البالوعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
بئر تحفر في وسط
الدار ، يضيق
رأسها يجري فيها ماء
المطر .
البالوعة:
بئر ضيّق
الرأس يجري فيه ماء
المطر ونحوه،
قيل: سمّيت بذلك
لبلعها الماء وما يقع فيها.
واستعمله
الفقهاء في نفس
المعنى اللغوي، ولكن
غالباً ما يرد في الفقه في
خصوص ما يرمى فيه ماء
النزح ،
أو غيره من
النجاسات ؛
وذلك لأنّ
الأحكام التي تتعلّق بها غالباً ما تكون
لجهة استقذارها أو نجاستها، هذا
مضافاً إلى أنّ البالوعة عادة تكون لأجل
تصريف المياه
القذرة .
وهو في
اللغة بمعنى
القليب المحفور ، مهموز، يقال: بأرتُ بئراً، أي حفرتها،
ومنه الجبّ.
والبئر هو
مجمع ماء نابع يستقى منه،
فالفرق بين البئر والبالوعة أنّ البالوعة يرمى فيها الماء
بخلاف البئر.
وهي في اللغة البئر تُحفَر، و
الجمع ركيّ و
ركايا ،
وركا
الأرض ركواً، إذا حفرها حفراً
مستطيلًا .
وعلى ذلك فهي كالبئر غير البالوعة.
واحد
الصهاريج ، وهي
كالحياض يجتمع فيها الماء. وبركة مصهرجة: معمولة
بالصاروج .
قال
العجاج : حتى تناهى في صهاريج
الصفا يقول: حتى وقف هذا الماء في صهاريج من
حجر .
وقال
ابن سيدة : «الصهريج مَصنَعة يجتمع فيها الماء، وأصله
فارسيّ ، وهو
الصهريّ على
البدل ، وحكى
أبو زيد في جمعه: صهاريّ».
و
الصلة بين الصهريج والبالوعة أنّهما يجتمع فيهما الماء.
تتعلّق بالبالوعة أحكام تختلف
باختلاف الموارد، وهي ما يلي:
البالوعة تارة تكون
مختصة بماء المطر أو معدّة
لإرسال المياه
الطاهرة ، واخرى تكون مجمعاً للمياه القذرة كما هو
الغالب .
ففي
الحالة الاولى لا شكّ في
طهارتها وطهارة الماء
المجتمع فيها،
قليلًا كان أو
كثيراً .
نعم، يتنجّس بمجرّد
ملاقاة النجس إذا كان قليلًا، ومع تغيّر أحد أوصافه الثلاثة من
اللون و
الطعم و
الرائحة إذا كان كثيراً، كسائر المياه
المطلقة ، ولا حكم له
بعنوانه .
وأمّا في الحالة الثانية فهو نجس بلا
إشكال .
صرّح كثير من الفقهاء
بأنّه لا يحكم بنجاسة ماء
المعطن أو
الناضح بمجرّد قربها من البالوعة ما لم يعلم
بسراية البالوعة إلى البئر وحصول الملاقاة بناءً على القول
بالانفعال أو يحصل
التغيّر ، بل نسبه
السبزواري إلى
المشهور ،
بل ادّعى
العاملي عدم
وجدان الخلاف فيه،
بل ادّعي
الإجماع عليه.
واستدلّ له- مضافاً إلى
الأصل ، أي
استصحاب الطهارة- بالأخبار الواردة بعدم
التنجّس ما لم يحصل
العلم به.
وتفصيل ذلك في
مصطلح (بئر)؛ لأنّه من أحكامه.
مع حكم الفقهاء بعدم
تأثّر البئر بمجرّد
قربه من البالوعة حكموا- وتبعاً للروايات- باستحباب
التباعد بينهما، والمشهور بينهم أنّه خمسة أذرع إذا كانت الأرض
صلبة ، أو كانت البئر فوق البالوعة، وإن لم يكن كذلك فسبع.
وتدلّ عليه مرسلة
قدامة بن أبي زيد الجمّاز عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته كم أدنى ما يكون بين البئر- بئر الماء- والبالوعة؟ فقال: «إن كان
سهلًا فسبع أذرع، وإن كان
جبلًا فخمس أذرع».
ورواية
الحسن بن رباط عنه عليه السلام أيضاً قال: سألته عن البالوعة تكون فوق البئر، قال: «إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ
ناحية ، وذلك كثير».
نعم، قال بعض الفقهاء بأنّ الأرض لو كانت
رخوة والبئر تحت البالوعة البعد باثني عشر ذراعاً، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة أو
محاذياً لها في سمت
القبلة فسبع.
ويناسبه- كما في
كشف اللثام - رواية
محمّد بن سليمان الديلمي عن
أبيه ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البئر يكون إلى جنبها
الكنيف ، فقال لي: «إنّ مجرى
العيون كلّها من مهبّ
الشمال ، فإذا كانت البئر
النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّها إذا كان بينهما أذرع، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر
ذراعاً ، وإن كانت
تجاهاً بحذاء القبلة وهما
مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع».
