الاحتجاب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
خفاء الشيء وراء شيء أي استتاره والشيء الآخر هو الحاجب.
الاحتجاب في
اللغة بمعنى
الاكتنان وراء الحجاب،
وأصله الحجب وهو المنع،
والاسم حاجب وحِجاب، والحجاب جسم حائل بين جسدين، ويستعمل في المعاني فيقال للسّتر:
حجاب؛ لأنّه يمنع
النظر،
وللبوّاب حاجب؛ لأنّه يمنع
الدخول،
وللحرز حجاب؛ لأنّه يمنع من تأثير
العين،
ولضوء الشمس حجاب؛ لمنعه عن مشاهدتها؛
وللعجز حجاب؛ لأنّه يمنع بين
الإنسان ومراده،
وللمعصية حجاب، وللعظمين فوق العينين، وكذا
الشعر واللحم حاجبان؛ لأنّهما يمنعان من وصول شيء إلى العينين
وهكذا.
ومن ذلك قول
الإمام عليه السلام في
المناجاة:
«وإنّك لا تحتجب عن
خلقك إلّا أن تحجبهم
الأعمال دونك».
وقوله عليه السلام: «أيّما والٍ احتجب عن
حوائج الناس احتجب اللَّه عنه
يوم القيامة».
وليس لدى
الفقهاء اصطلاح خاص بهذه اللفظة.
وهو
التغطي والاختفاء يقال: استتر
بالثوب وتستّر به أي تغطّى،
والفرق بين الاحتجاب والاستتار هو: أنّ الاحتجاب ربّما يصدق عليه الاستتار أيضاً ويتحد معه خارجاً وذلك فيما إذا كان ما احتجب به هو الستر كالثوب، وليس كذلك إذا كان الاحتجاب باتخاذ البوّاب مثلًا فلا يصدق الاستتار حينئذٍ.
وقد يفرّق بينهما بأنّ الستر لا يمنع من الدخول على المستور، بخلاف الحجاب فإنّه يمنع من الدّخول.
ومن ذلك إطلاق الفقهاء على ما يمنع من وصول
الماء إلى
البشرة «حاجب» دون «الساتر»،
وهو
مصدر ورّيتُ بمعنى الستر والإخفاء،
ومنه ما روي: أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد غزواً ورّى بغيره؛ وذلك إذا ستر خبراً وأظهر غيره.
وهي في الاصطلاح أن يريد المتكلّم باللفظ معنى مطابقاً للواقع وقصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك ممّا هو ظاهر فيه،
وكأنّه مأخوذ من وراء الإنسان؛ لأنّه إذا قال: ورّيته كأنّه جعله وراءه حيث لا يظهر.
يختلف حكم الاحتجاب والاستتار باختلاف المواطن.
فقد يجب كما في
ستر العورة عن الناظر المحترم ومطلقاً في
الصلاة. والاستتار بالمعصية بمعنى عدم التجاهر بها بل وعدم كشفها سواء فيه نفس
العاصي أو غير
العالم بها؛ لأنّه من
إشاعة الفاحشة المنهي عنها في
الآية. وستر
الأمانة عند خوف
ضياعها من
ظالم ونحوه،
وكتمان العقيدة كالإسلام والإيمان عند خوف النفس، وستر
عيوب الناس وعدم اظهارها إلّا فيما استثنى
كنصح المستشير، واستتار
الذمي بفعل المحرّم في
شريعة الإسلام؛ لاشتمالها على نوع من
الهتك المحرّم.
وقد يستحب كما في الاستتار حال
الجماع والتخلّي وما يماثلهما؛ لأنّه أنسب
بالحياء، والاستتار
بالعبادة خصوصاً
للنساء؛ لأنّه أوفق
بالإخلاص وأستر
للعورة، ومن هذا الباب استحباب أخذ السترة
للمصلي. والاستتار
بالمصيبة
والنائبة
والمرض والفقر؛ لأنّه أوفق
بالشكر وأرضى
للربّ وأرجى
لليُسر ونزول
النعمة.
وقد يكره كما في اعتزال الشخص من الناس إلّا في موارد خاصة
كالخوف من
الدين عند فساد المجتمع فيجوز، بل قد يجب.
وقد يحرم كاختفاء
المديون عن
دائنه عند حلول
الدين، إلّا إذا كان
معسراً لا يقدر على الأداء وخاف من دائنه
الجور عليه، كما أنّ اختفاء المحكوم
بحد عن
القاضي بعد
الحكم عليه قد يحكم بحرمته دون ما إذا كان قبل الحكم عليه وقد تاب في نفسه فيجوز له
الهرب، بل قد يقال
بالوجوب فيما إذا كان الحد
قتلًا؛ لوجوب حفظ النفس، ولا ينافيه لزوم إجراء الحد على القاضي؛ لأنّ ذلك إنّما من وظيفة الحاكم.
وقد يقع استتار شيء موضوعاً لتعلّق
تكليف آخر بالمكلّف كاستتار
الشمس بالقمر المسمى
بالكسوف واستتار القمر
بالأرض المسمى
بالخسوف، فتجب عندئذٍ على المكلّف صلاة الآيات. ويطلب تفصيل كلّ هذه الأحكام في مواطنها من
الفقه وضمن مصطلحات متفرقة.
يكره للقاضي اتخاذ الحاجب، وهو الذي يكون وصول المتنازعين إلى القاضي موقوفاً على
إذنه،
وصريح بعضهم الحرمة في ما إذا اتخذه على الدوام بحيث يمنع أرباب الحوائج ويضرّ بهم لما فيه من تعطيل الحقوق الواجب قضاؤها على الفور وإلّا فلا يحرم.
