حد السحق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والسحق وهو: دلك فرج المرأة بفرج اخرى؛ ويثبت بما يثبت به
اللواط؛ والحد فيه مائة جلدة، حرة كانت أو أمة، محصنة كانت أو غير محصنة، للفاعلة والمفعولة؛ وقال في
النهاية: ترجم مع
الإحصان وتقتل، المساحقة في الرابعة مع تكرار
الحد ثلاثا؛ ويسقط الحد
بالتوبة قبل البينة كاللواط، ولا يسقط بعد البينة؛ ويعزر المجتمعان تحت إزار واحد مجردتين؛ ولو تكرر مرتين مع
التعزير أقيم عليهما الحد في الثالثة؛ ولو عادتا قال في النهاية قتلتا؛ مسألتان: الأولى، لا
كفالة في الحد ولا تأخير إلا لعذر، ولا شفاعة في إسقاطه؛ الثانية، لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت من مائه فالولد له، وعلى زوجته الحد
والمهر وعلى الصبية
الجلد.
ويثبت
السحق بما يثبت به اللواط بلا خلاف؛ لعموم المنزلة الواردة في بعض الأخبار، كالمرويّ في
مكارم الأخلاق عن النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، قال: «السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال»
ونحوه المرسل الآتي.
والحدّ فيه مائة جلدة مطلقاً حرّة كانت أو أمة، محصنة أو غير محصنة ويستوي في ذلك الفاعلة والمفعولة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، إلاّ في جلد المحصنة مائة، فقد اختلفوا فيه، والمشهور ذلك كما صرّح به في
المسالك، بل ظاهره أنّه مذهب المتأخّرين كافّة، كما هو الظاهر، وظاهر
الانتصار بل صريحه أنّ عليه إجماع
الإمامية.
للأصل، وظاهر
الموثّق كالصحيح: «السحّاقة تُجلَد»
، فلو كان فيه رجم لزم الإخبار بالخاصّ عن العام، وهو باطل.
وصريح المرسل المرويّ عن بعض الكتب، عن
مولانا الأمير (علیهالسّلام)، أنّه قال: «السحق في النساء كاللواط في الرجال، ولكن فيه جلد مائة؛ لأنّه ليس فيه
إيلاج»
وضعف السند مجبور بالشهرة.
وقال
الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة: إنّها تُرجَم مع
الإحصان للصحيح: «حدّها حدّ الزاني»
.
ورُدّ بأنّه أعمّ من
الرجم، فيحمل على
الجلد جمعاً
.
وهو حسن؛ لرجحان ما تقدّم من وجوه عديدة، منها: الصراحة في بعضه دون هذا؛ لعدم صراحته، واحتماله ما تقدّم.
لكن في الخبر المرويّ في
الاحتجاج عن
مولانا القائم (علیهالسّلام): أنّه سئل عن الفاحشة المبيّنة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها عن بيته في أيّام عدّتها، فقال (علیهالسّلام): «تلك الفاحشة: السحق، وليست بالزناء؛ لأنّها إذا زنت يقام عليها الحدّ، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من
العقد عليها لأجل الحدّ الذي أُقيم عليها، وأمّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله تعالى برجمها ليس لأحد أن يقربها»
.
وفي الخبر: «اتي
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) بامرأتين كانتا تتساحقان، فدعا (علیهالسّلام) بالنطع، فأمر بهما فأُحرقتا بالنار»
.
ويمكن الذبّ عنهما بقصور
السند، وأعمّية الثاني من المطلب، وتضمّن الأول لما لا يقول به أحد. مع ضعفهما ولو سلما عن جميع ذلك عن المقاومة لما مرّ؛ لرجحانه بعمل الأكثر، بل عامّة من تأخّر كما سبق، وبه يجاب عن
النصوص الآتية في المسألة الثانية وإن تضمّنت الصحيح وغيره ونصّت برجم المحصنة، مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك المسألة، إلاّ أنّه خلاف ظاهر الجماعة، فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة، إلاّ أنّ درء الحدود بها يوجب المصير إلى الجلد مطلقاً.
