دية الشجاج والجراح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
بيان ديات الشجاج والجراح: والشجاج ثمان: الحارصة، والدامية، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة؛ فالحارصة: هي التي تقشر الجلد، وفيها بعير، وهل هي الدامية؟ قال
الشيخ: نعم، والاكثرون على خلافه، فهي اذن التي تأخذ في اللحم يسيرا وفيها بعيران؛ والمتلاحمة: هي التي تأخذ في اللحم كثيرا، وهل هي غير الباضعة؟ فمن قال: الدامية غير الحارصة، فالباضعة هي المتلاحمة، ومن قال: الدامية هي الحارصة فالباضعة غير المتلاحمة، ففي المتلاحمة اذن ثلاثة أبعرة؛ والسمحاق: هي التي تقف على السمحاقة، وهى الجلدة المغشية للعظم وفيها أربعة أبعرة؛ والموضحة: هي التي تكشف عن العظم، وفيها خمسة أبعرة؛ والهاشمة هي التي تهشم العظم، وفيها عشرة أبعرة؛ والمنقلة: هي التي تحوج إلى نقل العظم، وفيها خمسة عشر بعيرا؛ والمأمومة: هي التي تصل إلى أم الرأس، وهي الخريطة الجامعة للدماغ، ثلاثة وثلاثون بعيرا؛ والجائفة: هي التي تبلغ الجوف، وفيها ثلث
الدية.
فالشجاج بكسر الشين جمع شجّة بفتحها، وهي الجرح المختصّ بالرأس كما في
مجمع البحرين ، أو الوجه أيضاً كما في كلام جماعة
وعزي إلى نص اللغة، ويسمّى في غيرهما جرحاً بقول مطلق ثمان على المشهور الحارصة، والدامية، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقّلة، والمأمومة، والجائفة فهذه تسعة، ولكن الأخيرة من الجراح لا الشجاج؛ إذ لا اختصاص لها بالرأس والوجه، وعليه فيكون عدد الشجاج المختصّ بهما كما هو معناها لغةً بل وعرفاً ثمانية كما في العبارة وغيرها.
فالحارصة بإهمال الحروف جملة هي التي تقشر الجلد وتخدشه وفيها بعير على الأشهر الأظهر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ للخبر المعتبر، بل
الصحيح أو القريب منه: «في الحرصة شبه الخدش بعير»
.
خلافاً
للإسكافي، فنصف بعير
. وهو شاذّ، ومستنده غير واضح.
وإطلاق
النص وأكثر
الفتاوي يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج ذكراً أو أُنثى، حرّا أو مملوكاً.
خلافاً للغنية
والإصباح والجامع فعبّروا بأنّ فيها عشر عشر الدية، وعليه يفترق الذكر والأُنثى.
وفيه مع مخالفته
إطلاق النص أنّ افتراقهما لا يكون إلاّ بعد بلوغ الثلث أو التجاوز عنه لا مطلقاً، كما مضى أيضاً وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ويمكن تنزيل عبائرهم عليه بأن يراد بالدية المضاف إليها عشر عشر دية الذكر التي هي الأصل، دون دية الأُنثى التي هي نصفها.
ولابن حمزة، ففرّق بين الحرّ فما في النص والعبارة، والمملوك فالأرش على حسب القيمة.
وهو غير بعيد؛ للشك في دخول مثله في إطلاق الفتوى والنص، سيّما مع اختلافه مع الحرّ في كثير من الأحكام، سيّما الديات، ولكن الحكم
بالأرش على الإطلاق مشكل، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق عشر عشر قيمته كما هو الضابط في دية أعضائه، من نسبتها إلى دية الحرّ ثم إلى دية مجموعة التي هي قيمته، ما لم تزد عن دية الحرّ فتردّ إليها، كما مضى ويأتي أيضاً.
ويمكن إرجاع ما في الكتب الثلاثة المتقدمة من إثبات عشر عشر
الدية إلى هذا، بحمل الدية فيها على ما يعمّ نحو قيمة المملوك، فتأمّل جدّاً.
فهي أي الدامية أذن التي تقطع الجلد وتأخذ في اللحم يسيراً وفيها بعيران.
وهل الحارصة هي الدامية فتكون ديتها ديتها بعيراً، ويبدل عنها في عدد الثمانية الذي فيه بعيران بالباضعة؟ أم غيرها فتكون ديتها بعيرين، وتكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة؟
قال
الشيخ وجماعة
نعم للخبرين: «قضى
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في الدامية بعيراً، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة»
.
وقصور سندهما ولا سيّما الأوّل لضعفه من وجوه يمنع عن العمل بهما، سيّما مع عدم مكافأتهما لأدلّة المشهور جدّاً.
ولذا صار الأكثرون كما هنا وفي
الشرائع والتحرير، بل في المسالك والروضة
وشرح الشرائع للصيمري المشهور على خلافه للمعتبرة المستفيضة منها الرواية المتقدّمة؛ إذ فيها بعد ما مرّ بلا فصل: «وفي الدامية بعيران، وفي الباضعة وهي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل» الخبر.
