مقدار أرش العيب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد عرفت أنّ
الأرش الذي يجب دفعه هو تفاوت القيمة بين الصحيح والمعيب من العوض أو المعوّض، وحيث إنّه قد يتّفق أن يكون للمتاع قيمتان: واقعيّة:وهي قيمته السوقيّة، ومعاوضيّة: وهي المسمّى في المعاملة، وذلك فيما لو بيعت
السلعة بأقلّ أو أزيد من قيمتها السوقيّة، وإن كان الغالب
اتّفاق القيمتين، من هنا وقع الكلام في أنّ الأرش الذي يجب دفعه هل هو ما به التفاوت بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة الواقعيّة أم بحسب المسمّى، فلو كانت قيمة المعيب نصف قيمة الصحيح كان المضمون نصف المسمّى لا نصف القيمة الواقعيّة يجدر التنبيه هنا إلى أنّ الكلام في أرش العيب بمعنى أنّه إذا وقع العقد على المعيوب بأن يجد المشتري المعوّض معيباً أو البائع العوض كذلك، لا تعيّب المعقود عليه كما لو فسخ البائع بخياره فوجد العين قد تعيبت في يد المشتري عيباً مضموناً، فإنّ البائع حينئذٍ يأخذ تفاوت ما بين القيمتين وليس من الثمن.
ومنشأ ذلك ما يظهر
ابتداءً من الروايات حيث اشتمل بعضها على أنّه يرد قيمة العيب، كخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام الذي ورد فيه: «وردّ البائع عليه قيمة العيب»،
ونحوه غيره.
وبعضها على أخذ أرش العيب، كقوله عليه السلام أيضاً في خبر
حماد : «وله أرش العيب».
وفي رواية
قرب الإسناد : «ويأخذ أرش العيب».
وفي ثالث
استرداد مقدار العيب من الثمن، كقول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر ابن سنان: «ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها».
وقول
أبي جعفر عليه السلام في خبر
زرارة : «وكان يضع له من ثمنها بقدر عيبها».
فإنّ الطائفتين الاوليين ظاهرتان في إرادة قيمة العيب كلّها، ووجوب الرجوع إلى التفاوت بحسب القيمة الواقعيّة، بل والطائفة الثالثة حيث نوقش في دلالتها على ملاحظة ما به التفاوت بحسب المسمّى
كما يأتي. ومن أنّ ما تقتضيه القواعد والتأمّل في الروايات خلاف ذلك.
هذا، والمعروف بين فقهاء
أهل البيت عليهم السلام هو الثاني،
بل نفى عنه الشيخ الأنصاري
الإشكال والخلاف ظاهراً،
ونسبه السيد الخوئي إلى المشهور، وأنّه لم يذهب إلى الرجوع إلى التفاوت بحسب القيمة الواقعيّة أحد،
وفي مفتاح الكرامة والجواهر نسبته إلى بعض الجمهور.
نعم، ظاهر كلام جماعة من القدماء الأوّل، لكنّه حمل على الغالب كظاهر الروايات وهو ظاهر عبارة
المفيد في المقنعة: حيث قال: «يقوّم الشيء صحيحاً ويقوّم معيباً، ويرجع على البائع بقدر ما بين القيمتين»..
ونحوه عبارة الشيخ في
النهاية ، وما حكاه العلّامة في المختلف عن والد الصدوق، ومن هنا نسب الشهيد ذلك في الدروس إلى
علي بن بابويه والمفيد، وكأنّ ابن إدريس في عنى هؤلاء حيث قال: «وهذا ممّا يغلط فيه بعض الفقهاء فيوجبون الأرش ما بين القيمتين».
لكن حمل ذلك على الغالب من شراء الشيء بقيمته السوقيّة كما حملت الروايات، بل قال في مفتاح الكرامة: إنّ «مثل هذا لا يخفى على هؤلاء المشايخ العظام، وهم قد تبعوا في ذلك ظاهر النصّ... والأخبار وكلام هؤلاء منزلة على الغالب من شراء الشيء بقيمته».
