ما يكره الاكتساب به
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي كل الاكتساب التي يكره التكسب بها لإفضائه أو لضعته ..
(والمكروه : إمّا
لإفضائه إلى المحرّم) أو المكروه (غالباً ك)
اتّخاذ (الصرف) حرفة، فإنّ فاعله لا يسلم من
الربا .(وبيع الأكفان) فإنّه يتمنّى
الوباء .(و) بيع (الطعام) فإنّه يتمنّى الغلاء، ولا يسلم من
الاحتكار غالباً.(و) بيع (الرقيق) والعبيد؛ فإنّه يكون أقلّ الناس خيراً، فإنّ شرّ الناس من باع الناس.(
والصياغة ) لأنّه يُذكّر الدنيا وينسى الآخرة.(والذباحة) فإنّه يسلب من قلبه الرحمة.(وبيع ما يكنّ من السلاح
لأهل الحرب ، كالخفّين والدرع) فإنّ فيه نوع ركون إليهم ومودّة.
ولا خلاف في كراهة شيء من ذلك؛ للنصوص المستفيضة، ففي الخبر : «لا تسلّمه صيرفيّاً، فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا، ولا تسلّمه بيّاع أكفان، فإنّ صاحب
الأكفان يسرّه الوباء إذا كان، ولا تسلّمه بيّاع طعام، فإنّه لا يسلم من الاحتكار، ولا تسلّمه جزّاراً، فإنّ الجزّار تُسلب منه الرحمة، ولا تسلّمه نخّاساً، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : شرّ الناس من باع الناس».
ونحوه آخر، مبدّلاً الصيرفي بالصائغ، معلّلاً بأنّه يعالج زين أُمّتي.
وظاهرهما كغيرهما
اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة، دون أن يصدر ذلك منه مرّة، بل ظاهر بعض المعتبرة عدم الكراهة مطلقاً إذا اتّقى الله سبحانه، ففي الموثق كالصحيح : «كلّ شيء ممّا يباع إذا اتّقى الله عزّ وجلّ فيه العبد فلا بأس به».
وفي الخبر المعتبر الوارد في الصرف :«خذ سواء وأعط سواء، فإذا حضرت الصلاة فَدَعْ ما بيدك وانهض إلى الصلاة، أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة».
ولو لا الشهرة بين الأصحاب وجواز
المسامحة في أدلّة الكراهة
والاستحباب لكان القول
بالإباحة المطلقة من دون كراهة غير بعيد؛ للأصل، وما مرّ من المعتبرة، وقصور سند الروايات المانعة، واحتمال ورودها مورد الغلبة.
ثم إنّ النصوص والعبارة وغيرها وإن أطلقت المنع عن الأُمور المزبورة والآتية إلاّ أنّه ينبغي التقييد بعدم
احتياج الناس إليها، وإلاّ فيجب عيناً أو كفايةً اتّفاقاً. ولا ينافيه
الإطلاق المتقدّم؛ لوروده مورد الغالب الذي ليس محل الفرض منه جدّاً.
(وإمّا لضعته) ورذالته (كالحياكة) والنساجة، ففي الخبر : «ولد الحائك لا ينجب إلى سبعة بطون».(
والحجامة ) إذا شرط الأُجرة لا بدونها؛ للمعتبرين، أحدهما الموثق كالصحيح : عن كسب الحجّام، فقال : «مكروه له أن يشارط، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه، وإنّما يكره له ولا بأس عليك» رواه في المسالك عن
الصادق عليه السلام .
والثاني : «لا بأس به إذا لم يشارطه».
وبه يجمع بين إطلاق الأخبار المختلفة في المنع والإباحة، وفيها الصحيح وغيره، في الجانبين.ويحتمل الجمع بحمل الأوّل على الكراهة مطلقاً والثاني على الجواز، إلاّ أنّ الأوّل أرجح، لوضوح الشاهد عليه من الخبرين وفتوى الأكثر، وإن كان الكراهة مطلقاً كما في اللمعة غير بعيدة.
(وضراب
الفحل ) بأن يؤاجره لذلك؛ للمرسل : «نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عَسْب الفحل، وهو أجرة الضراب».
ويستفاد من المعتبرين عدم الكراهة، أحدهما الصحيح : عن أجرالتيوس والتيْس : الذَّكَر من المعز إذا أتى عليه حول. والجمع : تُيُوس.
قال : «إن كانت العرب لتعاير به ولا بأس».