ومنها الصحيحان وغيرهما: «وفي الباضعة ثلاث من الإبل»
.
وهما وإن لم يتضمّنا ذكر الحارصة والدامية إلاّ أنّهما دلاّ على أنّ في الباضعة ثلاثاً من الإبل، وكل من قال به من المشهور قال بتغايرهما، كما مضى وسيأتي الإشارة إليه أيضاً.
والمتلاحمة وهي التي تقطع الجلد وتأخذ في اللحم كثيراً.
وهل هي غير الباضعة فيجب فيها ثلاثة أبعرة وفي الباضعة بعيران، ويكون أوّل الشجاج الدامية والحارصة مترادفتين؟ أم متّحدتان ديتهما ثلاثة أبعرة، ويكون أوّلها الحارصة فيها بعير، وثانيها الدامية فيها بعيران؟
اختلاف مبني على الاختلاف السابق فمن قال ثمّة: أنّ الدامية غير الحارصة وهم المشهور قال: الباضعة هي المتلاحمة ديتها ثلاثة أبعرة، عدا
الإسكافي، وهو نادر.
ومن قال: الدامية هي الحارصة وهو الشيخ ومن تبعه فالباضعة عنده غير المتلاحمة فيها بعيران.
وحيث قد عرفت أنّ الأوّل أقرب ففي المتلاحمة والباضعة إذن ثلاثة أبعرة ويظهر من هنا عدم الخلاف فتوًى ونصّاً في ثبوتها في المتلاحمة، وإنّما هو في ثبوتها في الباضعة، وقد عرفت من المعتبرة المستفيضة المعتضدة
بالشهرة ثبوتها فيها أيضاً.
والخبران المتقدّمان وإن نصّا على الخلاف بإثبات البعيرين فيها، والثلاثة في المتلاحمة خاصّة، فارقين بينهما، إلاّ أنّك قد عرفت الجواب عنهما، فما عليه الأكثر في المقامين أقوى إن فرض ثمرة معنوية تترتّب على الخلاف، وإلاّ فيعود النزاع لفظيّاً كما صرّح به في المسالك
والروضة شيخنا، فتأمّل جدّاً.
والسِّمحاق بكسر السين المهملة وإسكان الميم، وهي التي تقطع اللحم وتقف على السمحاقة، وهي الجلدة المغشية للعظم، وفيها أربعة أبعرة للصحيحين
وغيرهما من المستفيضة
، وعليه الإجماع على الظاهر، المحكي في الغنية وعن
الانتصار والناصريات والخلاف
.
وعن الإسكافي أنّه روي عن
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) أنّ فيها حقّة وجذعة وابنة مخاض وابنة لبون
.
وعن
المقنع أنّ فيها خمسمائة درهم، قال: وإذا كانت في الوجه فالدية على قدر الشين
. وعليه ينصّ
المرسل.
والموضحة وهي التي تكشف عن وضح العظم وبياضه وتقشر السمحاقة وفيها خمسة أبعرة بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في الغنية
، وحكي عن
الخلاف وغيره
؛ للصحاح
والموثّق القريب منها
وغيرها من المستفيضة
. وفي كتاب ظريف: «في موضحة الرأس خمسون ديناراً»
وقريب منه الخبر: فيمن شجّ عبداً موضحة، قال: «عليه نصف عشر قيمة العبد»
.
ويستفاد من الجمع بينهما وبين المستفيضة أنّ ذكر الإبل فيها والنقد فيهما بعنوان المثل، وأنّ الضابط نصف عشر الدية كما عبّر به في الغنيّة
وعبائر جماعة
مع نفي الخلاف عنه، كتعبيرهم بخمسي عشر الدية في المسألة السابقة، ويمكن تنزيل عبائر الأكثر المعبّرة بالإبل خاصّة عليه، بحمله على المثل في المقامين، بل فيما يأتي وما مضى مطلقاً.
والهاشمة وهي التي تهشم العظم أي تكسره وإن لم تسبق بجرح وفيها عشرة أبعرة عشر الدية، بلا خلاف، وبه صرّح في الغنية
، وبالإجماع بعض الأجلّة
؛
للقوي: أنّ أمير المؤمنين (علیهالسّلام) قضى في الهاشمة بعشر من الإبل
.
وليس فيه كالعبارة ونحوها ما ذكره جماعة
من اعتبار الأسنان فيها أرباعاً في الخطأ وأثلاثاً في شبهه على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة، وإن كان
أحوط.
والمنقّلة وهي على تعريف
الماتن وجماعة
التي تحوج إلى نقل العظم من موضع إلى غيره، وقيل فيها تفاسير أُخر متقاربة وفيها خمسة عشر بعيراً عشر الدية ونصفه، بلا خلاف كما عن
المبسوط والخلاف وفي الغنية
؛ للصحيح
والموثّق القريب منه سنداً
وغيرهما من المستفيضة
.