وانظر للحمل المذكور أيضاً
و مستند المشهور
استفادة ذلك من الروايات بعد صرف ظاهرها، وحمل إطلاقها على الغالب من مساواة الثمن المسمّى للقيمة السوقيّة، وذلك إمّا للزوم محذور الجمع بين العوض والمعوّض في بعض الأحوال، وإمّا لقرينة التعبير بالردّ فيها، أو لبناء العرف والعقلاء على أنّ المشتري يرجع على البائع بما نقص عليه من قيمة العين بالنسبة إلى هذه المعاملة.
أمّا الأوّل فتقريره أنّه لو قيل بأخذ التفاوت بحسب القيمة الواقعيّة للزم الجمع في بعض الأحوال بين العوض والمعوّض وذلك كما أوضحه في
المبسوط فيما إذا اشترى- مثلًا- جارية تساوي ألفي درهم بألف درهم ووجد بها عيباً نقص نصف قيمتها وهو ألف درهم، فإنّه لو رجع بما نقص من العيب من القيمة لوجب أن يرجع بنصف الألفين فيحصل عنده الثمن- وهو ألف درهم- والمثمن.،
وقد نهى عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «لا يجمع بين العوض والمعوّض لواحد».
ولكن نوقش فيه بأنّه لا محذور فيه مع دلالة الدليل كما ثبت نظير ذلك في الجناية على العبد فإنّ الجناية لها مقدّر شرعاً، وربّما يكون ذلك المقدّر أزيد بمراتب من قيمة العبد لكونه مريضاً أو هرماً أو نحو ذلك، فلا بأس به بعد أن كان المأخوذ غرامة كما في المقام، فإنّ المردود لأجل نقصان الوصف غرامة لا قيمة حتى يلزم الجمع بين العوض والمعوّض وللسيد اليزدي في حاشيته على المكاسب تقرير آخر لهذا الجواب ينسجم مع مبناه من كون ثبوت الأرش على وفق القاعدة، وأنّ وصف الصحّة مقابل بجزء من الثمن في عالم اللبّ، فقال في مقام الجواب على
الاستدلال المذكور: «نمنع ذلك (الجمع بين العوض والمعوّض)؛ إذ الذي يأخذه أرشاً ليس عوضاً عن العين، بل هو عوض لوصف الصحّة، فيلزم الجمع بين العوض- وهو العين- وعوض شيء آخر قد استحقّه على البائع- وهو الوصف- وإنّما يلزم ما ذكر لو كان المأخوذ عوض العين».
وأمّا الثاني فما أفاده
الشيخ الأنصاري من أنّ التعبير بالردّ فيها ظاهره كون المردود شيئاً من الثمن الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه، فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن في بعض الأوقات كما إذا اشترى جارية بدينارين وكان معيبها تسوى مائة وصحيحها تسوى أزيد فيلزم
استحقاق مائة دينار، فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلًا- بقرينة عدم صدق الرد
والاسترجاع - تعيّن كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم
استيعاب التفاوت للثمن، فإذا بني الأمر على ملاحظة الغلبة فمقتضاها
الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة.
لكن نوقش فيه
بإمكان أن ينزّل التعبير بالردّ على الغالب، فلا يكون دليلًا على اختصاص الحكم بذلك.
واستدلّ الآخوند للمشهور أيضاً بقرينة
التشقيق والمقابلة في مرسلة جميل التي ورد فيها عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب».
فبما أنّ الرجوع في الشقّ الأوّل بتمام الثمن فلا محالة يكون الرجوع في الشقّ الثاني ببعض الثمن لا بتمامه.
