كيفية أداء شهادة الشاهد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يصير
الشاهد متحملا بالمشاهدة لما يكفي فيه المشاهدة، والسماع لما يكفي فيه السماع وإن لم يستدعه المشهود عليه؛ وكذا لو قيل له: لا تشهد فسمع من القائل ما يوجب حكما؛ وكذا لو خبئ فنطق المشهود عليه؛ وإذا دعي الشاهد للإقامة وجب إلا مع ضرر غير مستحق؛ ولا يحل الامتناع مع التمكن؛ ولو دعي للتحمل فقولان، المروي:
الوجوب؛ ووجوبه على
الكفاية؛ ويتعين مع عدم من يقوم بالتحمل.
ويصير
الشاهد متحمّلاً للشهادة بالمشاهدة لما تكفي هي فيه، و بالسماع لما تكفي به السماع
مطلقاً وإن لم يستدعه المشهود عليه أي على تحمّل
الشهادة.
وكذا لو قيل له: لا تشهد ولا تتحمّل الشهادة فسمع من القائل ما يوجب حكماً عليه، أو له، صار متحمّلاً للشهادة، بلا خلاف أجده إلاّ من
الإسكافي في الثاني وما يأتي.
وهو شاذّ لا يعبأ به؛ لأنّ المعتبر في قبول شهادة الشاهد مع استجماعه للصفات المعتبرة فيه علمه بما يشهد به، سواء كان سبب
العلم استدعاء المشهود له وعليه، أم اتفاق علمه بالواقعة؛ لاشتراك الجميع في المقتضي، وهو العلم، فعليه أوله أن يشهد بما علم؛ لعموم الأدلة فتوًى ونصّاً كتاباً وسنّةً.
مضافاً إلى خصوص المعتبرة الآتية سنداً للشيخ وجماعة في حكمهم بعدم وجوب أداء الشهادة مع عدم استدعاء المشهود له للتحمّل وتخيّره في أدائها، منها
الصحيح: «إذا سمع الرجل الشهادة ولم يُشهد عليها فهو
بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت»
.
وسأله أيضاً عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما، قال: «ذاك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، وإن شهد شهد بحق قد سمعه، وإن لم يشهد فلا شيء عليه؛ لأنّهما لم يُشهداه»
.
ولو لا تحقق التحمّل بمجرد السماع مع عدم الاستدعاء لم يجز له الشهادة مع أنّه قد صرّح به بالجواز في هذه المعتبرة، فلا ريب فيه ولا شبهة.
وكذا لو خبئ الشاهد بالخاء المعجمة، ثم الباء المنقطة من تحت نقطة واحدة بمعنى: حبس في زاوية مستخفياً لتحمّل الشهادة فنطق المشهود عليه صار متحمّلاً وقبل شهادته، بلا خلاف ظاهر، إلاّ ممن مرّ، مصرّح به في كلام
الشهيد بقول مطلق كما حكي
، بل عليه الإجماع في ظاهر
السرائر، وهو
الحجة.
مضافاً إلى جميع ما مرّ من الأدلة السليمة عما يصلح للمعارضة حتى من جهة الأخبار المانعة عن قبول الشهادة مع
التهمة، بناءً على عدم انحصار وجه الاختفاء للتحمّل فيها، بل يحتمل وجوهاً أُخر صحيحة عنها خالية؛ إذ الحاجة قد تدعو إليه، بأن يقرّ من عليه الحق إذا خلا به المستحق، ويجحد إذا حضر غيره.
قيل: ولأنّ
الحرص على التحمّل، لا على الأداء
. وفيه نظر؛ لأنّه يدل على الحرص في الأداء ويؤول إليه، بل قد يدّعى أنّه عين الحرص على ذلك على الوجه البليغ، كذا قيل
. وفيه نظر.
وإذا دعي الشاهد للإقامة إقامة الشهادة بعد تحمّلها وجب إقامتها بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الظاهر، المصرّح به في كثير من العبائر
كالقواعد والتحرير والدروس والروضة والمسالك
، وغيرها من كتب الجماعة
، وهو الحجة.
مضافاً إلى
الكتاب والسنّة المستفيضة، بل المتواترة.
قال تعالى «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ»
وفي غير واحد من
النصوص: «أقم الشهادة ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين»
. وقال عزّ شأنه «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»
.