وفسّرت في بعضها بالتي قد صارت قرحة ينقل منها العظام
، وفي بعضها بعد قوله: «وفي المنقّلة خمسة عشر من الإبل»: «عشر ونصف عشر»
وفيه دلالة على الضابط المتقدم، لكن فيه قطع، وفي المفسِّر إرسال.
وأوجب
العماني هنا عشرين بعيراً
. وهو مع ندرته جدّاً على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة
لم أر له مستنداً.
والمأمومة وهي التي تصل إلى أُمّ الرأس، وهي الخريطة الجامعة للدماغ بكسر الدال، ولا تفتقها وفيها ثلث الدّية كما في الغنية وعن الخلاف
والمراسم والمقنع
والوسيلة وغيرها
؛ للنصوص المستفيضة، منها الصحيح عن الشجّة المأمومة؟ فقال: «ثلث الدية، والشجّة الجائفة ثلث الدية»
.
ونحوه
الخبر، لكن بزيادة تفسير الثلث في الجائفة بثلاث وثلاثين من الإبل، وفيه إيماء إلى وقوع التجوّز في الثلث في الجائفة، فيحتمل وقوعه فيه أيضاً في المأمومة، سيّما مع ورود الصحيح
وغيره
بأنّه فيها ثلاث وثلاثون بعيراً ومثل هذا التجوّز شائع.
ولذا أنّ الفاضلين في
الشرائع والتحرير مع تصريحهما بأنّ فيها ثلث الدية فسّراه بثلاث وثلاثين من الإبل من دون ذكر ثُلث.
ونحوهما الشيخان في
المقنعة والنهاية والمرتضى في الناصريات
على ما حكي عنهم، فقالوا: فيها ثلث الدية: ثلاثة وثلاثون بعيراً، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم على السلامة، كما في عبارة السيّد وشيخه، وقريب منها عبارة النهاية، لكن بزيادة الحلّة وعدم إشارة إلى العلّة.
وذكر
الحلّي أنّ فيها ثلث الدية
دية النفس وهي ثلاث وثلاثون بعيراً فحسب بلا زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل، ولم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس؛ لأنّ رواياتهم هكذا مطلقة، وكذا مصنّفاتهم وقول مشايخهم وفتاويهم، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم
. انتهى.
وهو صريح في دعوى
الإجماع على سقوط الثلث من عدد الإبل، لكن عرفت إطلاق عبائر جماعة بثلث الدية بقول مطلق، ومقتضاه زيادة الثلث في العدد المتقدم، وحكي التصريح بها عن المبسوط فقال: فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير
.
وبه صرّح في
القواعد، وشيخنا في
المسالك والروضة
، وبعض من تبعه
، مختارين التجوّز في العكس بحمل ما دلّ على العدد من دون ذكر الثلث عليه تخفيفاً في اللفظ وتجوّزاً في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة والإيماء إلى إكمال الثلث من إيجابه.
وهو حسن إن وجد مرجّح لهذا التجوّز، وليس عدا المناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة بل في المسألة أيضاً بالإضافة إلى النقدين والحلّة، وهي بمجرّدها للترجيح غير صالحة، سيّما وأنّ الشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة للتجوّز في الأوّل مرجّحة.
ولو سلّم عدمهما لكان التحقيق يقتضي التوقّف في ترجيح أيّهما أو تساقطهما، ومعه يكون وجوب ثلث البعير زيادة على العدد بالأصل منفيّاً، فما في العبارة أقوى، وإن كانت الزيادة أو العدول إلى النقدين وما شاكلهما أحوط وأولى.
والجائفة وهي التي تبلغ الجوف من أيّ الجهات كان ولو من ثغرة النحر وفيها ثلث الدية كما في
النصوص المستفيضة
، وفيها الصحيح والقريب منه، لكن في بعضها بعد الحكم بأنّ فيها الثلث فسّر بالثلاث والثلاثين بعيراً
، وقد تقدم، فيأتي فيها احتمال التجوّز المتقدم أيضاً، سيّما مع ورود الصحيح وغيره بأنّ فيها ثلاثاً وثلاثين من الإبل.
لكن الأصحاب هنا أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث بعير على العدد من غير خلاف بينهم يعرف، وبه صرّح في
الغنية، وحكي عن المبسوط والخلاف
، بل صرّح بالاتفاق على زيادته هنا شيخنا في الروضة
.
فإن تمّ فهو
الحجة، ولكن في التمامية مناقشة؛ لأنّ عبارات الأصحاب هنا بالثلث وإن كانت مطلقة، إلاّ أنّ تعليل جملة منهم سقوط الثلث في المسألة السابقة بأنّه من البعير لا يحدّ كما وقع في عبارة السيّد وشيخه والحلّي، أو بلزوم متابعة النص بالعدد كما وقع في عبارة الماتن في الشرائع
، وقريب منه
الفاضل في المختلف
، جارٍ في المسألة؛ لعدم تحديد ثلث البعير فيها أيضاً ولو بزعمهم، وورود الصحيح وغيره بالثلاث والثلاثين من غير ذكر ثلث.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۱۰-۵۲۱.