الكافر الغير الكتابي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثالث) ممّن يجب جهاده.
: من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب من سائر فرق الكفار. وهؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا، ولا تقبل منهم
الجزية مطلقاً، بغير خلاف فيه بيننا، ظاهر ولا محكي، إلاّ عن الإسكافي في الصابي، فألحقه بالكتابي.
وهو نادر، بل على خلافه
الإجماع في ظاهر المنتهى وصريح الغنية، فإنّ فيها : ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان، سواء كانوا عجماً أو عرباً، ولا من الصابئين ولا غيرهم، بدليل الإجماع المشار إليه. وأيضاً قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
وقوله سبحانه (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) ولم يذكر الجزية وقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى قوله (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ)
فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من
أهل الكتاب ، وهؤلاء ليسوا كذلك.
انتهى.
ويدلّ على ذلك زيادة على ما ذكره الأخبار المتقدم إلى جملة منها
الإشارة ، ومنها خبر الأسياف ففيه : «فأمّا السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب، قال الله عز وجل (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)
(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ)
فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في
الإسلام ، وأموالهم وذراريهم سبي على ما سنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه سبى وعفا وقَبِل الفداء» إلى أن قال : «والسيف الثالث على مشركي العجم يعني
الترك والديلم والخزر، قال الله تعالى سبحانه في أوّل السورة التي يذكر فيها الذين كفروا، فقصّ قصّتهم قال (فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) فأمّا قوله (فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ) يعني : بعد السبي (وَإِمّا فِداءً) يعني : المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، فلا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في الحرب».
(ويبدأ)
الإمام (بقتال من يليه) من الكفار، الأقرب منهم فالأقرب، وجوباً كما في ظاهر المتن والدورس
وصريح المسالك، قال : لقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ)
والأمر للوجوب.
وفيه نظر؛ فإنّ
الأمر بمقاتلتهم غير الأمر بالبدأة بقتالهم، ولذا لم أر مصرّحاً بالوجوب عداه، فقد عبّر الماتن في الشرائع بالأولى، والحلّي في السرائر والفاضل في المنتهى والتحرير بلفظة «ينبغي»
واللفظتان ولا سيّما الاولى مشعرتان بالاستحباب أو
الاحتياط ، كما صرّح به في كنز العرفان.
ولا ريب فيه (إلاّ مع اختصاص الأبعد بالخطر) والضرر الأعظم، أو كان الأقرب مُهادناً، بلا خلاف؛ للأصل، وعدم دليل على رجحان البدأة في هذه الصورة إن لم نقل بظهور الدليل على رجحان العكس فيها بل قد يجب أحياناً كما في الصورة الأُولى.وفي الدروس والمسالك بعد ذكر
الاستثناء : ومن ثَم أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحارث بن أبي ضرار لمّا بلغه أنه مجمع له، وكان بينه وبينه عدوّ أقرب منه، وكذا فعل بخالد بن سفيان الهذلي.
(ولا يبدؤن) أي الكفّار مطلقاً بالقتال (إلاّ بعد الدعوة) لهم (إلى الإسلام)
وإظهار الشهادتين،
والإقرار بالتوحيد
والعدل ، والتزام جميع شرائط الإسلام.(فإن امتنعوا) بعد ذلك (حلّ جهادهم) بغير خلاف؛ للنصوص، منها المرتضوي : «بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال : يا علي، لا تقاتل أحداً حتى تدعوه، وأيم الله لأن يهدي الله تعالى على يديك خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي».
ولأنّ الغرض
إدخالهم في الإسلام، وإنّما يتمّ بدعائهم إليه.
وفي المنتهى : ويستحبّ أن يكون الدعوة بما في النصّ : كيف الدعوة إلى الدين؟ فقال : «يقول : بسم الله أدعوك إلى الله تعالى وإلى دينه، وجماعة أمران : أحدهما معرفة الله تعالى، والآخر العمل برضوانه، وإنّ معرفة الله أن يعرف بالوحدانية والرأفة والعزّة والعلم والقدرة والعلوّ في كلّ شيء، وأنه الضارّ النافع القاهر لكل شيء، الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ ما جاء به هو الحق من عند الله وما سواه هو الباطل. فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمؤمنين، وعليهم ما على المؤمنين».