هذا، ويستفاد من
الروضة أنّ به أخباراً صحيحة، حيث قال في المسألة الآتية: وقيل: ترجم الموطوءة؛ استناداً إلى
رواية ضعيفة السند، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة
. انتهى.
لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان، وصحّة ما دلّ على عدمه مطلقاً غريبة، بل الأمر بالعكس كما عرفته، وهو ظاهر الجماعة، حتى هو في المسالك
، ولأجله مال فيه إلى هذا القول، ويشبه أن يكون ذلك منه غفلة، فلا يمكن أن يتّخذ ما ادّعاه من الأخبار الصحيحة
حجّة أو معاضدة.
نعم، لو لم يدّع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك باحتمال وقوفه على تلك الأخبار وإن بعد، حيث لم نقف عليها، ولم يتعرّض لها ولو إشارةً غيره. إلاّ أنّ دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان؛ لما عرفت، سيّما مع اعتضاده بما ذكرناه هنا.
وتقتل المساحقة مطلقاً في الرابعة مع تكرّر الحدّ ثلاثاً على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، حتى بعض من أوجب
القتل في الثالثة في
الزناء واللواط، كالشهيد في
اللمعة، بل يفهم من الروضة عدم ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة، حيث قال: وظاهرهم هنا عدم الخلاف، وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة، كما اتّفق في عبارة المصنّف
. انتهى.
ولكن ظاهر جماعة منهم
كالحلّي في
السرائر،
والفاضل في
المختلف جريان الخلاف المتقدّم هنا أيضاً، واختار الحلّي الخلاف هنا صريحاً.
ويسقط الحدّ
بالتوبة قبل ثبوته
بالإقرار أو
البيّنة، كاللواط فإنّه كذلك أيضاً يسقط حدّه بها قبل ثبوته بأحد الأمرين. ولا يسقط بعد الثبوت بالإقرار أو البيّنة.
ويجب على
الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني، وليس له العفو عنه فيه. ويتخيّر بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين ما مرّ في الزناء.
لاشتراك الجميع في هذه الأحكام وأمثالها، كما يستفاد من ظاهر
الأصحاب، من غير أن يعرف بينهم في ذلك خلاف، وبه صرّح في
الغنية، مدّعياً عليه الإجماع
.
ويعزّر المرأتان المجتمعتان تحت إزار واحد مجرّدتين من ثلاثين إلى تسعة وتسعين، كما مرّ في الذَّكَرين المجتمعين.
ولو تكرّر منهما الاجتماع مرّتين مع
التعزير بينهما أُقيم عليهما الحدّ في المرّة الثالثة بلا خلاف أجده، إلاّ من الحلّي في السرائر، فظاهره القتل في الثالثة؛ لأنّه كبيرة، وكلّ كبيرة يقتل بها في الثالثة
. وكلّية الكبرى ممنوعة كما ستعرفه، ومع ذلك يردّه
الأصل وصريح الرواية الآتية، المنجبرة في محلّ البحث بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها
إجماع في الحقيقة.
ولو عادتا رابعةً قال الشيخ في
النهاية وجماعة
: قتلتا للخبر: «لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحافٍ واحد إلاّ وبينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، فإن وجدتا بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا الثالثة حدّتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا»
.
ولأنّه كبيرة يقتل بها في الرابعة
.
وفيهما نظر؛ لضعف سند الأول، مع اشتماله على ما لا يقولون به من
الحدّ في المرّة الثانية، وظاهره أيضاً عدم شيء في المرتبة الأُولى عدا النهي خاصّة، ولم يقل به أحد من
الطائفة.
ومنع كلّية الكبرى في الثاني؛ لما في المسالك من أنّه إن أُريد أنّه مع إيجابها الحدّ فمسلّم، لكن لا يقولون به هنا، وإن أرادوا مطلقاً فظاهرٌ منعه
.
ومن ثمّ اختار
الفاضلان والشهيدان وأكثر المتأخّرين كما في المسالك
الاقتصار على التعزير مطلقاً، إلاّ في كل ثالثة، فالحدّ. ولا ريب أنّه
أحوط.
وهنا مسألتان:
لا
كفالة في حدّ زناء ولا غيره من الحدود؛ للنبويّ
والمرتضويّ
الخاصّيّين، ولأدائه إلى التأخير والتعطيل.
