مستحبات التلبية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحب عند
التلبية امور: منها : أ-رفع الصوت و
الإجهار بالتلبية للرجال ، ب- محل الجهر ، ج-
الإكثار من التلبية وتكرارها ، د-الطهارة .
يستحب للرجال رفع
الصوت بالتلبية على
المشهور ،
بل عليه
الإجماع ،
وإليه ذهب غير واحد من
الفقهاء أيضاً.
نعم، ظاهر بعض الفقهاء القول بوجوبه كالشيخ الطوسي في
التهذيب ،
ومال إليه البحراني؛
ولعلّه لظاهر
الأمر في الأخبار، لكنّه محمول على الندب،
خصوصاً بعد عبارة
الشيخ الطوسي في
الخلاف حيث قال: «ولم أجد أحداً ذكر كونه فرضاً».
وقال في
المبسوط : «رفع الصوت بها سنّة مؤكّدة للرجال دون النساء».
وتدلّ عليه روايات عديدة:
منها: صحيح
عمر بن يزيد عنه عليه السلام: «واجهر بها كلّما ركبت، وكلّما نزلت، وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمة، أو لقيت راكباً، وبالأسحار»،
وهو صريح في
استحباب رفع الصوت وإلّا لزم وجوب تكرارها عند
الركوب و
الهبوط ، وهو مقطوع بعدمه.
ومنها:
مرسلة الفقيه : «إنّ
التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية».
ومنها: مرفوع
حريز عن الصادقين عليهما السلام: «أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أحرم أتاه
جبرئيل عليه السلام ، فقال له: مُر أصحابك بالعجّ والثجّ، والعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ: نحر البُدن»،
وصحّحه
السيد الخوئي بما ورد من طريق الصدوق والشيخ الطوسي.
والأمر بالعجّ ورفع الصوت فيه بعد أن أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر في أنّ ذلك إنّما يكون بعد تحقّق
الإحرام و
أداء التلبية الواجبة التي يتحقّق بها الإحرام، لا في التلبية الاولى التي توجب الإحرام.
ولا ريب أنّ التلبيات الأخيرة غير واجبة فضلًا عن
الإجهار بها، فلا بدّ من حمل الأمر برفع الصوت فيها على الاستحباب.
ومنها: ما ورد في صحيح
معاوية بن عمّار ، قال: «وأكثر ما استطعت، واجهر بها».
فالأمر بالإجهار لا يختصّ بالتلبيات الأربع الواجبة، بل يرجع إلى التلبيات الكثيرة المذكورة في
الدعاء ، ولا ريب أنّ هذه التلبيات الكثيرة مستحبة في نفسها، فكيف يمكن أن يكون الجهر بها واجباً
؟! فهذه النصوص المشتملة على الأمر به محمولة على الندب بقرينة ما ذكر.
مضافاً إلى أنّ التلبية من شعائر العبادة، فهي بمنزلة
الأذان ؛ ولأنّ في رفع الصوت تنبيهاً للمستمعين وتذكاراً، ولكن لا يرفع الصوت إلى حدّ يبلغ به إلى قطع الصوت.
وأمّا خصوصية ذلك للرجال وعدم استحبابه للنساء- حتى أنّه ادّعي عدم الخلاف فيه
- فالمستند فيه بعض الروايات:
منها: خبر
أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «ليس على النساء جهر بالتلبية».
ومنها خبر
أبي سعيد المكاري عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ وضع عن النساء أربعاً: الإجهار بالتلبية، و
السعي بين
الصفا والمروة - يعني
الهرولة - ودخول
الكعبة ، و
استلام الحجر الأسود »،
إلى غيرها من الروايات. مضافاً إلى مناسبة ذلك للستر الراجح مراعاته بالنسبة للنساء.
قال
العلّامة الحلّي : «ليس على النساء
إجهار بالتلبية؛ لأنّهنّ مأمورات بالستر؛ لأنّه يخاف من أصواتهنّ
الافتتان ».
وقال
الشهيد الثاني : «لا يستحب ذلك
للمرأة ، بل يستحب لها الستر مطلقاً، ولو جهرت حيث لا يسمعها
الأجنبي جاز، وكذا
الخنثى ».
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ من أحرم من طريق
المدينة يستحب له الجهر عند
البيداء ،
بينما ذهب آخر إلى استحبابه بعد أن يمشي خطوات،
وفصّل جماعة بين الراكب فمن البيداء، وبين الماشي فمن موضع إحرامه.
وأمّا من حجّ على غير طريق المدينة فيستحب له رفع صوته بالتلبية بعد عقد إحرامه ومشي خطوات.
ولو أحرم الحاج من مكّة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على
الأبطح ،
لما تقدّم من صحيح معاوية بن عمّار، بلا فرق في ذلك بين الراكب والماشي، كما هو مقتضى ظاهر
إطلاق كلماتهم.
وقد تقدّمت الروايات الدالّة على ذلك وكذا أقوال الفقهاء ضمن البحث عن
محلّ التلبية ، وتقدّم أنّ بعض الفقهاء حملها على الجهر بالتلبية لا تأخير
أصل التلبية.
تقدّم أنّ الواجب في التلبية التي ينعقد بها الإحرام مرة واحدة، إلّا أنّه يستحب
الإكثار منها وتكرارها ما استطاع
إجماعاً،
خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة كانت أو نافلة، وعند صعود شُرَف أو هبوط وادي، وعند
اليقظة وعند الركوب والنزول وعند ملاقاة راكب وفي
الأسحار ؛ لكونها شعار المحرم، وإجابة لندائه تعالى، ولكونها ذكر وتذكير، مع تضمّنها في البين أذكاراً اخر.