(ويختصّ بدعائهم) إلى ذلك (الإمام أو من يأمره) من سائر المسلمين.وظاهره كالتحرير والمنتهى وغيرهما تعيّنهما،
فلو دعاهم غيرهما لم يجز قتالهم إلاّ بعد دعائهما مطلقاً.خلافاً لظاهر
النهاية والسرائر، فعبّرا بلفظة «لا ينبغي»
المشعرة بجواز دعاء الغير أيضاً. وهو الأوفق بقوله : (وتسقط الدعوة عمّن قوبل بها وعرفها).
فإنّ قوله : وعرفها، يعمّ ما لو عرف بدعاء الغير. وأظهر منه عبارة التحرير والمنتهى،
إلاّ أن يقيّد
إطلاق هذا بذلك. كما ربما يفهم من الدروس حيث قال : ولو قوتلوا مرّة بعد الدعاء
لكفى عمّا بعدها،
فتأمل جدّاً.ولا ريب أنه أحوط وأولى، ولا خلاف في السقوط هنا.قالوا : ولذا غزا
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني المصطلق غارّين أي غافلين فاستأصلهم.
ولكن الأفضل الدعوة مطلقاً، كما في التحرير والمنتهى؛
لإطلاق الرواية المتقدمة، والنبوي المروي في المنتهى : أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمر عليّاً عليه السلام حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم، أن يدعوهم. وفيه : وهم ممّن قد بلغته الدعوة، ودعا
سلمان أهل فارس، ودعا
علي عليه السلام عمرو بن عبد ود فلم يسلم مع بلوغه الدعوة.
(ولو اقتضت المصلحة
المهادنة ) وهي المعاقدة مع من يجوز قتاله من الكفار على ترك الحرب مدّة معينة، لقلّة المسلمين، أو رجاء إسلامهم، أو ما يحصل به
الاستظهار والاستعانة والقوة (جاز) بالإجماع على الظاهر، المصرّح به في المنتهى،
ونصّ الكتاب، قال الله سبحانه (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)
وليست بمنسوخة عندنا.
وإطلاقه كغيره من الآيات يعمّ ما لو كان بغير عوض، وعليه الإجماع في المنتهى،
وبعوض يأخذه الإمام منهم بلا خلاف كما فيه، أو يعطيه إيّاهم، لضرورة أو غيرها.خلافاً للمنتهى، فخصّه بالضرورة ومنع غيرها، بل قال : يجب القتال
والجهاد لقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى قوله تعالى (حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ).
ولأن فيه صغاراً وهواناً. أمّا مع الضرورة فإنّما صرنا إلى الصغار دفعاً لصغار أعظم منه من القتل والسبي والأسر الذي يفضي إلى كفر الذريّة، بخلاف غير الضرورة.
انتهى. ويمكن أن يقال : إنّ
الآية الأُولى أخصّ من الثانية، فلتكن عليها مقدّمة.ومراعاة المصلحة تغني عن التفصيل بين الضرورة وغيرها؛ إذ لو فرض وجودها في غير الضرورة جاز معها ولو في غيرها، كما جاز معها في حال الضرورة، فإنّ مناط الجواز المصلحة لا الضرورة، ومع فقدها لم يجز مطلقاً.
نعم، للتفصيل وجه في الوجوب لا الجواز، فعليه فيجب الدفع مع الضرورة ولا مع عدمها وإن جاز.كما أنّ الحال في نفس الهدنة كذلك، فتجب في حال الضرورة والحاجة ولا مع عدمها وإن جاز مع المصلحة، كما صرّح به جماعة ومنهم الفاضل المقداد في كنز العرفان،
وشيخنا في الروضة فقال : ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها، وقد تباح لمجرد المصلحة التي لا تبلغ حدّ الحاجة، ولو انتفت انتفت الصحة.
خلافاً له أيضاً، فأطلق أنها ليست واجبة، قال : سواء كان في المسلمين قوة أو ضعف، لكنها جائزة، بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك، برخصة ما تقدم يعني ما دلّ على جواز المهادنة وبقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
وإن شاء قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيداً، عملاً بقوله تعالى (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ)
إلى أن قال : وكذلك فعل سيّدنا
الحسين عليه السلام .
