الفقه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الفقه هو
العلم بكل ما جاء به
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالى في
الدين والفقه بهذا المعنى أعم من أن يكون من
الأخلاقيات أو علوم
القرآن أو علم
العرفان وغيرها من العلوم ولكن طوال القرون المتمادية اختص الفقه
بالأحكام الشرعية.
الفقه في اللغة فسّر بعدّة تفاسير:
هو العلم بالشيء والفهم له. وهو المعروف لدى اللغويين،
قال تعالى: (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ).
فهم الشيء الدقيق، قال تعالى: (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)،
فلا يقال: فقهت أنّ السماء فوقنا، واختار ذلك
أبو إسحاق المروزي .
وقال
القرافي : «وهذا أولى؛ ولهذا خصّصوا
اسم الفقه بالعلوم النظرية، فيشترط كونه في مظنّة الخفاء، فلا يحسن أن يقال: فقهت أنّ الاثنين أكثر من الواحد. ومن ثمّ لم يسمّ العالم بما هو من ضروريات الأحكام الشرعية فقيهاً».
فهم غرض المتكلّم من كلامه، سواء أ كان الغرض واضحاً أم خفيّاً، واختاره
الرازي .
والظاهر أنّ أصح هذه الأقوال هو الأوّل. ثمّ إنّ
الأصل فيه الشقّ، قال
الهروي : «الفقه حقيقته الشقّ والفتح، والفقيه الذي يشتقّ الكلام»، وقال
ابن الأثير : «الفقه في الأصل الفهم، واشتقاقه من الشق والفتح».
وأمّا الفقه في اصطلاح الفقهاء:
فقد اطلق الفقه أوّلًا على ما يرادف لفظ الشرع فكان علم الفقه هو العلم بكل ما جاء من قبل اللَّه سبحانه وتعالى في الدين سواء ما يتعلق باصول الدين أو الأخلاق أو أفعال الجوارح أو
معرفة النفس أو
القرآن وعلومه، وهو الذي أوجبته الآية الشريفة: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ...)
وقد سمّي بالفقه الأكبر،
إلّا انّه بالتدريج قد دخله تخصيص كثير فاستبعد علم العقائد وجعل علماً مستقلًاّ برأسه مسمّى بعلم التوحيد أو
علم الكلام ، واستبعد
علم الأخلاق ومعرفة النفس والسلوك وسمّي بعلم الأخلاق وعلم العرفان والسلوك، واستبعد ما يتعلّق بالقرآن الكريم فسمّي بعلم التفسير وعلوم القرآن، واستبعد ما يتعلّق باصول الفقه فجعل علماً مستقلًاّ يبحث عن منهج
الاستدلال الفقهي أو الأدلّة المشتركة في الفقه.
فاختص تعريف الفقه الاصطلاحي بالعلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيليّة.
والمقصود من الفرعية الأحكام المتعلقة بأفعال المكلّفين وتروكهم- فيخرج اصول الدين واصول الفقه- سواء كانت تكليفية كالوجوب والحرمة أو وضعية كالملكية والطهارة وسواء كانت متعلقة بالفرد في سلوكه الشخصي أو بالاسرة والعائلة أو بالمجتمع والدولة والسلوك العام. والمقصود بكونها عن أدلّة تفصيلية
إخراج الفقه التقليدي أي علم المقلِّد بفتاوى مقلَّده، فانّه ليس من الفقه الاصطلاحي، فيختص علم الفقه بالاجتهادي كما يختص عنوان
الفقيه بالمجتهد دون المقلِّد.
مصدر وزان
افتعال من الجهد، أي قبول الجهد. وهو إمّا أن يكون مأخوذاً من (الجُهْد) بمعنى الوسع والطاقة.
وإمّا أن يكون مأخوذاً من (الجَهْد) بمعنى المشقّة والغاية.
وقال ابن دريد: «الجَهْد والجُهد: لغتان فصيحتان، بمعنى واحد».
وعلى أي تقدير فالاجتهاد هو
بذل الوسع والطاقة للقيام بعمل ما، سواء أخذناه من الجُهد أو الجَهْد؛ لأنّ بذل الطاقة لا يخلو عن مشقة، وهما أمران متلازمان.
وأمّا الاجتهاد في الاصطلاح فيطلق بأحد معنيين:
۱- اجتهاد الرأي، بمعنى انّ الفقيه عند ما لا يجد نصّاً من الكتاب والسنة يرجع إلى اجتهاده الشخصي من
قياس أو استحسان أو مصالح مرسلة أو ترجيحات عقلية ولو كانت ظنية.
وهذا هو مصطلح
الاجتهاد في فقه الجمهور.
۲- استخراج الأحكام من أدلّة الشرع،
وهذا هو مصطلح الاجتهاد في فقه الامامية.
وبين المعنيين فروق جوهرية من وجوه:
انّ المجتهد بالمعنى الأوّل يعمل رأيه الشخصي في استنباط الحكم على أساس مصلحة يستحسنها، أو تشابه بين أمرين في نظره يقيس أحدهما بالآخر أو نحو ذلك، بينما المجتهد بالمعنى الثاني لا يرجع إلى رأيه وذوقه الشخصي في الحكم وإنّما يبذل جهده في تطبيق الأدلّة والنصوص الشرعية على الحكم على أساس ضوابط الدلالة اللغوية أو العقلية الموضوعية والعامة.
