السكنى في الوقف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن اللواحق : مسائل تتعلق بـ
السكنى والعمرى والرقبى، والثلاثة ثابتة بالإجماع والسنة المستفيضة الآتية.
(وهي تفتقر إلى
الإيجاب والقبول والقبض) بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة، بل على اعتبار الأخير
الإجماع في ظاهر كلام جماعة،
بل صريح بعضهم.
فلا شبهة ولا خلاف إلاّ في اشتراط القبول في السكنى المطلقة الغير المقيّدة بعمرٍ ولا مدّة، فقيل : يمكن القول بعدم اشتراط القبول فيها؛ لأنّها حينئذٍ بمعنى إباحة السكنى، لجواز الرجوع فيها متى شاء.
ويضعّف بصيرورتها بترك المدّة عقداً جائزاً، وهو لا يمنع من اشتراط القبول فيها كنظائرها.
مع أن ذلك لا يتمّ إلاّ على القول بجوازها من أصلها، فلو قيل به بعد تحقّق مسمّى
الإسكان ولزومه قبله كما عن صريح التذكرة
فلا شبهة في اعتبار القبول فيها؛ لأنها حينئذٍ من العقود اللازمة في الجملة، وإن طرأ عليها الجواز بعد
انقضاء المسمّى. وربما يستفاد من العبارة كغيرها عدم اشتراطها بالقربة، وهو أحد القولين وأظهرهما وأشهرهما في المسألة؛ للأصل، والعمومات السليمة عما يصلح للمعارضة. خلافاً للفاضل في القواعد، فاشترطها.
ولا وجه له، ولذا حمل على إرادته
الاشتراط في حصول الثواب دون الصحة.
(وفائدتهما التسليط على
استيفاء المنفعة تبرّعاً مع بقاء الملك للمالك) بلا خلافٍ فيه عندنا، كما في المسالك،
وهو الحجة.
مضافاً إلى أصالة بقاء الملك، وبعض المعتبرة، كالخبر : عن السكنى والعمرى، فقال : «إن الناس عند شروطهم إن كان شرط حياته، وإن كان شرط لعقبه فهو لعقبه كما شرط» يعني «حتى يفنوا، ثم يردّ إلى صاحب الدار».
ونحوه آخر : «وإن كان جعلها له ولعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوه ولا يورثوا، ثم ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل».
وحكى الخلاف في
المسالك عن بعض العامة، فجعلها على بعض الوجوه مفيدة فائدة
الهبة ، فينتقل ملك العين إلى الساكن.
وحكاه في التنقيح و
الدروس عن ظاهر الشيخ في العمرى إذا جعلت له ولعقبه، فقال : لا يرجع إلى المالك حينئذٍ.
وهو شاذّ، ومستنده غير واضح، عدا ما في الدروس من رواية جابر،
ولم يذكر متنها، ولم يتّضح لي سندها، ومع ذلك محجوج بالأصل، وصريح المعتبرين المتقدمين. ونحوهما في
الإفادة لهذه الفائدة الرقبى المتقدم إليها الإشارة، ولا فرق بينها في هذه الثمرة، وإن اختلف بحسب اختلاف
الإضافة ، فإذا قرنت بالإسكان قيل : سكنى، كأن يقول : أسكنتك هذه الدار ولك سكناه، وبالعمر قيل : عمرى، كقولك : أعمرتك هذه
الأرض عمرك أو عمري، وبالمدة قيل : رقبى، كأن يقول : أرقبتك هذا المتاع مدّة كذا، من
الارتقاب وهو
الانتظار للأمد، أو من رقبة الملك، بمعنى
إعطاء الرقبة للانتفاع بها.