وفيه نظر؛ فإن آية النهي عن
الإلقاء في التهلكة لا تفيد
الإباحة المختصة، بل التحريم، خرج منه صورة فقد المصلحة، لوجوب القتال حينئذ إجماعاً.
وحبّ لقاء الله تعالى شهيداً وإن كان مستحسناً لكن حيث يكون مشروعاً، وهو ما إذا لم تدعو حاجة ولا ضرورة، وأما معها فاستحسانه أوّل الدعوى.مع أنه معارض بما ذكره في صورة جواز بذل الإمام المال، من الصغار الحاصل من القتل والسبي والأسر الذي يفضي إلى كفر الذرية.فإنّ هذه أجمع لعلّه عند الله سبحانه أعظم من لقاء الله تعالى شهيداً.
وأمّا فعل سيّدنا الحسين عليه السلام فربما يمنع كون خلافه مصلحة، وأنّ فعله كان جوازاً لا وجوباً، بل لمصلحة كانت في فعله خاصّة لا تركه. كيف لا؟! ولا ريب أنّ في شهادته إحياءً لدين الله قطعاً، لاعتراض الشيعة على أخيه الحسن في صلحه مع معاوية، ولو صالح عليه السلام هو أيضاً لفسدت الشيعة بالكلية، ولتقوى مذهب السنة والجماعة، وأيّ مصلحة أعظم من هذا، وأيّ مفسدة أعظم من خلافه؟ كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المهادنة وإن جازت أو وجبت (لكن لا يتولاّها) أي عقدها، وكذا عقد الذمّة بالجزية كما في المنتهى (إلاّ الإمام، أو نائبه) و في المختصر المطبوع : مَن يأذن له. المنصوب لذلك، بلا خلاف أجده.وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً، قال : لأنّ ذلك يتعلّق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة، فلم يكن للرعية توليته، ولأن تجويزه من غير الإمام يتضمن
إبطال الجهاد بالكلية، أو إلى تلك الناحية.
(و) يجوز أن (يذم) بضم أوله وكسر تاليه مضارع أذمّ، أي : أجار وأمّن (الواحد من المسلمين للواحد) من الكفار فصاعداً إلى العشرة، كما ذكره جماعة.
(ويمضي ذمامه على الجماعة) أي جماعة المسلمين، فلا يجوز لهم نقضه (ولو كان) الذي أذمّ (أدونهم) أي أدون الجماعة شرفاً كالعبد والمرأة ونحوهما كما لا يخفى، فلا يمضي عليهم ذمام المجنون ولا
الصبي مطلقاً.
بلا خلاف في شيء مما ذكر يظهر، ولا ينقل إلاّ عن الحلبي في الجواز، قال : فإن فعل أثم ولكن يمضي.
وهو نادر ضعيف.للنبوي المشهور بين الخاصّة والعامّة : «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، يتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم».
لكن في القويّ الوارد في تفسيره : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسعى بذمّتهم أدناهم؟ قال : «لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأُناظره، فأعطاه
الأمان أدناهم، وجب على أفضلهم الوفاء به».
وفي الخبر : «إنّ علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، وقال : هو من المؤمنين».
ومقتضاهما كغيرهما الحكم الثاني من المضيّ على الجماعة، دون الجواز لكن
الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة، السليم عمّا يصلح للمعارضة لعله كافٍ في
إثباته .وإطلاق الأوّل يشمل ما لو أذمّ أهل بلد أو إقليم أو صُعق، لكنه خارج بلا خلاف، بل في المنتهى عليه الإجماع.قال : وكذا لو هادن أحد من الرعية بلداً أو صقعاً لم يصحّ ذلك إجماعاً، فإن دخل أحد هؤلاء الذين هادنهم غير الإمام ونائبه إلى دار الإسلام كان بمنزلة من جاء منهم وليس بيننا وبينه عقد.
وظاهر الخبر الثالث يعطي جواز الأمان للحصن، كما أفتى به جماعة،
ويعضده الأصل وعموم النبوي. خلافاً لآخرين، ودليلهم غير واضح.
