الضوال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي كل حيوان مملوك ضائع؛ وأخذه في صورة الجواز
مكروه؛ ومع تحقق التلف
مستحب؛ فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة؛ ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ؛ والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي
رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها؛ وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من
بيت المال؛ وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال
الشيخ في [[|النهاية]]: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.
جمع ضالّة؛ وهي: كلّ حيوان مملوك ضائع أُخذ ولا يد محترمة عليه. احتُرِز بالمملوك عن نحو
الخنزير والكلب العقور، وبالضائع عمّا يوجد وعليه يد المالك، وبلا يد عليه عن الحيوان الضائع عن مالكه وهو بيد الملتقط.
وأخذه في صورة الجواز الآتية مكروه كما هو من مذهبهم معروف.
قيل
: للنصوص، منها النبوي: «لا يأوي الضالّ إلاّ الضالّ»
والخبران: «الضوالّ لا يأكلها إلاّ الضالّون»
وزيد في أحدهما: «إذا لم يعرّفوها»
.
وفي الاستدلال بهما نظر؛ لورودهما في الأكل دون مجرّد الأخذ الذي هو محلّ البحث، فلا دلالة فيه على المنع عنه. وربما كان في الثاني من جهة الزيادة إشعار بل ظهور في اختصاص المنع بالأوّل دون الثاني، فتدبّر.
ولكن الأمر في ذلك سهل لأنّ في فتاوى الأصحاب والخبر الأوّل كفاية وإن ضعف
السند، ولم يبلغ
الفتوى درجة
الإجماع؛ لجواز التسامح في أمثال المقام.
واستثنوا من ذلك الأخذ مع تحقّق التلف فقالوا: إنّه جائز، بل مستحبّ صيانةً للمال المحترم عنه، مع انتفاء الفائدة للمالك على تقدير تركها، قيل: بل قد يجب كفايةً إذا عرف مالكها
.
وحيث قد دلّت فحوى العبارة على اختلاف حكم التقاط الضالّة حرمةً وحلاًّ أراد بيان كلّ من الصورتين، وأشار إلى الأُولى بقوله: فالبعير لا يؤخذ إذا وُجِد في كلأ وماء، أو كان صحيحاً، إجماعاً كما يأتي.
والصحاح به مع ذلك مستفيضة، في اثنين منها: «إنّي وجدت شاة، فقال
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، فقال: يا رسول الله إنّي وجدت بعيراً، فقال: معه حذاؤه وسقاؤه، حذاؤه خفّه، وسقاؤه كرشه»
. وفي ثالث: «عن الشاة الضالّة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: وما أُحبّ أن أمسّها، وسئل عن البعير الضالّ، فقال للسائل: مالك وله، خفّه حذاؤه إلى أن قال خلّ عنه»
ونحوها مفهوم الرابع الآتي، هذا.
مضافاً إلى
الأصل الدالّ على عدم جواز إثبات اليد على مال الغير من دون
الإذن أو السبب المرخّص فيه، وليسا في محل الفرض؛ لعدم المعرفة بالصاحب، وأنّ البعير مصون عن السباع بامتناعه مستغنٍ بالرعي.
فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتّى يجده، والغالب أنّ من أضلّ شيئاً يطلبه حيث يضعه، فإذا أخذه غيره ضاع عنه، وعليه نبّه في بعض
النصوص.
ولو أخذه في هذه الصورة ضمنه الآخذ لأنّه غاصب، فلا يبرأ إلاّ بردّه إلى المالك، أو الحاكم مع فقده، لا بالإرسال، ولا بردّه إلى المكان الأوّل. قيل: إلاّ إذا أخذها ليردّها إلى المالك
.
وفي رواية: «الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق، قال: هو
ضامن، فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً فنفقت فلا
ضمان عليه»
.
وفي
الصحيح: «من وجد ضالّة ولم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها، أو مثلها من مال الذي كتمها»
.
وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار، بلا خلاف في الأوّل أجده. وجعله المعروف من مذهب
الأصحاب في
الكفاية؛ للأصل المتقدّم.
مضافاً إلى خصوص الخبرين، في أحدهما: «إنّ
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) قضى في رجل ترك دابّة من جهد، قال: إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له، يأخذها حيث أصابها، وإن كان ترك في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ، فهي لمن أصابها»
.
وفي الثاني: «إنّه (علیهالسّلام) كان يقول في الدابّة إذا سرحها أهلها، أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها» قال: «وقضى
علي (علیهالسّلام) في رجل ترك دابّة، فقال: إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له، يأخذها متى شاء، وإن تركها في غير كلأ وماء، فهي للذي أحياها»
.
وعلى مذهب
الخلاف والسرائر في الأخيرين، ووافقه الماتن في
الشرائع لكن بعد التردّد. وفي المسالك
استجود إلحاق الأوّل منهما، دون الثاني. واستقرب عدم الإلحاق فيهما في الكفاية قال: وقوفاً في النهي على مورد النص
.
