أهل الكتاب (الاستدلال على طهارتهم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر أهل الكتاب (توضيح).
وأمّا القائلون بالطهارة فقد استدلّوا-
مضافاً إلى
الأصل - بالكتاب والسنّة:
أمّا
الكتاب فقوله تعالى «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ»،
بتقريب أنّه لو كانوا نجسين لاقتضى ذلك في العادة نجاسة طعامهم، ولمّا لم تشر
الآية إلى ذلك دلّت على طهارتهم. ويناقش بأنّ
الطعام هنا قد يراد به خصوص
القمح والبُر وهو ممّا لا ينجس- بالضرورة-
بالملاقاة ؛ لكونه جافاً في العادة، والآية بصدد بيان أصل حلّية طعامهم في نفسه لا حلّيته مع
ملاحظة سائر العوارض الطارئة عليه.
وأمّا
السنّة فبعدّة روايات:
منها: ما رواه
زكريّا بن إبراهيم ، قال: دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام، فقلت: إنّي رجل من أهل الكتاب، وإنّي أسلمت وبقي
أهلي كلّهم على النصرانيّة، وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال لي: «يأكلون
الخنزير ؟» فقلت: لا، ولكنّهم يشربون
الخمر ، فقال لي: «كلْ معهم، واشرب».
واستدلّ بعضهم بهذه الرواية على طهارتهم بالذات، وأنّ
المانع عن مؤاكلتهم ليس إلّا
ابتلاؤهم بالنجاسة العرضيّة الناشئة من
أكل لحم الخنزير وغيره، فإذا لم يأكلوه فلا مانع عن مؤاكلتهم. وأمّا
استثناء الخمر في الرواية فلأنّه لا ينجِّس في الغالب غير الشفتين، وهما تغسلان كلّ يوم، فلا يكون ابتلاؤهم بشرب الخمر مانعاً عن مؤاكلتهم. ويمكن أن تكون الرواية من الأخبار الدالّة على طهارة الخمر، فلابدّ من طرحها أو
تأويلها من هذه الجهة بما دلّ على نجاسته،
بناءً على القول بها.
إلّاأنّ هناك من استشكل في أصل الرواية؛ لضعفها سنداً
بالقاسم بن محمّد، ودلالةً
باحتمال أن يكون تجويز الأكل معهم لأجل الاضطرار، كما يعرف ذلك من الظروف التي مرّ بها زكريا ابن إبراهيم؛ لأنّه كان يعيش مع النصارى،
ومعه فلا يحصل
اطمئنان بالإطلاق في الرواية. على أنّ متن الرواية لا يخلو من شيء؛ لعدم تعرّضها للحم الميتة الذي ابتلي الكفّار به أكثر من ابتلائهم بلحم الخنزير».
ومنها: صحيحة
إسماعيل بن جابر ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب، فقال: «لا تأكله»، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله»، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله، ولا تتركه، تقول: إنّه حرام، ولكن تتركه، تتنزّه عنه، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير».
ودلالتها على طهارة أهل الكتاب و
كراهة مؤاكلتهم ظاهرة،
خصوصاً مع
تعليل التنزّه بكون
أوانيهم في معرض الخمر ولحم الخنزير، وعدم تعليله بكونها عرضة لرطوبة أجسامهم.
ومنها: ما رواه
عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من
كوز أو
إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهودي؟ فقال: «نعم»، فقلت: من ذلك الماء الذي شرب منه؟ قال: «نعم».
ودلالتها على المدّعى واضحة؛ إذ لولا طهارتهم لتنجّس ماء الكوز والإناء بشربهم، ولم يصحّ منه الوضوء.
وهناك روايات اخرى دالّة على ارتكاز طهارة أهل الكتاب في أذهان المتشرّعة:
منها: صحيحة
إبراهيم بن أبي محمود ، قال: قلت
للرضا عليه السلام :
الخيّاط أو
القصّار يكون يهوديّاً أو نصرانيّاً، وأنت تعلم أنّه يبول ولا يتوضّأ، ما تقول في عمله، قال: «لا بأس».
ودلالتها على الطهارة جيّدة؛ لأنّ القصّار لا يمكنه
ممارسة مهنة صبغ الثياب من دون
مباشرة الثوب برطوبة الماء لصبغه.
ومنها: صحيحته الثانية، قال: قلت للرضا عليه السلام:
الجارية النصرانيّة تخدمك وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ ولا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس، تغسل يديها».
فإنّ اشتمال صحيحته الاولى على جملة: «وأنت تعلم أنّه يبول ولا يتوضّأ»، واشتمال صحيحته الثانية على جملة: «وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ ولا تغتسل» دالّة على ارتكاز طهارة أهل الكتاب عند المتشرّعة، وإلّا لكان الأولى السؤال عن نجاستهم الذاتيّة التي تسري عادة بعرق أجسامهم والرطوبات الاخرى إلى
اللباس دون هذه النجاسات العارضة.
ومنها: صحيحة
عبد اللَّه بن سنان ، قال: سأل أبي أبا عبد اللَّه عليه السلام- وأنا
حاضر - إنّي اعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو
طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه».
ومنها:
مكاتبة محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري ، أنّه كتب إلى
صاحب الزمان عليه السلام : عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟ فكتب إليه في الجواب: «لا بأس بالصلاة فيها».
ومنها: رواية
أبي جميلة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، أنّه سأله عن ثوب المجوسي، ألبسه واصلّي فيه، قال: «نعم»، قال: قلت: يشربون الخمر؟ قال: «نعم، نحن نشتري الثياب
السابرية ، فنلبسها ولا نغسلها».
وعلى أيّ حال، فالروايات الدالّة على طهارة أهل الكتاب وإن كانت معارضة لما دلّ من الروايات المتقدّمة إلّاأنّه يمكن الجمع بينها بحمل الروايات السابقة على الكراهة؛ لأنّ العمدة فيها موثّقة سعيد الأعرج أو حسنته المشتملة على لفظ (لا)، وصحيحة عليّ بن جعفر المتضمّنة لقوله عليه السلام: «فيغسله ثمّ يغتسل» الظاهرتان في النجاسة، وهما مع ذلك قابلتان للحمل على الكراهة، بخلاف الأخبار الأخيرة التي منها: صحيحة
جابر المتقدّمة؛ فإنّها صريحة في أنّ النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهي وليس تحريميّاً، فلابدّ من حمل الروايات المتقدّمة على الكراهة، وحمل الروايات الأخيرة على الطهارة بمقتضى الجمع العرفي، بحمل الظاهر على النصّ.( إلّاأنّه حمل ما دلّ على الطهارة على التقيّة.)
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۱۹-۱۲۲.