(ومن دخل) بين المسلمين (بشبهة الأمان) كأن سمع شيئاً فزعم الأمان فدخل (فهو آمن حتى يُردّ إلى مأمنه).(و) كذا (لو استذمّ فقيل) أي قال له المسلمون : (لا نذمّ، فظنّ أنهم قد أذمّوا فدخل) بينهم (وجب
إعادته إلى مأمنه، نظراً إلى الشبهة) بغير خلاف ظاهر ولا منقول. ولعلّه لبعض المعتبرة : «لو أنّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا : لا، فظنّوا أنهم قالوا : نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين».
لكنه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بالمذكور بعد كذا.ولعلّه لورود النص فيه أفرده بالذكر بعد أن كان في الإطلاق السابق داخلاً، وإلاّ فلا وجه له أصلاً.وكيف كان، فالنص لا يفيد الكلّية إلاّ أن يستنبط منه بالفحوى.وبالجملة : فالعمدة في أصل الحكم النبوي، وعدم خلاف فيها، وإلاّ فالنصّ مع قصوره دلالة كما مضى قاصر سنداً أيضاً.
(و) إذا التقى الفئتان (لا يجوز الفرار) من الحرب (إذا كان العدوّ على الضعف) من المسلم أي قدره مرّتين (أو أقلّ) بلا خلاف في الجملة للجملتين، كالمائة والمائتين والألف والألفين، على الظاهر، المصرّح به في التنقيح؛
للآيات.منها (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ومنها (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا).
وعدّ من الكبائر في جملة من الأخبار.
وفي
انسحاب الحكم للآحاد بمعنى وجوب ثبات الواحد للاثنين فيحرم فراره منهما، أم لا، قولان، أحوطهما ذلك؛ للنص.
(إلاّ لمتحرّف) لقتال، أي منتقل إلى حالة أمكن من حالة التي هو عليها، كاستدبار الشمس وتسوية
اللأمة وورود الماء وطلب السعة.(أو متحيّز) أي منضمّ (إلى فئة) ليستنجد بها في المعونة على القتال، قليلة كانت أو كثيرة، مع صلاحيتها له، وكونها غير بعيدة على وجه يخرج عن كونه مقاتلاً عادة. فلا حرمة في الصورتين؛ لما عرفت من نصّ الآية الشريفة.
والحكم بالحرمة في غيرهما مطلق ولو غلب على الظنّ العطب والهلاك، على الأظهر، وفاقاً لأكثر الأصحاب؛ عملاً بما مرّ من إطلاق الكتاب، والتفاتاً إلى جواز كذب ظنّه، لقوله تعالى (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ).
خلافاً للمختلف
وغيره، فقيّداه بغير صورة غلبة الظن؛ عملاً بقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
ولما فيه من حفظ النفس الواجب دائماً
وإمكان تحصيل مقصود الجهاد بعد ذلك.
قال في المختلف بعد ذلك : ووجوب الثبات لا ينافي ما قلنا، فإنّ المطلوب يصدق في أيّ جزء كان.ويضعّف : بأن إلقاء النفس إلى التهلكة الموجب لعدم حفظ النفس الواجب وللتغرير بها ليس منافياً للجهاد، بل مقصود فيه.والمتبادر من الثبات المطلق عدم الفرار مطلقاً، كما نصّت عليه الآية الاولى (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ).
(و) احترز بالشرط عما (لو كان) العدو و (أكثر) من الضعف، فإنه لو فرّ حينئذ (جاز) إجماعاً كما في التحرير والمنتهى، وفيهما : ولو غلب على ظنّ المسلمين الظفر استحب لهم الثبات، لما فيه من المصلحة، ولا يجب. قال في المنتهى : لأنهم لا يأمنون العطب، ولأن الحكم بجواز الفرار علّق على مظنّته، وهو كون المسلمين أقلّ من ضِعف العدوّ، ولهذا لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف ولو غلب على ظنّهم الهلاك.
ثم إنّ إطلاق النص والفتوى بتحريم الفرار يعمّ صورتي
الاختيار والاضطرار . خلافاً لشيخنا في المسالك والروضة، فقيّده بحال الاختيار، قال : وأما المضطر كمن مرض أو فقد سلاحه فإنه يجوز له
الانصراف .
ولعلّه لفقد شرط وجوب الجهاد، لما مرّ من اشتراطه بالسلامة من المرض. ولعلّه أيضاً مراد الأصحاب، وإنما تركوه اتّكالاً على ما قدّموه في بحث الشروط.
