الاستيفاء(كيفيته وآدابه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستيفاء(توضيح) .
تختلف كيفية
الاستيفاء أيضاً باختلاف موارده:
ففي
الحدود لابدّ في استيفائها من عدم زيادتها أو نقصانها عمّا عيّنه
الشرع ، وقد ورد عن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يؤتى بوالٍ نقص من الحدّ سوطاً، فيقول: ربّ رحمة لعبادك، فيقال له: أنت أرحم بهم منّي؟! فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطاً، فيقول: لينتهوا عن معاصيك، فيؤمر به إلى النار».
وينبغي
إعلام الناس
بإجراء الحدّ ليشهده جماعة من
المؤمنين ؛
لقوله تعالى: «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»،
وخص
السيد الخوانساري في
جامع المدارك، الحكم بإجراء الجلد على الزاني والزانية، فلا تعمّ من عليه الرجم أو القتل؛ عملًا بظاهر الآية.
ولعلّه
للاعتبار والانزجار عن فعل القبيح.
وكما يستحبّ إعلام الناس يستحبّ حضورهم،
بل قيل بوجوبه؛
لبعض ما تقدّم.ويبتدأ بالحدّ الذي لا يفوت معه الحدّ الآخر فيما لو اجتمع عليه الجلد والرجم- مثلًا- فإنّه يجلد أوّلًا ثمّ يرجم.
وفي
القصاص نهى اللَّه تعالى عن
الإسراف في القصاص في موارد متعدّدة كما في قوله تعالى: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً»،
ولأجل
الاجتناب عنه لابدّ من مراعاة عدّة امور:
منها: أن لا يكون استيفاء قصاص
النفس إلّا
بالسيف ،
كما هو المشهور بين الفقهاء،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا قود إلّابالسيف».
وعن
موسى بن بكر عن
الإمام الكاظم عليه السلام: في رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يرفع
العصا حتى مات، قال: «يدفع إلى أولياء المقتول... لكن يجاز.أجاز على الجريح أي أجهز عليه.
عليه بالسيف».
وقيل بكفاية ما يجري مجرى السيف.
بل لم يستبعد البعض جواز الاستيفاء بما هو أسهل من السيف كالرصاص والصعقة الكهربائية.
وخالف في ذلك بعضهم، فجوّز الاقتصاص بمثل ما فعل الجاني مطلقاً أو مقيّداً بالوثوق بعدم زيادة القصاص على ما فعله؛نقله عن
الإسكافي في
المختلف،
ونقله عن الحسن أيضاً في
جواهر الكلام،
لقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»،
ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «من حرّق حرّقناه، ومن غرّق غرّقناه»،
ولأنّ المقصود من القصاص
التشفّي الذي لا يتحقّق إلّابالاقتصاص من الجاني بمثل ما جنى به.
إلّاأنّه على هذا القول يستثنى من ذلك الاقتصاص بالمحرّم
كالسحر ووجور
الخمر في
الحلق .
ومنها: اجتناب ما يوجب تعذيب الجاني، كالاقتصاص منه بآلة كالّة، أو بمنشار ونحوه ممّا يوجب تعذيباً زائداً على الضرب بالسيف؛
لما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة».
ومنها: عدم
استعمال آلة مسمومة، وهو ممّا لا
إشكال ولا خلاف في حرمته إذا كان استيفاء القصاص فيما دون النفس؛ إذ ليس المقصود منه إهلاك النفس،
فلو استعملها ضمن، بل يقتصّ منه إذا كان عامداً.
وأمّا في النفس فلا يجوز أيضاً إذا أدّى إلى تفسّخ
البدن وتعسّر
غسله ودفنه وهتك حرمته، وإلّا فاحتمل بعضهم
الجواز بل قيل: إنّه المتّجه؛
لعدم
استلزامه عقوبة زائدة أو هتكاً لحرمته، فيبقى
إطلاق الأدلّة على حاله، وإن كان الأولى الاجتناب في هذه الصورة أيضاً.
ولأجل التأكّد من عدم حدوث
التعدّي يقاس محلّ الجراحة بمقياس ليعلم طرفاه حال الاقتصاص، ثمّ يشرع فيه من احدى العلامتين إلى
العلامة الاخرى دفعة واحدة أو أكثر من دفعة.
ومنها:
إحضار شاهدين ذوي خبرة في استيفاء القصاص؛ لئلّا يتعدّى حدّه أو ينقص قدره؛ دفعاً
للنزاع في وقوع استيفاء القصاص وعدمه.
وأمّا حقوق اللَّه المالية فلابدّ من مراعاة مصلحة مستحقّيها حتى لا يفوت حقّهم.
قال
السيّد اليزدي : «لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ
الزكاة من
المالك ، ثمّ الردّ عليه... أو
المصالحة معه بشيء يسير، أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك، فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء، وكذا بالنسبة إلى
الخمس والمظالم ونحوهما...».
