موارد الاختبار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يعتبر
الاختبار من جملة المداخل التي لا تنحصر موارده بفروع معيّنة، ولا تقتصر على موضوعات خاصّة؛ لأنّ الحاجة إليه موجودة في كلّ موضوع يشكّ في تحقّقه، ويتعذّر
إحرازه بدون تعريضه للاختبار. وقد ذكر الفقهاء في كتبهم عدداً من الموارد، من جملتها: ۱- الدماء المشتبهة، ۲- رشد الصغير والسفيه، ۳- جهالة أحد العوضين، ۴- الشك في مقدار الجناية، ۵- الشك في العدالة، ۶- اللحم المشتبه.
إذا رأت
المرأة الدم واشتبه
الأمر بين كونه دم حيضٍ أو
نفاس أو
استحاضة أو بكارة أو جرح أو قرح أو غير ذلك، فقد ذكر الفقهاء أنّه يجب عليها اختباره بالفحص إن لم يكن أصل يعوّل عليه، أو كان مانع يمنع من
إجرائه .
ويعرف
دم الحيض بالعادة والصفات،
ودم النفاس بوقته وهو رؤيته عند الولادة أو بعدها،
ودم الاستحاضة بمخالفته العادة وبالصفات،
ودم البكارة بالتطويق للقطنة،
ودم القرح بخروجه من الجانب الأيمن أو الأيسر.
وكما يجب اختبار نوع الدم، يجب اختبار مقداره حيث يعتبر، كما في المستحاضة فإنّه يجب عليها الاختبار لمعرفة حالها إن كانت ذات استحاضة كثيرة أو قليلة أو متوسّطة.
والقليلة هي ما لوّثت القطنة بالدم من غير غمس فيها، والمتوسّطة ما انغمست القطنة بالدم ولم يسِل إلى خارجها، والكثيرة ما سال الدم من القطنة إلى الخرقة.
ويجب أيضاً لمعرفة
استمراره وانقطاعه إذا احتملت بقاءه وعدم
انقطاعه ، وهو ما يطلق عليه
الاستبراء .
والتفصيل يأتي في محلّه.
•
اختبار الرشد، اتّفق الفقهاء على
اشتراط الرشد في التصرّفات الماليّة، فمن لم يثبت رشده لا يحق له التصرّف في أمواله، بمعنى أنّه لا ينفذ تصرّفه شرعاً فيها ببيع أو شراء أو
إجارة أو هبة أو صدقة أو وقف أو غير ذلك.
المشهور بين الفقهاء اشتراط المعلوميّة وعدم الجهالة في عوض المعاملة، إلّا ما بني على ذلك كالصلح، فبيع المجهول وإجارته والمزارعة والمساقاة عليه وغيرها غير صحيح عندهم؛
للإجماع، ولنهي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الغرر
أو بيع الغرر.
وبعض المعاملات يرتفع الغرر عن عوضيها بدون حاجة إلى التصرّف فيهما؛ لكون المقصود فيها ظاهرها كأدوات الزينة مثلًا، أو لكون الظاهر كافياً في الدلالة على ما في الباطن كبعض الفواكه التي يعرف طعمها من لونها، وبعضها الآخر لا يحصل العلم بها إلّا بالاختبار.
لكن نوع الاختبار يختلف تبعاً لنوع الجهالة المتعلّقة بالعوض، فما كانت جهالته من جهة مقداره يختبر بالمشاهدة والكيل والوزن والعدّ والذرع ونحوها،
وما كانت جهالته من جهة الطعم والرائحة ولطافة الجنس يختبر بالذوق والشمّ واللمس ونحوها،
وما كانت جهالته من جهة السقم والمرض وكثرة النتاج ونحو ذلك من العيوب الباطنة للحيوان يختبر بإبقائه مدّة من الزمان لمعرفة هذه الخواصّ، وعليه يحمل جعل الشارع خيار الحيوان والتصرية مدّة ثلاثة أيّام لمن انتقل الحيوان إليه.
وقد تحتاج بعض السلع إلى إجراء اختبارات وفحوصات خاصّة لا تتيسّر إلّا لأهل الخبرة والاختصاص، كما في نقاوة الحرير والذهب وأصالة الأحجار الكريمة وغيرها. وكيف كان فقد قسّم قدامى الفقهاء محلّ المعاملة إلى ما يفسد وما لا يفسد بالاختبار، فألزموا المتعامل باختبار ما لا يفسد لرفع الغرر والجهالة، وأجازوه بعدم الاختبار فيما يفسد؛ اتّكالًا على الوصف أو شرط السلامة أو
البراءة من العيوب.
لكنّ المتأخّرين منهم جوّزوا المعاملة من غير اختبار حتّى فيما لا يفسده الاختبار؛ اتّكالًا على الامور المذكورة، لكن بشرط أن يكون محلّ المعاملة من الامور التي يمكن ضبطها بالوصف إن اريد
الاتّكال عليه، وأن يكون ممّا يكفي في قصده سلامته إن اريد الاتّكال على شرط السلامة.