ولكن ناقش في ذلك تلميذه المحقّق الاصفهاني بأنّ التقابل بين الردّ في الأوّل والأرش في الثاني، لا بين استرداد الثمن في الأوّل وبعضه في الثاني، مع أنّ
الإطلاق إذا كان وارداً مورد الغالب فحيث إنّ الغالب مساواة القيمة للمسمّى فلا محالة يكون المردود بعض المسمّى والقيمة، ولا معيّن حينئذٍ لكون الملاك هي القيمة بما هي أو المسمّى بما هو ليعمل على طبقه في الفرد الغير الغالب.
وأمّا الثالث- أي الرجوع إلى الفهم العرفي- فهو على ما أفاده السيدان الخميني والخوئي وفي عبارة الجواهر
إشارة إليه من أنّ بناء العرف والعقلاء على رجوع المشتري على البائع بمقدار ما تسلّمه البائع بلحاظ وصف الصحّة، وهو التفاوت بالنسبة إلى هذه المعاملة.ففي الجواهر في مقام الاستدلال أنّه هو الذي فات عليه بسبب العيب، وأنّ المراد جبر ما فات عليه بسبب العيب لا غيره ممّا أقدم عليه أو غبن فيه أو غير ذلك.
وقال
السيد الخوئي - ما ملخّصه-: إنّ الأرش ليس على طبق القاعدة، وإنّما هو غرامة ثبتت بالأخبار الخاصّة، فلا بدّ في كيفيّة ثبوته من الرجوع إليها، وظاهر جميعها وجوب ردّ تمام قيمة العيب، إلّا أنّ هذا لا يمكن
الالتزام به؛ لأنّ الظاهر منها وبمقتضى الفهم العرفي هو التفاوت بين الصحيح والمعيب بالنسبة إلى هذه المعاملة، فإنّ الفهم العرفي قاضٍ بأنّ المشتري لا بدّ له أن يطالب البائع بما نقص عليه من قيمة العين بالنسبة إلى هذه المعاملة، فإطلاق الأخبار وإن كان يشمل الاحتمالين-
إرادة التفاوت بالنسبة إلى المسمّى، وإرادة التفاوت بالنسبة إلى القيمة الواقعيّة- إلّا أنّ مقتضى الارتكاز العرفي يصرفه إلى الشقّ الأوّل، وظاهرها وإن كان بحسب النظرة الاولى يساعد على الثاني، ولكن ذلك يزول بالتأمّل فيها، فإنّ المفروض فيها عدم وجود الخلل في المعاملة من غير جهة العيب كالغبن ونحوه، فتكون محمولة على المعاملة المتعارفة، وأنّ ذلك من جهة الغلبة لا أنّها مختصّة بها، بل هي تبيّن الميزان الكلّي في جميع المعاملات، فالمعاملات الغير المتعارفة أيضاً على حسب المعاملات المتعارفة، فيكون المناط فيها ملاحظة أصل الثمن بحسب نسبة التفاوت إلى القيمة الواقعيّة.
وقال
السيد الخميني - ما ملخّصه أيضاً-: لا إشكال في أنّ بناء العرف والعقلاء هو الرجوع إلى البائع بمقدار ما تسلّمه بلحاظ وصف الصحّة، والأرش عندهم ليس إلّا ما ذهب من كيسهم بلحاظ وصف الصحّة، وليس بناؤهم على تغريم البائع بأزيد ممّا خرج من كيس المشتري بلا سبب للضمان والغرامة، ولا على
الإضرار بالمشتري لو اتّفق نقص القيمة الواقعيّة عمّا خرج من كيسه، وعلى هذا بتفصيل وتطويل، المهمّ منه نكتتان أضافهما هناك نشير إليهما: الأولى: أنّ المراد من الغلبة المدّعاة هنا ليس غلبة الأفراد، وإلّا فلا نجوّز حمل المطلق على الفرد الغالب، بل الغلبة من جهة أنّ هذه الروايات بين حكم المعاملة مع فرضها حاوية لبقيّة الجهات، كما هو المتفاهم العرفي، وإلّا فمجرّد تساوي القيمتين بحسب الخارج لا يجوز حملها على الغالب.
