صلاة الآيات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ومنها صلاة
الكسوف ) وفي نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب وتجوّز، ولو عنونها بصلاة الآيات كما صنعه
الشهيد وغيره
كان أولى.
(والنظر) هنا يقع (في) بيان (سببها وكيفيتها وأحكامها).
(وسببها) الموجب لها (كسوف الشمس أو خسوف القمر أو
الزلزلة ) أي الرجفة، بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة، بل على الأولين
الإجماع حقيقة، وحكي أيضا في كلام جماعة حدّ
الاستفاضة ؛
وهو الحجّة فيهما.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة : «صلاة الكسوف فريضة».
وفي رواية : «إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا».
وعلى الأخير الإجماع في ظاهر
المعتبر والمنتهى وغيرهما،
وصريح الخلاف والتذكرة؛
وهو الحجّة، مضافا إلى ما سيأتي إليه
الإشارة .
(وفي رواية) بل روايات صحيحة أنّها (تجب لأخاويف السماء).
منها : «كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن».
ومنها : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة».
وقريب منهما غيرهما : عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف، فقال عليه السلام : «صلاتها سواء»
وظاهره التسوية في كل شيء حتى الوجوب.
وفي الصحيح : «إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله» الحديث.
ومفهوم التعليل حجّة.
وفي الرضوي : «إذا هبّت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها صلاة الكسوف، وكذلك إذا زلزلت
الأرض فصلّ صلاة الكسوف».
وفي دعائم الإسلام، عن
جعفر بن محمّد عليهما السلام : «تصلّي في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما تصلّي في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء».
وعلى هذه الروايات عمل عامة المتأخرين، وفاقا لأكثر المتقدمين بل عامّتهم أيضا عدا نادر ممّن لم يتعرض لغير الكسوفين، وهو غير صريح بل ولا ظاهر في المخالفة؛ ولعلّه لذا ادعى الشيخ في الخلاف على الرواية إجماع الطائفة،
ولم ينقل فيها في
المنتهى خلاف عن أحد من الطائفة.
وعليه فلا وجه للتردد المستفاد من العبارة؛ إذ لا معارض للرواية، مع ما هي عليه من الصحة والاستفاضة و
الاعتضاد بعمل الطائفة، عدا
أصالة البراءة اللازم تخصيصها بالرواية، فإنها
بالإضافة إليها خاصة، فلتكن عليها مقدمة.
واعلم أنّ ضابط الأخاويف ما يحصل به لمعظم الناس، كما صرّح به جماعة،
ويظهر من بعض نصوص المسألة.
ونسبتها إلى السماء لعلّه باعتبار كون بعضها فيها، أو أريد بالسماء مطلق العلو، أو المنسوبة إلى خالق السماء ونحوه لإطلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا.
(ووقتها) أي صلاة الكسوف، ويدخل فيها صلاة الخسوف (من
الابتداء ) فيه إجماعا فتوى ونصا، ففي الصحيح : «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها».
(إلى الأخذ في
الانجلاء ) في المشهور بين أصحابنا، قيل للصحيح
: ذكروا
انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته، فقال عليه السلام : «إذا انجلى منه شيء فقد انجلى».
وردّ باحتمال أن يكون المراد تساوي الحالين في زوال الشدّة لا بيان الوقت، فلا يمكن الخروج به عن مقتضى
الأصل وإطلاق النصوص
بإيجاب الصلاة بالكسوف الصادق في المفروض، وخصوص المعتبرة الظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء كالصحيح : «صلّى
رسول صلى الله عليه وآله وسلم في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها»
ولو كان يخرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه سيّما من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً.
والصحيح : «إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد»
ولو كان الوقت قد خرج قبل الانجلاء لم تشرع
الإعادة لا وجوبا ولا استحبابا إجماعاً.
ونحوه الكلام في الموثق : «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل»
والذهاب إنما يكون بالانجلاء التام.
ولذا ذهب الفاضلان في المعتبر والشرائع والمنتهى والشهيد في
الدروس والذكرى وجماعة من متأخري المتأخرين
إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء، وفاقا لجماعة من القدماء كالعماني و
الديلمي والحلبي والمرتضى،
ولعلّه الأقوى.
وتظهر الفائدة فيما جعل وقتا، فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها، فلو قصر عنها سقطت،
لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها، إلاّ إذا أريد القضاء فيما لو أدرك ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنه يجب الشروع فيها، لا أقلّ من ذلك.
واعلم أنّ الماتن لم يتعرض لوقت هذه الصلاة في سائر الآيات، والمشهور أنه في الزلزلة تمام العمر، فإنها سبب لوجوبها لا وقت، لقصورها عنها غالبا فهي أداء وإن سكنت.
وعن
نهاية اللإحكام احتمال أن يكون ابتداؤها وقتا لابتداء الصلاة فتجب المبادرة إليها، ويمتدّ الوقت مقدار الصلاة، ثمَّ تصير قضاء.
ويؤيده أنّ شرع الصلاة
لاستدفاع العذاب.