(ويجوز المحاربة بكل ما يُرجى به الفتح، كهدم الحصون، ورمي المجانيق) والتحريق بالنار، وقطع الأشجار، وإرسال الماء ومنعه عنهم، ونحو ذلك، مع الضرورة وتوقف الفتح عليه، وعدمها، وإن كره بعضها بدونها. (ولا يضمن ما يتلف بذلك المسلمين) الذين (بينهم).بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر إلاّ ما سيذكر؛ للأصل،والعمومات كتاباً وسنة، والتأسي في قطع الأشجار والحرق وتخريب الديار؛ فقد فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
أهل الطائف وبني النضير، على ما ذكره جماعة من الأصحاب.
وخصوص النص : عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء، أو يحرقون بالنار، أو يرمون
بالمنجنيق حتى يقتلوا وفيهم النساء والصبيان والشيخ الكبير
والأُسارى من المسلمين والتجار؟ فقال : «يفعل ذلك، ولا يمسك عنهم لهؤلاء، ولا دية عليهم - للمسلمين - ولا كفّارة».
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالأصل والعمل، وبذلك يترجح على الأخبار الناهية عن بعض هذه الجملة، مع قصور أسانيدها جملة وإن اعتبر بعضها، كالحسن : «لا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها».
ونحوه الخبر الآخر : «لا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا مُتبتّلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله» الخبر.
فينبغي حملها على الكراهة وإن أمكن الجمع بينهما بحمل الرواية بالجواز على حال الضرورة. وهذه على حالة الاختيار، كما هو ظاهر الحسنة.
والأصل يقتضي المصير إلى هذا الجمع؛
لاعتبار الخبر بإبراهيم بن هاشم والوشّاء بل صحته كما هو التحقيق. فينبغي الرجوع إلى تقييد لاحقه وسابقه مع قصور إطلاقه بوروده في مقام جواب السؤال عن جواز القتل بما فيه من جهة الخوف على مَن فيه، لا جوازه به من جهته.
وربّما أشعر بذلك عبارة النهاية، حيث قال بعد الحكم بجواز قتال الكفار بسائر أنواع القتل وأسبابه إلاّ السم ـ : ومتى استعصى على المسلمين موضع منهم كان لهم أن يرموهم بالمجانيق والنيران وغير ذلك مما يكون فيه فتح؛
لاشتراطه
الاستعصاء في ذلك.ولكن ظاهر الأصحاب الجواز مطلقا، حتى إنهم لم ينقلوا فيه خلافاً منّا. فهذا أقوى، وإن كان مراعاة التقييد أولى.
(و) لذا (يكره) في حال الاختيار (بإلقاء النار) وقطع الأشجار، والتغريق بالماء ونحوه منعه عنهم؛ لما في الدروس عن علي عليه السلام : «لا يحلّ منع الماء» قال : ويحمل على حالة الاختيار وإلاّ جاز.
وظاهره التحريم به اختياراً عملاً بالرواية. لكنها مرسلة لا تصلح لتخصيص ما قدّمناه من الأدلة، نعم لا بأس بالكراهة.
(ويحرم)
المحاربة (بإلقاء السمّ) وفاقاً للنهاية والغنية والدروس والسرائر، قال : وبه نطقت الأخبار عن
الأئمة الأطهار :
ولم نقف إلاّ على رواية السكوني القويّة به وبصاحبه، وفيها : «إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يُلقَى السمّ في بلاد المشركين».
وهي كما ترى قاصرة السند؛ (و) لذا (قيل) إنّه (يكره) والقائل الشيخ في المبسوط
زياً له إلى رواية الأصحاب مؤذناً باتّفاقهم عليها.
ولعلّه الأقوى، وفاقاً له ولأكثر المتأخرين بل عامّتهم عدا من مضى، حتى الشهيد في اللمعة؛لأدلة الجواز أصلاً ونصّاً، كتاباً وسنة السليمة عما يصلح للمعارضة، سوى الرواية المانعة، وهي لما عرفت قاصرة السند وإن تأيّدت بالقوة وبالروايات المرسلة في السرائر، لمعارضتها برواية الأصحاب المنقولة في المبسوط كما عرفت، مع أنها غير صريحة قابلة للحمل على الكراهة.مع أنها لو أُبقيت على ظاهرها من التحريم كانت شاذّة، لرجوع الشيخ في في المبسوط عمّا ذكره في النهاية.
