البدنة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
الناقة أو
البقرة التي تهدى إلى
بيت الله في
الحج سميت بدنة
لسمنها .
البَدَنَة-
بالتحريك -: من بَدَنَ بمعنى ضَخُم وسَمِن،
و
الجمع بُدن
بسكون الدال، وبَدَنات بالتحريك.
ومنه
قوله سبحانه وتعالى: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن
شَعَائِرِ اللَّهِ»؛
سمّيت بذلك لسمنها، أو لأنّهم كانوا يُسَمِّنونها
للهدي .
وفي شمولها
للإبل والبقر
مطلقاً ذكراً كان أو انثى،
أو
اختصاصها بالانثى من الإبل والبقر،
أو الاختصاص بالإبل بلا فرق بين
الذكر والانثى، فلا تشمل البقر،
أو الاختصاص بالانثى من الإبل- الناقة- كما ذهب إليه
الفقهاء وصرّحوا بذلك،
خلاف وأقوال.
قال
الشهيد الثاني : «فالذي عليه
الأصحاب أنّها البدنة الانثى من الإبل؛ لأنّها في
اللغة كذلك، وليس في
العرف ما يخالفه، وقال بعض
العامة :
اسم البدنة يقع على الإبل والبقر و
الغنم جميعاً... و
المذهب هو الأوّل».
ولذلك ذكر بعض الفقهاء
انصراف البدنة إلى الانثى من الإبل.
قال
المحقّق النراقي : «إذا قتل
المحرم نعامة فكفارته بدنة، وهي الانثى من الإبل على
الأحوط ».
ثمّ إنّ
الظاهر من كلمات الفقهاء أنّ البدنة و
الجزور مترادفان،
ويقعان بمعنى واحد، وقد قال بعضهم: إنّه لا
فرق بين الجزور والبدنة، إلّاأنّ البدنة ما يحرّر للهدي والجزور أعم،
وكلّ منهما من الإبل ما تمّ له خمس سنين ودخل في السادسة، ويقع على الذكر والانثى.
والظاهر من بعض
الكلمات اعتبار خصوصية اخرى في
مفهوم البدنة، وهي كونها معدّة للهدي، فيعتبر فيها
الشروط المعتبرة في الهدي من
السنّ وغيره.
قال
الفاضل الأصفهاني : «ثمّ لمّا كانت البدنة
اسماً لما يهدى اعتبر في مفهومها السنّ
المجزئ في الهدي».
بل قال
ابن منظور : «البدنة... تقع على الناقة والبقرة و
البعير الذكر ممّا يجوز في الهدي و
الأضاحي ».
لا حكم للبدنة في
نفسها، بل هي حيث كانت من أقسام الإبل فيجري عليها أحكام الإبل من
الزكاة ، ولزوم
النحر في
تذكيتها، وكيفية
تطهيرها و
استبرائها إذا صارت
جلّالة ، ومقدار
النزح إذا وقعت في
البئر وماتت، واختصاص
الإشعار بها في الهدي، وجواز
الاستشفاء بشرب لبنها وغيرها ممّا ذكر في محلّه.
نعم، لا بأس هنا بذكر موارد وجوب
إخراجها بالخصوص وبما لها من المعنى، وهي كما يلي:
وذلك بأن يقول
الناذر : (للَّهعليّ بدنة)، أو (أن أهدي بدنة)، فيجب عليه حينئذٍ إخراج ما يصدق عليه هذا
العنوان ، إلّاإذا عُلم
إرادة الناذر غيرَها، فيجب
العمل حسب إرادته كما لا يخفى.
نعم، قد يقع
الكلام في انصراف الهدي
بالنسبة لمكان النحر، وهو
مكّة المكرّمة أو
منى ، وفي
اشتراطه بشروط الاضحيّة من
السلامة ونحوها،
ولكنّها أبحاث مربوطة بلفظ الهدي وما ينصرف منه، ولا
ارتباط لها بالبدنة كما لا يخفى.
كما يقع
البحث أيضاً في فرض
تعذّر البدنة، وأنّه هل يسقط وجوب
الوفاء من أصله لمكان
العجز أم ينتقل إلى
بدل ؟ وقد أفتى بعض الفقهاء هنا ببدليّة
البقرة للبدنة- بناء على عدم
شمول لفظ البدنة لها- كما حكموا ببدلية سبع شياه عنهما مع التعذّر.
بل يظهر من بعض
الأخبار بدلية البقرة للبدنة
اختياراً، كما في رواية
السكوني عن
جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام قال: «في
الرجل يقول: عليّ بدنة، قال: تجزئ عنه بقرة إلّاأن يكون عنى بدنة من الإبل».
يجب إخراج البدنة كفّارة في
مواضع مختلفة، وجميعها في
الحجّ و
العمرة ، وهي:
صرّح الفقهاء بأنّ في قتل
النعامة بدنة.