الثانية: أنّ السرّ في أنّ المراد من القيمة ليست القيمة الواقعيّة بل المعامليّة- سواء في المعاملات المتعارفة كما هو مقتضى الأخبار، وغير المتعارفة كما هو مقتضى
القطع - هو أنّ الضمان هنا ليس هو ضمان اليد حتى تؤخذ القيمة الواقعيّة؛ لعدم دخوله تحت ضمان البائع باليد بحيث يكون المبيع ملكاً للمشتري وأخذه البائع عدواناً وأوجب نقصاً فيه، ولا ضمان معاوضة؛ لعدم كون الوصف مقابلًا بالمال حتى يكون البائع ضامناً ضمان معاملة مع ظهور المبيع فاقداً للوصف، بل الضمان هنا ضمان آخر في حكم ضمان المعاملة، فإنّ غاية ما يستفاد من الأخبار أنّ وصف الصحّة بمنزلة الجزء الذي يقابل بالمال لا حقيقة بل حكماً، وعلى هذا يكون الناقص بملاحظة
أصل الثمن كالنقص الجزئي فإنّه لا يزيد عما هو في حكمه، فتكون القيمة حينئذٍ بالنسبة إلى هذه المعاملة.لا ينقدح في أذهانهم من جلّ روايات الباب إلّا ما هو عندهم، والميزان في فهم الروايات هو فهم العرف لا الدقائق العقليّة والمناقشات العلميّة، ولا ريب في أنّ المفهوم العرفي من مثل قوله عليه السلام: «يرجع بنقصان العيب»،
وقوله عليه السلام: «يأخذ أرش العيب»» ونحوهما ليس إلّا ما ذهب من ماله من جهة العيب لا بأكثر منه ليرجع إلى الضمان من غير سبب، ولا بأقلّ منه ليرجع إلى إضراره كذلك، وأولى بذلك قوله عليه السلام: «ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»،
وقوله عليه السلام: «يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»،
ونحو ذلك، فإنّ المتفاهم منها عرفاً أنّ الردّ لجبر ما خرج من كيسه وأضرّ به.
نعم، ظاهر رواية
طلحة بن زيد ثبوت القيمة الواقعيّة حيث روى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها، ثمّ وجد فيها عيباً قال: تقوّم وهي صحيحة، وتقوّم وبها الداء، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة والداء».
لكن فيها- مع ضعفها سنداً،
واحتمال كون القضاء في مورد خاصّ- أنّها بل وجميع الروايات- على فرض تسليم ظهورها في القيمة الواقعيّة- واردة مورد الغالب، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى الموارد النادرة، فلا تصلح لردع البناء العقلائي على فرض تسليم الدلالة على القيمة الواقعيّة لا على ما عليه الأصحاب.وأمّا رواية محمّد بن مسلم التي جاء فيها: «... لكن تقوّم ما بين العيب والصحّة فيردّ على المبتاع...»
ففيها إهمال من هذه الجهة، بل
الارتكاز العرفي لمّا كان مع ما هو المعهود عند الأصحاب يوجب ذلك حملها على ما هو المعهود، وكذا بعض الروايات الأخرى.
لكن ذهب المحقّق الاصفهاني إلى عدم
اقتضاء الأخبار لملاحظة النسبة إلى المسمّى؛ وذلك لظهورها في الرجوع إلى التفاوت بحسب القيمة الواقعيّة، مضافاً إلى صراحة رواية طلحة في ذلك، وحمل الإطلاق فيها على صورة عدم تفاوت القيمة الواقعيّة مع المسمّى لمكان غلبة
المساواة إنّما يصلح لدفع المعارض عن الدليل الدالّ على ملاحظة التفاوت بالنسبة إلى المسمّى، فهو من قبيل دفع المانع لا تحقيق المقتضي، وما يصلح في بدو النظر للدلالة على ملاحظة التفاوت مضافاً إلى المسمّى فقرتان: إحداهما: ما في صحيحة زرارة حيث قال عليه السلام: «ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به».