وفيه نظر؛ التفاتاً إلى ما يستفاد من النصوص من أنّ وجه الحكمة في جواز التقاط البعير والدابّة وعدمه، إنّما هو الأمن من تلفه بامتناعه من صغار السباع وعدمه؛ مضافاً إلى ظهور اتّفاق الفتاوى عليه في المقامين؛ مع أنّ المنع عن التقاطهما هو الأوفق بالأصل المتقدّم.
فالأجود الإلحاق فيهما، سيّما مع عموم الصحيح الآتي بناءً على أنّ المراد من المال فيه خصوص الحيوان الضالّ، كما يشهد له سياقه، وصرّح به بعض الأصحاب
.
ويجوز أن يؤخذ البعير وما في حكمه لو تركه صاحبه من جهد وعطب لمرض أو كسر أو غيرهما في غير كلأ ولا ماء، ويملكه الآخذ حينئذٍ على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ للصحيح: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من
الأرض، قد كلّت وقامت، وسيّبها صاحبها لما لم تتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال ومن
الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنّما هي مثل الشيء
المباح»
. مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في الدابّة.
خلافاً
لابن حمزة فلم يجوّز الأخذ أيضاً في هذه الصورة؛ التفاتاً منه إلى إطلاق المنع عنه في الصحاح المتقدّمة. ويضعّف بلزوم تقييده بهذه النصوص المعتبرة. وظاهرها كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة، وصريح آخرين اشتراط الأمرين من الترك من جهد وفي غير كلأ وماء معاً، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلأ وماء، أو من غير جهد في غيرهما، أو انتفى كلّ منهما بأن ترك من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ. وعليه الإجماع في ظاهر
التنقيح وصريح
الصيمري.
وربما يستفاد من بعض متأخّري المتأخّرين
ما يعرب عن كفاية أحدهما. ولا ريب في ضعفه، مع عدم وضوح مستنده.
وهل الفلاة المشتملة على كلأ دون ماءٍ أو بالعكس بحكم عادمتهما، أو بحكم مشتملتهما؟ قولان، صريح التنقيح: الثاني
، وصريح شيخنا
الشهيد الثاني: الأوّل، قال: لعدم قوام الحيوان بدونهما، ولظاهر قول أمير المؤمنين (علیهالسّلام) إنّه إن تركها في غير كلأ ولا ماء، فهي للذي أحياها
. وهذا أقوى.
والشاة إن وجدت في الفلاة التي يخاف عليها فيها من السباع أخذها الواجد جوازاً، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في
المسالك وغيره
، بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري وعن
التذكرة؛ وهو
الحجّة.
مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة، ولأنّها لا تمنع من صغير السباع فتكون كالتالفة، لا فائدة للمالك في تركها له. ويتخيّر الآخذ بين حفظها لمالكها، ودفعها إلى الحاكم. ولا ضمان فيهما إجماعاً كما في
شرح الشرائع للصيمري والمسالك
؛ للأصل، وانتفاء الموجب للضمان في الصورتين، نظراً إلى الرخصة في الأخذ فيكون أميناً في الحفظ، والدفع إلى الحاكم الذي هو بحكم المالك، لأنّه ولي الغيّب؛ وبين أن يتملّكها، بلا خلاف.
وهل يضمنها حينئذٍ كما عن الأكثر مطلقاً أو مع ظهور المالك، أم لا؟ قولان، تردّد بينهما في الشرائع
من أنّها مال الغير، ولم يوجد دليل ناقل عن حكم ضمانه، وإنّما المتّفق عليه جواز تصرّفه فيها، ولعموم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» وعموم
الخبر: «من وجد شيئاً فهو له، فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه»
.
ومن ظاهر اللاّم في قوله (علیهالسّلام): «هي لك» في تلك الصحاح، وإطلاق الصحيحة الأخيرة منها الصريحة في الملك بالأخذ، وبه تخصّ العمومات المتقدّمة، مع قصور الرواية الأخيرة منها سنداً، بل ودلالةً.
وأمّا ما يقال من احتمال اللاّم الاختصاص الغير المنافي للضمان، واختصاص الصحيحة الأخيرة بحيوان سيّبه صاحبه فلم تعمّ صور المسألة. فمحلّ مناقشة؛ لمنافاة الاحتمال الظاهر المتبادر منها عند
الإطلاق، واندفاع الاختصاص بعدم القول بالفرق بين الأصحاب. ومع ذلك فلا ريب أنّ الضمان
أحوط، بل وأظهر؛ للصحيح المرويّ عن
قرب الإسناد: عن رجل أصاب شاة في الصحراء، هل تحلّ له؟ قال: «قال رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): هي لك، أو لأخيك، أو للذئب فخذها، وعرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه»
.
