ما يحرم أكله
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هناك حالات يحرم فيها أكل الطعام كمال الحرام ومال اليتيم.
صرّح الفقهاء بأنّه لا يجوز
أكل ما حرّمه الشارع، سواء كانت حرمته ذاتيّة- كالميتة والدم ولحم الخنزير والكلب والحشرات كلّها والمسكرات والعذرات وبعض الحيوانات البحرية والبرية والطيور- أو كانت عرضيّة، كالحيوان الجلّال أو الطعام الذي وقع فيه شيء من الخمر أو الفقّاع أو الدم أو غير ذلك من الأعيان النجسة أو المتنجّسة.
الأصل حرمة أكل مال الغير المحترم بدون إذنه ولا
إذن شرعي
بالإجماع ، بل الضرورة.
قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ».
ولما رواه
زيد الشحّام عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجّة الوداع- إلى أن قال:- فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم... فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّابطيبة نفسه».
وهذا يأتي في موارد:
ذهب الفقهاء إلى أنّ أكل مال اليتيم ظلماً وعدواناً حرام شرعاً، وهو من الكبائر التي توعّد اللَّه سبحانه عليها النار،
قال سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً».
وقد استفاضت به الأخبار.
ثمّ إنّ الأكل في الآية والرواية بمعنى التصرّف. نعم، هو يشمل الأكل بمعنى
البلع أيضاً، كما ذكره الفقهاء.
أكل مال الغصب حرام؛ لأنّه معصية، وتحريمه ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ».
وأمّا السنّة، فقد جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في خطبة الوداع: «أيّها الناس، إنّما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لمؤمن مال
أخيه إلّاعن طيب نفس منه».
يحرم أكل كلّ مال يحصل
للإنسان بسبب
باطل ،
كالقمار والربا والمعاملات الفاسدة؛
لأنّ ذلك من الأكل بالباطل الذي نهي عنه في قوله عزّ من قائل:«وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ».
والروايات
بذلك كثيرة
متواترة :
منها: ما رواه
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل، وقال: «هو سحت».
ومنها: ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث- قال: «ومن أكل
الربا ملأ اللَّه بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل، وإن اكتسب منه مالًا لم يقبل اللَّه منه شيئاً من عمله، ولم يزل في لعنة اللَّه والملائكة ما كان عنده قيراط».
وتفصيل البحث في كلّ مورد يأتي في محلّه.
يحرم الأكل في
آنية الذهب والفضّة، قال
الشيخ الطوسي : «أواني
الذهب والفضّة لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغير ذلك، والمفضّض لا يجوز أن يشرب أو يؤكل من الموضع المفضّض ويستعمل غير ذلك الموضع، وكذلك لا يجوز
الانتفاع بها في البخور والتطيّب وغير ذلك؛ لأنّ النهي عن استعماله عام يجب حمله على عمومه، ومن أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضّة فإنّه يكون قد فعل محرّماً».
صرّح الفقهاء بأنّه لا يجوز أكل ذبيحة الكفّار-
كالوثني والمرتدّ وأصناف الهنود والغلاة والنواصب وغيرهم- بلا خلاف فيه بل
الإجماع عليه،
فإنّ اللَّه يقول:«وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ»،
ويقول: «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ».
فحرّم سبحانه أكل ما لم يذكر اسم اللَّه عليه من الذبائح، وحذّر من دخول الشبهة فيه، وأصناف الكفّار لا يرون التسمية على الذبائح فرضاً ولا سنّة.
وفي رواية
محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال: «كان
علي عليه السلام ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم ومناكحتهم».
وأمّا ذبائح الكتابي فقد اختلف فيها الفقهاء على أقوال:
فذهب أكثرهم إلى حرمة أكل ذبيحة
اليهودي والنصراني والمجوسي،
وادّعي عليه الإجماع،
لقوله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ»،
وهؤلاء لا يذكرون اسم اللَّه عليها؛ لأنّهم غير عارفين باللَّه، وإنّما يكون الاسم متوجّهاً إليه بالقصد، فمن لا يعرفه لا يصحّ أن يقصد به اسمه.