وتفصيل
الكلام في صور
المسألة التي أشار إليها في
الجواهر وفي كيفية الجمع بين
الإطلاقين في الأخبار متروك إلى محلّه.
البالوعة إذا كانت معدّة لقضاء
الحاجة يعبّر عنها بالكنيف ويفتي الفقهاء
بكراهة إرسال الماء الذي يغسّل به
الميّت فيها، وإن لم تكن معدّة لذلك بل
لإراقة الماء ونحوه فلا بأس.
وقد ادّعي الإجماع على كراهة صبّ الماء في الكنيف دون البالوعة.
ويدلّ على ذلك رواية
محمّد بن يحيى، قال: كتب
محمّد بن الحسن إلى
أبي محمّد عليه السلام : هل يجوز أن يغسّل الميّت وماؤه الذي يصبّ عليه يدخل في بئر كنيف... ؟ فوقّع عليه السلام: «يكون ذلك في بلاليع».
نعم، الأولى و
المستحبّ أن يحفر لماء غسل الميّت
حفيرة .
هذا، وظاهر بعض الفقهاء
وصريح آخرين
كراهة إرساله إلى البالوعة مع
التمكّن من الحفيرة.
وإنّما كانت الحفيرة أولى من البالوعة؛
لرواية
سليمان بن خالد، قال:
سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «... وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع
المغتسل تجاه القبلة، فيكون
مستقبل باطن
قدميه ووجهه إلى القبلة».
دفن الميت في بالوعة هتك
لحرمته ، وقد كرّمت
الشريعة المقدّسة
الإنسان حيّاً وميّتاً.
وهذا وإن لم يتعرّض له الفقهاء بصورة
مباشرة إلّاأنّه يستفاد من عدّهم له من مواضع
مستثنيات حرمة نبش
القبر كغيره من الأمكنة الموجبة
لهتك حرمته؛
معلّلين ذلك بأنّ النبش إنّما يحرم لئلّا تهتك حرمة الميّت، ولا هتك في
نبشه لأجل
دفنه في مكان يناسبه، بل هو
تجليل و
تعظيم له، فيجوز نبشه لذلك.
تكره
الصلاة في مكان قبلته
حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها؛
لمنافاة ذلك لتعظيم الصلاة،
وللروايات، منها: مرسلة
البزنطي ، عمّن سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
المسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها، فقال: «إن كان نزّه من البالوعة فلا تصلّ فيه، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس».
والسؤال في
الرواية وإن كان عن البالوعة التي يبال فيها إلّاأنّ بعض الفقهاء صرّحوا بأنّ
الغائط أفحش فالكراهية فيه بطريق أولى، نافين
الريب عن ذلك.
يجب على المالك
الموجر دفع ما تتوقّف
المنفعة عليه، ومن ذلك
تنقية البالوعة ونحوها إن احتيج إليها في
ابتداء المدّة.
أمّا لو احتيج إليها
لامتلائها بفعل
المستأجر فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ تنقيتها على المستأجر دون المالك؛ لأنّ ذلك حصل بسبب من جهته.
بينما استقرب بعض آخر أنّ تنقيتها على المالك أيضاً.
هذا، وقد صرّح
المحقّق النجفي بأنّه: «لا يجب على المستأجر
إصلاح ما فسد من العين
باستيفاء المنفعة الذي هو حقّه، وحينئذٍ فليس عليه التنقية للحشّ
والبالوعة- مثلًا- عند
انتهاء المدّة».
صرّح بعض الفقهاء بأنّ لأصحاب الأملاك
التصرّف في أملاكهم كيف شاؤوا، فلو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، ولا
ضمان ؛ لأنّه تصرّف في ملكه بلا خلاف،
ولكنه قد يكون فعل مكروهاً.
لم يتعرّض الفقهاء لهذه المسألة، لكن بما أنّ
للمطعوم -
كالخبز و
الفاكهة - حرمة، كما صرّحوا بذلك في باب
الاستنجاء حيث حرّموا الاستنجاء بهما؛ لأنّ لها حرمة تمنع من
الاستهانة بها،
فيستفاد من ذلك حرمة صبّها في الكنيف؛ لأنّه إهانة و
استخفاف .
وأمّا البالوعة غير الكنيف فيمكن أن يقال: إنّ
المدار حينئذٍ على صدق
الإهانة والاستخفاف، بل يمكن أن يقال
بمرجوحيته وكراهته؛ إذ ينبغي
احترام المطعوم، بل هو مظهر من مظاهر شكر
النعمة . من هنا يظهر من بعض الفقهاء- في
جواب سؤال عن حكم صبّ
المأكولات في البالوعة-
الكراهة .
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۶۴-۶۹.