خيار العيب في الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد يثبت خيار العيب
للموجر أو المستأجر في جملة من الموارد، هي كالتالي.
إذا ظهر
العيب في العين المستأجرة بحيث لا يمكن معه استيفاء شيء من المنافع فانّه لا إشكال في
بطلان الإجارة به إذا تعذّر إصلاحه، أمّا مع إمكانه فلا تبطل الإجارة إلّا بمقدار ما فات من المنافع.
ولو أوجب العيب تفويت بعض المنافع من حيث الكمّية- كدار انهدمت بعض جدرانها- فقد حكم العلّامة بثبوت الخيار بين
الفسخ والرضا بالمعيب بجميع الاجرة،
بينما ذكر
المحقق الثاني والنجفي وغيرهما أنّ المتجه في ذلك هو التقسيط إن اختار المستأجر إبقاء العقد؛ لكونه حينئذٍ من قبيل تبعّض الصفقة لا من العيب المصطلح.
أمّا لو أوجب العيب تفويت كمال المنفعة كالدابة العرجاء أو الجموح ونحوهما مما يكون فيه أصل الانتفاع موجوداً إلّا أنّه ليس كما يريده المستأجر؛ لاختلاف الرغبات في ذلك الموجب لاختلاف الاجرة، فالظاهر أنّه لا خلاف بين الفقهاء في ثبوت خيار العيب هنا
بعد فرض كون العيب المذكور في العين موجباً لنقص المنفعة، فيجوز حينئذٍ للمستأجر الفسخ دفعاً للضرر
والتدليس عليه.
هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى الشرط الضمني الارتكازي صحة العوضين، فلا تلزم الإجارة بدونها.
ولا يسقط هذا
الخيار باستيفاء بعض المنفعة في حال الجهل بالعيب، خصوصاً على ما هو المشهور من عدم
الأرش ، فإنّه بناءً عليه يكون إلزام المستأجر بالصبر على المعيب ضرري، على أنّ حصول المنفعة تدريجي، فما بقي منها لا يتصرف فيه بشيء، فيكون الفسخ في الحقيقة لما بقي من المنافع، ولذا لم يجز له الفسخ لو فرض استيفاء الجميع.
أمّا إذا كان العيب ممّا لم يفت به شيء من كمال المنفعة بل كان ممّا تتفاوت فيه الرغبات شدة وضعفاً كالدابة البتراء أو الجدعاء فقد صرّح المحقق الثاني وغيره
بثبوت الخيار ولو لم يكن العيب منقصاً للمنفعة، نظراً إلى أنّ مورد الإجارة هو العين التي وقعت متعلّقاً للمنفعة، وبينهما ارتباط تام، والإطلاق إنّما ينزّل على العين الصحيحة دون المعيبة، على أنّ الصبر على العيب ضرر لا بد من التخلّص منه بالفسخ.
وإن ناقش
المحقق النجفي في ذلك بأنّه لا ضرر في الصبر على العيب ما لم يكن نقصاً في المنفعة، كما لا وجه لحمل الإطلاق على كون العين صحيحة بعد كون مورد الإجارة هو المنفعة لا العين، ومورد الاشتراط الضمني في الالتزام بالسلامة، وعدم النقص إنّما هو المنفعة، والسلامة إنّما تعتبر في العين لأجل منفعتها، فلا يضر مجرد العيب في العين ما لم يكن نقصاً مؤثراً في كمال المنفعة.
وفصّل
السيد اليزدي وبعض من تبعه عليه
بين ما إذا كان العيب ممّا تختلف فيه رغبات العقلاء وتتفاوت به الاجرة، وبين غير ذلك، فإنّ الخيار يثبت في الأوّل لاقتضاء العقد إطلاقاً أو انصرافاً؛ لصحة مصبّه ومورده،
أو لتخلّف الشرط الضمني الارتكازي.
أمّا لو لم تختلف الرغبات فيه فلا خيار هنا.
لا إشكال في ثبوت الخيار إذا حصل العيب بعد العقد في العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجر؛ إذ الخيار في المقام إن كان قائماً على أساس الشرط الضمني في سلامة العين فلا إشكال في أنّ الميزان فيه السلامة إلى حين القبض والاستيلاء الذي هو الغرض النوعي في المعاوضات.