ولما في الروايات الواردة في المقام:
منها: ما رواه
إسماعيل بن جابر ، قال:قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «لا تأكل من ذبائح اليهود
والنصارى ولا تأكل في آنيتهم».
ومنها: رواية
علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى، هل تحلّ؟ قال: «كل ما ذكر اسم اللَّه عليه».
وذهب جماعة منهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى الحلّ.
لكن شرط الشيخ الصدوق سماع تسميتهم عليها، حيث قال: «لا تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني
والمجوسي إلّا إذا سمعتهم يذكرون اسم اللَّه عليها، فإذا ذكروا اسم اللَّه فلا بأس بأكلها».
وأمّا الناصبة لآل محمّد عليهم السلام فقد صرّح الفقهاء بحرمة ذبيحتهم، فهم
الخوارج ومن ضارعهم في عداوة أمير المؤمنين عليه السلام وعترته الأطهار عليهم السلام،
بلا خلاف فيه،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
لأنّهم بذلك لاحقون بالكفّار في تحريم ذبائحهم، لأنّهم وإن كانوا يرون التسمية على الذكاة فإنّهم بحكم أهل
الارتداد عن
الإسلام ؛ لعنادهم لأولياء اللَّه عزّوجلّ.
واستدلّ لذلك بما رواه أبو بصير، قال:سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «ذبيحة الناصب لا تحلّ».
وما رواه
زكريا بن آدم ، قال: قال
أبو الحسن عليه السلام : «إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلّافي وقت الضرورة إليه».
ذهب جمع من الفقهاء إلى عدم جواز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم، ولا استعمال أوانيهم إلّابعد غسلها بالماء، وكلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله؛ لأنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه.
واستدلّ لحرمة مؤاكلتهم بما ورد عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن
مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة، وأرقد معه على فراش واحد واصافحه، قال: «لا».
وما عن العيص، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي، أفآكل من طعامهم؟ قال:«لا».
أمّا نجاسة ما باشروه فهو تابع
لأصل الحكم بنجاستهم الذاتية وعدمها، فبعد ذهاب المعظم إلى نجاسة غير أهل الكتاب،اختلفوا في طهارة
أهل الكتاب ، فذهب بعض إلى طهارتهم وجواز
الأكل معهم؛
لقوله تعالى: «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ».
وصحيح
العيص بن القاسم ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي، فقال: «إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس».
ولكن ذهب الأكثر إلى نجاستهم وحرمة الأكل معهم؛
لقوله سبحانه وتعالى:«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»،
فإنّ اليهود والنصارى مشركون،
ولصحيحة محمّد ابن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوسي، فقال:«لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون...».
يكره أكل ما باشره الجنب والحائض، إذا كانا غير مأمونين، وكذا من لا يتوقّى النجاسات، وأمّا إذا كانا مأمونين فلا بأس بأكل ما باشرهما من الخبز والطبيخ وأشباه ذلك.
واستدلّ على كراهته بأنّ
الاحتياط يقتضي التجنّب عن المشتبه بالمحرّمات وعدم أكل ما باشره الجنب والحائض المتّهمين بالنجاسة، وكذا كلّ متّهم بعدم
الاجتناب عن النجاسات، بل عن المحرّمات مطلقاً، مثل الظلمة كالعاشر، ولا يحكم بالتحريم، ولا بنجاسة ما بأيديهم وما باشروه.
صرّح الفقهاء بأنّه لا يجوز للمحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله، سواء كان محلّل الأكل أو لم يكن، والمشهور شهرة عظيمة
حرمة أكله حرمة مطلقة حتى على المحلّ، ويصير ميتة يحرم أكله على جميع الناس،
بل ادّعي عليه الإجماع.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۸۹-۲۹۵.