وفيما عداها : مدّتها لا إلى الشروع في الانجلاء كما في الكسوفين على الأقوى، ولا مدة العمر؛ لأصلي
الامتداد إلى الانجلاء من غير معارض هنا، و
البراءة بعده، بناء على عدم ما يدلّ على كونها من الأسباب تجب صلاتها مطلقا كالزلزلة، سوى الإطلاقات كالصحيح : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن تذهب وقت فريضة».
ويجب تقييدها بما يدل على التوقيت فيها، كالصحيح : «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن».
فإنّ «حتى» هنا إما
لانتهاء الغاية أو للتعليل، وعلى كل منهما يثبت التوقيت، نصّا على الأوّل وفحوى على الثاني.
ومثله وإن جرى في الزلزلة لكن قصورها عن مقدار
أداء الصلاة غالبا كما مضى يعيّن المصير إلى عدم كونها موقّتة؛ لاستلزامه التكليف بفعل في زمان يقصر عنه، وهو
باطل إجماعا واعتبارا، إلاّ أنّ يخصّ فائدته بالابتداء فتجب فورا، وهو قوي كما مضى.
وممّا ذكرنا ظهر وجه
إطباق الأصحاب على التوقيت في الكسوفين، مضافا إلى الصحيحة السابقة في بيان ابتداء وقتهما والنصوص الآتية في القضاء نفيا وإثباتا؛ لصراحتها في التوقيت مبدأ ومنتهى فيهما على الأول، وظهورها كذلك على الثاني.
فما يقال فيهما ـ من أنّ الظاهر أنّ الأدلة غير دالّة على التوقيت، بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة ـ فيه ما فيه، سيّما مع مخالفته لظاهر إطباق الأصحاب.
وقريب منه القول
بإلحاق ما عدا الكسوفين بالزلزلة في التوقيت بمدة العمر كما عن المنتهى والتحرير.
(ولا) يجب (قضاء) صلاة الكسوفين (مع الفوات) بشرطين أشار إليهما (و) هما (عدم العلم) بالسبب (و احتراق بعض القرص) على الأظهر الأشهر في الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة ممّن تأخر،
وعن ظاهر التذكرة عدم الخلاف فيه إلاّ من المفيد،
وفيه إشعار بدعوى الإجماع، وحكي التصريح به عن القاضي.
للمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح : «إذا انكسفت الشمس كلّها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء، وإن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء».
وفيه : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟
قال : «إذا كان القرصان احترقا (كلّهما قضيت) وإن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاء»
ونحوه الخبر.
وقريب منهما الموثق، عن
مولانا الباقر عليه السلام قال : «انكسفت الشمس وأنا في الحمّام فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض»
وهو محمول على صورة عدم
الاحتراق ؛ للإجماع على لزوم القضاء فيه على
الإطلاق .
خلافا للصدوقين والمفيد و
الإسكافي والحلبي والانتصار والخلاف
فيجب القضاء، وفي ظاهر الكتابين دعوى الإجماع عليه؛ ولعلّه الحجّة لهم، مضافا إلى العمومات الآمرة بقضاء الفوائت،
وخصوص الرضوي : «وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت، فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلّ، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل».
وفي الجميع نظر؛ لعدم صراحة الأوّل حيث حكي على وجوب قضاء هذه الصلاة على الإطلاق المحتمل قريبا اختصاصه بصورة العلم أو الاحتراق، لمصير أحد الناقلين في جملة من كتبه كالجمل والمسائل المصرية
إلى المختار، مع أنه معارض بأجود منه وأصرح.
والعموم بحيث يشمل المقام ممنوع؛ لاختصاصه بحكم التبادر والغلبة بفوائت اليومية كما صرّح به جماعة،
ولو سلّم فهو كالإجماعين يحتمل التخصيص والتقييد بصريح ما قدّمناه من الأدلة، المعتضدة بالأصل والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا، بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما يفهم عن التذكرة.
وبمثله يجاب عن الرضوي، فإنّ موضع الدلالة فيه إطلاق صدره المحتمل للتقييد بذلك، وأما ذيله فهو وان تضمّن
الأمر بالقضاء مع عدم الاحتراق لكنه يحتمل
الاختصاص بصورة العلم وتعمد الترك، كما يقتضيه السياق، وما فيه قبل ذلك : «فإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت، وإن أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثمَّ علمت بعد ذلك فلا شيء عليك ولا قضاء» وهو كالنصّ، بل نصّ في المذهب المختار، وإن لزم تقييد إطلاقه بصورة عدم الاحتراق بالنصّ والإجماع.
ويعضده ـ مضافا إلى ما مرّ ـ إطلاق النصوص النافية للقضاء بعد الفوت في هذه الصلاة على الإطلاق، منها الصحيح : «إذا فاتتك فليس عليك قضاء».
وفي الخبر : «ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا أنها تقضى».
لكنها شاذة محتملة للحمل على التقية كما يفهم من
الانتصار والخلاف؛
حيث جعلا أصل قضاء هذه الصلاة من متفردات
الإمامية وقالا : إنه لم يوافقنا على ذلك أحد من فقهاء العامة، وربما أشعر بذلك الرواية الأخيرة، فتدبّر.