كلّ ذا على المشهور، كما في المسالك والكفاية،
فيكون بين العمرى والرقبى تباين. وفي الغنية وعن الشيخ والقاضي والحلّي
أنهما بمعنى واحد، فالأُولى من العمر، والثانية من الرقوب، كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه، وربما أشعر به العبارة، حيث اقتصر بذكر العمرى خاصّة دون الرقبى، فكأنه جعلهما بمعنى واحد، وإلاّ لذكر الرقبى ولو بالإشارة. وعن الشيخ وتالييه أنه قيل في الرقبى أن يقول : جعلت خدمة هذا
العبد لك.
وعن الأكثر أيضاً أن بين السكنى وكل من العمرى والرقبى عموماً من وجه؛ لاجتماعها مع كلّ منهما فيما لو قرن إباحة المنفعة بالسكنى ومشخّصات إحداهما، كالسكنى مدّة العمر في الأُولى، ومدّة معيّنة في الثانية، وافتراقها عن كلّ منهما باقتران
الإباحة بالسكنى خاصّة، كما قدّمناه من المثال، ويفترقان عنها بتجرّد الإباحة عن الإسكان وتقييدها بالعمر أو المدّة، كما قدّمناه من المثال، وبجريانهما في غير المسكن من سائر الأعيان التي يصحّ وقفها، بخلاف السكنى، لاختصاصها به.
وعن التحرير تخصيص العمرى بما لا يشتمل عقدها على لفظ السكنى، كأن يقول : أعمرتكها مدّة عمرك، والرقبى بما لا يشتمل عليه، بل على المدّة، كأن يقول : أرقبتكها مدّة كذا، فإن ذكر الإسكان فهي سكنى خاصّة مطلقا وإن قرنت بعمر أو مدّة، وحينئذٍ فبينهما بهذا
الاعتبار تباين.
و
الأمر في ذلك سهل؛ لكونها أُموراً اصطلاحيّة ليس فيها مشاحّة.
(وتلزم) السكنى بعد القبض (لو عيّن المدّة) فلا رجوع فيما دونها (وإن مات المالك) بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ والحلبي،
فلا تلزم هي كالعمرى إمّا مطلقاً كما عن الأوّل، أو مع عدم قصد القربة كما عن الثاني، والأوّل أشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، بل صرّح جمع منهم كالمسالك والصيمري وغيرهما
بجهالة القائلين بخلافه، وإنما أفصح عنهما الفاضل المقداد في الشرح.
وكيف كان، فهما
بالإعراض عنهما أجدر، والمصير إلى ما عليه الأكثر أظهر؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالعقود والشروط المستفاد من الكتاب والسنة، عموماً وخصوصاً، ومنه الخبران المتقدمات وغيرهما، كالصحيح : عن رجل جعل داره سكنى لرجل إبّان حياته ولعقبه من بعده، قال : «هي له ولعقبه من بعده كما شرط» قلت : فإن احتاج إلى بيعها يبيعها؟ قال : «نعم» قلت : فينقض بيعه الدار السكنى؟ قال : «لا ينقض البيع السكنى»
الخبر.
وفيه دلالة من وجه آخر أظهر، كالموثق : عن رجل أسكن رجلاً داره في حياته، قال : «يجوز له، وليس له أن يخرجه» قلت : فله ولعقبه؟ قال : «يجوز»
الحديث.
(وكذا) تلزم (لو قال له :) أسكنتك (عمرك، لم تبطل بموت المالك و) إنما (تبطل بموت الساكن) خاصّة عند الأكثر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعين ما مرّ. خلافاً للإسكافي، فقال : إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلى قيمة الدار فإن كانت تحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم إخراجه، وإن كان ينقص عنها كان ذلك لهم.
واستند فيه إلى بعض النصوص
القاصرة السند بالجهالة أو الضعف، والمتن بالخلل، ومخالفة
الأصل ، وبعض النصوص المتقدمة كثاني الخبرين المتقدمين في صدر البحث،
بملاحظة صدره الذي تركنا ذكره من قوله : «إن جعل السكنى في حياته فهو كما شرط» فإن الظاهر رجوع الضمير إلى الساكن بقرينة ما ذكرناه من التّتمة، فقد حكم عليه السلام بلزوم الشرط من دون تفصيل بين موت المالك وعدمه، فإذاً المذهب الأوّل. إلاّ أن يكون الإسكان موصى به أو منجّزاً وكان في مرض موته، فتعتبر
المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار.