و
دليلهم الأخبار كقول
الإمام جعفر ابن محمّد الصادق عليه السلام في رواية
حريز في قول اللَّه عزوجلّ: «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ»
: «في النعامة بدنة، وفي
حمار وحش بقرة، وفي
الظبي شاة، وفي البقرة بقرة».
وكذا صحيح
زرارة وخبر
داود بن سرحان .
و
المرجع في
تفسير البدنة ما مرّ، إلّا أن يرد بيان من
الشارع في خصوص هذا الباب- أي الكفّارات- حيث ورد في رواية
يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: المحرم يقتل نعامة؟ قال: «عليه بدنة من الإبل...»،
وظاهرها عدم
كفاية البقرة.
وقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في رواية
أبي الصباح قال: «... وفي النعامة جزور»،
وهو خاص بالإبل وعامّ للذكر منها والانثى. وقد أفتى به بعض الفقهاء؛
إذ لا فرق بين الجزور والبدنة إلّاأنّ البدنة ما تحرّر للهدي والجزور أعم كما تقدّم.
ولكن في
سند الرواية كلام عند بعضهم.
نعم، يظهر من بعض الفقهاء أنّ
الأحوط البدنة.
قال المحقّق النجفي: «إن تمّ ذلك عدم الفرق بين البدنة والجزور فذاك، وإلّا
فالترجيح للبدنة؛ لصحّة
نصوصها و
تعدّدها و
اعتضاده ا، بمعقد نفي
الخلاف و
الإجماع ».
والتفصيل في محلّه.
صرّح كثير من الفقهاء
بثبوت البدنة في بعض صوره.
قال
المحقّق الحلّي : «من جامع
زوجته في
الفرج قبلًا أو دبراً عامداً
عالماً بالتحريم فسد حجّه، وعليه
إتمامه وبدنة والحجّ من قابل... وإن جامع بعد
الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف
طواف النساء ... أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف، كان حجّه
صحيحاً ، وعليه بدنة لا غير... ولو جامع المحرم قبل طواف
الزيارة لزمه بدنة، فإن عجز فبقرة أو
شاة ... ومن جامع في إحرام العمرة قبل
السعي فسدت عمرته، وعليه بدنة و
قضاؤها ... ولو نظر إلى غير
أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسراً... ولو نظر إلى امرأته لم يكن عليه شيء ولو أمنى، ولو كان
بشهوة فأمنى كان عليه بدنة...».
وعبّر بعض الفقهاء عن البدنة هنا بالجزور، قال
الشيخ المفيد : «إذا وقع
المتمتّع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء فعليه جزور، وإن كان
جاهلًا فليستغفر اللَّه عزّوجلّ ولا شيء عليه».
وقال الشيخ الطوسي: «من قبّل امرأته من غير شهوة كان عليه
دم شاة، فإن قبّلها بشهوة كان عليه جزور».
وقال
السيّد الخوئي : وجب عليه
الكفّارة وهي بدنة أو جزور.
صرّح جماعة من الفقهاء
بالتكفير ببدنة لو استمنى المحرم حال
الإحرام .
ودليله بعض الروايات، مثل: رواية
إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: ما تقول في محرم
عبث بذكره فأمنى؟ قال: «أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم، بدنة، والحجّ من قابل».
ذكر الفقهاء أنّه يجب على المحرم إخراج بدنة لو أفسد حجّه فصدّ أو احصر.
قال المحقّق الحلّي: «لو أفسد حجّه فصُدّ كان عليه بدنة، ودم
للتحلّل ، والحجّ من
قابل ».
وقال في موضع آخر: «لو حجّ
تطوّعاً فأفسده ثمّ احصر كان عليه بدنة
للإفساد، ودم
للإحصار ...».
واستدلّ له
السيّد العاملي بقوله: «إنّما وجب عليه ذلك؛ لأنّ
الصدّ موجب للهدي، والإفساد موجب للإتمام والبدنة و
إعادة الحجّ، سقط الإتمام بالصدّ، فبقي وجوب البدنة والإعادة بحاله».
وقال المحقّق النجفي: «... وحينئذٍ كان عليه بدنة الإفساد، ودم التحلّل للصدّ...».
هذا بالنسبة لإفساد الحجّ، وأمّا إفساد العمرة فقال
الشيخ الطوسي : «من أفسد عمرته كان عليه بدنة... دليلنا: إجماع
الفرقة ...».
ويدلّ عليه بعض الأخبار، كرواية
مسمع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثمّ يطوف بالبيت طواف
الفريضة ، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين
الصفا و
المروة ، قال: «قد أفسد عمرته وعليه بدنة، وعليه أن يقيم بمكّة حتى يخرج
الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لأهله فيحرم منه ويعتمر».
وقول
أبي جعفر عليه السلام في رواية
بريد بن معاوية العجلي : «... عليه بدنة؛
لفساد عمرته...».