(وتقضى) هذه الصلاة (لو علم) بالسبب (وأهمل أو نسي) أن يصلّيها (وكذا) تقضى (لو احترق القرصان كلّهما على التقديرات) كلّها أي سواء لم يعلم بالسبب أو علم وأهمل أو نسي.
بلا خلاف في الأخير على الظاهر، المصرّح به في كلام جمع،
وعن ظاهر
التذكرة الإجماع عليه،
كما يستفاد من إطلاق عبارتي الانتصار و
الخلاف ،
وبه صرّح في المنتهى لكن في صورة العلم خاصة؛
وهو الحجّة، مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتقدمة. وأمّا إطلاق النصوص الأخيرة فقد عرفت الجواب عنها مع احتمالها الحمل على صورة عدم العلم واحتراق البعض خاصة.
وعلى الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر فيما عداه مطلقا، وقد نفى الخلاف عنه وعن عدم وجوب الغسل في صورة العمد منه في
السرائر ،
ويشمله مطلقا إطلاق عبارتي الانتصار والخلاف المنقول فيهما الإجماع؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى صريح
المرسل : «إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء، وإن لم يعلم فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه»
وهو وإن اختص بالنسيان إلاّ أنه يلحق به العمد بالفحوى مع عدم قائل بالفرق بينهما. وإطلاق الموثق : «وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فعليك قضاؤها».
والمرسل كالصحيح : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ فليغتسل من غد وليقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء».
وإطلاقهما يقرب من النصّ؛ لندرة الاحتراق وغلبة
انكساف البعض فيحمل عليه.
نعم ربما يشعر سياق الأخير بكون مورده خصوص صورة الاحتراق؛ للأمر بالغسل في صورة التعمد، ونفيه وإثبات القضاء في صورة الجهل، وشيء منهما لم يوافق مذهب الأكثر مع عدم الاحتراق، إلاّ أن يحمل على
الاستحباب .
وكيف كان، ففيما عداه كفاية إن شاء الله تعالى وإن قصر السند أو ضعف؛ للانجبار بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماعات المتقدمة؛ مضافا إلى التأيد بعمومات ما دلّ على قضاء الفريضة أو إطلاقاته لو لم نقل بكونها حجّة مستقلّة كما يظهر من جماعة.
ومن هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب القضاء مطلقا كما عن مصباح
المرتضى ،
أو في النسيان خاصة كما عن
المبسوط والنهاية والقاضي وابن حمزة،
سيّما مع عدم دليل عليه مطلقا إلاّ الأصل المخصّص بما مرّ، والنصوص النافية للقضاء مطلقا، وقد عرفت الجواب عنها، مع عدم
انطباقها إلاّ على مذهب المرتضى وإلاّ فالتفصيل لا يظهر منها، بل ولا من الأصل أيضا.
هذا كلّه في قضاء صلاة الكسوفين.
وأمّا سائر الآيات ما عدا الزلزلة فالمشهور عدم وجوب القضاء مع الجهل بها مطلقا، ووجوبه مع العلم كذلك، بل قيل في الأول : إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا.
ويدلّ على الحكم فيه ـ بعد الأصل، واختصاص النصوص الآمرة بقضاء الفوائت بحكم التبادر باليومية منها كما مضى ـ فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين؛ لكون وجوب صلاتهما أقوى، فعدم وجوب قضائهما يستلزم عدم وجوب قضاء صلاة سائر الآيات بطريق أولى.
ولا أعلم لهم دليلا على الحكم في الثاني، سوى عموم نصوص قضاء الفوائت، وفيه ما مضى، مع جريانه في الأوّل أيضا ولم يقولوا بمقتضاه فيه، فينبغي القول بعدم الوجوب هنا أيضا، لكن لم أجد به قائلا.
ثمَّ إنّ هذا كلّه على المختار من التوقيت في صلاة الآيات، ويأتي على غيره من جعلها من الأسباب لزوم أدائها على كل حال ولا تكون قضاء.
•
كيفية صلاة الآيات، يأتي في هذه الوجيزة ما يجب أن يقرأ في صلاة الآيات وترتيبه والخلافات في المسألة والنصوص الواردة والأخبار الصحيحة.
•
سنن صلاة الآيات، يأتي فيما يلي ما يستحب في صلاة الآيات من الجماعة والإطالة والإعادة قبل
الإنجلاء وما يستحب في
الركوع والسجود من كون مقدارهما بقدر القراءة وقراءة السور الطوال والتكبير بعد كل ركوع
والقنوت قبل كل مزدوج منه.
•
أحكام صلاة الآيات، والأحكام فيها اثنان أولهما أنه لو اتفقت صلاة الآيات مع صلاة حاضرة و الثاني حكم صلاة الآيات على
الراحلة وماشياً ويبحث في الأثناء في أولوية صلاة الآيات على
النافلة .
رياض المسائل، ج۴، ص۵-۳۱.