وفي المروي بعدّة طرق في
الكافي والفقيه وعقاب الأعمال
والأمالي، عن
جابر، عن أبي جعفر (علیهالسّلام) قال: «قال
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم، أو ليزوي» وفي الفقيه: «ليتوي» «بها مال امرئ مسلم أتى
يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر، وفي وجهه كُدوح يعرفه الخلائق باسمه ونسبه، ومن شهد بشهادة حق ليحيي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه» ثم قال
أبو جعفر (علیهالسّلام): «ألا ترى أنّ الله عزّ وجلّ يقول «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ»»
.
وفي حديث المناهي المروي في
الفقيه: «أنّه صلّى عليه وآله نهى عن كتمان الشهادة، وقال: من كتمها أطعمه الله تعالى لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله عزّ وجلّ «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ»»
الآية.
ونحوه مروي عن
عقاب الأعمال.
وعن
العيون في حديث النص على
مولانا الرضا (علیهالسّلام) أنّه قال: «وإن سئلت عن الشهادة فأدّها، فإنّ الله تعالى يقول «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»
وقال «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً»
»
. إلى غير ذلك من النصوص.
وإطلاقها كالآيات المشار إليها وإن اقتضى وجوب الإقامة عيناً، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على وجوبها كفايةً إن زاد الشهود على العدد المعتبر شرعاً، وإلاّ فمقتضاها، وادّعوا عليه الإجماعات التي نقلناها، وهي كافية في تقييد الإطلاقات.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء لتحمّل الشهادة إلاّ مع خوف فوت الحق بعدم شهادة غيره، منها: زيادةً على ما مرّ الصحيحان: «إذا سمع الرجل الشهادة ولم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت»
وقال في ثانيهما: «إذا أُشهد لم يكن له إلاّ أن يشهد»
.
والخبر: عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما، قال: «ذاك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، وإن شهد شهد بحق، وإن لم يشهد فلا شيء عليه لأنّهما لم يُشهداه»
.
وهذه النصوص وإن دلت بإطلاقها على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء للتحمل مطلقاً ولو انحصر ثبوت الحق بشهادتهما، ولم يقل به أحد وإن توهم من جمع، ولكن التحقيق خلافه كما يظهر من بعضهم
ومن
الفاضل في
المختلف إلاّ أنّها محمولة على صورة عدم الانحصار؛ للموثق
وغيره
: «إذا سمع الرجل الشهادة ولم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت، إلاّ إذا علم من الظالم فيشهد، ولا يحلّ له إلاّ أن يشهد».
وبذلك صرّح
الصدوق في الفقيه، فقال بعد نقل الخبر الذي جعل الخيار فيه إلى الشاهد بحساب الرجلين: هو إذا كان على الحق غيره من الشهود، فمتى علم أنّ صاحب الحق مظلوم ولا يحيى حقّه إلاّ بشهادته وجب عليه إقامتها، ولم يحلّ له كتمانها، فقد قال
الصادق (علیهالسّلام): «العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوماً»
. انتهى.
وبالجملة: دلالة هذه النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض على عدم الوجوب عيناً، وكونه كفايةً فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعاً واضحة، ولا إشكال فيها من هذه الجهة، بل الإشكال فيها إنّما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء لتحمّل الشهادة فتجب الإقامة عيناً مطلقاً ولو زاد عددهم عن المعتبر شرعاً، وعدمه فتجب كفايةً مع الزيادة، وعيناً مع عدمها.
وهو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين، حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقاً ولو في الصورة الاولى مع الزيادة، وادّعوا إجماعاتهم المتقدّمة على ذلك كذلك.
إلاّ أنّ جمهور قدماء الأصحاب
كالشيخ في
النهاية والإسكافي والقاضي والحلبي وابني زهرة وحمزة
على التفصيل المتقدّم إليه الإشارة.
واستدل لهم زيادةً على ذلك بأنّه مع عدم الاستدعاء لم يؤخذ منه التزام، بخلاف ما إذا تحمّل قصداً، فإنّه يكون ملتزماً،
كضمان الأموال.
والمسألة عند العبد محل تردّد، من استفاضة المعتبرة الصريحة المعتضدة بالشهرة القديمة وتعليلهم المتقدّم إليه الإشارة.
ومن إطلاقات الكتاب والسنّة بوجوب الإقامة، المعتضدة بالأصل، والشهرة العظيمة المتأخرة، وإطلاقات الإجماعات المحكية على الوجوب كفايةً، وبعض الأُمور الاعتبارية التي استدل بها جماعة
، من أنّها أمانة جعلت عنده فوجب عليه الخروج منها، كما أنّ الأمانات المالية تارةً يحصل عنده بقبولها
كالوديعة، وتارةً بغيره كإطارة الريح ونحوها.