صرّح الفقهاء بوجوب إخراج بدنة لو أفاض الحاجّ من عرفات قبل
الغروب . قال الشيخ الطوسي: «ولا يفيض من
عرفات قبل غروب
الشمس ، فإن أفاض قبل الغروب
عامداً لزمه بدنة، فإن عاد إليه قبل
الغيبوبة سقط عنه، وإن عاد بعد غروبها لم يسقط عنه؛ لأنّه لا دليل على
سقوطه ».
وقال المحقّق الحلّي: «لو أفاض قبل الغروب جاهلًا أو
ناسياً فلا شيء عليه، وإن كان عامداً جبره ببدنة، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه شيء».
وبهذا
المضمون عدّة روايات.
المشهور بين الفقهاء أنّ المحرم لو جادل
كذباً، في المرّة منه شاة والمرّتين بقرة والثلاث بدنة،
وعبّر بعض بأنّ في الثلاث جزور.
واستدلّ لذلك بخبر
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب
متعمّداً فعليه جزور».
وصحيح
محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن
الجدال في الحج، فقال: «من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدم»، فقيل له: الذي يجادل وهو
صادق ، قال: «عليه شاة، و
الكاذب عليه بقرة».
و
المراد بالجزور في
الرواية الاولى البدنة.
والتفصيل في محلّه.
المشهور
بين الفقهاء أنّ المحرم لو نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان
موسراً، وإن كان
متوسّطاً فبقرة، وإن كان
معسراً فشاة؛
لما رواه زرارة- في
الصحيح - قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال: «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة».
وما رواه أبو بصير- في المعتبرة أو
الموثّقة - قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى، فقال: «إن كان موسراً فعليه بدنة، وإن كان وسطاً فعليه بقرة، وإن كان
فقيراً فعليه شاة...».
اختلف الفقهاء فيما لو عجز عن
المشي بعد
انعقاد نذره، فقال بعض لو نذر أن يحجّ
حجّة الإسلام ماشياً، وجب عليه
الوفاء به مع
القدرة ؛ لأنّه نذر في
طاعة ، ولو عجز عن المشي وجب
الركوب ولا كفّارة عليه؛
لصحيح
رفاعة بن موسى، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه، قال: «فليمش»، قلت: فإنّه
تعب ، قال: «فإذا تعب ركب».
وذهب بعض إلى وجوبه راكباً مع سياق بدنة احتياطاً،
وقال آخرون يستحبّ هدي بدنة.
واستدلّ لذلك بما رواه
الحلبي ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه وعجز عن المشي، قال: «فليركب وليسق بدنة؛ فإنّ ذلك يجزي عنه إذا عرف اللَّه منه
الجهد ».
وفي
المسألة أقوال اخر، وتفصيل
البحث موكول إلى محلّه.
اختلف الفقهاء فيما لو ترك الحاج طواف الزيارة ناسياً، فقال بعض بأنّه من نسي طواف العمرة أو الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع أهله، يجب عليه بدنة، و
الرجوع إلى مكّة وقضاء طواف الزيارة.
واستدلّ لذلك بصحيحة
علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: «إن كان على وجه
جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة».
ومثلها رواية
علي بن أبي حمزة .
ولكن ذهب
الأكثر - بل المشهور
- من الفقهاء إلى القول بأنّ الأصحّ لا كفّارة عليه، ويحمل القول بالكفّارة على من واقع بعد الذكر؛ لأنّ الناسي
معذور ، والكفّارة لا تجب في غير
الصيد على الناسي.
وقال السيّد الخوئي: الصحيح هذا القول، لكن لا
لحديث الرفع؛ لأنّ حديث الرفع
مقتضاه رفع الأحكام ولا نظر له إلى
الإثبات والحكم بالصحّة، وأنّ ما أتى به
مجزٍ و
مسقط للواجب، ويكفينا في الحكم بالصحة صحيح
علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم
بلاده وواقع النساء، كيف يصنع؟ قال: «يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه».
وحمله على طواف النساء- كما صنعه الشيخ الطوسي
- بعيد جدّاً؛ لأنّ طواف النساء ليس من طواف الفريضة، وإنّما هو واجب
مستقلّ سنّه
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم .
المشهور
بين الفقهاء- بل ظاهرهم
الاتّفاق عليه
- أنّه لو عقد محرم لمحرم فدخل كان على كلّ واحد منهما بدنة.
وتشهد له موثّقة
سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا ينبغي للرجل
الحلال أن يزوّج محرماً وهو يعلم أنّه لا يحلّ له»، قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، قال: «إن كانا عالمين فإنّ على كلّ واحد منهما بدنة، وعلى
المرأة إن كانت محرمة بدنة، وإن لم تكن محرمة فلا شيء عليها، إلّاأن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم، فإن كانت علمت ثمّ تزوّجته فعليها بدنة».
و
التفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۱۷۵-۱۸۴.