لكن سيأتي في الصحيح: «إنّ من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها»
الحديث. ويستفاد من مفهومه خروجه عن ملك المالك بالتعريف.
وهل له التملّك قبل التعريف سنة؟ قيل: لا؛
للاستصحاب، وعموم الأمر بالتعريف في اللقطات
. وقوّى جماعة
العدم(المراد عدم توقّف التملك على التعريف، والعبارة غير ملائمة للسياق، والأنسب: الجواز.)؛ لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به، مع ورودها في مقام بيان الحاجة، وبه يخصّ عموم الأمر المتقدّم مع الاستصحاب، مع أنّه لا عموم له، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم
التبادر وسياق جلّ من النصوص المشتملة عليه إلاّ إلى
لقطة الأموال غير الضوالّ.
والأوّل أحوط، بل لعلّه أظهر؛ للصحيح المتقدّم الصريح في ذلك المعتضد بإطلاق الصحيح الآخر، بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال: عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّة، كيف يصنع؟ قال: «يعرّفها سنة، فإن لم يعرّف حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها، فيعطيها إيّاه، وإن مات أوصى بها، وهو لها ضامن»
فتأمّل.
والصحيح: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها» والخبر: «الضوالّ لا يأكلها إلاّ الضالّون إذا لم يعرّفوها»
.
وفي رواية ضعيفة
أنّ واجد الشاة يحبسها عنده ثلاثة أيّام، فإن جاء صاحبها، وإلاّ تصدّق بثمنها عن صاحبها. وقد حملها
الأصحاب على ما إذا أُخذت من العمران، والمساكن المأهولة، وما هو قريب منها بحيث لا يخاف عليها من السباع.
وظاهرهم الإطباق على العمل بها حينئذٍ، ولكن اختلفوا في جواز الأخذ فيه، فعن المبسوط أنّه جوّز فيه وفيما كان متّصلاً به نصف فرسخ أخذ الحيوان ممتنعاً أو لا، ويتخيّر الآخذ بين
الإنفاق تطوّعاً، أو الدفع إلى الحاكم، وليس له أكله
.
والمشهور كما في التنقيح
، وعن التذكرة عدم الخلاف فيه
المنع إلاّ مع خوف التلف أو النهب، فيجوز أخذه حينئذٍ حفظاً لمالكه على وجه الحسبة. وفي
الدروس عن الفاضل الموافقة لهم إلاّ في الشاة، قال: ومنع الفاضل من أخذ ما في العمران عدا الشاة إلاّ أنْ يخاف عليه النهب أو التلف
.
ووجهه كوجه ما في
المبسوط غير واضح، مع أنّ الأصل عدم جواز الأخذ والتصرّف في ملك الغير بدون إذن من
الشرع، كما هو مفروض البحث. فإذا الأظهر قول الأكثر.
ويجب أن ينفق الواجد على الضالّة إن لم يتّفق سلطان ينفق عليها من
بيت المال أو يأمره بالإنفاق؛ حفظاً لنفسها المحترمة عن الهلكة، ولا يرجع بالنفقة على المالك حيثما لم يجز له أخذها قطعاً؛ لعدم الإذن له في الأخذ ولا الإنفاق وإن وجب عليه من باب الحفظ.
وهل يرجع بها على المالك حيثما جاز له الأخذ مع
نيّة الرجوع؟ قولان، الأشبه نعم وعليه الأكثر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ في بحث
الإنفاق على اللقيط، خلافاً لمن سبق ثمة. ودليله مع جوابه يعلم من هناك.
ولو كان للضالّة نفع كالظهر والركوب أو اللبن جاز الانتفاع به في مقابلة الإنفاق، بلا خلاف كما يفهم من
الروضة. ويعضده الصحيح الوارد في تجويز استخدام اللقيطة في مقابلة
النفقة.
وفي كيفيّة الاحتساب بالمنفعة مكان النفقة قولان، قال
الشيخ في
النهاية : كان ما استوفاه من المنافع بإزاء ما أنفق عليها. وحجّته هنا غير واضحة عدا ما ذكره جماعة من الحوالة على ما ورد في
الرهن من الرواية
.
ويضعّف زيادة على ما أوردنا عليها ثمّة من ضعف
السند، وقصور الدلالة والمخالفة للقواعد الشرعية بأنّه
قياس فاسد في
الشريعة، مع أنّ الرواية الدالّة على ذلك ثمّة مشترطة للرهينة، فإنّه «قال (علیهالسّلام): الظهر يركب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب نفقته، والدرُّ يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يشرب نفقته»
.
ومن هنا ينقدح أنّ الوجه في المسألة ما اخترناه ثمّة من لزوم التقاص بالنفقة، ورجوع كلّ ذي فضل بفضله؛ لأنّ لكل منهما حقاً عند الآخر فيتقاصّان كسائر الحقوق.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۱۵۵-۱۶۵.