طلاق الحامل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يصح طلاق الحامل للسنة كما تصح للعدة على الاشبه.
يصح طلاق الحامل المستبين حملها مطلقاً، مرّة، إجماعاً، حكاه جماعة
؛ للأدلّة الآتية منطوقاً وفحوى، وصاعداً أيضاً مطلقاً، ولو كان للسنّة بالمعنى الآتي كما يصح للعدّة بالمعنى المقابل له وغيره على الأشبه الأشهر في المقامين، بل عليه
الإجماع في
الشرائع والقواعد والإيضاح وشرح الأوّل للصيمري في الأخير في الجملة.
وهو
الحجة فيه، كعموم
الكتاب والسنّة، وخصوص الموثقات الثلاث في المقامين، في إحداها: عن رجل طلّق امرأته وهي حامل، ثم راجعها، ثم طلّقها، ثم راجعها، ثم طلّقها الثالثة في يوم واحد، تبين منه؟ قال: «نعم»
.
وهي كما ترى مطلقة بل عامة شاملة
لطلاقي العدّة والسنّة.
مضافاً إلى خصوص الخبرين في العدّة، في أحدهما عن طلاق الحبلى؟ قال: «يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور والشهود» قلت: فله أن يراجعها؟ قال: «نعم، وهي امرأته» قلت: فإن راجعها ومسّها، ثم أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى؟ قال: «لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما مسّها شهر» قلت: فإن طلّقها ثانية وأشهد، ثم راجعها وأشهد على رجعتها، ومسّها، ثم طلّقها التطليقة الثالثة، وأشهد على طلاقها لكل غرّة (فی المصادر: عدّة) شهر، هل تبين منه كما تبين المطلّقة على
العدّة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره؟ قال: «نعم» الخبر
.
وفي الثاني: في الرجل يكون له المرأة الحامل، وهو يريد أن يطلّقها، قال: «يطلّقها، فإذا أراد
الطلاق بعينه يطلّقها بشهادة الشهود، فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها ويريد
الرجعة بعينه فليراجع وليواقع، ثم يبدو له فيطلّق أيضاً، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أوّلاً، ثم يبدو له فيطلّق، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، إذا كان راجعها يريد المواقعة والإمساك ويواقع»
.
والمناقشة بقصور
سند هذه الأخبار سيّما الأخيرين، مدفوعة بالاعتضاد والانجبار بالشهرة العظيمة، والموافقة لعموم الكتاب والسنّة، مع ما في الأخيرين من الاعتضاد بالإجماعات المحكية.
خلافاً للصدوقين وبعض متأخّري
الطائفة، فمنعوا عن الزيادة على الواحدة في المقامين مطلقاً؛ لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، الظاهرة في أنّ طلاقها واحد، مع تصريح بعضها بالنهي عن الزيادة على
الإطلاق إلى الخروج عن العدّة التي هي هنا وضع
الحمل، إمّا مطلقاً، كما هو الأظهر الأشهر بين
الطائفة، أو بشرط عدم مضيّ الأشهر الثلاثة، وإلاّ فهو العدّة خاصة، كما عن
الصدوقين القائلين بالمنع مطلقا في هذه المسألة.
ومنه يظهر ما في نسبة القول بتقييد المنع بقبل الأشهر، والجواز بعدها ولو قبل الوضع إليهما، فإنّ التقييد في كلامهما إنما هو لبيان محلّ جواز الرجعة، لا لتحديد محل الرخصة في الطلقة الزائدة بعد الرجعة.
وكيف كان فمن
النصوص الأوّلة:
الصحيح: «طلاق الحامل واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»
ونحوه غيره
.
ومن الثانية: الخبران، أحدهما: «في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى، قال: «يطلّقها» قلت: فيراجعها؟ قال: «نعم يراجعها» قلت: فإن بدا له بعد ما راجعها أن يطلّقها، قال: «لا حتى تضع»
.
وثانيهما الرضوي: «وأمّا طلاق الحامل فهو واحد، وأجلها أن تضع ما في بطنها، وهو أقرب الأجلين، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلّقها، أو بعده متى كان، فقد بانت منه وحلّت للأزواج، فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج حتى تضع، فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها، أو يمضي ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر ثم يطلّقها»
.
وفيها نظر؛ لعدم المقاومة لما مرّ، فلتحمل على الفضيلة، أو على الوحدة الصنفية، يعني: طلاقها صنف واحد، وهو ما عدا السنّة بالمعنى الأخصّ المتقدّم المستفاد من الأخبار، وهو وإن تعدّد صنفاً أيضاً من حيث شموله للعدّة بالمعنى المتقدّم وغيرها، إلاّ أنّهما يجمعهما شيء واحد وهو كونهما للرجعة، ولعلّه لهذا قسّم الطلاق في الأخبار إلى قسمين خاصة: السنّي والعدّي، فتأمّل.
وللنهاية وجماعة
في الأوّل بالمعنى الآتي، فمنعوا عنه، وجوّزوا العدّة المقابلة له خاصة؛ جمعاً بين النصوص الماضية، بحمل ما دلّ على الوحدة على السنّة بالمعنى المتقدّم خاصة، وتقييد ما دلّ على الزيادة بالعدّية خاصة؛ للخبرين الماضيين ذيل الموثقات؛ لتصريحهما بالعدّة.