إلاّ أنّ الأقرب: الأوّل؛ لرجحان مستنده على مستند الثاني، لكونه مطلقات، دون مستند الأوّل، لكونه أخباراً خاصّة واضحة الدلالة، فلتكن عليها مقدمة، والشهرة متعارضة، كالتعليلات الاعتبارية، وإلى المختار يميل في
الكفاية.
ومحصّله أنّ الوجوب كفائي إلاّ مع الاستدعاء للتحمّل فعيني، وهو كباقي الأُمور الموجبة لرجوع
الواجب الكفائي إلى
العيني لا ينافي كفائية الواجب من أصله.
ومن هنا يظهر جواب آخر عن الإجماعات المحكية على وجوب الإقامة كفايةً على الإطلاق؛ لوضوح كون المدّعى فيها كفائيته في نفسه المجامعة للعينية بالعرض، ولا مانع في كون الاستدعاء من العوارض.
وكيف كان، فلا ريب في وجوب الإقامة ولا خلاف فيه ولو في الجملة إلاّ مع خوف ترتّب ضرر بسبب الشهادة غير مستحق على الشاهد، أو المشهود عليه، أو بعض
المؤمنين، فلا تجب حينئذ، بل تحرم بلا خلاف؛ للاعتبار، مع أنّه لا حرج ولا ضرر ولا ضرار، كما في الآيات والأخبار.
وفي الخبر: «أقم الشهادة» إلى أن قال: «فإن خفت على أخيك ضيماً فلا»
.
وقريب منه آخر في نسخة، ولكن في أُخرى من دون ذكر «فلا» مبدلاً فيها الفاء الاولى بالواو
.
وفي ثالث: قلت له رجل من مواليك عليه
دين لرجل مخالف يريد أن يعسره ويحبسه وقد علم الله تعالى أنّه ليس عنده ولا يقدر عليه، وليس لغريمه بيّنة، هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسّر الله تعالى له؟ وإن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدر، هل يجوز أن يشهدوا عليه؟ قال: «لا يجوز أن يشهدوا عليه، ولا ينوي ظلمه»
.
ونحوه آخر: «لا يحلّ لك أن تقيم الشهادة في حال العسر»
.
وقصور الأسانيد مجبور بالعمل، وموافقة الكتاب والسنّة، والاعتبار بنفي الحرج والضرر في
الشريعة.
واحترز بغير المستحق عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه وتوجب شهادته لا المطالبة، فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب؛ لأنّه ضرر مستحق.
واعلم أنّه إنّما يجب على الشاهد الإقامة ولا يحل له الامتناع منها مع التمكن إن ثبت الحق بشهادته؛ لانضمام ما يتم به العدد، أو حلف المدّعى إن كان مما يثبت بشاهد ويمين.
فلو طلب من اثنين يثبت بهما لزمهما الأداء، وليس لأحدهما الامتناع، بناءً على تخيّلهما الاكتفاء بحلف المدّعى مع الآخر فيأبيان عن الأداء؛ للعموم، وأنّ من مقاصد الإشهاد التورّع عن
اليمين.
ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب عليهما كفايةً كما مضى.
ولو كان واحداً لزمه الأداء إن كان ممّا يثبت بشاهد ويمين، وإلاّ فلا إن لم يحتمل معه وجود من يتم به العدد، وإلاّ فيجب أيضاً.
قالوا: ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة
الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته. ولا بأس به.
ولو لم يكن الشهود عدولاً، فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم ولو عند
حاكم الجور وجب الإعلام أيضاً؛ للعموم، وإلاّ فوجهان، أجودهما الوجوب؛ لذلك، مع إمكان حصول
العدالة بالتوبة.
ولو دُعي من له أهلية الشهادة للتحمّل لها ففي وجوبه عليه مع عدم خوف ترتب ضرر غير مستحق به عليه أو على غيره من إخوانه قولان والمروي في المعتبرة المستفيضة الوجوب.
ففي الصحيح: في قول
الله عزّ وجلّ «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ» قال: «قبل الشهادة» وقوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» قال: «بعد الشهادة»
. ونحوه آخر، لكن إلى قوله: «قبل
الشهادة»
.
وفي ثالث: في
الآية المزبورة، فقال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم» وقال: «فذلك قبل الكتاب»
. ونحوه
الموثق، وما يقرب من الصحيح مثله متناً وسنداً بل ربما يعدّ صحيحا
. وفي مثله سنداً في الآية المزبورة أيضاً، فقال: «إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه»
.
وفي الخبر: قال: «لا يأب الشهداء أن تجيب حين تدعى قبل الكتاب»
. وفي آخر: «إذا دعيت إلى الشهاد فأجب»
.
