الإسراف في المباحات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإسراف(توضيح) .
هو مجاوزة
الحد، وهو من العدوان
المحرم. وهو
التعدي عن حد
الاعتدال المباح.
لابدّ من
الاقتصاد في
استعمال الماء وعدم
إتلافه ، خصوصاً مع حاجة الناس إليه وتوقّف
الحياة عليه؛
لأنّه محورها وأساس قوامها، قال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».
وقد عدّوا من
الإسراف هراقة فضل الماء؛
لقول
الصادق عليه السلام في رواية
إسحاق بن عمّار : «أدنى الإسراف هراقة فضل
الإناء وابتذال ثوب
الصون ...».
بل ذكر بعضهم من الإسراف
إهراق الماء
النجس الذي يمكن
الاستفادة منه في غير الشرب.
الأكل
مباح في
الشريعة ما لم يتجاوز حدّ
الاعتدال والاستواء ، وإلّا كان إسرافاً منهيّاً عنه؛ لقوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».
والنهي في الآية وإن كان تحريمياً، إلّاأنّ الأمرين الواردين فيها إباحيّان.
وللإسراف في الأكل والشرب موارد متعدّدة:
منها: تهيئة الطعام والشراب أكثر من مقدار
الحاجة بحيث يؤدّي إلى تلفه وعدم الاستفادة منه، وهو من أوضح مصاديق الإسراف المنهي عنه، وإليه أشارت رواية
داود الرقّي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ
القصد أمر يحبّه اللَّه عزّوجلّ، وأنّ السرف أمر يبغضه اللَّه عزّوجلّ حتى طرحك النواة؛ فإنّها تصلح لشيء، وحتى صبّك فضل شرابك».
وأمّا ما ورد في خبر
شهاب بن عبد ربّه قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ليس في الطعام سرف»
فالمراد منه التأكيد على
إجادة الطعام
والإكثار منه، وقد عقد
الحرّ العاملي باباً في
الوسائل بهذا المضمون،
فإذا كان هناك تساهل في الإكثار من الطعام في بعض الموارد فلأجل عدم تحقّق الإسراف فيها، ويؤيّده ما ورد في الطعام بأنّه لا يضيع، بل يأكله الآكلون
ممّا يعني أنّ نفي الإسراف عن الأكل إنّما يصحّ إذا لم يكن الإكثار منه مؤدّياً إلى تلفه والإسراف فيه.
ومنها: صرف المال في الأغذية النفيسة التي لا تليق بحال الشخص؛
لصدق الإسراف
والتبذير عليها، ولعلّ ذلك ممّا لا خلاف فيه.
ومنها: الزيادة على الشبع والتملّي في الأكل.
قد صرّح الفقهاء في آداب الطعام بكراهة التملّي من الأكل،
والأكل على شبع،
بل ربّما يكون
الإفراط في ذلك حراماً إذا استوجب
الإضرار بالنفس.
ويستدلّ
على
الكراهة بما رواه
أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:«... إنّ البطن ليطغى من أكله، وأقرب ما يكون العبد من بدله: «إلى».
اللَّه إذا خفّ بطنه، وأبغض ما يكون العبد من اللَّه إذا امتلأ بطنه».
وبرواية
عبد اللَّه بن سنان عنه عليه السلام أيضاً:«الأكل على
الشبع يورث
البرص ».
ليس من الإسراف لبس الثياب الفاخرة ولا
التزيّن والتجمّل بأفضلها،
بل عدّ بعض الفقهاء
ذلك من مستحبات اللباس؛ لأنّ اللَّه جميل ويحبّ الجمال.
ويتأكّد
استحباب لبس ذلك في
الأعياد ،
والجمع،
وعند الذهاب إلى
المسجد ؛
لما رواه
هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «ليتزيّن أحدكم... ويتطيّب... ويلبس أنظف ثيابه...».
وقد يتوهّم البعض أنّ الإسراف منفي عن اللباس بصورة مطلقة؛ لوجود بعض الروايات التي من الممكن
الاستدلال بها على ذلك، كرواية
إسحاق بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: يكون لي ثلاثة أقمصة، قال: «لا بأس»، فلم أزل حتى بلغت عشرة، قال: «أليس يودع بعضها بعضاً؟» قلت: بلى، ولو كنت إنّما ألبس واحداً كان أقلّ بقاءً، قال: «لا بأس».