(ولو قال :) أسكنتك عمري، وإليه أشار بقوله : (حياة المالك، لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما كان له) من الحق (إلى ورثته) بلا خلاف، كما في المسالك وغيره؛
وهو الحجة. مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الحكم الأوّل، وأنه حقّ كسائر الحقوق المنتقلة إلى الورثة بالاتّفاق بحسب الفتوى والرواية في الحكم الثاني.
ثم إن هذه الأحكام في العبارة وإن اختصّت بالسكنى المختصّة بالدار ونحوه، إلاّ أن مقتضى الأُصول المتقدمة انسحابها في كلّ رقبى وعمرى وإن كانت بغير متعلق السكنى متعلقة، كالمتاع وشبهه. واعلم أن مورد العبارة والرواية مختصّ بجعل الغاية عمر المالك أو المعمَر، ويضاف إلى ذلك عقب المعمَر، كما في الثانية.
وهل يجوز التعليق بعمر غيرهما؟ قال الشهيد : نعم؛
للأصل، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود، وأن
المسلمين عند شروطهم، ولصدق
اسم العمرى المدلول على شرعيّتها في بعض النصوص من غير تقييد بعمر أحدهما.
ويحتمل قوياً العدم؛ لاشتمال العقد على الجهالة من حيث عدم العلم بغاية وقت المنفعة المستحقّة، فلا يجدي التمسّك بالأصل والعمومين؛ لاختصاصهما بما لا يشتمل عليها، و
الإطلاق بحيث يشمل المقام ممنوع بعد قوّة
احتمال انصرافه بحكم التبادر إلى العمرى المقيّدة بعمر أحدهما.
ولكن الأجود الأول؛ التفاتاً إلى عدم تعقّل الفرق بوجه، فيبعد، مع تضمّن بعض الأخبار السابقة الحاكمة باللزوم لما هو كالتعليل له من قوله : «له شرطه» وأن «المؤمنين عند شروطهم» ويظهر منه غاية الظهور أن الحكم باللزوم إنما هو من حيث لزوم الوفاء بالشروط، وهو متحقّق في المفروض.
(وإن أطلق) السكنى (ولم يعيّن) المالك لها (مدّة) معلومة (ولا عمراً) أصلاً صحّ السكنى بلا خلاف، كما قيل،
ولكن لا يلزم، بل (يتخيّر المالك في إخراجه مطلقا) أي متى شاء، بلا خلاف؛ للمعتبرين، أحدهما الصحيح : عن رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقّت، قال : «جائز ويخرجه إذا شاء»
ونحوه الثاني الموثق.
وليس فيهما كالعبارة لزوم الإسكان ولو في الجملة كيوم ونحوه مما يسمّى إسكاناً في العرف والعادة، ولا عدمه، بل هما بالإضافة إليها مطلقان. وفي المسالك عن الأكثر عدمه،
وأنها من العقود الجائزة، فله الرجوع متى شاء ولو قبل
الإسكان بالكلّية. ويمكن أن ينزّل عليه العبارة، بل الرواية، بجعل متعلّق
الإخراج هو الإسكان المتعلّق به العقد دون الدار.
خلافاً للتذكرة والمحقق الثاني،
فحكما به، ونفى عنه البعد في الكفاية،
واستدل لهم تارةً بالرواية، وقد عرفت ما فيها من المناقشة وضعف الدلالة، وأُخرى بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود والشروط، وهو حسن إن لم يكن في الإسكان المطلق الغير المقيّد بمدّة جهالة، وإن كان كما هو الظاهر فسدت الحجّة؛ لاختصاصها بما لا يتضمّن الجهالة، كما مرّ إليه
الإشارة . ومقتضى ذلك وإن كان فساد السكنى بالكلّية، إلاّ أن دعوى عدم الخلاف في الصحّة المؤيّدة باتّفاقهم عليها في الظاهر أوجبت الحكم بها، ولا يلزم منه
إيجاب اللزوم مطلقا ولو في الجملة، فتأمّل.