ولا تأخير فيه مع القدرة على إقامته، كما في المرتضويين:
في أحدهما: «ليس في
الحدود نظرة ساعة»
.
وفي الثاني: «إذا كان في الحدّ لعلّ وعسى فالحدّ معطّل»
.
إلاّ لعذر ومصلحة، كبرء المريض، ووضع الحبلى، والإرضاع، واجتماع الناس، كما مرّ.
ولا
شفاعة في إسقاطه لقوله تعالى «وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ»
وللمستفيضة:
ففي الخبرين: «لا تشفع في حدّ»
.
وفي آخر: «لا يشفعنّ أحدٌ في حدّ إذا بلغ
الإمام، فإنّه لا يملكه، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، واشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له، ولا تشفع في حقّ امرئ مسلم ولا غيره إلاّ بإذنه»
، وقريب منها
الصحيح وغيره
.
ولا خلاف في شيء من ذلك أجده.
لو وطئ زوجته، فساحقت بكراً، فحملت
البكر فالولد له أي للواطئ لأنّه مخلوق من مائه، ولا موجب لانتفائه عنه، فلا يقدح كونها ليست له فراشاً مع صدق الولد عليه عرفاً ولغةً.
ولا يلحق بالزوجة قطعاً، ولا بالبكر على قول مشهور. ويقوى الإلحاق؛ للصدق العرفي، وانتفاء
المانع الشرعي؛ إذ ليس إلاّ
الزناء، والسحق ليس منه لغةً ولا عرفاً، فيشمله إطلاق ما دلّ على أحكام الولد، من
حرمة التناكح، وثبوت التوارث، مع أنّ الأول ثابت في
ولد الزناء اتّفاقاً، فهنا أولى.
فالإلحاق أقوى، إلاّ أن يتردّد في شمول
الإطلاق لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه. وشمول الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للتبادر بناءً على كونه منه أيضاً؛ لاحتمال كون الإجماع دليلاً مستقلا على الشمول لا قرينة على الدخول تحت الإطلاق.
وعلى زوجته المساحقة الحدّ
للسحق، جلداً أو رجماً، على الخلاف الذي مضى.
والمهر للبكر؛ لأنّها سبب في إذهاب عذرتها، وديتها مهر نسائها. وليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض، بخلاف هذه.
وعلى الصبيّة
الجلد مائة إذا كانت مطاوعة، بلا خلاف فيه أجده، وكذا فيما سبقه. إلاّ من الحلّي، فلم يلحق الولد بالرجل؛ لعدم ولادته على فراشه، والولد للفراش. ولم يثبت المهر؛ لأنّ البكر بغيّ بالمطاوعة، فلا مهر لها
. وقد عرفت جوابه.
ويدلّ على أصل المسألة زيادةً عليه النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: «يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر
الجارية البكر في أول وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشقّ فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويردّ إلى أبيه صاحب
النطفة، ثم تجلد الجارية الحدّ» الخبر
، وفي معناه غيره
.
وهي مع استفاضتها، وصحّة بعضها لا قصور فيها إلاّ من حيث الدلالة على رجم المحصنة، مع أنّ الأكثر لم يقولوا به، وهذا القصور مع اختصاصه بهم، دون الشيخ
ومن تبعه
غير قادح في
الحجّية؛ فإنّ خروج بعض الرواية عنها بدلالة خارجيّة أقوى لا يوجب خروجها عنها طرّاً، وإن هي إلاّ كالعامّ المخصَّص، الذي هو حجّة في الباقي كما عرفته مراراً.
مع احتمال القول برجم
المحصنة هنا خاصّة؛ عملاً بهذه النصوص في موردها، وجمعاً بينها وبين ما مرّ من الدليل على عدم رجم المساحقة مطلقاً، كما ذكره بعض الأجلّة
.
لكن فيه زيادةً على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا الجمع من حيث تعليله رجم الزوجة بأنّها محصنة، وهو كالصريح في عدم مدخليّة للخصوصيّة، وأنّ الإحصان من حيث هو هو العلّة في رجمها.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۹-۲۷.