ومستند
الكراهة قول
أمير المؤمنين عليه السلام:
«أيّما والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب اللَّه عنه يوم القيامة وعن حوائجه»،
وغيره.
وردت عدة
روايات في ذمّ الاحتجاب عن
الأخ المؤمن:
منها: رواية
أبي حمزة عن
الباقر عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى
مسلماً زائراً وهو في منزله فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه، قال: «يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن فلم يأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في
لعنة اللَّه حتى يلتقيا»، قلت:
جعلت فداك في لعنة اللَّه حتى يلتقيا؟ قال:
«نعم».
ومنها: رواية
مفضل بن عمر عن
الصادق عليه السلام: «أيّما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب اللَّه عز وجلّ بينه وبين
الجنة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف
عام».
قال
المجلسي في تفسير الحجاب: «أي المانع من الدخول عليه، إمّا بإغلاق الباب دونه، أو إقامة بوّاب على بابه يمنعه من الدخول عليه».
وبهذا المضمون
أحاديث كثيرة.
والظاهر من صاحب
الوسائل الفتوى بالحرمة بالنسبة لحجب المؤمن وهو خصوص الموالي الاثنا عشري، قال في عنوان بابه: «باب تحريم حجب
الشيعة».
ومثله المازندراني في شرحه على الكافي.
ولكن الذي ينبغي أن يعلم أنّ الحرمة المزبورة إنّما هي فيما إذا كان الاحتجاب
للتكبّر والاستهانة بالمؤمن،
وتحقيره وعدم
الاعتناء بشأنه، لا ما إذا كان لسائر الأغراض المشروعة للإنسان، حيث إنّ كلّ شخص لا بدّ له من ساعات في
اليوم والليلة يشتغل فيها بإصلاح امور نفسه
ومعاشه ومعاده لا سيما
العلماء؛ لاضطرارهم إلى
المطالعة والتأمّل في المسائل الدينيّة وجمعها
وتأليفها وتنقيحها وجمع الأخبار وغير ذلك من الامور التي لا بد لهم من الخوض فيها والاعتزال عن الناس والاختلاء في مكان لا يشغلهم فيه أحد وقد صرّح به بعضهم.
من آداب
الحكومة والولاية أن لا يطول احتجاب
الوالي عن
رعيّته، فقد ورد في
وصية أمير المؤمنين عليه السلام
للأشتر: «وبعد هذا فلا يطولنّ احتجابك عن رعيّتك؛ فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من
الضيق وقلّة علم بالامور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغّر عندهم الكبير ويعظّم الصغير ويقبّح الحسن ويحسّن القبيح ويشاب الحق
بالباطل».
قد وردت روايات في
مدح العزلة عن الناس:
منها: رواية
الصادق عليه السلام: «صاحب العزلة متحصّن
بحصن اللَّه ومحترس
بحراسته».
ولكن المراد منها العزلة في أحوال خاصّة.
قال
العلامة المجلسي: «إنّ الاعتزال عن الخلق كافة ليس بممدوح في هذه الامّة كما يظهر ذلك من أحاديث
متواترة، وهناك أحاديث كثيرة في فضل تزاور
المؤمنين وعيادة مرضا هم... وهذا لا يجتمع مع الاعتزال- ثمّ قال:- والأخبار الواردة في الاعتزال إنّما هي في الاعتزال عن شرار الناس الذين لا يهتدى بمجالستهم والذين يضرّون
جليسهم في دينه، وإلّا
فمعاشرة الصلحاء وهداية الضالّين طريقة
الأنبياء ومن أفضل العبادات».
العُوذة بضم العين يقال لكلّ ما يعوذ به الإنسان من
فزع أو
جنون....
والعياذ والمعاذ بمعنى
الاعتصام، ويقال
للسورتين «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ» و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»
معوذتان؛ لأنّهما عصمتا صاحبهما عن كلّ
سوء.
والاحتجاب بهذا المعنى يتحقّق بأخذ الإنسان معه أو مع ما يتعلّق به من
طفل أو
دار أو
سيارة مكتوباً
كالقرآن أو بعضه أو اسم من
أسماء اللَّه تعالى، أو بقراءتها في بعض المقامات بقصد الاعتصام
والالتجاء إليه والاحتراس به عن المخاوف والمضار
والوساوس والسحر وما يشبه ذلك.
وهو في الجملة ممّا لا إشكال فيه لرجوعه إلى
الاستعاذة والالتجاء إلى اللَّه تعالى المأمور به في جميع المقامات، قال اللَّه تعالى: «وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ»
والقرآن وسيلة وحبل اللَّه بينه وبين خلقه، وقال عز وجل: «وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»،
وقال عن قول مريم عليها السلام لمّا خافت: «إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا»
وأيضاً: «وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ• وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ».
والحجابات المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة المعصومين عليهم السلام كثيرة،
ولا بأس بها ما دام داخلًا في العناوين المزبورة
المباحة بل
المندوبة.
قال
كاشف الغطاء: «
العوذة والرقية والنشرة إذا كانت من القرآن، وكذا إذا كانت من
الذكر أو مرويّة عنهم لا بأس بها دون غيرها من الأشياء المجهولة، ولا بأس بتعليق التعويذ من القرآن
والدعاء والذكر كما ورد في الأخبار».
وقال بعض المعاصرين: «لا بأس بعمل أصحاب العوذات والأقسام ما لم يدخل فعلهم في السحر والتوسّل إلى
الشياطين».
الموسوعة الفقهية، ص۳۷-۴۲.