وقصور سندهما أو ضعفهما كبعض ما تقدّم إن كان مجبور، مع قصور دلالة «لا ينبغي» في بعضها على التحريم بعمل
الأصحاب وفهمهم كافّة، عدا
الحلّي خاصّة
، وهو شاذّ نادر كما في
الدروس، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه، وهو
الحجة.
مضافاً إلى تلك المعتبرة، وما استدل به جماعة
من أنّه من الضروريات التي لا ينفكّ
الإنسان عنها؛ لوقوع الحاجة إلى المعاملات والمناكحات، فوجب في الحكمة إيجابه ليحسم مادّة النزاع المترتب على تركه غالباً.
هذا مضافاً إلى نفس الآية المسئول عن تفسيرها في المعتبرة المزبورة، بناءً على وضوح دلالتها على وجوب التحمّل ولو لم تكن فيها واردة؛ لأنّها منساقة في معرض الإرشاد بالإشهاد، للأمر بالكتابة ونهي الكاتب عن الإباء، ثم الأمر بالإشهاد ونهي الشاهد من الإباء، فالسياق يعيّن إرادة التحمل دون الأداء.
ومستند الحلّي غير واضح، عدا
الأصل، والطعن في الأخبار بأنّها من الآحاد، ومنع الدلالة في الآية؛ لظهورها في الأداء، فإنّ
إطلاق الشهيد حقيقةً إنّما هو بعد التحمّل.
ويضعّف الأصل بلزوم الخروج عنه بما مرّ من
النص، والطعن فيه بكونه من الآحاد غير جيّد حتى على أصله، لشهادة فتاوي العلماء ومنهم كافّة القدماء كما هو الظاهر، المصرّح به في
المختلف على صحته. ومنه يظهر فساد منع دلالة الآية؛ لوروده في تفسيرها، مضافاً إلى ما عرفت من شهادة السياق بصحته.
نعم في الوسائل عن
مولانا العسكري (علیهالسّلام) في تفسيره عن مولانا
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في الآية المزبورة قال: «من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها، وليقمها، ولينصح فيها، ولا تأخذه فيها لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر»
. وهو ظاهر في ورودها في الأداء، لكن قال (علیهالسّلام) بعد ذلك: «وفي خبر آخر قال: نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» يعني كافر قلبه»
وهو نص فيما ذكره الأصحاب ويرجع بفتواهم.
وعلى المختار فهل وجوبه على الكفاية كما عليه الشيخ في المبسوط والنهاية، والإسكافي، والفاضلان في كتبهما،
وفخر الدين،
والمفلح الصيمري، والشهيدان في كتبهما
، وغيرهم من متأخري الأصحاب ومتأخريهم
، أم على الأعيان كما يحكى في
الإيضاح وشرح الشرائع للصيمري عن ظاهر
المفيد والحلبي والقاضي والديلمي وابن زهرة؟
ظاهر الآية والأخبار: الثاني، إلاّ أنّ إطباق المتأخرين على الأوّل يرجّحه، سيّما مع ما يظهر منهم من عدم الخلاف فيه، وأنّ محله إنّما هو أصل الوجوب، لا كونه عينياً أو كفائياً؛ ولذا لم ينقلوا في كفائيته خلافاً عدا من مرّ.
نعم ربما يتوهم من عبارة الماتن في
الشرائع والفاضل في التحرير والقواعد
وقوع الخلاف في الكفائية أيضاً؛ حيث إنّهما حكما بها هنا من غير دعوى إجماع، وادعوه عليها في الأداء.
وهو ضعيف جدّاً؛ لظهور عبارتهما في رجوع دعواهما
الإجماع في الأداء إلى مطلق الوجوب، دون خصوصية كفائيته، ومقتضاها حينئذ عدم الإجماع على الوجوب هنا، لا على عدم كفائيته، هذا.
وربما يرشد إلى الكفاية هنا سياق الأخبار، حيث جعلوا الوجوب فيه مقابلاً للوجوب في الأداء، وهو فيه على الكفاية في الجملة أو مطلقاً، فليكن هنا كذلك أيضاً.
مضافاً إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائية وجوب الأداء؛ فإنّ كفائيته مع الاتفاق على وجوبه يستلزم كفائية الوجوب هنا، لأضعفيته منه، نظراً إلى وقوع الخلاف في أصله، دونه، فتأمّل جدّاً.
وعلى القولين يتعين التحمّل على من دعي إليه مع عدم من يقوم بالتحمّل بلا إشكال ولا خلاف إلاّ من الحلّي، وقد مرّ ضعفه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۷۲-۳۸۵.