وفيه نظر؛ لعدم استفادة
التقييد من الأوّل؛ لأنّ غايته فرض الثبوت في المورد، وهو لا يلازم النفي عما عداه. والثاني وإن ظهر منه التقييد من حيث الأمر، إلاّ أنّه مقطوع، والمنسوب إليه الحكم مجهول، فلا يصلح للتقييد للمعتبرة، مع ما هي عليه من المرجحات الكثيرة، المنصوصة والاعتبارية، الموجبة لرجحانها على هذه
الرواية، ولو كانت صحيحة السند واضحة الدلالة.
وأمّا المناقشة في هذا القول بعدم معلومية المراد من السنّة، هل هو الأعم، أو الأخصّ؟ مع أنّ إرادة كل منهما هنا فاسدة:
أمّا الأوّل: فبتصريح
الموثق الأوّل بجواز التعدد الذي ليس بعدّي، وهو السنّي بهذا المعنى، مع أنّ العدي يتمشّى بهذا المعنى، وحمله على ما عدا العدي بعيد، وخلاف الظاهر، وخلاف ما يقتضيه الجمع.
وأمّا الثاني: فلشمول النصوص المجوّزة له ولغيره، مع عدم تحققه بهذا المعنى هنا إلاّ بعد انقضاء العدّة، وهو وضع الحمل، وبعده لا تكون حاملاً، والكلام في طلاقها.
ولا يمكن تمييزه
بالنية، بمعنى أنّه إذا نوى أن يطلّقها وهي حامل فلا يراجعها إلى أن تضع، ثم يتزوّجها، فيصير حينئذٍ منهيّاً عنها. لأنّ النية لا تؤثّر بنفسها في تحقق العدي والسنّي، بل يتوقّفان على شرط متأخّر عنها، وهو إمّا الرجعة في العدّة
والوطء، أو الصبر إلى انقضاء العدّة وتجديد
العقد، وحينئذٍ لا تكون حاملاً، فلا يظهر
النهي عن طلاق الحامل كذلك.
إلاّ أن يقال: إنّ تحريم نكاحها بعد الوضع يكون كاشفاً عن جعل الطلاق السابق سنّياً، فيلحقه حينئذٍ النهي. وهذا أيضاً في غاية البُعد؛ لأنّ خبري النهي إنّما دلاّ عليه وهي حامل.
فمدفوعة بحذافيرها، بأنّ المراد بالسنّة هو الثاني، لا بالمعنى الذي يتعقّبه المناقشة، بل بالمعنى الذي يظهر من عبارة
النهاية بوجوه سياقية واعتبارات خارجية، وصرّح به في باب أنّ المواقعة بعد الرجعة شرط لمريد الطلاق للعدّة، وهو أن يطلّقها بعد الرجوع من غير وقاع، ويقابله
طلاق العدّة، وهو ما يكون بعد الرجعة والمواقعة، وبإرادته هنا ذلك صرّح جماعة
.
وعليه اندفعت المناقشات السابقة، إلاّ النقض بالموثقة الأوّلة، من حيث توهّم التصريح فيها بجواز الطلاق لغير العدّة.
ويدفعه فساد التوهّم؛ لعدم التصريح فيها إلاّ بوقوع الطلقات في يوم واحد، وهو غير ملازم لعدم المواقعة بعد كلّ رجعة، إلاّ على تقدير اشتراط
طهر غير طهر المواقعة، وهو مع مخالفته لإجماع الطائفة مدفوع بالنصوص المستفيضة المتقدّمة.
وحينئذٍ فلا مانع من وقوع
الطلقات الثلاث للعدّة بوقوع المواقعة بعد كلّ رجعة، ولا استحالة في وقوعه في يوم أو ليلة حتى يدّعى لأجلها الصراحة.
نعم هو خلاف الظاهر، لكنّه غير الصراحة، ولا بأس بارتكابه إذا اقتضاه الجمع بين الأدلّة.
وأمّا ما يقال عليه أيضاً: من عدم التمامية؛ لدلالة بعض الروايات باشتراط طلاق العدة ثانياً بوقوعه بعد شهرٍ من حين المواقعة، وهو لا يلائم
إطلاق القول بجوازها.
فمدفوع بأنّه كذلك لولا الموثقة المتقدّمة، المصرّحة بجواز وقوع الطلقات الثلاث في يوم واحد، وهي مع أوضحيتها سنداً من الرواية السابقة مصرِّحة بعدم اعتبار تلك المدّة، فليحمل اعتبارها فيها على الفضيلة، والموثقة وإن لم تصرّح بكون الطلاق للعدّة، إلاّ أنّه مقتضى الجمع بين الأدلّة، فتكون كالنص في العدّة.
وبالجملة: المناقشة في هذا الجمع بأمثال ما ذكر غير واضحة، والأولى الجواب عنه بما قدّمناه من المناقشة.
ومع ذلك فقول النهاية ليس بذلك البعيد؛ لابتناء ما قدّمناه من المناقشة على عدم ظهور المقيِّد للموثقات المجوّزة؛ لضعف الخبرين عن الدلالة والمقاومة لها، إلاّ أنّ هنا رواية معتبرة لراوي تلك الموثقات بعينه، ظاهرة الدلالة في ذلك، سيأتي إليها الإشارة في المسألة الآتية في الطلقات الثلاث في الطهر الواحد مع الرجعة من دون مواقعة، فقوله لا يخلو عن قوّة،
والاحتياط لا يترك البتّة.
وللإسكافي في الثاني، فمنع عنه إلاّ بعد شهرٍ؛ لما مضى من الخبر.
وهو مجاب بما مرّ، وحمله على
الاستحباب أو شدّة
الكراهة بدون الشهر أظهر، كما عليه كافّة من تأخّر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۴۹-۲۵۶.