مكروهات الجنابة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يكره قراءة ما زاد على سبع آيات، ومسّ المصحف وحمله، والنوم قبل الوضوء، و
الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق، والخضاب.
(ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات) للمضمر : عن الجنب هل يقرأ
القرآن ؟ قال : «ما بينه وبين سبع آيات».
وتشتد فيما زاد على سبعين للمضمر الآخر : قال بدل ما تقدّم : «ما بينه وبين سبعين آية».
أمّا الجواز فمقطوع به بين أكثر الأصحاب كما في المختلف،
بل عن
الانتصار والخلاف والغنية وأحكام
الراوندي والمعتبر :
الإجماع عليه،
والصحاح بذلك مستفيضة
كغيرها من المعتبرة المعتضدة بالأصل والعمومات والشهرة (العظيمة). وليس شيء من المضمرين وغيرهما ممّا سيأتي يصلح لتخصيصها بالبديهة ولا سيّما
لإثبات الحرمة، لعدم الصراحة، لكن باب المسامحة في أدلّة
الاستحباب والكراهة مفتوحة، فلأجل ذلك حكم بها في موردهما تبعا للجماعة.
ولا يمكن الحكم بها في مطلق القراءة؛ لموافقة الناهية عنها كذلك
ـ مع ضعفها ـ للتقية،
مع مخالفته للشهرة العظيمة، فلا يمكن مع ذلك المسامحة، سيّما مع معارضتها
بالمسامحة في أدلّة السنن ، لفتوى الأصحاب بالاستحباب في الباب، ودلالة النصوص عليه. فظهر ضعف القول بها مطلقاً كما عن الخصال و
المراسم وابن سعيد،
لإطلاق النهي عنه في الخبر المروي في الأوّل : «سبعة لا يقرؤون القرآن : الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي الحمّام، والجنب، والنفساء، والحائض».
والقول (أي ظهر ضعف القول منه رحمه الله. ) بنفيها كذلك كما عن الجمل.
والقول بالتحريم كذلك كما عن سلّار،
للنبوي : «يا علي من كان جنباً في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما».
وهو مع ضعفه واحتماله للتقية محتمل لخصوص العزائم، بل صرّح بكونهما المراد منه في الفقيه.
أو (عطف على قوله : كذلك، أي ظهر ضعف القول بالتحريم فيما زاد على السبع منه رحمه الله.) ما زاد على السبع خاصة، كما عن القاضي وظاهر
المقنعة والنهاية ومحتمل التهذيبين،
وبعض الأصحاب كما حكاه في الخلاف.
أو على السبعين كذلك، كما في
المنتهى عن بعض الأصحاب،
وفي
نهاية الإحكام عن القاضي. وعن المبسوط
الاحتياط أن لا يزيد على سبع أو سبعين.
وهو راجع إلى ما ذكرناه.
(ومسّ المصحف وحمله) للصحيح : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب» الحديث.
وفي الخبر : «لا تمس خيطه ولا تعلقه».
وفي
الاستدلال به للكراهة نظر؛
لاختلاف النسخة في «الخيط» فذكر بدله في بعضها «الخط» والنهي عنه حينئذ للتحريم، و
احتمال ما نهي عن تعلقه ما يباشر
البدن من الكتابة، بل وهما قريبان بملاحظة تعليل النهيين فيه بالآية الكريمة.
فتأمّل.
ولا يحرم وفاقاً للمشهور للأصل، والرضوي : «ولا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء، ومسّ الأوراق».
فيحمل الصحيح على الكراهة جمعاً، وليس الصحيح أقوى من الرضوي بعد
اعتضاده بالأصل والشهرة، بل هو حينئذ مع اعتباره في نفسه أقوى منه. فظهر ضعف القول بالتحريم ومستنده كما عن المرتضى.
(والنوم ما لم يتوضأ) إجماعاً كما عن
المعتبر والمنتهى والغنية وظاهر الذكرى؛
للمعتبرة منها الصحيح : عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال : «يكره ذلك حتى يتوضأ».
وظاهره كالمتن وغيره انتفاء الكراهة مع الوضوء، إلّا أنّ مقتضى مثله سنداً بقاؤها إلى
الاغتسال ، لتعليل الأ [[]] مر بالغسل فيه بعد الفراغ ب «أنّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية».
ولذا قيل بها مع الخفة بالوضوء،
وحكي عن ظاهر النهاية والسرائر
وهو حسن؛ وفي الموثّق : عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم، قال : «إن أحبّ أن يتوضأ فليفعل، والغسل أفضل من ذلك»
إشعار بذلك. ولا خلاف في الجواز، كما في آخره والصحيح.
ولو لم يتمكن من الطهارتين بالماء أمكن استحباب التيمم؛ للعموم، وخصوص الخبر : «لا ينام
المسلم وهو جنب ولا ينام إلّا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد».