ثم مقتضى هذه القاعدة فساد العمرى وكذا الرقبى لو خلتا عن ذكر العمر والمدّة، كما لو اقّتتا بعمر مجهول أو مدّة مجهولة، وفاقاً للدروس والمسالك في الأُولى.
خلافاً للثاني في الثانية، والتحرير فيهما؛
لوجوه مدخولة.
(و) كيف كان (لو مات المالك والحال هذه) يعني تكون السكنى غير لازمة (كان المسكن ميراثاً لورثته) أي المالك (وبطلت السكنى) بالمرّة، بلا خلاف في الظاهر ولا إشكال، فإن ذلك مقتضى العقود الجائزة، وأولى منه بالحكمين ما لو كانت السكنى أو العمرى أو الرقبى من أصلها فاسدة.
(و) إطلاق السكنى بأقسامها الثلاثة حيث تتعلّق بالمسكن يقتضي أن (يُسكِن الساكن معه مَن جرت العادة) أي عادة الساكن (به) أي بإسكانه معه (كالولد والزوجة والخادم) والضيف والدابّة إن كان في المسكن موضع معدّ لمثلها، وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة والغلّة بحسب حالها، بلا خلاف، إلاّ من ظاهر النهاية والقاضي وابن زهرة،
حيث اقتصروا على ذكر الولد وأهله، ولعلّ مرادهم منه التمثيل خاصّة، كما فهمه متأخّرو الأصحاب كافّة، ولذا لم ينقلوا عنهم الخلاف في جواز إسكان ما عدا من ذكروه.
(وليس له أن يسكن غيره) ممن لم يحكم العرف بإسكانه معه، ولا
الإجارة وغيرها من التصرفات الناقلة حتّى للمنفعة (إلاّ بإذن المالك) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم
الاقتصار في ملك الغير على ما يقتضيه
الإذن والرخصة على المتيقن، وليس إلاّ إسكان من قدّمناه خاصّة، بل لولا العادة لكان اللازم عليه الإسكان بنفسه دون غيره، فإن ذلك مقتضى «أسكنتك» لغةً، لكن جاز التعدّي إلى من ذكر قضيّةً لها، مضافاً إلى
الاتّفاق عليه فتوًى كما مضى.
خلافاً للحلّي،
فجوّز له إسكان من شاء وإجارته ونقله كيف شاء؛ محتجّاً بأنه ملّكه المنفعة بعقد لازم، فيجوز له التصرف فيها مطلقا، كما لو تملّكها بالإجارة، وكغيرها من أمواله. وهو شاذّ، ومستنده كما ترى ضعيف.
(ولو باع مالك الأصل) المسكن (لم تبطل السكنى إن وقّتت بأمدٍ أو عمر) بلا خلاف؛ للصحيح : «لا ينقض
البيع السكنى، ولكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط».
وصريحه كالإسكافي والشهيدين وغيرهما،
وظاهر العبارة هنا وفي
الشرائع وغيره
صحّة البيع، ولعلّها مختار الأكثر، وهو أظهر؛ لصراحة الخبر المعتبر. مضافاً إلى الأصل، والعمومات الآمرة بالوفاء من الكتاب والسنّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة.
خلافاً للفاضل في الموقّتة بالعمر، فاستشكل في الصحّة فيها في
المختلف والتذكرة والقواعد،
وقطع بعدمها في التحرير؛
التفاتاً منه إلى أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة، ولذا لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه، وزمان
استحقاق المنفعة في العمرى مجهول، وقد منع الأصحاب من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء، لجهالة وقت الانتفاع به، فهنا أولى، لإمكان
استثناء الزوج مدّة يقطع بعدم زيادة المدّة عليها، بخلاف المتنازع. وهو مع أنه
اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر مضعّف بما لا يسع ذكره المقام.