وإن كان قائماً على أساس التعدي من روايات باب
البيع وإلغاء الخصوصية فذلك يقتضي كون العيب قبل القبض على البائع أو المؤجر.
ذهب بعض الفقهاء
إلى ثبوت الخيار في الإجارة لو حصل العيب بعد
القبض على الرغم من عدم ثبوته في العيب الحادث بعد القبض في البيع، نظراً إلى أنّه في الحقيقة عيب سابق على القبض؛ إذ المنافع تدريجية لا تحتمل القبض إلّا شيئاً فشيئاً، ومجرد قبض العين ليس قبضاً لجميع منافعها. وعليه فلو حدث العيب بعد القبض وفي مدّة الإجارة فقد تخلّف الشرط الضمني الارتكازي الدالّ على صلاحية العين للانتفاع بها منفعة صحيحة إلى نهاية المدّة، فيثبت الخيار.
إلّا أنّ
المحقق النائيني وبعض الفقهاء
استشكل فيه، بدعوى أنّ الشرط الضمني ليس بأكثر من شرط السلامة إلى وقت القبض، فلا وجه لتحمّل صاحب العين
الخسارة بعد القبض، كما لا وجه لتحمّل المستأجر ذلك أيضاً.
نعم، لو كان العيب والنقصان ناشئاً من قصور العين في نفسها من أوّل الأمر فإنّ مثل ذلك يعتبر عيباً قد ينافي قابلية العين للانتفاع من أوّل الأمر.
كما أنّ الإيجار إذا كان على عمل فحدث في العبد الخياط مثلًا عيب يؤدّي إلى نقصان عمله فإنّ مثل ذلك يثبت الخيار أيضاً.
إذا اكترى المستأجر عيناً في الذمة وكان الفرد المقبوض معيباً لم يكن له فسخ العقد، بل له المطالبة بالبدل؛
لعدم صيرورة الفرد
بالتسليم متعلّقاً للعقد الواقع على الكلّي كي يجري فيه خيار العيب؛ فإنّ ما وقع متعلّقاً للعقد- وهو الكلّي- قابل للتسليم صحيحاً ولو
بتبديل ذلك الفرد بفرد آخر. نعم، لو تعذّر البدل لعجز المؤجر عن تحصيله أو امتنع عنه كذلك ولم يمكن إجباره ثبت الخيار لتعذّر التسليم، وذاك أمر آخر.
لا يثبت الأرش عند المشهور
لو تعيّبت العين المستأجرة بخلاف البيع،
وهذا هو الفارق بين خيار العيب هنا وبينه في البيع، وقد حكي اتفاق الفقهاء
على عدم ثبوت الأرش هنا إلى زمان الشهيد، وإن تردّد فيه في
اللمعة ،
وحكم المحقق والشهيد الثانيين
بثبوت الأرش هنا.
وكأنّ الوجه فيما ذكره الفقهاء من عدم الأرش لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون العقد قد جرى على هذا المجموع فله أن يفسخ؛ لدفع الضرر المعتاد جبره بالخيار، أو يرضى بالجميع. وأمّا ثبوت الأرش في البيع فهو أمر تعبدي ثابت بالنص، وإلّا فهو مخالف للقاعدة؛ إذ وصف الصحة لا يقابل بجزءٍ من الثمن والاجرة. وممّا يشهد على ذلك هو أنّ ثبوت الأرش منوط
بمطالبة المشتري في البيع.
أو يكون الوجه فيه هو أنّ الأرش إنّما يثبت في ما إذا كان هناك عيب في متعلّق العقد؛ بأن يوجد نقص أو زيادة عن الخلقة الأصلية، وهذا من مختصات الأعيان دون المنافع، فانّها لا خلقة أصلية لها كي يتصوّر النقص أو الزيادة فيها. وأمّا الأعيان المستأجرة فليست متعلّقة للعقد أساساً.
نعم، لو كان العيب مثل خراب بعض غرف الدار فالظاهر تقسيط الاجرة، إلّا أنّه ليس من خيار العيب في شيء، بل هو من باب
تبعّض الصفقة .