ويتخير في نية البدلية عن أحد الطهورين. و
اختيار نية البدلية عن الغسل أفضل، فتأمّل. وعن الاقتصاد
إطلاق الكراهية،
وعن المهذّب تخصيصها بعدم الاغتسال أو
الاستنشاق والمضمضة.
(و
الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق) في المشهور، بل عن الغنية و
التذكرة الإجماع عليه؛
لورود النهي عنهما في المعتبرة.
منها : خبر المناهي في آخر
الفقيه : «نهى
رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن الأكل على الجنابة وقال : إنه يورث الفقر».
ومنها : الرضوي : «وإذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمَّ كل واشرب إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك
البرص ، ولا تعوّد على ذلك».
وفي الخبر : «لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض، فإنه يخاف منه الوضح»
أي البرص. والنهي فيها مع قصور أسانيدها للكراهة؛ للأصل، مع ما تقدم من الإجماع، والموثق : عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : «نعم ويذكر ما شاء»
مع إشعار سياقها بالكراهة.
فالقول بالحرمة قبل الأمرين وغسل اليدين ـ كما عن الفقيه
ـ مع شذوذه ضعيف، مع احتمال عدم مخالفته، لإشعار التعليل في عبارته بعدمها بل بالكراهة. وظاهر المتن ـ كالمحكي عن المشهور
ـ انتفاؤها بالأمرين؛ ولا مستند له من الأخبار في البين. كما لا مستند للمحكي عن المنتهى و
التحرير ونهاية الإحكام و
الدروس من التخيير في نفيها بهما أو بالوضوء؛ وليس في الصحيحين النافيين لها به خاصة ـ كما في أحدهما
ـ أو مع غسل اليد مخيّراً بينهما مع أفضلية الوضوء ـ كما في ثانيهما
ـ دلالة عليه.
وظاهر الفقيه و
الهداية و
الأمالي : انتفاؤها بالأمرين في المتن مع غسل اليدين
للرضوي المتقدّم. وعن المعتبر انتفاؤها بغسلهما وبالأول منهما
وليس في الصحيح : «الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه»
دلالة عليه، لزيادة الثالث. كما لا دلالة فيه على ما حكي عن النفلية وإن زيد فيها،
لازدياد الاستنشاق أيضاً مع خلوه عنه. والكلّ حسن ـ إن شاء اللّه ـ مع ترتب الكلّ في الفضيلة، فأكملها الوضوء، ثمَّ الأمران مع
غسل الوجه واليدين ، ثمَّ هما مع الثاني، ثمَّ هما فقط، ثمَّ هو خاصة.
ونصّ الشرائع بثبوت الخفة بذلك لا
الانتفاء بالكلية،
كما عن
الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر والنهاية
ولا بأس به؛ لرواية المناهي المتقدمة
المعلّل فيها النهي عن الأكل على
الجنابة بإيراثه الفقر والفاقة، وشيء من الأمور المذكورة لا ترفع الجنابة التي هي المناط في هذه الآفة.
(والخضاب) وهو ما يتلون به من حنّاء وغيره في المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه
للمستفيضة الناهية عن ذلك المعلّل في بعضها بإصابة الشيطان، رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في
مكارم الأخلاق من كتاب اللباس للعيّاشي، عن
مولانا الرضا عليه السلام .
ولا يحرم إجماعاً؛ للمستفيضة النافية للبأس عنه، منها الموثق : عن الجنب والحائض يختضبان؟ قال : «لا بأس».
ومثله الحسن في الجنب على نسخة وبدلها يحتجم في أخرى
مع إشعار المعلّل به.
وعلى ظاهر الأخيرة جمد في الفقيه فنفى البأس مطلقاً،
ويمكن حملها ككلامه على نفي
التحريم المجامع للكراهة جمعاً بينها وبين الأدلة، فلا خلاف فيها نصّا وفتوى. وهي كما دلّت على ثبوتها في الخضاب بعد الجنابة كذا دلّت على العكس، وعلّل هذا أيضاً في الخبر المعلّل بما علّل، ولكن حدّت هنا بعدم أخذ الحنّاء مأخذه، وسُلبت معه، ففي الخبر ـ بعد النهي عنه ـ : «أفلا أدلّك على شيء تفعله؟» قلت : بلى، قال : «إذا اختضبت بالحنّاء وأخذ الحنّاء مأخذه فحينئذ فجامع».
ومثله
المرسل .
ومقتضى حمل المطلقات على الأفراد المتبادرة تخصيص
الاختضاب بالحنّاء ونحوه بالكراهة، فلا يكره غيره؛ للأصل. وما يوجد في عبارة المقنعة من تعليل الكراهة بمنع الخضاب وصول الماء إلى الجسد
وإن اقتضى العموم فيما له لون، إلّا أنه فرع ثبوته؛ مع ما فيه من اقتضائه التحريم لا الكراهة.
رياض المسائل، ج۱، ص۲۲۶- ۲۳۲.