(ولو تترّسوا بالصبيان والمجانين والنساء) والحرب قائمة (ولم يمكن الفتح إلاّ بقتلهم جاز) بشرط أن لا يقصدوهم، بل من خلفهم من المشركين، ولا يكفّ عنهم لأجل
الترس ، بغير خلاف ظاهر؛ للنص المتقدم في جواز المحاربة بكلّ ما يُرجى به الفتح.
وإطلاقه كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة
يعمّ ما لو لم تكن الحرب قائمة، كأن كانوا في حصن يتحصّن، أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال. وبه صرّح في المنتهى،
عازياً له إلى الشيخ. لكنّه قال في التحرير : الأولى تجنّبه.
وهو أيضاً ظاهر السرائر.
ولعلّه لما سيأتي من الأخبار الناهية عن قتل هؤلاء، خرج منها صورة قيام الحرب بالنصّ والوفاق، وبقي الباقي. ولا ريب أنّه أحوط، وإن كان الأول لعلّه أقرب، وفاقاً للأكثر.
وكذا الحكم فيما لو تترّسوا بالأُسارى من المسلمين والحرب قائمة أو مطلقاً، على الخلاف المتقدم، ولا يمكن الفتح إلاّ بقتلهم، جاز بالشرط المتقدم بلا خلاف، لعين ما مرّ من النصّ.وفيه التصريح بأنّه لا دية عليهم ولا كفارة.ولا خلاف في الأوّل، وظاهر المنتهى إجماعنا عليه، وإجماع الكل على نفي القود أيضاً، قال : لقوله تعالى (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
ولم يذكر الدية فلم تكن واجبة، ولأنّ
إيجاب الضمان يستلزم
إبطال الجهاد.
وفيهما نظر.
وفي الثاني خلاف، أشار إليه بقوله (وفي الكفارة قولان) للشيخ.أحدهما الوجوب، اختاره في المبسوط، وتبعه الحلّي
وأكثر الأصحاب بل عامّتهم.وثانيهما العدم، وهو ظاهر في النهاية، حيث نفى الدية وسكت عن الكفارة،
كذا قيل.
وفيه نظر.وظاهر المصنف والفاضل في التحرير التوقّف والتردّد،
من نصّ الرواية بالعدم، وتصريح الآية بالوجوب.
وفيه نظر؛ فإنّ الرواية قاصرة عن معارضة
الآية الشريفة لوجوه عديدة، مضافاً إلى موافقة الرواية لرأي أبي حنيفة.
ولا داعي لجعلها معارضة بالآية إلاّ ما في التنقيح عن بعض الفضلاء في ردّ الوجوب بأن الكفارة على تقدير الذنب، ولا ذنب هنا مع إباحة القتل. وضعّفه بمنع كون الكفارة على تقدير الذنب، وإلاّ لما وجبت على القاتل خطأً، والنصّ والإجماع بخلافه، مع أنه لا ذنب فيه، لحديث رفع القلم.
وهو حسن.
وعلى المختار فهل هي كفّارة الخطأ أو العمد؟ وجهان مأخذهما كونه في
الأصل غير قاصد للمسلم، وإنّما مطلوبة قتل الكافر، والنظر إلى صورة الواقع فإنه متعمّد لقتله.ورجّح الثاني شيخنا الشهيد الثاني وقال هو كالأول في الدروس ـ : وينبغي أن تكون من بيت المال لأنه للمصالح وهذه من أهمّها، ولأنّ في إيجابها على المسلم إضراراً يوجب
التخاذل عن الحرب لكثير.
انتهى. وهو حسن.
(ولا) يجوز أن (يقتل نساؤهم وإن عاونّ) وكذا المجانين والصبيان والشيخ الفاني، بلا خلاف.وفي المنتهى :
الإجماع في الصبيان؛
وهو الحجة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة العاميّة والخاصيّة.منها زيادةً على ما مرّ قريباً ـ : النبوي العامّي : «لا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأةً».
والخاصّي : «نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلاّ أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك ولا تخف خللاً» إلى أن قال : «وكذلك المقعد من أهل الذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فلذلك رفعت عنهم الجزية».