وأما الأولويّة المدّعاة في بيع المسكن المطلّقة باستثناء قدر يقطع بانقضاء العدة قبله فمثله آتٍ في العمرى ؛ نظراً إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش المُعمرَ بعده قطعاً أو عادةً ، ومن ثمّ يحكم بموت المفقود حينئذٍ ، ويقسّم ماله ، وتعتدّ زوجته عدّة الوفاة اتّفاقاً. نعم ، لو أُقّتت بعمر المُعمَر وعقبه على الإطلاق اتّجه ما ذكره ، لكن عبارته بتحقّق
الأولويّة مطلقة شاملة لما إذا أُقّتت السكنى بعمر المعمر أو بعض من عقبه خاصّة ، فيتّجه حينئذٍ ما ذكرناه من المناقشة ، هذا.
ويمكن أن يقال : إن الجهالة المانعة عن صحّة البيع إنما هي إذا كانت في نفس المبيع دون منفعته ، وهي هنا لمعلوميّة المبيع منتفية ، وفتوى الأصحاب بالمنع عن بيع دار المطلّقة المزبورة لا حجّة فيها على المنع في المسألة ، إمّا لاختصاصها بالمنع ثمّة دون المسألة ، أو لعدم بلوغها درجة
الإجماع فلا تكون من أصلها معتبرة ، وعلى هذا ينسحب القول بالصحّة في تلك المسألة. فهذا القول ضعيف غايته ، كالقول بالفرق بين بيعه على المعمَر فالأوّل ، وغيره فالثاني ؛ نظراً إلى استحقاق المعمَر المنفعة
ابتداءً و
استمراراً فتغتفر الجهالة. فإن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه هذا الفائت منها زمن العمر المجهول بطل مطلقاً ، وإلاّ صحّ كذلك ؛ لاختلاف الاستحقاقين ، ولا يبني أحدهما على الآخر.
نعم ، ربما يتوجه ما ذكره العلاّمة في العمرى المؤبّدة المقيّدة بعمر المعمَر وعقبه؛ لكون المبيع حينئذٍ مسلوب المنفعة فيُعدّ شراؤه سفاهة، فيبطل من هذه الجهة. لكن يدفعه إطلاق الرواية، بل عمومها الناشئ من ترك
الاستفصال كما يستفاد من صدرها. ومع ذلك مقتضاه
اختصاص البطلان بصورة لم يتصوّر فيها للعين منفعة مقصودة للعقلاء غير ما وقع عليه عقد العمرى، كالدور وشبهها. وأمّا ما يتصوّر فيه تلك المنفعة كالعبد والأمة فيحتمل فيهما الصحة؛ لعدم
استلزام أعمارها فساد البيع من جهة سلب المنفعة، لوجود منفعة أُخرى غير المستحقّة، وهي عتقهما ونحوه، وأمثالها للعقلاء مقصودة.
ثم المشتري حيث صحّ البيع إن كان عالماً بالحال فلا خيار له ووجب عليه الصبر، وإلاّ تخيّر بين الفسخ والصبر، وهو إجماع، كما في التنقيح؛
وهو الحجة، مضافاً إلى أن فوات المنفعة عيب مجوّز للفسخ، لكونه ضرراً منفياً اتّفاقاً فتوًى وروايةً.
واحترز بالشرطية في العبارة عن السكنى المطلقة، فإنها تبطل بالبيع لكونها كما عرفت من العقود الجائزة، إلاّ إذا قلنا بلزومها في الجملة، فتبطل بالبيع إن كان بعد مضيّ زمان استيفاء مسمّى الإسكان خاصة، ونحوها العمرى والرقبى حيث لم توقّتا بعمرٍ ولا مدّةٍ وقلنا بالصحة، وإلاّ كانتا باطلتين من أصلهما.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۸۱- ۱۹۳.