وفي الثاني : إنّ لي تَيْساً أكريه، فما تقول في كسبه؟ قال : «كُلْ كسبه فإنّه لك حلال، والناس يكرهونه لتعيير الناس بعضهم بعضاً».
(ولا بأس بالختانة وخفض الجواري) بلا خلاف؛
للأصل ، والصحيح وغيره
في الثاني، مع أنّهما من السنن المرغّب إليهما في المعتبرة،
ولا ريب في منافاة ذلك للكراهة.
(وإمّا لتطرّق الشبهة) المندوب إلى تركها في النصوص المستفيضة (ككسب الصبيان) المجهول أصله؛ لحصول الشبهة فيه من اجتراء الصبي على ما لا يحلّ لجهله، أو علمه
بارتفاع القلم عنه.ولو علم
اكتسابه من محلّل فلا كراهة، وإن أطلق الأكثر، كما أنّه لو علم تحصيله أو بعضه من محرّم وجب
اجتنابه ، أو اجتناب ما علم منه أو اشتبه به وكان محصوراً.
وفي الخبر : «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنّه إذا لم يجد سرق».
ومحل الكراهة تكسّب الولي به، أو أخذه منه، أو الصبي بعد رفع الحجر عنه.(و) نحوه كسب (من لا يجتنب المحارم) المتعلّقة بالمال لا مطلقاً، فلا يكره كسب المجتنب عنها فيه، والغير المجتنب عنها في غيره.
•
كراهة أخذ الاُجرة على تعليم القرآن ونسخه،(ومن المكروه) أخذ (الأُجرة على تعليم
القرآن ، ونسخه، وكسب القابلة مع الشرط، ولا بأس به لو تجرّد) عنه، وفاقاً للأكثر.
وأمّا الكراهة في القابلة مع الشرط فلم أقف فيها على دلالة، بل أصالة الإباحة المطلقة والضرورة في ردّها أوضح قرينة، إلاّ أن يكون إجماعاً، والمناقشة فيه واضحة، مع أنّ المحكي عن
المنتهى الإباحة من دون تقييد بالكراهة، إلاّ أنّها لا بأس بها، لما عرفت من جواز المسامحة في نحو المسألة.
ثم إنّ الواجب تقييد الجواز على القول به مطلقاً أو في الجملة بصورة ما إذا لم يكن أحد الأمرين واجباً ولو كفايةً، وإلاّ فينتفي رأساً ويثبت التحريم إجماعاً، فتوًى ودليلاً.فاتّخاذ بعض شرّاح الكتاب
هذا التفصيل قولاً آخر في المسألة ضعيف جدّاً، وإن كان ما ذكره حقّا.
(ولا بأس بأُجرة تعليم الحِكَم والآداب)
كالكتابة والحساب، بلا خلاف، للأصل السالم عن المعارض.وفي الخبر : «لا تأخذ على التعليم أجراً» قلت : الشعر والرسائل وما أشبه ذلك أُشارط عليه؟ قال : «نعم بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم».
وفي آخر : إنّ لنا جاراً يكتّب، وسألني أن أسألك عن عمله، فقال : «مُره إذا دُفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّما أُعلّمه الكتاب والحساب وأتّجر عليه بتعليم
القرآن حتّى يطيب له كسبه».
وما في هذه الرواية من وجه الفرار عمّا يترتّب على أخذ الأُجرة على تعليم القرآن من الكراهة حيلة حسنة يحسن اتّخاذ المعلّمين لها وسيلة للخروج عن الشبهة الناشئة من القول بالحرمة إن كان الأطفال من أهل القابليّة لمعرفة الكتاب والحساب، وإلاّ فيبدّلونهما بالحفظ والتأديب، فيُجعل
الأجر لهما لا للتعليم.
ويستفاد من الأوّل وجوب التسوية بينهم في التعليم، ولا ريب فيه مع الإطلاق ومساواة الأُجرة. وإلاّ ففيه نظر؛ للأصل، وضعف الخبر، بل ربما يحسن التفضيل، بل يجب بالقابليّة، أو عوارض أُخر. فالقول بوجوب
التسوية مطلقاً إلاّ إذا آجر نفسه من كلٍّ لتعليم شيء مخصوص يزيد على الآخر خاصّة كما عن النهاية
محلّ مناقشة؛ لما مرّ إليه
الإشارة .(وقد يكره الاكتساب بأشياء أُخر يأتي) ذكرها (إن شاء الله تعالى) في تضاعيف المباحث الآتية.
رياض المسائل، ج۸، ص۱۸۶-۱۹۴.