انّ الاجتهاد بالمعنى الأوّل يعتبر بنفسه مصدراً من مصادر
الاستنباط كالكتاب والسنة غاية الأمر انّه يرجع إليه عند فقد الكتاب والسنة، فيكون
إعمال الرأي بمعنى القياس أو
الاستحسان أو المصالح المرسلة أحد الأدلّة على الحكم الشرعي. بينما الاجتهاد بالمعنى الثاني ليس دليلًا على الحكم بل الدليل منحصر في النصوص الشرعية والمجتهد يعمل نظره في تطبيق تلك الأدلّة وتشخيصها، فليس الاجتهاد بهذا المعنى إلّا نفس عملية الاستنباط والفحص عن الأدلّة الشرعية، وإنّما سمّي ذلك اجتهاداً لما فيه من بذل الجهد والطاقة سيما فيما يرجع إلى التفريعات غير المنصوص عليها وتتبع الأدلّة وتوثيقها وتصنيفها وتحديد مراتبها ومقدمها ومؤخرها وعامّها وخاصّها ونحو ذلك مما تستبطنه عملية
استخراج الحكم من الأدلّة الشرعية، فإنّ هذه العمليات تقتضي جهوداً علميةً فائقة.
انّ الاجتهاد بالمعنى الأوّل-
اجتهاد الرأي - يتضمن اعترافاً بقصور النصوص الشرعية وعدم وفائها باستيعاب كل المسائل والتفريعات خصوصاً الفروع التقديرية أو المستجدة- الفقه التقديري- من هنا كان لا بدّ من
إضافة دليل آخر يستند إليه لاستخراج الحكم في تلك المسائل، وقد ساعد على هذا
الأمر الاتجاه الذي حصل بعد وفاة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونادى به الخليفة الثاني من
الاقتصار على الكتاب الكريم والمنع عن التحديث بالسنة النبوية وإعمال اجتهاد الرأي في الحوادث الواقعة، وكان يأمر عمّاله وولاته في الأقطار أن يرجعوا إلى اجتهاداتهم ولا يبحثوا عن السنن، حتى انّه كتب إلى بعض عمّاله «من كان عنده شيء من ذلك فليمحه».
وقد توسّع بعض أصحاب الرأي في قبول الاجتهاد حتى في مقابل النصّ ومع وجوده، فقام بتأويل النص وطرحه، لعدم مطابقته مع ما يُدركه بحسب مذاقه الشخصي من مصلحة أو مضرّة أو أي ملاك آخر. وقد ساعد على هذا التوسّع أيضاً ما وقع من بعض الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاجتهادات في مقابل بعض النصوص النبوية.
وقد بلغ سلوك طريق اجتهاد الرأي عند جملة من فقهاء مدرسة الرأي حداً من التعسّف بحيث انتهى إلى القول بالتصويب وانّ آراء المجتهدين وظنونهم المختلفة في المسألة الواحدة يمكن أن تكون جميعاً مصيبة ومطابقة للواقع وانّ كل ما أدّى إليه ظن المجتهد هو حكم اللَّه الواقعي في حقّه وحقّ مقلّديه.
وهذا بحسب الحقيقة يؤدّي إلى تفريغ الشريعة عن واقعها الموضوعي واتهامها بالنقص ثبوتاً لا إثباتاً فحسب.
يقول
الشهيد الصدر في كتابه
المعالم الجديدة بهذا الصدد: «وتطوّرت هذه الفكرة وتفاقم خطرها بالتدريج؛ إذ انتقلت الفكرة من اتهام القرآن والسنة- أي البيان الشرعي- بالنقص وعدم الدلالة على الحكم في كثير من القضايا إلى اتّهام نفس الشريعة بالنقص وعدم استيعابها لمختلف شئون الحياة، فلم تعد المسألة مسألة نقصان في البيان والتوضيح، بل في التشريع الالهي بالذات.
ودليلهم على النقص المزعوم في الشريعة هو انها لم تشرع لتبقى في ضمير الغيب محجوبة عن المسلمين وإنّما شرعت وبينت عن طريق الكتاب والسنة لكي يعمل بها وتصبح منهاجاً للُامّة في حياتها، ولما كانت نصوص الكتاب والسنة- في رأي هؤلاء- لا تشتمل على أحكام كثير من القضايا والمسائل، فيدل ذلك على نقص الشريعة وانّ اللَّه لم يشرع في
الإسلام إلّا أحكاماً معدودة وهي الأحكام التي جاء بيانها في الكتاب والسنة، وترك التشريع في سائر المجالات الاخرى إلى الناس أو إلى الفقهاء من الناس- بتعبير أخصّ- ليشرّعوا الأحكام على أساس الاجتهاد والاستحسان على شرط أن لا يعارضوا في تشريعهم تلك الأحكام الشرعية المحدودة المشرّعة في الكتاب والسنة النبوية».
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۱۷- ۷۷.