ويستفاد منه جواز القتل مع الضرورة كما أشار إليه بقوله : (إلاّ مع الاضطرار) بأن تترّسوا بهم وتوقّف الفتح على قتلهم. ولا خلاف فيه أيضاً كما مضى، وعليه الإجماع هنا في المنتهى قال : للضرورة، ولما رواه
ابن عبّاس : إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال : «من قتل هذه؟»فقال رجل : أنا يا رسول الله، قال : «لِم؟» قال : نازعتني قائم سيفي، فسكت.
وفيه وفي التحرير : لو وقفت المرأة في صفّ الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشّفت لهم جاز رميها؛ للخبر العامي.
ثم قال : ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى الرمي.
ولا بأس به.وألحق الشهيدان بالمرأة
الخنثى المشكل، قال ثانيهما : لأنه بحكم المرأة في ذلك.
وهو إعادة للمدّعى كما لا يخفى.
(ويحرم التمثيل بأهل الحرب) حين قتلهم كجذع انوفهم وآذانهم، وإن فعلوا ذلك بالمسلمين (والغدر) بهم أي قتلهم بغتةً بعد الأمان (والغلول منهم) بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من الأخبار المعتبرة.
(و) يجوز أن (يقاتل في أشهر الحرم) وهي : رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، مع (من لا يرى لها حرمة) فيستحلّ القتال فيها، أو يرى ولكن هتك حرمتها.(ويكفّ عن) القتال مع (من يرى حرمتها) ولم يهتكها فيما ذكره جماعة.
من غير خلاف بينهم أجده في شيء من الأحكام الثلاثة.أمّا الأوّل والثاني منها فلقوله سبحانه (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ، وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ، فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)
الآية.
قال في الكنز : وكان
أهل مكة قد منعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية سنة ستّ في ذي القعدة، وهتكوا
الشهر الحرام ، فأجاز الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أن يدخلوا في سنة سبع في ذي القعدة لعمرة
القضاء مقابلاً لمنعهم في العام الأول.
ثم قال (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) أي يجوز
القصاص في كلّ شيء حتى في هتك حرمة الشهور. ثم عمّم الحكم فقال (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فإنّ دفع الشرّ خير، وتسمية المجازي معتدياً مجاز، تسميةً للشيء باسم مقابله إلى أن قال ـ :ويستفاد من هذه الآية أحكام : الأوّل : إباحة القتال في الشهر الحرام لمن لا يرى له حرمة أعمّ من أن يكون ممن كان يرى الحرمة أولا، لأنه إذا جاز قتال من يرى حرمته فقتال غيره أولى.
انتهى.وأما الثالث منها فلقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).
قال في الكتاب المتقدم : وفي الآية أحكام : الأوّل : تحريم القتال في الشهر الحرام بقوله تعالى (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي ذنب كبير، لكن عند أصحابنا ليس ذلك على إطلاقه، بل التحريم بالنسبة إلى من يرى حرمة الشهر الحرام إذا لم يبدأ، وأمّا من لا يرى لها حرمة أو يرى ويبدأ فيجوز القتال، ولذلك قال تعالى (قِتالٍ) بالتنكير، والنكرة في الإثبات لا تعمّ. وقال الأكثر : إنه كان حراماً مطلقاً ثم نُسخ، وقال عطا : بل التحريم باقٍ لم ينسخ.
انتهى.وظاهره
اتّفاق الأصحاب على عدم
الإطلاق ؛ ولعلّ المستند في التقييد ما مرّ من الدليل، مضافاً إلى النصّ المنجبر بالعمل.
وفيه : عن المشركين أيبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال : «إذا كان المشركون يبتدئونهم
باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه، وذلك قول الله عز وجل (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) والروم في هذا بمنزلة المشركين، لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة ولا حقاً، فهؤلاء يبدؤون بالقتال فيه، وكان المشركون يرون له حقاً وحرمة فاستحلّوه فاستحلّ منهم،
وأهل البغي يبتدئون بالقتال».
(ويكره) حال
الاختيار (القتال قبل الزوال) كما هنا. وفي التحرير واللمعتين والدروس.
ref>
وفي النهاية والسرائر والشرائع والمنتهى : يستحب أن يكون بعده أو عنده بعد أن تصلّي الظهرين.