د- حقوق الناس المالية:
يمكن لصاحب الحقّ استيفاء حقّه بطرق متعدّدة:
منها: الاستيفاء
بالأخذ عن طريق
المطالبة أو المقاصّة، وذلك فيما إذا كان الحقّ حالّاً وكان من عليه الحقّ معترفاً به باذلًا له غير ممتنع ولا متعذّر فلصاحب الحقّ المطالبة به. نعم، إذا كان الحق ديناً لا يجوز له أخذ مال الغريم بدون
إذنه ؛
لأنّ ما في ذمّة المدين كلّي فلا يتعيّن إلّا بتعيّنه وقبضه.
ولو جحد الغريم حقّه أو ماطل وليس لصاحب الحق بيّنة يثبت بها حقّه عند
الحاكم أو كانت ولم يتمكّن من التوصّل إلى الحاكم أو أمكن التوصّل ولكن بعد مدّة أو تعب شديد يوجبان
الضرر القوي جاز له الاقتصاص منه بلا خلاف في ذلك.
وأمّا إذا كان المطلوب عيناً يمكن استيفاؤها بلا مشقّة ولا
ارتكاب محذور
جاز له أخذه بدون إذنه؛ وذلك لقاعدة
السلطنة .
وإن لم يمكن الاستيفاء، كما لو كان من عليه الحقّ جاحداً للحقّ ممتنعاً من أدائه ولم يمكن الوصول إليه إلّا
بالترافع إلى الحاكم،
أو أمكن ولكنّه يوجب النزاع والفتنة،
أو كان امتناعه عن
أداء الدين عن حقّ- كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمّته
- فلا خلاف عندئذٍ في لزوم مراجعة الحاكم والترافع إليه؛ لاستيفاء الحق إذا كان عادلًا، وأمّا إذا كان جائراً فإنّه يحرم الترافع إليه حينئذٍ، وذكر جملة من الفقهاء بأنّ ما يؤخذ بحكم الجائر
حرام إذا كان ديناً، وفي العين
إشكال ، إلّا إذا توقّف استيفاء حقّه على الترافع إليه فلا يبعد جوازه، سيّما إذا كان في تركه حرج عليه.
أمّا إذا أمكن استيفاء الحقّ بالمقاصّة مع التمكّن من
الوصول إلى الحاكم من دون مشقّة ولا ضرر ففي جواز المقاصّة وعدمه قولان
:
ذهب الأكثر
إلى الجواز؛
مستدلّين بإطلاق أدلّة التقاصّ،
وبما ورد عن
المجاشعي عن
الإمام الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته...».
وذهب بعضهم إلى عدم الجواز؛
لأنّ التسلّط على مال الغير خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الضرورة، ولا ضرورة في المقام.
هذا إذا لم يكن المال وديعة بيد صاحب الحق.
وأمّا إذا كان
وديعة ففي جواز التقاصّ منه وعدمه قولان أيضاً:
ذهب جماعة إلى جوازه على
كراهةٍ ؛ جمعاً بين الأدلّة.
بينما ذهب آخرون إلى حرمته؛
لقوله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»،
ولأنّ
التقاصّ خيانة ، كما ورد عن
الإمام الصادق عليه السلام.
ومنها: الاستيفاء من
الرهن ، وذلك كما لو حلّ
الأجل وتعذّر الأداء لامتناع الراهن، فإنّه للمرتهن بيع الرهن واستيفاء دينه إن كان وكيلًا، وإلّا أجبره على بيعه وإن لم يتمكّن رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه
البيع .
وكذا فيما إذا مات المديون وخاف جحود الوارث ولم تكن عنده بيّنة مقبولة
استوفى من الرهن. وكذا إذا حجر على الراهن للفلس أو مات وعليه ديون مستغرقة، بل ذهب المشهور إلى أنّه أحقّ باستيفاء دينه من باقي الغرماء.
ومنها: الاستيفاء
احتساباً من الزكاة والخمس، وذلك فيما لو كان
الدين على الفقير فإنّه يجوز احتسابه زكاةً بلا خلاف فيه؛
لما ورد عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت [[|أبا الحسن الأوّل]] عليه السلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال:«نعم».
ويجوز أيضاً احتسابه خمساً لو كان المدين من مستحقّيه، إلّاأنّه يعتبر فيه الإذن من
الحاكم الشرعي على قول.
ومنها: استيفاء
الوصي دينه من أموال الموصي، حيث ذهب جماعة إلى جواز استيفاء الوصي دينه من أموال الموصي؛
لأنّ الغرض
قضاء الديون فيقوم مقام الموصي في ذلك.
إلّاأنّ هناك من اختار عدم الجواز إلّا بالبيّنة،
وفصّل جماعة بين
العجز عن
الإثبات فيجوز الاستيفاء، وبين
القدرة على الإثبات فلا يجوز.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۹۱-۳۹۶.