وتظهر ثمرة الاختبار في جواز المعاملة ولزومها حيث تكون المعاملة المبنيّة على الاختبار لازمة، بخلاف ما بنيت على الامور المذكورة فإنّها تكون جائزة عند ظهور عيب في السلعة أو مخالفتها للوصف المذكور ضمن العقد، وسيأتي تفصيل ما أوردناه هنا في محلّه.
كثيراً ما يقع
الاختلاف بين الناس في الجنايات والعيوب في المنافع والقوى كالسمع والبصر والشمّ والذوق والعقل والنطق و
انتصاب الذكر وغيرها، أو في الأعضاء المستترة كالقرن والعفل و
الإفضاء والثيوبة والجبّ ورضّ الخصيتين وغيرها، فيفتقر إلى الاختبار لإثبات وقوع الجناية والعيب أو عدمه، ولا إشكال في أنّ القسم الثاني يختبر بالمشاهدة.
وأمّا القسم الأوّل فقد وردت فيه روايات في الفقه تبيّن السبيل إلى اختبار المدّعي لذهاب القوى بترصّده ومفاجأته في أوقات الغفلة بما لا يتحسّب له، فيصدر منه ردّ فعل لا بالاختيار إن كان كاذباً في ادّعائه، ولا يصدر منه شيء إن كان صادقاً فيه،
.
كما وردت روايات اخرى تبيّن سبيل اختبار مدّعي النقص فيها باختباره في جهات مختلفة ونماذج متعدّدة، فإن تطابقت النتيجة كان صادقاً وإلّا فقد كذب، ثمّ مقايسة الناقص إلى الصحيح و
احتساب مبلغ الدية على أساس ذلك،
. هذا في غير انتصاب الذكر. وأمّا في انتصاب الذكر فيمتحن بجلوسه في الماء البارد، فإن استرخى ذكره فهو عنّين وإن تشنّج فليس به عنّة،
إلى غير ذلك. وقد أفتى بعض الفقهاء بموجب هذه الروايات.
وناقش في ذلك آخرون بأنّ الروايات المذكورة- لو فرض صحّة سندها وتماميّة دلالتها على إثبات العيب بذلك الطريق- غير واردة على سبيل التعبّد، بل للإرشاد إلى ما يحصل به الاختبار؛ ولذلك فلا تكون دالّة على التعيين وانحصار السبيل بما وردت فيه، فيمكن الرجوع إلى
أهل الخبرة والتخصّص في الاختبار بذلك الطريق أو غيره، وبه أفتى بعض الفقهاء.
وللتفصيل أكثر يرجع في كلّ جناية وعيب إلى محلّه.
تدخل العدالة شرطاً في كثير من الأفعال العباديّة والمعامليّة، وتترتّب عليها أحكام كثيرة في العديد من أبواب
الفقه ، منها: اشتراطها في التقليد و
إمامة الجماعة والملّة واستحقاق الزكاة والقضاء بين المسلمين وإقامة الشهادة وغير ذلك.
وعرّفت العدالة بأنّها ملكة نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى والمروءة،
و
بالاستقامة على جادّة الشرع،
وغير ذلك. وكيف كان فعلى التعريفين المذكورين وخصوصاً الأوّل هي من الامور التي لا تتبيّن بسهولة؛ فلذلك تكون بحاجة إلى الاختبار. وكيفيّة اختبار العدالة تكون بالمعاشرة المستمرّة، والوقوف على حالات
الإنسان وابتلاءاته المختلفة، ومنها المواطن التي تزلّ فيها القدم، وتزيغ النفس، وتنحرف عن جادّة الصواب، فإن لم يحصل مع ذلك عدول عن الشريعة ومخالفة لأحكامها، أو منافاة للشأن والمكانة والمنزلة الدينيّة والدنيويّة فقد ثبتت، وإلّا لم تثبت.
وللتفصيل أكثر راجع مصطلح (عدالة).
يشترط في جواز
أكل لحم الحيوان أن يكون من حيوان مأكول اللحم محرزة تذكيته بالتذكية الشرعيّة، ولو بأمارة كونه بيد
المسلم أو موجوداً يباع ويشترى في بلاد المسلمين.
وأمّا ما وجد مطروحاً على
الأرض وشكّ في ذكاته وعدمها فقد ورد في بعض الروايات اختباره بطرحه في النار، فإن انقبض فهو ذكيّ، وإن انبسط فهو ميتة.
وبه أفتى جملة من فقهائنا،
بل ادّعي عليه الإجماع وعدم الخلاف،
وخالف فيه بعض منهم.
والتفصيل موكول إلى محلّه. وهناك موارد اخرى كثيرة للاختبار ذكرها الفقهاء في كتبهم وتحاشينا ذكرها حذراً من
الإطالة ، وسيأتي كلّ منه في موضعه.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۲۶۲-۲۸۲.