وهو أولى؛ للموثق : «كان
أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول : تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر، ويقول : هو أقرب إلى الليل، وأجدر أن يقلّ القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم».
(والتبييت) أي النزول عليهم ليلاً؛ للموثق : «ما بيّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدوّاً قط ليلاً».
ولو اضطرّ إلى ذلك زالت الكراهة للحاجة.وفي المنتهى : ولأنّ الغرض قتلهم فجاز التبييت، لأنه أبلغ في
احتفاظ المسلمين، وروى الجمهور أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم شنّ الغارة على بني المصطلق ليلاً.
(وأن يعرقب الدابة) وإن وقفت به أو أشرف على القتل. ولو رأى ذلك صلاحاً زالت الكراهة كما ذكره جماعة،
قالوا : كما فعله جعفر بمؤنة، وذبحها أجود.أقول : ولم أقف على ما يقتضي المنع عنه بالخصوص، نعم في بعض الأخبار المتقدمة : «ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله» .ولعلّه المستند في الكراهة، كما يستفاد من التنقيح حيث قال : وإنّما قلنا بكراهته لا لمصلحة لأنه يؤول إلى هلاكها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الحيوان لغير أكله.
وهو لا ترى، فإنّ المنهي عنه هو مطلق
الإهلاك لا خصوص التعرقب، وقد صرّح الجماعة بأنّ ذبحها مع المصلحة أجود من التعرقب، وهو ينادي بالتغاير بينهما، ولذا فرضه في التحرير والمنتهى مسألة أُخرى،
وهو أيضاً يؤيّد أنّ الكراهية هنا لخصوصية لم نجد دليلها لا لذلك النهي مطلقاً.وكذا تخصيص بعضهم كشيخنا في المسالك والروضة ذلك بدابّة المسلم دون الكافر، فقال : أما دابّة الكافر فلا كراهة في قتلها كما في كلّ فعل يؤدّى إلى ضعفه والظفر به.
فهو أيضاً يؤيّد ما ذكرنا من التغاير بينهما، إذ النهي في النصّ مطلقاً لا
اختصاص له بالمسلم.
وبالجملة فإثبات الكراهة للخصوصية من النصّ مشكل، ولكن اتّفاق الفتاوى كافٍ في إثباتها، سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد وما يكون ظنيّاً.وحيث كانت الفتاوى هو المستند في إثباتها فينبغي الحكم بإطلاقها، إلاّ أن يذبّ عنه باختصاصها بحكم
التبادر والسياق في جملة من الفتاوى بدابّة المسلم الراكب لها دون الكافر، فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل من الجواز بلا كراهة مطلقاً مع الضرورة وبدونها، كما ذكره شيخنا.
(والمبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام) بلا خلاف ولا إشكال في المرجوحية فتوًى ورواية، كما لا خلاف في المنع التحريمي مع نهي
الإمام عنها، ولا الوجوب العيني مع أمره وإلزامه بها شخصاً معيّناً، والكفائي مع أمره بها جماعة ليقوم بها واحد منهم، ولا
الاستحباب إذا ندب إليها من غير أمر جازم.وإنما الخلاف في التحريم في غير الصور المزبورة.
والمشهور بين المتأخرين الكراهة. ولا يخلو عن قوة؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا رواية ضعيفة : عن المبارزة بين الصفين بغير
إذن الإمام، فقال : «لا بأس، ولكن لا يطلب ذلك إلاّ بإذن الإمام».
ولكن الأحوط مراعاتها، فقد عمل بها الشيخ في النهاية والحلّي وابن حمزة
ولم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.
ويدلّ على رجحان
الاستيذان مضافاً إلى النصّ والوفاق
الاعتبار والآثار، لأنّ الإمام أعلم بفرسانه وفرسان المشركين، ومن يصلح للمبارزة ومن لا يصلح لها، وربما حصل ضرر بذلك، فإنّه إذا انكسر صاحبهم كسر قلوبهم، فينبغي أن يفوّض النظر إليه ليختار للمبارزة من يرتضيه لها، فيكون أقرب إلى الظفر وأحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين.قال في المنتهى : ويؤيّده ما رواه الجمهور : إنّ عليّاً عليه السلام وحمزة وعبيداً استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر.
رياض المسائل، ج۸، ص۵۷-۸۱.