والثانية: ما في صحيحة ابن سنان حيث قال عليه السلام: «ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها».
ودلالة الأولى على المطلوب متوقّفة على تعلّق قوله عليه السلام: «من ثمن ذلك» بقوله عليه السلام: «بقدر ما نقص» فيكون الثمن هو المنقوص منه، بخلاف ما إذا كان متعلّقاً بقوله عليه السلام: «ويردّ عليه» فإنّ الثمن حينئذٍ هو المخرج
لأداء ما به التفاوت واقعاً، ولكلّ منهما جهة بعد.أمّا الأوّل فلأنّ المعيب لا تعيّن لماليّته من حيث المسمّى بل من حيث القيمة الواقعيّة، فلا بدّ من حمل قوله عليه السلام:«ما نقص من ثمن ذلك» على النقص منه بعد
التقويم.وأمّا الثاني فلأنّ تعيّن الثمن للمخرجيّة بعد القول بأنّ الأرش ما به التفاوت بلحاظ القيمة الواقعيّة ممّا لم يقل به أحد.ودلالة الفقرة الثانية أضعف؛ لأنّ قوله عليه السلام: «من ثمنها» متعلّق بقوله:«يوضع عنه» إلّا أنّ ظهورها فيما ادّعي من حيث إنّ الظاهر أنّ العيب هو الموجب لنقص الثمن والوضع عنه والعمدة
استبعاد تعيّن الثمن للمخرجيّة، فلا محالة يكون ذكر الثمن لملاحظة النسبة، وأنّ النقص الحادث من قبل العيب ملحوظ بالإضافة إلى الثمن.
هذا كلّه في طرف المثمن، وأمّا طرف الثمن فقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ
الأمر كما في المثمن وأنّه يؤخذ التفاوت بالنسبة إلى المعاملة.قال المحقّق النجفي: «ولو كان العيب في الثمن وكان عروضاً استحقّ البائع على المشتري قيمة نسبة التفاوت من المبيع، فمع فرض كون التفاوت النصف استحقّ عليه قيمة نصف المبيع.وقد يحتمل أنّه يستحقّ عليه تفاوت ما بين الصحّة والعيب، ولا جمع هنا بين العوض والمعوّض عنه بحال؛ لأنّ الغابن إن كان هو المشتري فالأمر واضح، وإن كان هو المغبون فليكن كذلك في الثمن وأرشه؛ ضرورة أنّ الأرش ليس هو إلّا جابراً للمعيب بحيث يصيّره صحيحاً، وهو الغبن الأوّل الذي قد أقدم عليه.وفيه: أنّ مثله يأتي في عيب المبيع، مع أنّك قد عرفت أنّه يرجع على الثمن بنسبة التفاوت.ودعوى الفرق بينهما بكون الثمن قيمة للمبيع بعد أن تراضيا عليه فيكون التفاوت بالنسبة، وملاحظة القيمة الواقعيّة إنّما هو لمعرفة قدر التفاوت.يدفعها: أنّه كما أنّ الثمن قيمة للمبيع بالتراضي، كذلك المبيع قيمة الثمن لذلك أيضاً، فالأولى ملاحظة النسبة في كلّ منهما».
بل نسب الشيخ الأنصاري القول بأنّ العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح والمعيب إلى توهّم بعض من لا تحصيل له، وأنّ منشأه ما يرى في الغالب من وقوع الثمن نقداً مساوياً لقيمة المبيع، فإذا ظهر معيباً وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت، وإلّا فلو فرض أنّه اشترى عبداً بجارية تسوى معيبها أضعاف قيمته فإنّه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها ومعيبها قطعاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۵۵-۶۳.