وكمرسلة نوح بن شعيب عنه عليه السلام أيضاً قال: سألته عن الرجل الموسر يتّخذ الثياب الكثيرة الجياد، والطيالسة، والقمص الكثيرة يصون بعضها بعضاً يتجمّل بها، أيكون مسرفاً؟ فقال: «لا؛ لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: «لِيُنفِقْ ذُوسَعَةٍ مِن سَعَتِهِ»
».
إلّاأنّ المستفاد من هذا النوع من الروايات هو أنّ نفي الإسراف عن ذلك؛ لوجود غرض عقلائي مترتّب عليها ككون الإكثار منها موجباً لدوامها وزيادة مدّة
استخدامها ، أو أنّ ذلك ممّا يكون مناسباً لشأن
الإنسان ولائقاً بحاله، فليس الإسراف في اللباس جائزاً في الشريعة، بل حكمه كسائر موارد الإسراف الاخرى؛
ولذا فإنّ شراء الثياب الفاخرة والنفيسة والإكثار في الملبوس يكون إسرافاً وتبذيراً إذا لم تلق بحال الشخص، أو لم يكن بحاجة إليها، أو لصدق التضييع والإتلاف عليها؛
لما روي عن
سليمان ابن صالح أنّه قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:ما أدنى ما يجيء من الإسراف؟ قال:«ابتذالك ثوب صونك...».
ولقول الصادق عليه السلام في رواية إسحاق ابن عمار: «... إنّما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك».
هذا، وقد عدّ بعضهم من الإسراف شقّ الثوب على غير
الأب والأخ ؛ لما فيه من ضياع المال والتبذير المحرّم.
واورد عليه بأنّه لا مانع من ذلك إذا كان له غرض عقلائي
كمحاولة إظهار التأثّر في موت الأقرباء والأصدقاء.
حيث قال: «أمّا الدليل على الحرمة فهو إضاعة المال، وفيه إشكال».
لا
إشكال في أنّ الإكثار من
الطيب مطلوب في الشريعة
حتى ورد نفي الإسراف عنه في
مرفوعة زكريّا المؤمن التي ورد فيها أنّ: «ما أنفقت في الطيب فليس بسرف»،
وهي
بإطلاقها وإن كانت شاملة بدواً للتطيّب بجميع مراتبه حتى ولو استغرق جميع المال، إلّاأنّه يمكن تفسيرها بالإكثار من الطيب في حدود المعقول، فلا يجوز رشّ البيت وباب الدار بالعطور، ولا مسح الأبواب والجدران
بالمسك والعنبر ، فإنّ ذلك من الإسراف المنهي عنه في الشريعة.
يستفاد من بعض النصوص استحباب التزيّن والتجمّل،
كما في قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ».
وقول الإمام
الصادق عليه السلام في حديث
يوسف ابن إبراهيم : «إلبس وتجمّل، فإنّ اللَّه جميل يحبّ الجمال...».
إلّاأنّ ذلك مشروط بعدم تجاوز
القدر اللائق بالحال،
وإلّا صار إسرافاً. ومن هنا عدّ بعضهم
التزيّن باللباس المحشوّ
بالإبريسم إسرافاً، وكذا تزيين الآنية
بالذهب والفضّة ،
وتزيين المساجد والمشاهد المشرّفة
والدور بالذهب،
وكذا تزيين
المصحف والسيف ولجام الفرس بالذهب والفضّة،
ومع ذلك فإنّ هذا الكلام مرفوض على إطلاقه باعتقاد الكثير؛ لإمكان تعلّق غرض عقلائي ببعض الأمور المذكورة- كالمساجد والمشاهد- نحو تعظيم الشعائر
وإرغام أنف أعداء الدين مثلًا.
لا إسراف في
اتخاذ الدور والمساكن الكثيرة مع الحاجة إليها، وإنّما الإسراف فيما زاد منها عن الحاجة أو لم تكن لائقة بالحال،
وقد اعتبر بعضهم ذلك من المكروهات.
المعروف أنّه لا إسراف في
الضوء ،
ولم نجد له مستنداً في كتبنا الروائيّة، إلّاما ورد في استحباب
الإسراج في المساجد
من دون تقييدها بوجود مصلٍّ.
وهذا النوع من الروايات لا علاقة له بنفي الإسراف عن الضوء؛ لأنّ استحبابه في المساجد- حتى مع عدم وجود مصلٍّ- له ما يبرره عند العقلاء، وهو غير الإسراف في الضوء، بل ورد في بعض
الأخبار أنّ السراج في
القمر ضياع،
فضلًا عن إسراج المشاعل في
النهار مثلًا.
الموسوعة الفقهية ج۱۲، ص۴۵۷-۴۶۲.