وأمّا المستند لثبوت الأرش مع التعيّب عند القائل به فهو أنّ الوصف الفائت مقصود لدى المستأجر ولم يحصل، وهو يستلزم نقص المنفعة التي هي أحد العوضين فيجبر بالأرش؛
إذ الشرط الضمني بالسلامة والتمامية يستلزم ارتكازاً آخر، وهو ضمان المالية الفائتة بسبب العيب، وهو ممّا قد لا يحصل بالخيار، كما لو فرض وجود محذور مانع عن الفسخ وردّ العين، أو فرض تلف العين بحيث يكون الفسخ مستلزماً
لإرجاع قيمة التالف يوم الفسخ التي ربما تكون أضعاف قيمته زمان العقد، فإنّ العقلاء يرون الحق لمن انتقل إليه المعيب في أخذ ما يجبر نقص ماليته.
ولا ينافي ذلك كون الأرش منوطاً بالمطالبة؛ لإمكان كون الثابت هو الجامع بين الأرش والخيار. كما أنّ ثبوت الأرش لا يعني لزوم كونه من عين العوض ثمناً أو اجرة؛ لعدم الخصوصية في ذلك بعد كون الغرض العقلائي منه إنّما هو جبر النقصان.
المشهور
بين الفقهاء
أنّ المؤجر إذا وقف على عيب في الاجرة المعيّنة سابق على القبض- وإن كان متأخّراً عن العقد- كان له الفسخ أو الأرش، بل ادعي عليه عدم الخلاف والإشكال،
وإن كان المشهور- كما تقدم آنفاً- عدم ثبوت الأرش في تعيّب العين المستأجرة.
ولعلّ وجه الفرق هو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ موضوع الأرش عندهم كلّ عين معيبة كانت مورداً للعقد، منقولة بالعوض، فيثبت الأرش في مطلق الأعيان ولو كان ضمن غير البيع،
وحينئذٍ يكون المؤجر بالخيار بين الفسخ والأرش مع وجدان العيب في الاجرة.نعم، بناءً على ذلك يختص الحكم المزبور بما إذا لم تكن الاجرة منفعة، وإلّا جرى فيه ما مضى من حكم العيب في العين المستأجرة، أي عدم الأرش فيه على المشهور.
هذا، ولكن استشكل عدد من الفقهاء
في ثبوت الأرش هنا، نظراً إلى أنّ الأرش حكم مخالف للقاعدة قد ثبت بدليل خاص، فيقتصر على مورده وهو البيع.
أمّا إذا كانت الاجرة كلّية وظهر فيها بعد القبض عيب سابق على يوم القبض فقد ذهب المحقق والعلّامة في بعض كتبه إلى أنّ المؤجر مخيّر بين الفسخ أو المطالبة بالعوض،
نظراً إلى تعيّن المطلق هنا بتعيين المالك وقبض المستحق- كما في
الأخماس والزكوات - فيكون له الفسخ أو الإبدال بالصحيح؛ لأنّ ذلك مقتضى العقد.
ونوقش فيه: بأنّ الأصل
والاستصحاب يقضيان ببقائه مطلقاً، وعدم تعيينه بتعيين المالك مع كونه معيباً.
ومن هنا نجد أنّ أكثر الفقهاء قد ذهب إلى تعيّن المطالبة بالعوض عليه ابتداءً، وأنّه ليس له الفسخ، نظراً إلى حمل الإطلاق على الصحيح، وهو أمر كلّي لا ينحصر فيما دفع إليه، فلا يجوز
الفسخ ابتداءً.
نعم، لو تعذّر العوض توجه الفسخ، وله الرضا بالعيب.
وهل يجوز له حينئذٍ المطالبة بالأرش؟
قال بعضهم: نعم له المطالبة به عوضاً عن الفائت بالعيب؛ لتعيّن المدفوع إليه؛ لأن يكون عوضاً بتعذّر غيره.
لكنه نوقش في جواز المطالبة بالأرش في المقام بما تقدم من اختصاص الحكم المذكور بالبيع، وأنّه لا يجري في الإجارة، فمن الجائز انحصار الحكم هنا في الفسخ خاصة.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۷۴-۳۷۹.