ويدلّ عليه عدّة روايات:
منها: مرسل
ابن فضّال عن رجال شتّى عن
أبي جعفر عليه السلام ، قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً، أشهد اللَّه له ألف ألف ملك ببراءة من النار، و
براءة من
النفاق ».
ومنها: صحيح
ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كان (رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم) يلبّي كلّما لقى راكباً أو علا أكمة أو هبط وادياً، وفي آخر الليل، وفي أدبار الصلوات».
ومنها: ما في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «تقول ذلك في دبر كلّ
صلاة مكتوبة أو نافلة، وحين ينهض بعيرك، وإذا علوت شُرفاً أو هبطت وادياً، أو لقيت راكباً، أو استيقظت من منامك، وبالأسحار، وأكْثِر ما استطعت...»،
إلى غيرها من النصوص.
نعم، صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا يوجد في النصوص استحباب
التكرار عند النوم،
كما ورد في كلمات
المحقّق الحلّي وجمع ممّن تأخّر عنه،
بل ادّعى
الفاضل الهندي أنّه لم يرَ قبل الفاضلين من تعرّض للنوم، ولا قبل العلّامة الحلّي من عمَّم لكلّ حال.
ويمكن أن يكون وجه ذلك ما يظهر من النصوص من استحباب تكريرها عند كلّ أمر حادث، كالنوم و
الاستيقاظ ولقاء الغير، ولعلّ ما ذكر في كلمات الفقهاء من استحبابه عند ركوب الدابة ونزولها ونحوه من باب المثال، كما في صحيح
عمر بن يزيد الذي ورد فيه الأمر بالإجهار عند مواضع متعدّدة،
فإنّه عليه السلام قال: «واجهر بها كلّما ركبت، وكلّما نزلت، وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمة أو لقيت راكباً، وبالأسحار».
مضافاً إلى
التسامح في أدلّة السنن ، خصوصاً في مثل هذه السنّة التي هي ذكر، فتشمله أدلّة استحباب الذكر في كلّ حال.
وأمّا ما يستحب تكراره من التلبيات فقد ورد في رواية معاوية بن عمّار: «أكثر من
ذي المعارج ؛ فإنّ رسول اللَّه كان يكثر بها».
ولكنّ الظاهر عدم لزوم كون تكرار التلبية بالكيفيّة أو الصورة المعتبرة في
انعقاد الإحرام، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار، بل يكفي فيها أن يقول: «لبيك اللّهم
لبيك »، بل لا يبعد كفاية تكرار لفظ لبيك، كما صرّح به
السيد اليزدي ، ووافقه جماعة ممّن تأخّر عنه؛
نظراً إلى إطلاق النصوص الآمرة بالتلبية،
بل يظهر ذلك بملاحظة التكرار في صحيح معاوية بن عمّار.
ذهب بعض الفقهاء- من القدماء والمعاصرين- إلى
اشتراط الطهارة عن الحدث حال التلبية،
وادّعي نفي الخلاف عنه،
وهو- إضافة إلى كونه مقتضى
الأصل - مستفاد أيضاً من الروايات الخاصّة على ما سيأتي.
نعم، لا شكّ في استحباب التلبية مع الطهارة.
ويدلّ على استحبابها ما تقدّم من استحباب الغسل قبل الإحرام واستحباب تكراره عن وقوع الحدث قبل الإحرام الذي منه التلبية كما لا يخفى.
قال
الشيخ الصدوق : «لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهر، وعلى كلّ حال».
وقال الشيخ الطوسي: «لا بأس أن يلبّي
الإنسان وهو على غير طهر».
وقال العلّامة الحلّي: «لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً».
واستدلّ على عدم الاشتراط من طريق الجمهور أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة حين حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت».
واستدلّ له من طريق الخاصّة بقول
الإمام الصادق عليه السلام : «لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهر، وعلى كلّ حال».
وكذا بقول
الإمام الباقر عليه السلام : «لا بأس أن يلبّي
الجنب »،
وكذلك كلّ ما يدلّ على صحّة
إحرام الحائض كما تقدّم تفصيله.
وتستحب عند التلبية امور اخرى ذكرها بعض الفقهاء كاستحباب أن يذكر في تلبيته ما يُحرم به من حجّ أو عمرة؛
لقول الإمام الصادق عليه السلام: «لبيك بحجّة تمامها عليك».
وكذا يستحب له
الإتيان بها على نسق واحد لا يتخلّلها كلام، فإن سلّم عليه أحد ردّ عليه في أثنائها؛ لأنّ ردّ
السلام واجب.
ويستحب أيضاً إذا فرغ من التلبية أن يصلّي على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقوله تعالى: «وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ»،
حيث ورد في بعض التفاسير: «لا اذكر إلّا وتُذكر معي»،
ولأنّ كلّ موضع شرّع فيه ذكر اللَّه تعالى شرّع فيه ذكر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، كالصلاة والأذان.
ومن
الأدب للملبّي أن يرى نفسه بمحضر
الخطاب ، حتى كأنّه يرى عظمة
ربّ الأرباب ، فيهتزّ من
الخشية والهيبة عند ردّ الجواب، وأن يعزم على
الانقياد و
الامتثال حال التلبية، والإتيان بما خاطبه به سبحانه من عبادته.
وأن يلبس ثياب الحياء و
الوقار ، ويتذلّل كمال التذلّل بين يدي
العزيز الجبّار، فإنّ اللفظ إذا تجرّد من هذهالأحوال كان شبيهاً بألفاظ المجانين والأطفال.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۳۰-۴۳۸.