلف، وولده في
الإيضاح،
وأبو العبّاس في
المقتصر؛ للنصوص:
منها الصحيح: «في البكر والبكرة إذا زنيا: جلد مائة، ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد أُملكا ولم يدخل بها»
.
ومنها: «الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى، والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى سنة»
.
وقصور سند الثاني، وتضمّن الأوّل نفي البكرة مع أنّهم لا يقولون به، بل ادّعى في الخلاف
الإجماع على خلافه كما يأتي يمنع عن العمل بهما؛ مع ضعف دلالة الأوّل باحتمال كون التعريف من غير
الإمام (علیهالسّلام).
ولا جابر لهذه القوادح، عدا الشهرة المحكيّة في التحرير، وهي موهونة بعدم المعلوميّة، مع دعوى جماعة
الشهرة على خلافها، ومنهم: شيخنا في المسالك كما عرفته.
ويزيد وهنها رجوع
الشيخ عمّا يوافقها إلى القول الأوّل في كتابيه المبسوط والخلاف، سيّما وأنّ في الثاني ادّعى الإجماع.
فالقول الأوّل لا يخلو عن قوّة، وإن كانت المسألة لا تخلو بَعْدُ عن شبهة؛ ولعلّه لذا أنّ
الفاضل في الإرشاد
والقواعد والفاضل المقداد في
التنقيح والصيمري في
شرح الشرائع ظاهرهم التردّد، حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين، وبه تحصل
الشبهة الدارئة، وبموجبه يتقوّى القول الثاني في المسألة، سيّما وظاهر الغنية أنّ عليه إجماع
الإماميّة.
ولا تغريب على المرأة مطلقا، على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، على الظاهر المصرّح به في المختلف
، بل عليه في صريح
الخلاف والغنية وظاهر المبسوط الإجماع
؛ وهو الحجّة المترجّحة على نحو الصحيحة المتقدّمة بالأصل، والشهرة العظيمة الظاهرة والمحكيّة في كلام جماعة
، وتعدّد النقلة له، والعلل المذكورة في كلام الجماعة من أنّ المرأة
عورة يقصد بها الصيانة ومنعها عن الإتيان بمثل ما فعلت، ولا يؤمن عليها ذلك في الغربة، وغير ذلك.
خلافاً
للعماني، فقال: تغرّب أيضاً
، وربما يحكى عن
الإسكافي.
وهو شاذٌّ وإن دلّ عليه نحو الصحيح المتقدّم؛ لما تقدّم. مضافاً إلى ما قيل عليه من أنّه ليس نصّاً في تغريبها؛ لجواز أن يراد: أنّه (علیهالسّلام) قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة بجلد مائة ونفي سنة إلى غير مصرهما، أي المصر الذي زنيا فيه، وهو ليس صريحاً في تغريبها، فيجوز اختصاصه به
.
وكذا لا جزّ عليها اتّفاقاً في الظاهر المصرّح به في بعض العبائر
؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى
أصالة البراءة هنا، السليمة عن المعارض بالكلّية من
الفتوى والرواية؛ لاختصاص ما دلّ منهما على الجزّ بالرجل دون المرأة.
واعلم أنّ ما مرّ من اختلاف الحدود وثبوتها على الزاني باختلاف أنواعه غير
القتل يختصّ بما إذا كان حرّا.
وأمّا المملوك فالحكم فيه أن يجلد خمسين جلدة مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى، محصناً أو غير محصن شيخاً أو شابّاً، بلا خلاف؛ لقوله سبحانه «فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ»
.
وللنصوص المستفيضة.
منها
الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في العبيد والإماء إذا زنى أحدهم: أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً، ولا يرجم ولا ينفى»
.
ومنها: في الأمة تزني، قال: «تجلد نصف الحدّ، كان لها زوج أو لم يكن لها زوج»
.
ومنها: «إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم، إنّما عليهما الضرب»
.
ولا جزّ على أحدهما أي المملوك والمملوكة ولا تغريب مطلقاً، بلا خلاف فيه بيننا، بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة
وصريح الغنية
والروضة؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى الصحيحة المتقدّمة في نفي النفي ولا قائل بالفرق، وأصالة البراءة؛ مع اختصاص المثبت لهما على البكر من الفتوى والرواية بحكم
التبادر والغلبة بالحرّ دون الرّق؛ مع أنّ في التغريب إضراراً بالسيّد، وأنّه للتشديد والمملوك اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر؛ لأنّه جليب.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۴۸۴-۴۹۰.